
مارك توين رائد فنّ الرواية الكلاسيكية
مارك توين Mark Twain الاسم المستعار لصمويل لانغهورن كليمِنس Samuel Langhorne Clemens، وهو كاتب أمريكي ساخر وصحفي ناجح ومحاضر عميق الثقافة. يعتبره الكثيرون أعظم الظرفاء في الأدب الأمريكي.
صادَق الرؤساء والفنانين ورجال الصناعة والأسر الأوروبية المالكة. يعد مارك توين أفضل كاتب ساخر في عصره، وأطلق عليه لقب «أبو الأدب الأمريكي».
نال شهرة عالمية من خلال رواياته حول الطفولة: «مغامرات توم سوير» 1876 The Adventures of Tom Sawyer، و«مغامرات هكلبري فِن» 1885 The Adventures of Huckleberry Finn، و«الحياة على نهر الميسيسيبي» 1883 Life on the Mississippi، و«فتى في هانيبعل والرحلات الأولى» Youth in Hannibal and Early Travels.
نُشرت قصة «الضفدع القافز المشهور في مقاطعة كالافيراس» في عام 1865 مستوحيًا إياها من قصة سمعها في أنجلس هوتل في أنجلس كامب كاليفورنيا حيث قضى بعض الوقت وهو يعمل بالتعدين. أما قصته القصيرة فجذبت الاهتمام الدولي وتُرجمت إلى اللغة الفرنسية. حظي ذكاؤه وهجاؤه في النثر والخطاب باستحسان النقاد والأقران.
الحياة المبكرة
ولد صمويل كليمنس في فلوريدا، وهو الطفل السادس لجون مارشال وجين لامبتون كليمنس، قبل أوانه بشهرين، وكان في حالة صحية سيئة نسبيًا خلال السنوات العشر الأولى من حياته، جربت عليه والدته العديد من العلاجات الوباثية والمائية خلال تلك السنوات المبكرة. ونظرًا لمرضه، غالبًا ما تم تدليله خاصة من قبل والدته بعكس والده الذي كان رجلًا جادًا نادرًا ما يظهر المودة. وذلك لتأثر مزاجه بمخاوفه بشأن وضعه المالي. مما جعله أكثر حزنًا بسبب سلسلة من حالات الفشل في عمله.
في مارس 1847 توفي والد توين بالالتهاب الرئوي، وفي العام التالي التحق توين بالعمل كصبي بمطبعة، ثم بدأ في سنة 1851 في العمل في صف الحروف typesetting وبدأ يكتب المقالات و«الاستكتشات» الساخرة لجريدة هانيبال، التي كان يملكها شقيقه أوريون. وفي الثامنة عشرة من عمره، غادر هانيبال وعمل في الطباعة في مدينة نيويورك وفي فيلادلفيا وسانت لويس وسينسيناتي، وانضم إلى الاتحاد وبدأ في تعليم نفسه بنفسه في المكتبات العامة في الفترة المسائية، مكتشفًا منهلًا للمعرفة أوسع من ذلك الذي كان سيجده إذا كان قد التحق بمدرسة تقليدية. وفي الثانية والعشرين من عمره عاد توين إلى ولاية ميسوري.
عاش حياته متنقلًا يكتب للصحف عن أسفاره ومشاهداته بأسلوب يتسم بالفكاهة والظرف، وخلال الأعوام الستة التي قضاها في كاليفورنيا مارس أعمالًا مختلفة، وكان بينها العمل مع والده بحارًا على سفينة نهرية في الميسيسيبي.
وفي إحدى رحلات توين في المسيسيبي إلى نيو أورليانز أوحى له هوراس بيكسبي، قائد السفينة البخارية بالعمل كقائد سفينة بخارية، وهو عمل كان يدر على صاحبه دخلًا مجزيًا وصل إلى 250 دولارًا شهريًا (ما يعادل تقريبًا 72400 دولار اليوم)، ونظرًا لأن هذه المهنة كانت تتطلب معرفة وافية بكل تفاصيل النهر التي تتغير باستمرار، فقد استغرق توين عامين في دراسة ألفي ميل (3200 كيلومترًا) من نهر المسيسيبي بتعمق قبل أن يحصل على ترخيص بالعمل كقائد سفينة بخارية سنة 1859 بعدها حصل على اسم مستعار (مارك توين) من قائد السفينة البخارية، وقد انتهت مغامراته النهرية هذه مع اندلاع الحرب الأهلية التي أدت إلى إغلاق النهر، وبعدها توجه شرقًا مستجيبًا لما سماه «نداء الأدب».
وفي سنة 1867 سافر توين إلى البحر المتوسط بتمويل من إحدى الصحف المحلية، وأثناء رحلته إلى أوروبا والشرق الأوسط كتب توين مجموعة من رسائل السفر التي حظيت بانتشار كبير وجمعت فيما بعد في كتاب (الأبرياء في الخارج) سنة 1869، وفي هذه الرحلة تعرف توين إلى تشارلز لانغدون شقيق زوجته المستقبلية.
زار توين أوروبا للمرة الثانية وكتب عن زيارته تلك في كتاب صدر سنة 1880 بعنوان (صعلوك في الخارج) A Tramp Abroad، وفي هذه الزيارة زار توين هايدلبرغ ومكث فيها من 6 مايو إلى 23 يوليو 1878، كما زار لندن.
وهو البائس الذي رأى أخاه يحترق فوق سفينة في البحر حتى إن شعره شاب في دقائق بعدها، ولم تكن هذه آخر مآسي حياته، لقد ماتت ابنته الأولى وتوفيت زوجته، وكان لكل هذا أثره في أدبه، لقد ازداد سخرية وأصبح لسانًا يصعب إسكاته مهما حاول هو، وبرغم هذا كان يحتفظ بالآراء الأكثر صراحة وقسوة لنفسه، ويكتب في الموضوع الواحد كتابين، كتابًا يخفيه في درج مكتبه، والآخر يعرضه على الناس.
لم يكن لأي كاتب شعبية بهذا القدر العالي، سواء في أمريكا أو في غيرها في أي بقعة من بقاع العالم، حتى إنه من الكتّاب القلائل الذين كانوا يقدمون حفلات قراءة جماعية، حيث يشتري الناس التذاكر كي يجلسوا في مسرح كبير ليصغوا إليه وهو يقرأ قصصه، كما أن كل الأدب الأمريكي جاء من كتابه «مغامرات هكلبري فن». حيث كان الكتاب الأمريكيون الذين عاشوا في أوائل القرن التاسع عشر يميلون إلى التنميق المفرط، ويكتبون بوجدانية وزخرفة، لأنهم كانوا يحاولون إثبات أنهم قادرون على الكتابة بأسلوب أنيق مثل الكتاب الإنجليز.
وقد اكتسب توين سمعة الكاتب الذي يستطيع تحويل أي رسالة صحفية إلى قطعة من الكوميديا الراقية. وحين قام برحلته إلى أوروبا والشرق -القدس- بصفة مراسل صحفي لصحيفة في سان فرانسيسكو، برفقة مجموعة من المسافرين للسياحة والاطلاع، وصف تجربة الجوالين الأمريكيين وانطباعاتهم أمام المعابد والمعاقل الدينية والثقافية في كل من أوروبا والشرق في كتابه «الأبرياء في الخارج» 1869 Innocents Abroad الذي أكسبه شهرة على مستوى الولايات المتحدة كلها.
أول محاولة روائية
كانت أول محاولة روائية له «العصر المذهَّب» The Gilded Age عام 1873، وقد تعاون في كتابتها مع صحفي آخر هو تشارلز ورنر Charles Warner، لكنها كانت محاولة فاشلة، مع أنها ركزت الاهتمام من خلال الهجاء المقذع، على الفردانية المسيطرة على المجتمع الأمريكي بعد الحرب الأهلية.
بعد زواجه عام 1870 استقر لمدة عشرين عامًا في هارتفورد (كونيتكت) حيث كتب أكثر أعماله شهرة وأهمية: «الأمير والفقير» 1881 The Prince and the Pauper، وروايتي المغامرات الصبيانية، «هكلبري فن» و«توم سوير»، اللتين استعاد فيهما بأسلوبه الرشيق ذكريات طفولته وعمله في الميسيسيبي. ففي «مغامرات هكلبري فِن»، يصور البيئة والناس على ضفتي النهر ويعطي فكرة عن المرحلة التاريخية التي تعيشها البلاد. وحين كتب هجائيته الغاضبة على الدين والملكية وقيم الفروسية في إنجلترا أيام الملك آرثر، «أمريكي من كونيتكت في بلاط الملك آرثر» 1889
A Connecticut Yankee in King Arthur‘s Court لم يستطع أن يكبح جماح غضبه، فخلا عمله من أسلوبه الساخر، وجاءت الكتابة جادة وحادة. ومع الأيام ازدادت هذه الحدة بتزايد نقمته على حماقات البشر والمظالم الاجتماعية.
هاجر إلى أوروبا في عام 1891 نتيجة صعوبات مالية ناجمة عن مشروعات للنشر انتهت إلى الخيبة والإفلاس. وقد دفعه هذا الوضع المالي إلى التعاقد على مجموعة من المحاضرات في أوروبا تعود عليه ببعض المال. وفي رحلته هذه كتب «ذكريات شخصية حول جان دارك» 1896 Personal Recollections of Joan of Arc.
من الفكاهة إلى النقمة
عاد مع أسرته في عام 1900 إلى الولايات المتحدة. وتميزت هذه المرحلة بتزايد الحدة والنقمة في نفسه حتى صار ينقم على القراء أنفسهم. ونشر «الرجل الذي أفسد هادليبورغ» 1899 The Man That Corrupted Hadleyburg، وهو هجاء مدمر للفساد في بلدة صغيرة بأمريكا، و«إلى الجالس في العتمة» 1901 To the Person Sitting in Darkness، و«الغريب الغامض» 1906 The Mysterious Stranger.
وأكثر ما يلفت النظر في أدب توين هو هذا التحول من كاتب مرح إلى كاتب قاس متشائم وناقم على المجتمع. وقد فُسِّر هذا التحول بأنه نتيجة لمجموعة من المتاعب الشخصية التي واجهته. فموت زوجته وبناته جعله يحس بوحشة قاتلة. ومتاعبه المالية جعلته شديد الحساسية تجاه النظام الاقتصادي وتجاه الطبائع البشرية. ولكنه مع ذلك، ومع ازدياد نقده لسياسة الولايات المتحدة الاستعمارية، لاقى في سنواته الأخيرة نجاحًا كبيرًا.
بدأ في عام 1906 يُملي سيرة حياته على الكاتب والمحرر ألبرت بين Albert Paine، وقد نشرت بعض الصحف مقتطفات منها في مجلة أمريكا الشمالية ريفيو إلا أنها لم تنشر كاملة إلا عام 1924، تكشف هذه الكتابات وغيرها عن طاقة خيالية وحيوية روح الدعابة التي لا تتناسب مع صورة المرارة والساخرة كليًا. بعد وفاته بأربع عشرة سنة. وفي هذه السيرة يلخص رأيه حول استعداد ذلك «الجنس البشري اللعين» للكذب وللوقوع في الخطأ، ويُظهر نقمته كلها هنا دفعة واحدة، فلا يوفر منها أحدًا حتى الفقراء الذين كان يهتم بمصالحهم ولكنه ينتقد فيهم خنوعهم: «هذه الحشرات الآدمية التي استكانت لعيش المزابل. وستظل مقيمة فيها إلى أن تنبذها المزابل ذاتها أو تجد من يزحزحها عنها». وبمقدار ما تسببت كتاباته في شهرته تسببت آراؤه هذه في إثارة الكثير من الامتعاض والدهشة. فهو يرى أن الإنسان مخلوق مسكين «يبدأ حياته وهو قذارة وينهيها وهو عفن».
إلا أنه من المعترف به نقديًا أن توين – وفي «هكلبري فن» و«توم سوير» و«الحياة على نهر الميسيسيبي» خاصة – قد أسهم إسهامًا كبيرًا في تشكيل رؤية العالم لأمريكا. وكان له تأثيره العميق في تطور أساليب الكتابة الأمريكية. فتقديمه للمادة الأمريكية المحلية واستخدامه للمصطلحات العامية الشائعة وتخليه عن الكياسة الأسلوبية التي تميزت بها كتابات القرن التاسع عشر وإحساسه بالاغتراب، هذه الأمور كلها أثرت تأثيرًا كبيرًا في كتّاب القرن العشرين الأمريكيين.
أسلوبه في الكتابة
أما أسلوب توين فقد استند إلى اللغة الأمريكية المحكية القوية والواقعية، فأعطى للكتاب الأمريكيين تقديرًا جيدًا لصوتهم القومي، فقد كان المؤلف الأول القادم من وسط البلاد، وتمكن من التقاط اللغة المحكية المحطمة للتقاليد، ولم تكن الواقعية بالنسبة له أسلوبًا فنيًا أدبيًا فقط، بل كانت طريقة لقول الحقيقة والقضاء على التقاليد البالية، كانت هذه الواقعية وسيلة للتحرر العميق، وكان أشهر نموذج لها «هكلبري فن»، ذلك الولد الفقير الذي قرر أن يتبع صوت ضميره ويساعد أحد الزنوج الأرقاء على الهرب إلى الحرية، مع أنه كان يعرف أن في ذلك انتهاكًا للقانون.
لقد وصف وليام فوكنر مارك توين بأنه «أول كاتب أمريكي حقًا»، في حين أن يوجين أونيل أطلق عليه لقب «الأب الحقيقي للأدب الأمريكي»، وكان داروين يحتفظ بكتاب «أبرياء في الخارج» على طاولة بجانب سريره، ليكون في متناول يده، عندما يريد أن يسترخي قبل نومه، وقال إرنست هيمنجواي إن كل الأدب الأمريكي الحديث أتى من كتاب واحد من تأليف مارك توين هو «هكلبري فن»، في حين أن جريدة التايمز اللندنية منحته لقب السفير المتجول للولايات المتحدة الأمريكية، إذ إنه شهد أجزاء من العالم أكثر مما شهد أي كاتب أمريكي شهير آخر ممن سبقوه، وترجمت كتبه إلى أكثر من 70 لغة، وجعل منه رسامو الكاريكاتير أيقونة معروفة في أنحاء العالم.
يندهش الكثيرون عندما يعلمون أن عمل مارك توين في شبابه المبكر في إحدى المطابع قد أتاح له فرصة للمعرفة والثقافة، لا تتيحها المدارس والمعاهد النظامية، لأنه استطاع هضم الأدب الإنجليزي كله ولم يتعد سنوات المراهقة بعد، كما أنه قرأ في التاريخ والفلسفة وتمكن من إجادة عدة لغات، وهذا يدحض التهمة التي حاول بعض النقاد إلصاقها به، حيث ادعوا أنه لا يكتب ولا يسجل إلا ما يشاهده فقط، ولعل أكبر خاصية اشتهر بها هي سرعة البديهة ولمحاته المرحة في رواياته، لقد كان بإمكانه الانتقال من الدعابة المرحة إلى السخرية المريرة في لحظة واحدة.
علمت التجربة مارك توين ألا يقلل من أهمية الطاقة التحويلية للفكاهة والسخرية، فكان يقول في كتاباته إن الجنس البشري بفقره يملك سلاحًا فعالًا واحدًا هو الضحك، فالسلطة والمال والإقناع والتوسل كلها يمكن أن تزول بفعل خدعة هائلة، بمجرد دفعها ومزاحمتها قليلًا، لكن الضحك وحده يمكن أن يدمرها، محولًا إياها إلى ذرات في انفجار واحد، إذ إنه لا يقوى شيء على الصمود أمام هجمات الضحك.
شخصيات مارك توين
ضمن الشخصيات التي ابتدعها مارك توين يأتي «توم سوير»، الشخصية التي تم تنفيذها كمسلسل كارتون للأطفال، وقد نال شهرة عالمية، وهو طفل ريفي شقي طيب القلب، كسلان جدًا، غير ناجح في المدرسة، إنه محط اهتمام زملائه، فهو الشخصية المحبوبة والأكثر شعبية في مدرسته، وقد اعتاد أن يساعده زملاؤه في حل واجباته المدرسية مقابل بعض الأعمال التي يقدمها لهم خارج الفصل، وغالبًا ما يكون موجودًا مع هكلبري فن هاك الطفل الذي تعلم أن يعيش وحيدًا بدون عناية الكبار، وقد قام مارك توين بتأليف كتاب شهير عن هذا الطفل.
ميراث
بدأ توين حياته المهنية في كتابة شعر خفيف وروح الدعابة، لكنه أصبح مؤرخًا للغرور والنفاق والأفعال القاتلة للبشرية. في منتصف حياته المهنية، جمع بين الفكاهة الغنية والسرد القوي والنقد الاجتماعي في روايته (مغامرات هكلبري فن). لقد كان أستاذًا في إلقاء الخطاب العامي وساعد في إنشاء ونشر أدب أمريكي مميز مبني على الموضوعات واللغة الأمريكية.
تم منع العديد من أعماله في بعض الأحيان لأسباب مختلفة. تم تقييد (مغامرات هكلبري فن) مرارًا وتكرارًا في المدارس الثانوية الأمريكية، لأسباب ليس أقلها استخدامها المتكرر لكلمة «nigger» زنجي، التي كانت شائعة الاستخدام في فترة ما قبل الحرب الأهلية حين كتابة الرواية.
لا تزال رواية (مغامرات هاكلبري فين) واحدة من أكثر الكتب المحبوبة والأكثر حظرًا في الولايات المتحدة. نظرًا لأن المجلد الأول من السيرة الذاتية غير المسجّلة لمارك توين نُشر أخيرًا بعد 100 عام من وفاته. كتب همنغواي في مقالٍ: «جميع الأدب الأمريكي الحديث مأخوذ من كتاب واحد لمارك توين بعنوان: (مغامرات هاكلبري فين)».
يكاد يكون من المستحيل تجميع ببليوغرافيا كاملة لأعمال توين بسبب العدد الهائل من القطع التي كتبها (غالبًا في الصحف الغامضة) واستخدامه للعديد من الأسماء المستعارة المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، فقد جزء كبير من خطبه ومحاضراته أو لم يتم تسجيلها؛ وبالتالي، فإن تجميع أعمال توين هو عملية مستمرة. أعاد الباحثون اكتشاف المواد المنشورة مؤخرًا في عامي 1995 و 2015.
اللون الأبيض
يصور توين في كثير من الأحيان وهو يرتدي بدلة بيضاء، فإن التصورات الحديثة التي تشير إلى أنه كان يرتديها طوال حياته لا أساس لها من الصحة. تشير الدلائل إلى أن توين بدأ يرتدي بدلات بيضاء في دائرة المحاضرات، بعد وفاة زوجته في عام 1904. ومع ذلك، هناك أدلة تظهر أنه كان يرتدي بدلة بيضاء قبل عام 1904. في عام 1882، أرسل صورة لنفسه في حلة بيضاء. إلى إدوارد دبليو بوك البالغ من العمر 18 عامًا، والتي نشرتها لاحقًا مجلة Ladies Home Journal، مع ملاحظة مؤرخة بخط اليد. أصبحت البدلة البيضاء في نهاية المطاف علامته التجارية. موسوعة مارك توين لماك ماسترز تذكر أن توين لم يرتدي بدلة بيضاء في سنواته الثلاث الأخيرة، باستثناء خطاب مأدبة واحدة.
كتب توين في سيرته الذاتية عن تجاربه المبكرة مع ارتداء الملابس البيضاء خارج الموسم:
«بعد حبي للألوان الجميلة، أحب الأبيض العادي. عندما ينتهي الصيف، من بين أحزاني أنه يجب علي خلع ملابسي البيضاء المبهجة والمريحة والدخول لفصل الشتاء في الأسر المحزن للملابس السوداء المهينة. إنه منتصف شهر أكتوبر الآن، والطقس يزداد برودة هنا في تلال نيو هامبشاير، لكنه لن ينجح في إخراجي من ملابسي البيضاء».
سنواته الأخيرة
في سنواته الأخيرة حصل على الدكتوراه الفخرية – من جامعة ييل في عام 1901، ومن جامعة ميسوري في عام 1902، والشهادة التي يرغب فيها كثيرًا، من جامعة أكسفورد في عام 1907. عندما سافر إلى ميسوري للحصول على الدكتوراه الفخرية في القانون، قام بزيارة الأصدقاء القدامى في هانيبال على طول الطريق. كان يعلم أن هذه ستكون زيارته الأخيرة إلى مسقط رأسه.
انتقل إلى منزله الجديد في ريدنغ في ولاية كونيتكت، في يونيو 1908، وكان ذلك أيضًا مصدر راحة. كتب رواية كان يريد أن يسميها (الأبرياء في المنزل)، لكن ابنته كلارا أقنعته بتسميتها (ستورمفيلد)، وهي قصة كتبها عن قبطان بحري أبحر إلى الجنة لكنه وصل إلى الميناء الخطأ. نُشر مقتطفات منها على دفعات في مجلة هاربر في أغسطس 1907. إنها قصة غير متكافئة ولكنها روح الدعابة المبهجة.
توقف كليمنس عن العمل في سيرته الذاتية. ربما هربًا من الذكريات المؤلمة، سافر إلى برمودا في يناير 1910. وبحلول أوائل أبريل كان يعاني من آلام شديدة في الصدر. انضم إليه كاتب سيرته الذاتية ألبرت بيجلو باين، وعادا معًا إلى ستورمفيلد. توفي كليمنس في 21 أبريل 1910. ومن الواضح أن آخر قطعة كتابية قام بها كانت الرسم الهزلي القصير «آداب الحياة الآخرة: نصيحة إلى باين» (نُشر لأول مرة بالكامل عام 1995). من الواضح أن عقل كليمنس كان على الأشياء النهائية، ومن الواضح أنه لم يفقد روح الدعابة تمامًا.
في سنة 1896 أصيب توين باكتئاب شديد إثر وفاة ابنته سوزي بالالتهاب السحائي، وقد عمق أحزانه وفاة زوجته أوليفيا سنة 1904 ووفاة جين في 24 ديسمبر 1909، وكذلك الوفاة المفاجئة لصديقه هنري روجرز في 20 مايو 1909.
وقد ذُكر أن توين قال ذات يوم: «لقد جئت إلى هذا العالم مع مذنب هالي سنة 1835، وها هو قادم ثانيةً العام القادم، وأنا أتوقع أن أذهب معه..». ولقد صدقت رؤيته؛ إذ توفي توين بأزمة قلبية في ريدنغ بولاية كونيكتيكت في 2 أبريل 1910، بعد يوم واحد فقط من اقتراب المذنب من الأرض، فرثاه الرئيس الأمريكي ويليام هوارد تافت، وشيعت جنازته من إحدى الكنائس التابعة للطائفة المشيخية في نيويورك، ثم دفن في مدافن أسرة زوجته في مقبرة وودلون بمدينة إلميرا في نيويورك.
منذ وفاته في 21 أبريل 1910، ورد أن كتابات توين ألهمت تعليقات أكثر المؤلفين الأمريكيين، وترجمت أعماله إلى 72 لغة على الأقل. على الرغم من وفاته لمدة قرن من الزمان، لم يتم الاحتفال بتوين كما ينبغي، ومع ذلك، فإن التقارير التي تفيد بأن سيرته الذاتية قد تم حظرها لمدة قرنًا من الزمان تكريمًا لرغبات المؤلف، وهذا مبالغ فيه إلى حد ما. لقد أصدر بالفعل مرسومًا يقضي بضرورة حجب سيرته لمدة 100 عام بعد وفاته، ولكن ظهرت العديد من النسخ المعدلة منذ ذلك الحين، والتي تسيطر عليها ابنة توين كلارا الباقية على قيد الحياة،
عدد التحميلات: 0