العدد الحاليالعدد رقم 45نصوص

(إهـــداء)

رنين الهاتف كان له وقع غريب في قلبي هذه المرة، ولا أعلم لماذا؟!

لكنه إحساس البصيرة التي تقودني في هذا الوجود.

– الوووو مرحباً..

صوت ناعم يباغتني بهذه الكلمات ويتبعها بسؤال:

– الأستاذ طارق؟!

فأرد بكل ارتباك:

– نعم أنا طارق من معي؟!

– أنا ابتهال من دار العروبة للنشر، أحببت أن أخبرك أن ديوانك انتهى من الطباعة وصار جاهزًا وبمشيئة الله، بضعة أيام وتكون النسخ بين يديك.

هنا صمت، وتلبكت، بل وشعرت أن دمعة الفرح قاربت على الوصول لشاربي الذي تقول أمي إنني أصبحت به أجمل، ثم شرعت أصيح مكاني وأنادي أمي لأسمعها قهقهة ابتهال التي شاركتني فرحتي بضحك هستيري فسرته لاحقًا بأنه شفقة المعتاد على مثل هذه الانجازات البسيطة، المهم أن أمي شكرتها نيابة عني وأنهت الاتصال بعد أن سألتها عن موعد التسليم وطريقته.

أمي وبعد أن أفاقت من فرحتها سألتني مباشرة هل تعلم كم هو تاريخ الشهر هذه الليلة يا طارق؟!

هززت رأسي بلا أعلم، لتصرخ في وجهي: كيف لا تعلم ياطارق وأنت قد أنجزت ديوانك الشعري الأول كله في هذه الليلة، بل وكتبت خمسين قصيدة عن هذه الليلة بفضل عشق والدك لها، أم أنك نسيت؟!

أبدًا.. أبدًا.. لم أنس يا أمي، وفهمت أنك تتحدثين عن ليلة المنتصف من الشهر حيث القمر الذي لا يخلف موعده الشهري عالقًا فوق منزلنا، سامحيني يا أماه.

قالت: بل أطلب الصفح والسماح من والدك الذي تركنا بعد أن ملأ بصيرتك بكل تفاصيل القمر، حيث لم يترك ليلة من ليالي اكتماله إلا وأخذك معه يصفه لك ودمعه عالق في مآقيه يبكي بصرك الذي غادر عينيك منذ طفولتك.

أعلم كل ذلك يا أمي، بل وأعلم أن أبي آثر العيش السعيد كباقي الآباء بسببي وبسبب العمى الذي أطفأت به حياتكما، لكن ما لا تعلمينه يا حبيبتي، هو أنني كذبت عليكما بقصة الخمسين قصيدة عن القمر، لأنني في واقع الأمر كتبت خمسين قصيدة عن أبي ولم أمنح القمر شيئًا مما كتبت سوى الإهداء، حيث كتبت:

إلى القمر: هل تعلم أنك تشبه أبي في الوفاء؟!

Facebook
X
WhatsApp
Threads
Telegram

عدد التحميلات: 0

وليد الكاملي

السعودية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى