
أين صوتي؟
الوقت الآن الثانية ظهرًا، لم تكويني الشمس التي أصرت على السعي، ولا الحر القاتل لكل ذرة فيدمي، اعتدت الجفاف، وشكل أصابعي المتقشرة التي تطل من حذاء مثقوب، أجلس على حافة الرصيف وأتقبل نظرات الناس الفضولية، وأحيانًا المشمئزة، لا يهم، أضع صحنًا أعطاني إياه ذلك الرجل الشرس، وطلب مني الصمت، حتى صار إسمي الأخرس، وهل أجرؤ أن أفتح فمي؟، فذلك يعني فراغ صحني من الملاليم التي تُلقى إلي، كم من المرات حملني الحلم الى تلك الثروة التي ستهبط علي من السماء، وأشتري المثلجات والحلويات اللذيذة، أذهب إلى المسبح الذي أطل عليه من فوق السور برأسي كل يوم، المياه الزرقاء التي تحتضن نظراتي، أمتع نفسي بمشهد الماء يحضن الأجساد السعيدة، أتخيل السعادة تحط في قلبي فأطير وأحلق في دائرة حولي.
من غير قصد ركلني أحدهم وهو يمر بقربي، فالرصيف الذي يضمني ضيق بعض الشيء مما يجعل الناس يمرون من فوقي ومن قربي ومن كل جهاتي، هممت لأصرخ لكني تذكرت أنا الأخرس، مسدت فخذي الموجوع، حين مر طفل في مثل عمري كما خمنت من شكله، لكن أشكال المترفين لا تدل على أعمارهم الحقيقية، فهم يبدون أصغر بفعل الرفاهية، في يده لفافة شاورما رائحتها علقت بين أنفاسي ومعدتي الخاوية
– آه على قضمه واحدة منها
وكأنه قرأ أفكاري وبدون أن يشعر والده رمى ما تبقى منها لي، ركضت ملهوفًا وابتسامتي صارت شبرًا، فتحت الأوراق التي تضم وليمتي لأجدها فارغة، لن أخبركم عن الخيبة التي نخزت لساني، نظرت إليه فوجدته يضحك ساخرًا ويشير لي بحركات سيئة بلسانه وأصابعه حتى ارتطم بعمود الكهرباء أمامه دون أن يشعر، ضحكت كثيرًا، نسيت وجعي وخيبتي، وحتى جوعي، بالفطرة يسعدنا الانتقام ويعيد لنا الحقوق المنهوبة، أظن أن الله قد علمه درسًا، هذا ما كانت تقوله والدتي لي ، آه … والدتي التي تزوجت من ذلك الرجل الشرس كي تطعمني، فصرت أنا من يطعمه ويطعمها، لقد وعدها بالكثير فصدقته، ورماني خارج منزل أبي، أراه في كل يوم يحمل ما في جعبتي من مال ويركلني بقدمه، أنام في الزريبة بينما يصعد إليها مخمورًا، أصم أذني عن الباقي، فالباقي يجعلني أرتجف خوفًا، ويركلني الباقي ذاته بشكل أقسى من ركلات الرجل الشرس.
وكأني قد ذكرته ها هو يقترب، لكنه شارد الذهن، يتأمل شيئًا ما، نظرت بعيني في ذات الاتجاه لأجد طفلة صغيرة ضائعة، تتأمل الوجوه الكثيرة، تبحث عن ضالتها، تشعر بالخوف، السوق مكتظ بالناس، والمسكينة تبحث عن والدتها بالتأكيد، حاولت أن أفتش عنها بين الجموع، وجدتها نعم وجدتها..
في ذات اللحظة كان الشرس ينقض على الفتاة ويكممها، صرخت، نعم صرخت
– يا ناس، يا ناس، الحقوا الطفلة
عينا السيدة وجدتني ووجدته، ركضوا باتجاهه، أوسعوه ضربًا، خلصوا الطفلة وعانقت والدتها بدموعها، ما أجملهما، حملوه إلى السجن وخلف ظهري وقف الشرطي ممسكًا بشعري بقسوة، التف الناس حوله
– أيها المخادع الصغير، كل تلك الفترة ونظنك أخرسًا، سألقنك درسًا لن تنساه
صاح أحدهم: ما في أكثر منهم الشحاذين الكذابين وصاح آخر: خذه إلى السجن مع ذلك المجرم.
وسيدة خلفي: ينجبون الأطفال ويرمونهم في الشارع ولا يستحقون أي صدقة حاولت الدفاع عن نفسي لكن انقطع صوتي، جررت إلى السجن وأنا أفكر في والدتي المسكينة التي ستبقى وحيدة الآن – أين صوتي؟.
النهاية
عدد التحميلات: 0