العدد الحاليالعدد رقم 44ترجمات

الحوار البعدي الأخير مع جورج استاينر

حاوره وقدم له: نوشيو أورديني Nuccio Ordine

ترجمة: محمد العربي هروشي

«إن سر شيخوخة جميلة ليست سوى اتفاق صادق مع العزلة» لم أستطع تجاوز التأمل في هذه الفكرة الجميلة لغبراييل غارسيا ماركيز، حين ولجت إلى غياب جورج استاينر، توفي يوم الإثنين حوالي الثامنة زوالاً إثر تعقيدات ناجمة عن حمى حادة، بمنزله براورود، كمبردج. آخر مرة تحدثنا فيها كانت يوم السبت عبرالهاتف، وأسر إليّ بصوت به حشرجة «لم أعد أتحمل عياء الوهن والمرض».

هكذا عاش استاينر، أحد نقاد الأدب الأكثر حدة وأهمية في القرن العشرين، آخر عشريات آخر سنوات حياته، بعيدًا عن الأضواء وعن وسائل التواصل وعن المؤتمرات والمحاضرات وعن أي لقاء جماهيري.

كان لي الشرف أن أكون معه، أيضًا، في هذه المرحلة الأخيرة من العزلة الطوعية بعد أكثر من عشرين عامًا من اللقاءات بباريس وإيطاليا ومدن أوروبية أخرى، أضحت المهاتفات الشهرية والزيارة السنوية إلى كمبردج طقسًا خاصًا بي، بيد أن آخر موعد، والذي كان مضروبًا في 14 يونيو 2018 لم يله آخر: في اليوم ما قبل ذلك ألغاه لأنه لم يكن على ما يرام، ولم يود أن يرى منهكًا ومكتئبًا. وكان قد ذهب إلى أحد تلك الاجتماعات (في 21 فبراير 2014 كان هذا منذ 6 سنوات) حيث منحني حوارًا بعديًا (أي لا يمكن نشره إلا بعد وفاته. والعبارة postum  تقال في سياق المولود الذي يزداد بعد وفاة والده/المترجم): تجميع بعض أفكاره مع عدم نشرها إلا بعد اليوم التالي من غيابه، صيغة خفية لكسر الصمت وتوديع أصدقائه، طلبته وقرائه الكثر.

عدت إلى نص هذا الحوار السنة الفارطة مغيرًا بعض الكلمات، هنا وهناك، مما تطلب مني العودة إلى كتابة بعض الجمل. من يدري كم من مظاهر مجهولة من حياته وفكره ستخرج إلى النور عام 2050 حينما سيمكن دراسات المئات من الرسائل البيوغرافية توجد الآن رابضة في معهد شورشل بكمبردج.

والآن وحيث أنه غير موجود، إذ نعاه إليّ ابنه دايفيد، إضافة إلى الألم العميق الذي خلفه فقدان صديق عزيز وأستاذ حقيقي بالكاد 4 أشهر مرت على غياب هالورد بلوم أعلن بكل وضوح نسائم هذا الصمت المفروض والفراغ المستعصي الذي تركه بين المنافحين عن النصوص الكلاسيكية والنقد. أفكر في كتبه، في معرفته الموسوعية مدفوعة بحب استطلاع عجيب.

وأفكر، فضلا عن كل ذلك، في ولهه بالتعليم وقدرته على تقاسم عشقه للآداب والمعرفة مع الطلبة والجماهير.

لم يشر جورج استاينر فقط إلى الكلمة المكتوبة، كان أيضًا راويًا شفاهيًا كبيرًا: أناقة فصاحته كانت قادرة على أن تلهب طلابه وزملائه.

س/ ما هو السر الأكثر أهمية الذي تود إثارته في هذا الحوار البعدي؟

ج/ أستطيع القول إنه ومنذ 36 عامًا، فإن محاورة (وجب أن يبقى اسمها سرًا) لديها مئات الرسائل التي تعبر عن “مذكراتي” حيث حكيت فيها عن جزء كبير من حياتي وعن الأحداث التي بصمت حياتي اليومية.

في هذه المراسلات تحدثت عن اللقاءات التي كانت لدي وعن الأسفار والكتب التي قرأت وكتبت، تقاسمتها مع المرسل إليها، حيث من الممكن العثور، علاوة على ذلك، على عواطفي الأكثر حميمية، وأفكاري الجمالية والسياسية، والتي ستحفظ ضمن أرشيف معهد شورشل جميعًا هي ورسائل أخرى ووثائق تقوم شاهدة على مراحل من حياة ربما طويلة نوعًا ما.

هذه الرسائل، يوميات، على نحو خاص، يمكن غلقها وفحصها بعد سنة 2050 يعني بعد وفاة زوجتي و(ربما) أبنائي، باختصار ستنشر فقط عندما لا يكون هنالك كثير من الأشخاص المقربين موجودين.

س/ لماذا حوار بعدي؟

ج / أعجبتني الفكرة دائمًا. شيء ما سيكون معلنًا حينما بالضبط لن يكون في وسعي قراءة الجرائد إنها رسالة موجهة لمن تبقى، وصيغة ما للتوديع تاركًا لهم أن يسمعوا كلماتي الأخيرة. هي مناسبة للتفكير والتقييم فقد بلغت من العمر بحيث أضحى كل يوم عاد أكثر أو أقل وجب اعتباره قيمة مضافة، هدية تمنحها لك الحياة، في هذه المرحلة فإن ذكريات الماضي تتحول إلى مستقبل مضارع حقيقي، هو سفر باتجاه الماضي متكئ على الذكرى مما يسمح لنا بتغذية بعض الآمال.

لا نتوفر على العبارات الدقيقة لتوصيف الذكرى التي تسجن ذاتها في الغد، أجدني في وقت من حياتي حيث الماضي الأماكن التي مررت بها، والصداقات التي كانت لدي، استحالة الأشخاص الذين أحببتهم، ومازلت أحبهم، بل وحتى علاقتي بك، تشكل أفق مستقبلي أكثر مما يمكن أن يشكله المستقبل الحقيقي.

س/ هل ندمتم على شيء مخصوص؟

ج / أجل، على أكثر من شيء. ألفت كتيبا، Errata «خطأ مطبعي» حيث تحدثت فيه عن الأخطاء التي ارتكبتها. لم أستطع التمكن من بعض الظواهر الأساسية للحداثة، تربيتي الكلاسيكية، ومزاجي ومساري الأكاديمي لم يسمحا لي فهم، بشكل شامل، أهمية بعض الحركات الحداثية. لم أكن أفهم، مثلاً، بأن السينما بوصفها شكلاً للتعبير يمكن من الكشف عن مواهب إبداعية، وصور جديدة أفضل من الأشكال الأخرى القديمة، كالآداب أو المسرح.

لم أفهم الحركة ضد العقل، واللاعقلانية العظيمة للتفكيكية وبعض مظاهر ما بعد البنيوية. كان عليّ أن أضع في الاعتبار بأن الحركة النسائية، والتي دعمتها في كمبردج بقناعة كبيرة اعترافًا بأهمية ودور المرأة، بعد ذلك، في الصراع لشغل موقع مهيمن في ثقافتنا: وظيفة سياسية وإنسانية عظيمة.

س/ ما هي الأخطاء التي ارتكبتموها على الصعيد الشخصي؟

ج/ أساسًا كان يجب أن تكون لدي القدرة على النجاح في الأدب «الإبداع» كتبت في مرحلة الشباب قصصًا كما كتبت أيضًا أبياتًا، بيد أني لم أشأ أن أتجشم مغامرة غامضة لتجربة شيء جديد في هذا النطاق الذي أعشقه.

ناقد، وقارئ، باحث وأستاذ، هذه وظائف أحبها بعمق والتي تستحق الإنجاز على أحسن وجه. غير أنها مختلفة تمامًا عن المغامرة العظيمة «للإبداع» عن الشعر وعن إنتاج أشكال جديدة، ومن المرجح تفضيل الفشل في محاولة الإبداع على أن تحرز على نجاح بدور «الطفيليات» كما يحلو لي أن أنعت الناقد الذي يعتاش على ظهر الأدب. فعلاً إن النقاد (أبرزت ذلك خلال عدة مرات) لديهم أيضًا وظيفة مهمة، لقد حاولت إصدار، أحيانًا وبتفوق، بعض الأعمال ودافعت عن كتاب كنت أظن بأنهم يستحقون دعمي. ولكن ليس هذا الأمر نفسه، فالفرق بين من ينتجون أدبًا ومن يعلقون عليه شاسع، فرق أنطولوجي (كي أستعمل عبارة متعجرفة)، فرق في الكينونة. لم يكن ليغفر لي زملائي الجامعيون هذه الأطروحة، كثير من الناس وبعض النقد الأكاديمي تحديدًا لن يقبلوا بأن أسخر من غطرسة وجودهم، أحيانًا هي أكثر أهمية من المؤلفين الذين يتحدثون عنهم.

س/ لمن تودون بعث رسالة؟

ج/ أفكر في بعض الطلبة، أكثر ألمعية مني، والذين ينجزون أعمالاً هامة، هذا النجاح لهو أكبر مكافأة لي. أفكر، بكل تقدير، في زملائي الذين رافقوني في المسار الأكاديمي، أفكر على الخصوص، في أشخاص أكثر حميمية، مثلك والذين فهموا ما حاولت القيام به وبفضلهم استطعت أن أحيا حياة مكثفة، مغامرة فكرية وعاطفية. ولكن في هذه الأثناء، قبل كل شيء، أحاول فهم المسافة التي تفصلني عن اللاعقلانية الحديثة، وأجرأ على القول إنها بسبب من فرط بربرية الوسائط والإسفاف المهيمن الذي كل مرة هو في تزايد. أعتقد أننا إزاء مرحلة، كل مرة، هي أكثر صعوبة…

س/ ما الذي جعلكم تعانون أكثر؟

ج/ يؤلمني أن أكون واعيًا بنشر أبحاث، كان يعجبني لو كتبتها بصيغة أجود. طبعًا هناك صفحات من أعمالي نافحت عنها وبقناعة، وبمرارة أيضًا، بيد أني أعلم، على الأرجح، بأنه لم يكن ذاك ما كان سيعجبني كتابته، وبالكاد أفكر في لا عدالة الموهبة العظيمة: لا أحد يعلم كيف تنبثق هذه المواهب السامية ولا كيف توزع. أفكر في طفل ذي خمس سنوات ونصف يرسم قناة ماء رومانية قرب برن (سويسرا/م) ثم فجأة يصورها عمادا بأحذية، من ثمة إذن وبفضل بول كلي أن صار، على هذا النحو تسمية القنوات تسير عبر العالم كله.

لا أحد بوسعه تفسير نقاط التشابك العصبية التي يمكن أن تفكك، عند طفل، هذا الإعجاب بالمسخ.

هذا الحدس اللامع الذي حول الواقع، فكرت أنه من غير الإنصاف أن نفقد المحاولة ومعاودتها، أن نبذل مجهودًا جديدًا فقط من أجل أن نستطيع أن نجد موطأ قدم بين البالغين، لكن دون البلوغ إلى مستواهم، لأنهم مختلفون عنا.

س/ وما الذي جعلكم أكثر سعادة؟

السعادة، أن تكون قد لقنت وعشت في العديد من اللغات، السعادة التي انبريت لجنيها كل يوم إلى النهاية، آخذًا من مكتبتي قصيدة لترجمتها على النحو الجيد، لدي انطباع أنني تخليت عن الولوج في شعاع شمس حياتي اليومية.

س/ ما هي الرغبات التي لم تستطيعوا تحقيقها؟

عديدة. أسفار لم أجرؤ على القيام بها كتب كنت أود كتابتها ولم أفعل، وعلى الخصوص اللقاءات العابرة التي تفاديتها لقلة الجرأة أو الإمكانيات أو الطاقة. كان بوسعي، مثلاً، التعرف على مارتن هيدغر ولكن لم أجرؤ، وأظن أنني كنت على صواب، احترمت دائمًا مبدأ: ليست هناك ضرورة التطفل على البالغين. فلديهم شيء آخر يقومون به وفضلاً عن ذلك، لم أستحمل أبدًا، من كانوا يعتبرون أنفسهم مهمين لمجرد أنهم يخصصون مواعد مع أسماء كبيرة. فللشخصيات الكبيرة الحق في انتقاء مع من من المحاورين يودون «تضييع» أوقاتهم، ثم يحدث في يوم مًا، بمجرد فتح كتاب المذكرات تقرأ عبارات من قبيل «أزعجني السيد س الذي ألح على أن يجتمع بي، ولكن لم يكن لدي شيء مهم أصرح له به» كنت، دائمًا، أخشى الوقوع في الخطأ الفادح. أفكر في جون بول سارتر، مثلاً، المتخصص في الكشف عن ظروف مرتبطة بمشاهير من «العيار الثقيل» وكان يصعب عليّ التخلي في الأيام الأخيرة عن مرافقة كلب، بعد موتM2. انتبهت، وأنا في هذا العمر، أن من الخطورة بمكان أن أمتلك كلبًا آخر. أحب هذه الحيوانات، لكن عند عتبة التسعين عامًا يبدو لي فظيعًا أن أمنحه منزلاً لكي أتركه وحيدًا.

س/ ما هو النصر الأكثر جمالاً؟

ج/ الإلحاح على أن فكرة أوروبا مازالت ضرورة ذات أهمية بالغة. وأنه وبالرغم من التهديدات والأسوار التي تشيد، لا ينبغي علينا التخلي عن الحلم الأوروبي. أنا ضد الصهيونية (وهو الموقف الذي كلفني كثيرًا إلى درجة لا أستطيع تخيل إمكانية العيش في إسرائيل) وأكره النزعة الوطنية المناضلة، غير أني الآن وقد بلغت حياتي إلى نهايتها، ثمة أوقات أفكر خلالها ـ ربما أنني أخطأت؟ ألم يكن من الأجدر محاربة الشوفينية والنزعة العسكرياتية وأنا أعيش في إسرائيل؟، هل كان من حقي النقد وأنا مستريح على أريكة بمنزلي الجميل بكمبردج؟

ألم يكن من العجرفة، وأنا من الخارج، أحاول شرح لأشخاص معرضين لخطر الموت كيف يتعين عليهم التصرف؟

س/ هل تذكرون أنكم بكيتم في حياتكم؟

ج/ طبعًا، في الأيام الأخيرة، قلما تجدني أتذكر ظروفًا خاصة. أفكر، مثلاً، في التجارب الإنسانية العظمى التي تلخص، دون أن أكون قد تنبأت بالنهاية. وفي الفقدان المفاجئ لبعض الأشخاص الذين لن يتأتى لك أن تراهم مرة أخرى أبدًا. أو في أماكن لم يكن قد زرتها من قبل، والآن لا يمكن لك زيارتها، وأفكر أيضًا في كثير من الأشياء، بسيطة، ربما تافهة: سمك أو أطعمة مما لن تستطيع تذوقها. وأحيانًا تعثر في زاوية من شارع أو حديقة على ظل شخص تحبه وتحتاج إليه كثيرًا، بيد أنك تعلم أنه لا يمكن لك أبدًا الوصول إليه.

س/ ما هي الأهمية التي شكلتها الصداقة في حياتكم؟

ج/ أهمية قصوى، ولا أحد يعلمها إلا أنت، لقد عشت الأيام الأخيرة من العشرية بشكل سيء، فدونك أنت ودون اثنين أو ثلاثة أصدقاء ممن تبادلت معهم مراسلات كثيرة، محاورون متميزون تقاسمت معهم حميمية عميقة وحية، ربما لأن الصداقة أكثر قيمة من الحب. أحتفظ بهذه الأطروحة لأن الصداقة لا تقوم على أنانية الرغبة الجسدية.

إن الصداقة الأصيلة تقوم على مبادئ حيث منطاني في زهو يحاول شرح علامة إتيان بويتي عمل على تكثيفها في عبارة جميلة: لأنه كان هو، ولأنه كنت أنا.

س/ والحب؟

ج/ كانت له الأهمية العظمى، ربما مبالغ فيها، في المقام الأول السعادة التي منحها لي زواجي والتي أعجز عن تفسيرها بالكلمات بشكل معقلن. ثم بعد ذلك لقاء أو اثنان كان مصيريين في حياتي. أعتقد، بكل قوة، بأن للنساء حساسية عليا أكثر من الرجال، كان لدي الحظ الأوفر في إقامة علاقات عشقية بلغات مختلفة (كتبت الكثير حول هذا الموضوع) إن الدونجوانية المتعددة كانت مكافأة عظيمة لي، مناسبة لأحيا حيوات متعددة، هذا أمر غريب، فلا علم النفس ولا اللسانيات اهتما أبدا بهذه الظاهرة المثيرة.

س/ هل فكرتم مرة ما في الموت؟

باستمرار وليس الآن فقط. أيضًا لما كنت شابا نشأت في ظل التدمير الهتلري وأتذكر تمامًا من تبقوا على قيد الحياة الوحيدين من فصلي بالمعهد كان زميلي وأنا.

هيأني أبي والحياة لمواجهة الخسارة والموت. والآن أظن أن اللقاء مع الموت ربما يكون مهما: ربما تتكشف كصيغة لفهم أشياء كثيرة على نحو أفضل.

س/ أ تعتقدون في شيء بعد الموت؟

لا. أنا مقتنع ألا شيء بعدها، يبدأ وقت العبور يمكن أن يكون مهمًا جدًا لقاء طفولي. «رد فعل من بعد أن فكروا دائمًا في العدم في مرحلته الأخيرة من حياتهم، يتغيرون ويتخيلون عالمًا غريبًا. أعتقد أنه لا يجب أن ينتابنا الخوف هي مسألة كرامة، لا يجب فقد الاحترام إزاء العقل، علينا تسمية الأشياء بمسمياتها وبوضوح. يمكن، فعلاً، تغيير طريقة التفكير، كانت لدي دائمًا الحظوة بأن أعيش في اتصال مع علماء كبار وأعلم أنه وبمرور كل يوم، يمكن تعلم أشياء جديدة وتصحيح أخرى، ففي العلم هذا أمر طبيعي. حسنًا، والآن الاعتقاد في حياة ما وراء الموت شيء جد مختلف.

س/ في هذا الحوار البعدي، أتودون الاعتذار لأحد تخاصمتم معه؟

أجل، أود الاعتذار إلى شخص لا يمكن أن أذكر اسمه، أعتقد هو، بدوره، يريد أن يبقى مجهولاً، يتعلق الأمر بإنسان مشهور كان صديقي الحميم لمدة طويلة، تخاصمنا حول موضوع تافه.

كانت عبارة واحدة حررت بطريقة سيئة عملت على تفجير علاقتنا التي دامت أعوامًا. تعلمت الكثير من هذه التجربة، كمثل أن لحظة ما غير دالة أحيانًا، يمكن أن تتحول إلى فعل محدد للمصير في الحياة. إنها المخاطرة التي نقوم بها في كثير من الأحيان. حركة غير ذات أهمية، كلمة بسيطة في ثانية واحدة يمكن أن تتسبب في مآسي حقيقية. والآن وبعد سنين عديدة، أود أن أقول لصديقي، «هيا لنأكل معًا، لنمتلئ بما مضى». ولكن بألم كبير أنتبه إلى أنه لم يعد ثمة وقت، فات الأوان كثيرًا.

س/ ومع ذلك فأنتم مشهورون بسرعة الغضب، كان هذا دائما نقطة ضعفكم؟

ج/ نعم، فعلاً، ولكن لم يكن الأمر فقط عند سن البلوغ، أتذكر حينما كنت طفلاً كنت أغضب لأتفه الأشياء، وأحيانًا من دون سبب حقيقي. جلب لي هذا المنحى من السلوك عداوات عديدة، بعد ذلك ومع السنين كان عليّ أن أتعلم الاعتدال، ولكن أديت ثمنًا باهضًا على سخريتي إذ كثيرًا ما كانت أكثر لذعًا ولم يكن مرحبًا بها دائمًا. وأحيانًا أشعر بالحزن، ثمرة وعيي بحقارتي، فقد أزعجت أكثر من مرة محاوري. للأسف، على مدى السنوات الطوال، ربطت وقطعت علاقات عديدة، شيء محزن يجب الاعتراف بذلك، بيد هكذا كان الأمر.

س/ هل أسدى أحد لكم نصيحة غيرت مجرى حياتكم؟

ج/ طبعًا، خصوصًا ما قدمته لي أمي بكل حبها أنا مدين لها لكونها شجعتني على التعايش بشكل مثمر مع إعاقتي. عندما كنت طفلًا ولأجل أن تحرك في ردة فعل إزاء حالة فقدان الأمل كانت تقول لي «إن الصعوبة منحة من الله» فبمجرد ما تحررت من الخدمة العسكرية منحتني إعاقتي الفرصة للتعلم أفضل لفهم أنه دون بذل الجهد لا يمكن الحصول على شيء في الحياة. تذكرت ذلك في عدة لحظات. إن أجمل الانجازات في وجودي كان حين استطعت أن أشد خيوط حذائي لأول مرة باليد المعاقة.

Facebook
X
WhatsApp
Threads
Telegram

عدد التحميلات: 0

محمد العربي هروشي

شاعر ومترجم وباحث من المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى