
الربط الكهربائي العربي حلم أم حقيقة
للطاقة الكهربائية دورٌ هام ورئيسٌ في تنمية الشعوب وتقدمها ورقيها ورفاهيتها باعتبارها أحد الركائز الثابتة ذات الصلة المتينة والارتباط الوثيق بعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير الحياة الآمنة المُيسَّرة الهانئة المريحة. وبالطبع فإن هذا الدور لا يقتصر داخل حدود الدولة الجغرافية ذاتها فحسب بل يعني ربطًا كهربائيًا يمتد ويتسع خارج تلك الحدود ليمثل عاملاً مؤثرًا وسندًا قويًّا لدعم الروابط وتنمية التعاون وتجسيد التلاحم وتعميق التفاهم بين الدور المترابطة. ومن المعروف أن الربط الكهربائي بين الدول العربية يحمل معانٍ ومدلولات متعددة منها على سبيل المثال تقوية الروابط البينية وتعظيم الوشائج الأخوية وتعزيز العلاقات التجارية، كما أنه يعتبر أحد الاستراتيجيات والوسائل الهامة لنقل الطاقة الكهربائية المُنتجَة من دولة إلى دولة أخرى مما يساعد في تعزيز القدرات الكهربائية التي تحتاجها الأنظمة الكهربائية المترابطة وتحسين موثوقيتها وتدفق الطاقة بينها دونما عجزٍ أو تدنٍّ أو انقطاع، هذا بالإضافة إلى تخفيض الاحتياطي المطلوب في كل نظام كهربائي على حدة والتغطية المتبادلة من الطاقة في الحالات الطارئة والاستفادة من الفائض من القدرات المتاحة في تباين الأحمال القصوى (الذروية) بين الأنظمة الكهربائية وتقليل تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية فيها، كما أنه أحد آليات فتح أسواق الطاقة لأغراض تجارية وإيجاد فرص وظيفية وخلق فضاءات تعاونية فرعية أو إقليمية في هذا المجال.
أما مزايا الربط الكهربائي فيمكن تعداد بعضٍ منها، فعلى سبيل المثال أنه عند ربط الأنظمة الكهربائية فمن الممكن تقاسم الاحتياطي المتاح بحيث يحتفظ كل نظام بمستوى أقل من الاحتياطي لديه قبل الربط الأمر الذي يتيح توفيرًا في تكاليف إنشاء المحطات ومد خطوط النقل من جهة وخفضًا في نفقات تشغيلها وصيانتها من جهة أخرى. كما أنه عند الظروف القسرية الطارئة كالأعطال المفاجئة والانقطاعات الكهربائية المتكررة وأعطال المولدات وخطوط النقل قد ينجم عنه عجزٌ في حجم القدرة الكهربائية التي من شأنها تغطية أحمال المشتركين الأمر الذي قد يحدث توقفًا في الخدمة الكهربائية أو ربما انهيارًا تامًا للنظام الكهربائي برمته، لذا فإن الربط الكهربائي المتين بين الأنظمة يشكل في هذه الأحوال حاجزًا منيعًا وضمانًا وثيقًا لتفادي حدوث تلك الانقطاعات أو الانهيارات بل ويساعد على استعادة حالة الاستقرار والاتزان للأنظمة الكهربائية، كما أن الربط الكهربائي يتيح أيضًا تبادل الطاقة الكهربائية بشكل أجدى وأوفر اقتصاديًا كما يمكن تبادل الطاقة الوقتي والاستفادة من التباين الزمني للطلب على الطاقة بين الأنظمة المترابطة، وبهذا تزداد درجة التعاون وتقاسم القدرات الكهربائية المتاحة وتوزيع الاستثمارات والنفقات بين الأنظمة الكهربائية المترابطة متمثلا في اختبار مواقع وبناء محطات أكبر ذات مردود اقتصادي أعلى وكفاءة أفضل وموثوقية أمثل.
وبعد هذا الاستعراض الموجز لأهم مزايا وفوائد الربط الكهربائي من حيث الجوانب الاقتصادية والفنية والعلاقات البينية فإن من الجدير بالذكر الإشادة بما يمثله الربط الكهربائي في بناء التكامل العربي المنشود في مجال الطاقة كأحد روافد تحقيق الطموح العربي الذى يرنو إلى إنشاء سوقٍ عربية مشتركة طالما نادى به معظم القادة العرب في كافة المحافل العربية والدولية، ويبدو أن هذا الحلم العربي قد بدأت نواته وظهور ملامحه في منظومة الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي أصبح حقيقة ماثلة للعيان وليجسد اللبنة الأولى لبناء التكامل العربي المنشود في مجال الطاقة كأحد روافد تحقيق الطموح العربي من أجل خلق سوق عربية مشتركة تحتل فيها تجارة الطاقة أحد ساحاتها العريضة التي تبشر بالخير والنماء لهذه المنطقة من العالم، ولعل الهدف من هذا الربط يتمثل في مساندة دول مجلس التعاون في حالات الطوارئ والانقطاع المفاجئ لسريان الكهرباء، إلى جانب اعتباره تجارة لتبادل الطاقة بين الدول الأعضاء حيث يجب النظر إلى تجارة الطاقة من منظور شامل وعلى مستوى الاقتصاد الوطني للدول الأعضاء وليس على مستوى قطاعات الكهرباء أو قطاعات النفط والغاز فحسب حيث إن النية تتجه لتأسيس سوق للطاقة في منطقة الخليج العربي. والآن دعونا نستعرض في هذا المقال بعضًا من التجارب العالمية التي سبقت وطُبقت ويمكن اكتساب خبرات وتجارب منها في هذا المجال ومنها الربط الكهربائي بين الولايات الأمريكية، ولعل أقدمها تاريخًا وأكبرها حجمًا وأشهرها موقعًا لهو الربط الكهربائي الذي تم تأسيسه عام 1927 بين الولايات الثلاث بنسلفانيا ونيوجرسي وميريلاند (PJM) والذي يغطي منطقة واسعة في الولايات المتحدة تشمل أجزاء من 13 ولاية بما فيها واشنطن العاصمة ويُعتبر واحدًا من أكبر أسواق الطاقة الكهربائية في العالم. كما أن هناك ربط كهربائي آخر بين الشبكات الأمريكية والشبكات الكندية حيث تتقاسم الجهتان معًا التوليد الكهربائي من المحطات المائية المقامة على شلالات نياجرا وهي مدينة بين تخوم الجهتين حيث تعتبر الشلالات الطبيعية الوحيدة الفريدة من نوعها في العالم بل إحدى العجائب السبع. كما أن هناك الشبكة الأوروبية المرتبطة لنقل الكهرباء التي تضم العديد من مشغلي الشبكات الكهربائية من مختلف الدول الأوروبية مثل الربط بين فرنسا والمملكة المتحدة، والربط بين الدول الاسكندنافية، مع التفكير في العديد من الخطط والمبادرات لتوسيع شبكات الربط الكهربائي في أوروبا في المستقبل بين الدول الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا والدول الاسكندنافية وغيرها إلى جانب توسيع الربط مع الدول المجاورة لها في شمال إفريقيا ومنطقة البلقان وذلك من أجل تعزيز التعاون وزيادة الإنتاج وتحسين كفاءة استخدام الطاقة. والآن دعونا نلقي نظرة شمولية تقييمية لحالة الأنظمة الكهربائية في العالم العربي وما تم خلال فترات مضت من عمليات ربط بينها ولنبدأ بشبكة الربط الخليجية والتي ذكرنا أنها النواة الأولى للربط الكهربائي العربي والتي بدأ التخطيط لها في أوائل عام (2001) بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والذي يُعد من أهم مشروعات ربط البني الأساسية التي أقرها مجلس التعاون الخليجي، وذلك من ثوابت قناعته بالدور الحيوي الذى يحققه الربط الكهربائي من مزايا اقتصادية وفنية ودعم للأواصر البينية بين دوله، كما تجري دراسات بالتعاون مع البنك الدولي لربط شبكة الكهرباء الخليجية مع باقي الدول العربية وأوروبا عن طريق بوابة تركيا لأن احتياجات منطقة الخليج وأوروبا للطاقة الكهربائية متعاكسة، ففي الخليج مثلاً يتم استهلاك الكهرباء في فصل الصيف بحجم أكبر مقارنة باستهلاك أوروبا في فصل الصيف تبعًا لطبيعة المناخ الصحراوي المغاير لأوروبا حيث يتعاظم الاستهلاك لديهم في فصل الشتاء بسبب الثلوج والبرد القارس وحاجتهم للتدفئة تبعًا لذلك، بينما تتوفر الطاقة الكهربائية في الشبكات الخليجية في الشتاء وبإمكان تبادلها مع الشبكات الأوروبية حيث إن أكثر من 60% من الطاقة المنتجة في منطقة الخليج غير مستغلة خلال موسم الشتاء، وهذا ما يبرر جدوى الربط ويُـؤمَّل أن يتحقق مع أوروبا في المستقبل. كما أن هناك مشروع ربط بين المملكة العربية السعودية وبين جمهورية مصر العربية الذي من المتوقع بدء التشغيل التجريبي له في غضون العام القادم، ومن الجدير بالذكر أن تخطيط هذا المشروع بُـني على أساس الاستفادة من تباين أوقات أحمال الذروة في كل من السعودية ومصر حيث يكون في الأولى في فتره الظهيرة وفي الثانية بعد الغروب بفاصل زمني قدره أربع أو خمس ساعات الأمر الذي من شأنه أن يحقق تأمين وتبادل الطاقة بين البلدين، أما خارج أوقات الذروة فسيتم تبادل فائض القدرات المتاحة بين البلدين على أسس تجارية محضة كلما دعت الحاجة لذلك. ويتكون مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية من إنشاء ثلاث محطات تحويل جهد عالٍ هي محطة شرق المدينة ومحطة تبوك بالمملكة ومحطة بدر شرق القاهرة بحيث تربط بينها خطوط نقل هوائية تصل أطوالها إلى نحو 1350 كيلومترًا بالإضافة لكابلات بحرية. وبحسب الدراسات التي أجريت لهذا الربط الكهربائي فسيمكِّن ربطُ البلدين من تحقيق المستهدفات الطموحة لدخول مصادر الطاقة المتجددة ضمن مزيج إنتاج الطاقة، وكذلك تفعيل التبادل التجاري للطاقة الكهربائية وإتاحة المجال أمام استخدام خط الألياف الضوئية المصاحب لخط الربط الكهربائي في تعزيز شبكات الاتصالات ونقل المعلومات بين البلدين والدول المجاورة لهما ما سيزيد من المردود الاقتصادي للمشروع. ومن المقرر أن يحقق هذا المشروع عددًا من الفوائد المشتركة لكل من مصر والسعودية ومنها تعزيز موثوقية الشبكات الكهربائية الوطنية ودعم استقرارها والاستفادة من قدرات التوليد الفائضة المتاحة فيهما ومن فروقات التوقيت في ذروة أحمالهما الكهربائية. كما تم أيضًا توقيع مذكرة تفاهم بين السعودية والأردن في 16 أغسطس 2020م حول إنشاء خط ربط كهربائي بينهما مما يعزز المنظومة الكهربائية في كلا البلدين ويزيد من موثوقيتهما ويحسن أداءهما مع استخدام شبكات ألياف ضوئية مصاحبة لهذه الشبكات، وللمضي قدمًا في مشاريع الربط الكهربائي مع الدول المجاورة ولتعزيز هذه المشاريع الحيوية بين المملكة العربية السعودية والأشقاء العرب فقد تم في أبريل الماضي توقيع مشروع الربط الكهربائي بين السعودية والعراق على أن يتم بموجبه تزويد العراق بحوالي خمسمائة ميجاواط من الطاقة الكهربائية من المنظومة الكهربائية الخليجية القائمة، وهذه الطاقة الكهربائية ستعزز من قدرات شبكات النقل في جنوب البلاد. وبالنسبة لتوضيح الوضع الحالي لمشرعات الربط الكهربائي العربي في كل من المشرق (السباعي)، والمغرب (المغاربي)، ونبذة عن اتفاقيات الربط بين هذه الدول، فقد تم تقييم لمشاريع الربط الكهربائي العربي الحالية كأحد الأبعاد الاستراتيجية الهامة في استكمال منظومة الربط الكهربائي العربي من جهة الشرق. إن توفر الطاقة الأولية في بعض الدول العربية وعدم توفرها في بلدان أخرى يجعل من الضروري البحث عن وسيلة لنقل الطاقة الكهربائية وتبادلها بين هذه الدول، ويعتبر الربط الكهربائي هو أحد الاستراتيجيات والوسائل الهامة لنقل الطاقة الكهربائية المنتجة من هذه الدول إلى الدول الأخرى التي تحتاجها، بالإضافة إلى كونه أحد آليات الدمج في أسواق الطاقة وخلق فضاءات فرعية أو إقليمية في هذا المجال. ومن هذا المنطلق، فقد أولت الدول العربية اهتمامًا كبيرًا بالربط الكهربائي منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وذلك من ثوابت قناعتها بالدور الحيوي الذي يلعبه قطاع الكهرباء في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتي تحتاج إليها معظم الدول العربية حاليًا لتلحق بركب الدول التي سبقتها في هذا المجال وما يترتب على ذلك من ثبات واستقرار لكافة الجوانب الحياتية والمعاشية لشعوبها.
لقد سبق أن خطت حتى الآن سبع دول عربية هي: سوريا، الأردن، مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب خطوات حثيثة في هذا المجال تمخض عنها ربط لشبكاتها الكهربائية ما كان لها أن ترتبط بهذه الصورة من التقنية والأداء المتميز لولا تمسك القيادات العربية والدور الرائد لجامعة الدول العربية في تحقيق هذا الحلم العربي الذى راودها سنوات عديدة من أجل خلق سوق عربية مشتركة تحتل فيها تجارة الطاقة أحد ساحاتها العريضة التي تبشر بالخير والنماء لهذه المنطقة من العالم، والتي تتجمع فيها مقومات فريدة لظهور أكثر من تجمع اقتصادي يؤهلها لأن تكون أفضل من مثيلاتها إذا تم تفعيلها ورعايتها على أنها أمر حتمي للحاق بركب المدنية والتقدم.
إن الربط الكهربائي الشامل بين الدول العربية سيحقق بإذن الله ذلك الحلم العربي وسيكون من أهم مخرجاته التعاون والتنسيق بين الدول المترابطة بشبكات كهربائية موحدة مما سيُـقوِّي نسيج الترابط والتلاحم ويوجد قاعدة اقتصادية متينة وراسخة للبناء والتطور وخلق الروابط الواقعية العملية التي تتخطى الحدود الجغرافية بين دول يجمعها ويوحدها ماض عريق وحاضر زاهر ومستقبل واعد بمشيئة الله.
وقد برز منه علماء وفلاسفة ومفكرون أمثال فولتير وروسو وديدرو، فعلى مستوى العلوم، شهد عصر التنوير تطورًا كبيرًا في مجالات مثل الفيزياء والكيمياء والطب والرياضيات. وقد أسهمت التطورات العلمية الباهرة في تحقيق تقدم كبير في مجالات مثل التقنية والصناعة والميكنة والزراعة.
عدد التحميلات: 0
رائع