الأدب والنقدالعدد الحاليالعدد رقم 43

من التاريخ النسوي الحديث

التاريخ النسوي: الأهمية والأهداف

يمكن القول – من ضمن نظرة المجتمع إلى المرأة ودورها الحياتي فيه ـــ أن كتابة المرأة للتاريخ النسوي تعبير جلي عن وعيها بالماضي وموقفها من الحاضر واستجابتها لمقتضيات التحديث والتحضر التي بدأت بوادرها تلوح في الأفق عالميًا منذ عصر النهضة الأوربية، ومعها أخذت المرأة المتعلمة تدرك أهميتها وخطورة الوضع المتخلف الذي تعيشه بنات جنسها، وتعي بحصافة ومسؤولية ما ينبغي عليها أن تقوم به من ثورة وكفاح في سبيل نيل حقوق المجموع النسوي، واسترداد قيمته المسلوبة عهودا طويلة.

ولعل أهم مؤشرات هذا النهوض الثقافي تمثلت في الروح العمومية التي طغت على بواكير النسوية في العالم كله من ناحية فرادة المرأة وهي تمثل دور المتحدث بلسان المجموع والمعبر عما للنساء من أدوار وعطاءات وامتيازات. وكان لهذه العمومية أن عززت الموقف الدفاعي عن المرأة فردًا وعن المجموع النسوي كلية.

وصارت تتنمذج في عطاء المرأة الواحدة نهضة النساء جميعًا وغدا التاريخ غاية من غايات هذه النسوية العمومية لأسباب منها أن في التاريخ البرهنة على ما في عالم النساء من نماذج وأدوار ينبغي أن توثق بحذافيرها وتؤرشف بكل تفاصيلها فتنقل للأجيال ما كان لهن من معارف وخبرات وتجارب وآداب. وجزء مهم من هذا التوثيق والأرشفة كانت قد مارسته المرأة بوصفها مؤرخة لها فرادتها وتعمل باتجاه مختلف عن عمل المؤرخ الرجل عبر سعيها إلى الانتصار للنساء بعمومية الدفاع عن المرأة ككيان واع له في التاريخ العام بصمات لكن المؤرخين تجاهلوها أو ذكروا بعضًا مما يرغبون فيه وتركوا بعضه الآخر. ولما كان التاريخ العام متضمنًا الكثير النسوي مما أهمل وتنوسي واغمط وأهدر، شرعت المرأة منذ بواكير نهضتها لأن تتصدى بنفسها لمهمة التأرخة مدونة تاريخ جنسها، مدافعة فيه عن مجموعها النسوي مجتهدة غير تابعة ومبدعة غير مقلدة وبإجادة فنية لأساليب التوثيق وأدوات التأليف وطرائق التبويب.

وإذا كان التاريخ هو الغاية في النهوض بالنسوية العمومية، فإن التاريخ النسوي هو السبيل لإثبات أثر المرأة الناصع على طول عصور التاريخ، نظرًا لدورها المهم في الحياة الذي لا موقع مركزيًا له في التاريخ العام والرسمي. فهو لا يؤرخ للمرأة بؤرة ومحورًا في صفحاته وإنما يذكرها عرضًا كسياق من سياقات محور مركزي رجالي متنًا وإطارًا.

وإذا كان لهذا التاريخ أن ينقل أي انجاز نسوي فردي، فإنه لا ينقل إلا أقله في حين يتناسي أكثره. أما انجازات المجموع النسوي فلم ينقلها التاريخ بالعموم لتظل مُهملة ومتوارية شأنها شأن المجموع الذكوري الشعبي الذي هو مهمش أيضًا فلا نعرف تفاصيله إلا بما يخدم شخصيات التاريخ الرجالية التي لها الهيمنة والغلبة والتفوق.

إن هذا السياق الإتباعي في جعل انجازات النساء ملحقة بانجازات الرجال، كان قد ساد وتجذر بدءًا من أول مؤرخ في التاريخ البشري ومرورًا بمؤرخي العصور سياسيين كانوا أم أدبيين، قدماء أم محدثين.

وكثير من المؤرخين الذين أسسوا للنهضة الأدبية هم أيضًا ظلوا على الوتيرة نفسها في الاحتفاء بالانجازات الذكورية. وإذا ذكروا المرأة فانه ذكر عارض واستطرادي، خذ مثلًا على الصعيد العربي كتابات المصلحين والأدباء التنويريين كالطهطاوي وكذلك الباحثين الأدبيين كشوقي ضيف ومؤرخي القصة كعبد الإله احمد ومفكري الحداثة العربية كأدونيس الذي تحدث عن صدمة الحداثة وعن إمبريالية ثقافية(1) بينما هو نفسه كان يمارس هذه الإمبريالية مستتبعًا الأولين في قمعهم للصوت النسوي، ممارسًا دور المؤرخ القومي الذي لا خصوصية عنده للمرأة كما لا عمومية للكلية النسوية.

وردًا على هذا الدور الذكوري السلطوي الذي مارسه المؤرخون الرجال، سعت المرأة لأن تكون مؤرخة. وغدا دورها النهضوي تاريخيًا وهو يمثل النسوية العمومية، متصدية للإهمال الذي طال عمومية تاريخها، مواجهة هذا الشطب الجائر على عطاءات بنات جنسها وتضحياتهن، بتدوين صفحات مهمة من التاريخ النسوي عبر ثلاث مراحل من التأليف التاريخي:

أولاً/ مرحلة التأسيس وفيها المرأة أديبة تكتب مذكراتها أو تنقب في بطون كتب التاريخ عن صور نسوية لقائدات وحكيمات وأمهات وأديبات وشاعرات وحاكمات تركن وراءهن أرثا من مواقف وحكايات تستحق الاعتبار والاتعاظ.

ثانيًا/ مرحلة التبلور التي فيها المرأة تدون حياة المجتمع وواقع المرأة فيه أو تترجم حياة نسوة عشن في زمانها ومارسن نسويتهن بعمومية مجتمعية معها.

ثالثًا/ مرحلة التمكن التي فيها غدت المرأة باحثة أكاديمية، تسبر الماضي متسلحة بمنهجية علمية وبأدوات موضوعية مصحوبة بالاستقصاء.

وفي هذه المراحل الثلاث برهان واضح على ما للتاريخ من أهمية في توكيد الدور النسوي بصيغته العمومية التي فيها للمرأة فاعلية بوصفها كينونة مستقلة أديبة وعالمة ومناضلة ومربية.

وما كان للتاريخ النسوي أن يكون هدفًا أمثل للتدليل على النهضة النسوية، إلا لأن به وحده يمكن للمرأة أن تنتصر لنفسها وتحتل مكانها الذي يناسبها في صفحات التاريخ، محرزة الغلبة لها ولعمومية المجموع النسوي الذي تمثله.

وتعود النهضة النسوية في بلدان الشرق الأوسط إلى القرن التاسع عشر وتحديدًا منتصفه. وقد ظهرت بوادر وعي ذاتي عند نساء ذوات مشروعات فردية وغايتهن خدمة العموم النسوي. وإذا كان التاريخ الرسمي قد وثق بواكير الحركة النسوية العربية بإنشاء الاتحاد النسائي على يد هدى شعراوي في مصر مطلع القرن العشرين، فإن أساس هذه الحركة كان قد انطلق في بلدان كثيرة في الشرق الأوسط من قبل إنشاء هذا الاتحاد بعقود عدة.

فظهرت ما بين منتصف القرن التاسع والربع الأول من القرن العشرين أسماء شاعرات كعائشة التيمورية ووردة اليازجي وأسماء صحفيات مثل بولينا حسون وصفية زغلول وروز اليوسف وأسماء أديبات وناشطات مثل هدى شعراوي ومي زيادة وملك حفني ناصف ونظيرة زين الدين ولبيبة هاشم ومؤرخات كزينب فواز وقدرية حسين فضلاً عن الدور التنويري لقاسم أمين والزهاوي والرصافي وغيرهم من الذين تكلموا باسم المرأة ونادوا بحقوقها وضرورة تعليمها وفسح المجال لها لممارسة دورها على الصعيدين الحياتي والأدبي.

وبالتأكيد هناك أسماء أخرى وبأدوار مهمة أيضًا ولعل بعضًا من هذه الأسماء كان أكثر فاعلية وأثرًا في النهضة النسوية.. لكن التاريخ العام لم يوثق لها لأنه ليس معنيًا بتاريخ المرأة فضلاً عن أن المؤرخ الرجل آنذاك كان ينقل ما يجري من أحداث في بلدان يعرفها وتصل إليه أخبارها كمصر ولبنان والأستانة بينما يجهل ما كان يجري في بلدان أخرى كالعراق مثلاً فلم يوثق نهضته النسوية المبكرة. وكان من تبعات هذا الأمر أن صار كثير من الباحثين المعاصرين من الأجانب والعرب والمهتمين بدراسة النسوية العربية يرون أن بواكير النسوية العربية تمثلها نسويتان عربيتان: مصرية ولبنانية فقط.

وهم في ذلك غير مؤاخذين، بل المؤاخذ هو التاريخ العام الذي أهمل توثيق ما للنسوية العراقية من قوة وفاعلية. والدليل على ذلك هذه الكثرة من أسماء نساء متعلمات واعيات من الشاعرات والصحفيات(2) والقاصات(3) والتربويات، وبعض منهن ذوات تجارب ومشروعات تدور في مجال المرأة والمجتمع وبعضهن الآخر أسس منتديات وانضم إلى روابط وأنشأ صحفًا ومجلات وشارك في تنظيمات وانتمى إلى أحزاب وأكمل تعليمه الأكاديمي مهتما بالتراث.

ومن تلك الأسماء التي ذكرها تاريخ العراق المعاصر لكن بشكل عرضي ولم يتعمق في ذكر وعيهن الحداثي وإحساسهن الحضاري المبكر: ابتهاج عطاء أمين وبهرمان الزهاوي وصبيحة الشيخ داود وأمين الرحال ونزيهة الدليمي وجهادية عبدالكريم القره غولي وغيرهن.

وعلى الرغم من ذلك، فإن من غير العسير على الباحث تحديد طبيعة النهضة النسوية في الشرق الأوسط أبان النهضة الحديثة في القرنين التاسع عشر والعشرين. ولكنها نهضة تظل في حدود الجهود الفردية للمرأة. وهو ما يجعل الطريق طويلاً نحو نهضة نسوية عمومية فيها النساء فاعلات أفرادًا ومجموعات. ولن نغالي إذا قلنا إن أغلب أدبيات النسوية العالمية تتحدث عن المرأة فردًا وتهمل النساء مجموعًا أو بالعكس تتحدث عن النساء مجموعًا وتهمل المرأة فردًا. وبذلك تتسع الفجوة بين ما ينبغي للمرأة تحقيقه وما يراد للمجموع تأكيده والدفاع عنه. والمحصلة أن المرأة (جهلت مركزها في الهيئة الاجتماعية كما جهلت الحياة لانقطاعها عنها وظنت أن واجبها إنما هو استمالة الرجل بالدلال والجمال فتعلقت بذلك)(4)

وإذا كانت النسوية العمومية في حملها لواء التعبير عن المرأة ووعيها بالكلية الأنثوية قد تجاوزت المحددات مكانية أو زمانية أو جندرية أو عرقية أو طبقية، فإن لها أن تنصف أولئك النسوة العراقيات اللائي اندثرت جهودهن في زمانهن والزمان الذي تلاهن فكن مثل أمهاتهن وجداتهن اللائي ضاع دورهن في الأزمان السالفة.

إن العمومية في كتابة تاريخ نسوي هي التي تردم هفوات التاريخ العام وزلاته بحق النسوية ونهضة المرأة فيها، ومن دون تاريخ خاص بهن فما من تغيير سيحصل و(إذا لم تكن نهضة نسائنا مستعارة فليس عليهن من حرج أن يجتمعن ويتذاكرن في صالحهن ويخطبن ويكتبن في صحفهن وفي مجلاتهن)(5). ومن أجل الوقوف على دور المرأة كمؤرخة في توثيق صور النسوية العمومية عبر مراحل تشكل نهضتها المعاصرة، فإننا سنمثل بثلاثة نماذج نسوية أدت دورا تدوينيا فوثقت صفحات مهمة من التاريخ النسوي.

أولاً/نبيهة عبود 1897 ـ 1981

سجل التاريخ العام بواكير النهضة النسوية منطلقة من مصر بين منتصف القرن التاسع والربع الأول من القرن العشرين لكننا نادرًا ما نلمح في هذه الأدبيات ما يشير إلى وجود حركة نسوية واضحة في العراق إلا بعد الأربعينيات وكانت محددة في جهود فردية لا تتعدى ممارسة الكتابة والنشر في الصحف والمجلات، وقليل منها كان جماعيًا كتأسيس نواد أو القيام بفعاليات عامة أو ما شاكل ذلك.

ولو تفحصنا عن كثب هذه الجهود وتمعنّا في ما وصل إلينا من تلك الأدبيات النسوية وما وثق تاريخيًا لوجدنا أنها قليلة. والأسباب كثيرة في مقدمتها النظرة الذكورية للمرأة بوصفها كائنًا ضعيفًا غير قادر على أن يكون فاعلاً أو مؤثرًا في المجتمع كما أن الصحافة آنذاك لم يكن لها دورها في المبادرة بالتعريف بالمرأة والترويج لأنشطتها مع ضيق يدها في أن توثق انجازاتها بنفسها داخل مجتمع أبوي منغلق.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الساحة العراقية بمدنها الكبيرة الثلاث بغداد والبصرة والموصل شهدت وجود نسوة متعلمات وفاعلات لاسيما مع قيام النظام الملكي. وساعد على ذلك ظهور مدارس تعليم البنات ثم فتح المجال لها للدراسة الجامعية داخل العراق وخارجه. وأخذت مجالات عمل المرأة المتعلمة وغير المتعلمة تتسع فكانت العاملة والمعلمة والأديبة والصحفية ورئيسة التحرير وغيرها.

وواحدة من هؤلاء النسوة اللائي امتلكن هذا الوازع العمومي في وقت مبكر من تاريخ النهضة النسوية في العراق نبيهة عبود (1897-1981) وهي باحثة وأكاديمية عراقية أكملت دراستها الأولية في العراق مطلع القرن العشرين ثم سافرت إلى الولايات المتحدة لإكمال دراستها العليا فتخصصت في التاريخ الإسلامي ونالت عام 1925 الماجستير من جامعة بوسطن ثم أكملت الدكتوراه في المعهد الشرقي في جامعة شيكاغو.

ومن دراساتها (صعود الخط العربي الشمالي وتطوره القرآني) 1942 و(أديرة الفيوم) 1937 ولها كتاب (ملكتا بغداد) 1946 و(المرأة والسياسة في الإسلام) و(عائشة محبوبة محمد) وكلها باللغة الانجليزية ولم تترجم باستثناء كتاب المرأة والسياسة.

وهي التي أشرفت على أطروحة الدكتور محسن مهدي العالم العراقي صاحب الكشوفات المهمة في الفلسفة الإسلامية. ووصفها قائلاً: (الباحثة العالمة وقد تحلت بقوة الشخصية وتميزت على المستشرقين بجهودها الفردية لا بسخاء فيدرالي ومشاريع جماعية ممولة وباهظة بل كانت نتيجة إرادة ومثابرة وعمل جاد فردي في مؤسسة ذات معايير عالية وتساهم في حماية أعضائها إثناء سيرهم في أبحاثهم العلمية لم تغادر المعهد إلا سنة واحدة ذهبت إلى الشرق الأوسط 1947 ودرست ونشرت وثائق إسلامية مبكرة وهدفها الأساس الدراسات الأدبية والإسلامية.. وقد وضعت للمعهد طريقا خاصا به.. لن أنسى روبرت ماك أدامز مدير المعهد الشرقي يقف على باب نبيهة عبود عشية تقاعدها عن تدريس الأدب العربي وفي يده بردية يقول لها هذا هو نوع العمل الذي أسست عليه المعهد ووجدت من اجله أريدك ان تعلمي أن المعهد سيستمر في دعمك وهو منزلك طالما أنك قادرة على مواصلة البحث)(6)

وتعد نبيهة عبود أول امرأة تشغل معقدًا في معهد شيكاغو للدراسات الإسلامية وكانت ضليعة بالتاريخ الإسلامي وفقه اللغة (الفيلولوجيا) كما أنها أول عالمة برديات في العصر الحديث، والبَرديات مخطوطات مدونة على أوراق قصب البردي، كان السومريون والمصريون القدماء يستعملونها في توثيق أعمالهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية حتى الأدبية، وظلت تستعمل في العصر العربي الإسلامي وما بعده لكن اكتشاف الصينيين الورق في القرن الثالث للهجرة كان الإيذان بانقضاء عصر البردي.

والمعروف أن البرديات صارت ـ في القرن التاسع عشر ومع ظهور جامعات ليدن وزيورخ وبرنستون وهايدليرج صارت ـ علمًا من علوم التاريخ القديم يتوسط علمي التاريخ والآثار وهو يوثق للنصوص ويروي عنها وخاصة النصوص الشرقية. والمخطوطات البردية التي وصلت إلينا من عصور قديمة ما تزال محفوظة في مكتبات القاهرة وفيينا وهايدلبرغ ولندن وباريس وميلانو في شكل مجلدات..

وقد تخصصت نبيهة عبود ببرديات القرنين الأول والثاني الهجريين وحققت بعض الوثائق الإسلامية المخطوطة على أوراق البردي. وتتشابه خطوط هذه البرديات وطبيعة العلامات الإملائية وأدوات الكتابة المستعملة فيها مع خطوط المصاحف.

وأهم تحقيقات نبيهة عبود كانت برديات ألف ليلة وليلة التي عُثر عليها عام 1939 وتعود إلى القرن الثالث الهجري. وقد نشرت نبيهة تحقيقها في مجلة (دراسات الشرق الأدنى) عام 1949.

وبلغ عدد البرديات المحققة في كتابها (دراسات في البرديات الأدبية العربية نصوص تاريخية(7) ثلاث مئة وإحدى وثلاثين وثيقة بردية ورقية، من ضمنها ثلاثون قطعة أدبية. ومن فصول هذا الكتاب (النصوص الأدبية والممارسات الكتابية/ خلق الكون / قصة ادم وحواء/ التاريخ الأسطوري في التاريخ اليهودي/ ابن إسحاق: اغتيال عمر/سيرة ابن هشام/ لقاء العقبة الثاني/ غزوات مهمة/ النبي وعائلته/معركة في عهد المقتدر).

ومن البرديات الأخرى التي حققتها نبيهة برديات قرة بن شريك وهي تشتمل على نوعين من الخطوط: المكي والكوفي. وتتبعت ما وجه إلى قرة من تهم، وعزت سببها إلى المؤرخين الذين تحاملوا عليه متعصبين لبني أمية مثل ابن المقفع وحاولت تفنيد تلك التهم، فنفت عنه الظلم وشككت في روايات ابن المقفع واحتجت بأدلة من البرديات تدلل على عقليته الإدارية والعسكرية وأعماله وانجازاته المهمة التي قام بها.

ولقد فتحت نبيهة عبود الطريق للباحثين من بعدها لتحقيق المزيد من هذه البرديات التي أخذ تحقيقها يزداد في القرن العشرين ولعل آخر دراسة كانت قد نشرت مطلع القرن الحادي والعشرين بعنوان (برديات قرة بن شريك العبسي دراسة وتحقيق) لجاسر بن خليل أبي صفية الذي درس ثلاث رسائل لقرة كنموذج لفن الرسائل في العصر الأموي مفيدًا من دراسة نبيهة عبود السابقة لقرة وعن ذلك قال: (نشأت في ذهني فكرة ترجمة كتاب نبيهة عبود عن برديات قرة وبدأت في الترجمة ثم توقفت لأنني أحسست أن الترجمة لن تفي قرة حقه مع أن نبيهة عبود دافعت عنه وردّت ما وجه إليه من تهم)(8) وهو يعني كتابها برديات قرة المنشور عام 1936.

ونقل عن نبيهة عبود قولها (إن قرة حاول جاهدًا أن يضبط أمر الجوالي ويحد من هجرتهم كما يتضح من البرديات التي وصلتنا باللغة اليونانية أنها ترجمة غير دقيقة للأصل العربي الذي ضاع بفعل الحرق المتعمد من قبل الفلاحين الجهة الذين وجدوا البرديات في أكوام السباخ)(9) وعلى الرغم من أهمية كتاب نبيهة عن قرة بن شريك فان الباحث رصد بعض الأخطاء التي وقعت فيها نبيهة وهي تقرأ خطوط الكلمات فمثلاً أنها عدت كلمة سول رسول بينما رأى الباحث أنها شول أي الخادم(10) وهكذا مع كلمات أخرى وهي ليست كثيرة.

ومن كتبها المهمة والأولى من نوعها كونها تتخذ من شخصيتين تاريخيتين موضوعا لها هو كتاب (ملكتا بغداد)(11) وهو على قسمين درست في القسم الأول الدور الذي لعبته خيزران الجارية في الوصول إلى السلطة. وتناولت في القسم الثاني حياة خيزران الزوجة وصراعها مع جاريات ينافسنها ثم درست زبيدة والدور الفاعل الذي لعبته في عهد الخليفة هارون الرشيد وما بعده(12) مستقصية أبعاد هاتين الشخصيتين وخفاياها وكيف أن للمرأة الشرقية في التاريخ الإسلامي دورها السياسي الحاكم في القيادة والمؤثر في صنع القرار في أعلى مراتب الدولة.

ولنبيهة في هذا الصدد أيضًا كتاب آخر عن (عائشة محبوبة الرسول)(13)صدر عام 1942 وعادة ما يترجمه الباحثون بـ(عائشة أم المؤمنين) وفيه رسمت صورة متعاطفة للغاية مع زوجة الرسول المفضلة حسب قول ويليام تومسن إلى جانب دراستها لبعض الأميرات الأمويات.

ومن إشاراتها المهمة التي فيها تؤاخذ المؤرخين الغربيين ما أخذته على أنطوان غالان في نظرته المتدنية للمرأة الشرقية والمستوحاة من أجواء ألف ليلة وليلة حيث المرأة هي اللذة وهي العنف والخطيئة والاحتقار.

وتجدر الإشارة إلى أن الاهتمام بالدراسات الشرقية لم يأخذ شكل المشروعات البحثية المدرسية بدقة إلا بعد الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 وأول من قام بهذا النوع من الأبحاث ديبرون ووليام جونز ثم ظهرت المقارنات الفيلولوجية والتوسط بين الفيلولوجيا والتاريخ(14)

وقد اختلف الغربيون اختلافًا كبيرًا في تصورهم لمفهوم الشرق؛ فالأمريكيون مثلاً يتكلمون في دراساتهم عن الشرق بوصفه هو الشرق الأقصى والصين واليابان مختلفين في ذلك مع الفرنسيين والبريطانيين الذين يعتبرون الشرق هو المجاور لأوروبا.

والواقع أن فكرة الشرق تستخدم في كثير من الأحيان لتوضيح فكرة الغرب على اعتبار أن بينهما كما يقول إدوارد سعيد كثيرًا من التقابل والتناقض فهما يتناقضان في كل شيء تقريبًا(15). وقد سبقت نبيهة عبود باحثات غربيات أردن فهم المرأة المسلمة خاصة والمرأة الشرقية عامة ومنهن مارجريت سميث التي اهتمت بميادين التصوف الإسلامي وتطرقت إلى المرأة الشرقية في كتابين لها، أحدهما كان عن المرأة الولية في عز الإسلام ونشر عام 1827 والآخر نشر عام 1924.. بيد أن نبيهة عبود تميزت بسعيها الحثيث نحو توثيق أدوار النساء في كتبها ومنها (المرأة والسياسة في الإسلام) وفيه اتبعت نمطًا جديدًا في دراسة دور النساء اللائي لعبن دورًا مهمًا في عصرهن من خلال تركيزها على ما تركنه من أثر مهم في الحياة السياسية مؤكدة أن القليل منهن وصل إلى مناصب مهمة في السلطة.

وفيه أخذت على المؤرخين شدة حذرهم من نقل أخبار الحريم وآخذتهم نبيهة على موقفهم هذا الذي جعلهم يعزفون عن تدوين مثل هذه الظواهر اعتقادًا منهم أن ليس للمرأة أن تكون ذات مكانة بين الرجال، كنوع من تأثير مشاعر التفوق الجنوسي وكتدليل على انجرارهم الفكري نحو مسائل السياسة والحكم فضلاً عن خضوعهم للتقاليد التي توجب إبقاء النساء في صورة تقليدية بعيدًا عن السياسة والحكم وكل ما يتعلق بهما(16).

وعلى الرغم من كراهية المؤرخين المسلمين أن تتدخل النساء في السياسة وشؤون الحكم، فإن تغير الظروف وتبدل الأزمان ساعد في تغير نظرة هؤلاء المؤرخين تجاه المرأة فغدوا أكثر تعاونًا وميالين لفكرة أن تشارك المرأة الرجل في الحياة من أجل بنائها(17).

ولم يكن هدف نبيهة عبود من وراء دراسة تاريخ المرأة سوى إعادة قراءته ترسيخًا لوعي جديد في دراسة المرأة المسلمة يخالف ما كان المستشرقون في أمريكا يسعون إليه، فشرحت البعد التاريخي للشرق ودللت على عمق ثقافته مما قد يتضاد مع فكر المستشرقين مثل ارنست رينان.

ولعل كتابها هذا واحد من مجموعة أعمال بحثية ساهمت في تحويل الاستشراق نحو دراسة الشرق بعيدًا عن الأغراض السياسية الاستعمارية وكاتجاه علمي بغيته الحقيقة والبحث عن الحضارات المندثرة من دون تحامل أو استعلاء غربي على الشرق.

من هنا نعد نبيهة عبود باحثة شرقية وليست مستشرقة(18) فلقد ساهمت في الانعطاف بالاستشراق الغربي في وقت مبكر نحو الدراسة الشرقية فكانت مستعربة في كل جهودها التأليفية حول النساء المسلمات مهيئة الأجواء لإنشاء كراسٍ بحثية في جامعات باريس وأكسفورد وهارفارد وشيكاغو وكان لها الدور المهم في دراسة اللغة العربية والتاريخ الإسلامي.

وبقيام نبيهة عبود بإعادة قراءة التاريخ النسوي تكون واحدة من العلماء الشرقيين الذي لهم فضل في دراسة الحضارة العربية وتراثها الثقافي العريق مساهمة إسهاما مهما في توطيد الحركة البحثية نحو الدراسات الشرقية لا الاستشراقية ناظرة إلى هذه الحضارة من منظور نسوي شرق أوسطي يخالف المنظور الذكوري الذي ظل حكرًا لقرون عديدة على الرجال عامة والغربيين خاصة فابتعدت نبيهة عن عقدة التعالي في تحقيق التراث الإسلامي مؤكدة أن للمرأة قدرتها الذاتية وهويتها البحثية في التعريف بحقيقة المرأة في الشرق ودورها الصميم في حضاراته العريقة.

ثانيًا/ قدرية حسين 1888 – 1955:

لم يكن ظهور المرأة المتعلمة في الشرق الأوسط أبان النصف الثاني من القرن التاسع عشر سوى استثناء من واقع شامل وعام فيه النساء غير متعلمات، فلقد شاع بينهن الجهل والتخلف. وعلى الرغم من شمولية هذا الوضع، فإن في هذا الاستثناء نماذج نسوية ظهرن آنذاك وتركن أثرًا بكتابتهن للسير والتراجم مدللات على حال نادر لكنه مؤثر.

ولا يخفى ما لأسوار التقاليد والعادات آنذاك من قوة وهيمنة، بيد أن قدرية حسين مارست دورها مؤرخة للمرأة مسلمة وغير مسلمة. وهي أميرة تركية تكتب باللغتين الفرنسية والتركية وتمتعت بقريحة وقادة. وقد عرَّب ولي الدين بك بعض رسائلها ومنها كتابها (نه لرم) أي (ما هو وما هي) وهو كتاب خواطر ولها كتاب (شهيرات النساء في العالم الإسلامي) هو الأول من نوعه في الترجمة للنساء صدر باللغة التركية عام 1922 وترجم إلى العربية عام 1924، قالت في مفتتحه: (اجتمعنا معشر أهل التوحيد تحت اللواء المحمدي المبارك نازلين عند قوله عز وجل إنما المؤمنون أخوة فرفعنا ستور الجنسية وأزلنا حوائل القومية فأصبحنا جميعًا منذ ذلك اليوم بنعمة الله إخوانا أسرة واحدة)(19) وقد قدمت قدرية حسين صورة جديدة للتنوير المجتمعي وبوعي تاريخي ركز على الفعل النسوي وجعل المرأة هي البؤرة التي منها يبزغ التحديث الحضاري كلبنة أولى من طريق طويل لخرق التقاليد والتخلص من ربقة المألوف في النظر للمرأة.

وهو ما يتجلى في كتابها (شهيرات النساء في العالم الإسلامي) وفيه ترجمات سيرية تاريخية تأخذ شكل قالب كتابي قصير ومختصر لشخصية امرأة بعينها ترسم صورة لتخصصها وإبداعها في مجال من مجالات الحياة. وتقوم طريقة قدرية على تسجيل حوادث النساء ممن اشتهرن بالفضل والكمال في أصقاع مختلفة من البلدان الإسلامية سواء من العرب أم من الترك أو الهند أو جاوة أو العجم إلى غير ذلك فتترجم أحوالهن مستعينة بالمصادر المهمة والمراجع الموثوق بها التي تؤكد ما أدينه من ادوار مهمة في التاريخ الإسلامي.

ولها كثير من الآراء القيمة والمبكرة في زمانها والمدللة على ما تمتلكه من الوعي بمسائل لها صلة بالنسوية العمومية ومنها:

1) أن في الشرق ظلمًا كبيرًا للمرأة وفي كل شأن من شؤون حياتها فخاطبت قدرية هذا الشرق قائلة: (تمر عليك الأعوام والأحقاب فتزداد حاجتك إلى النور .. أيحسن بهم ان يدعوا دورهم وربوعهم في ظلام دامس وان يفرطوا فيما كان لهم من شرف الحال وجلال القدر)(20).

2) أثر المرأة الجميل في المعترك الحياتي الذي يجعل نهضة الأمة وتجديد دورها مرهون بالمرأة مثلما هو مرهون بالرجل.

3) نزعة الانتقاد لكل من يتمسك بأهداب القديم ويسير على عادات وتقاليد (يفرط في محبتها إلى حد إنزالها منزلة العقائد والمذاهب)(21) ومن تلك العادات ان النساء لا يحق لهن التربع على منصات الحكم في بلاد المشرق كما لا يوثق بهن في الإدارة فهن مجرد كمية سهلة لا يعتد برأيهن ولا وزن اجتماعيا لهن.

4) استنهاض الهمة في النساء الشرقيات وضرورة أن يضعن نصب أعينهن (ترك السفاسف ولتفهم الواحدة أنها ليست لعبة أو زينة. أننا نعيش في زمن لا يتسع لأمثال هذه الصغائر علينا أن نفهم حياة السلف ونعمل على تخليد صحائف أعمالنا ولتشعر الواحدة منا بالمسؤولية الملقاة على عاتقها. الفرد جزء من الإنسانية ومجموع الخلق هي الإنسانية وما نحن الشرقيات سوى قطعة منها)(22).

5) العمل بتخطيط وتنظيم من أجل أن تحتل المرأة مكانها الصحيح في الحياة، وإلا يمحى (اسمنا من صحيفة الوجود فليس أمامنا سوى طريق السعي والعمل بنظرية تنازع البقاء بما فينا من جهد وحسن نية إلى ان نتمكن من إزالة ما علق بأذهان الأوربيين ضدنا من الأوهام والنوايا السيئة. لو استطعنا ان نصل إلى الدرجة التي كانت عليه نساء الشرق قديما لوقفنا قليلا في سبيل تدهورنا في هوة التدني)(23).

6) التأكيد على أهمية التاريخ لا لأنه مصدر العظة والعبرة حسب بل لأنه الميدان الذي فيه تتجلى الأهداف المصيرية للنسوية وفي مقدمتها نهضة المرأة العصرية.

ولعل هذه النقطة الأخيرة هي أهم الآراء النسوية وأكثرها أهمية بالنسبة إلى قدرية حسين نظرًا لقربها من ميدان تخصصها وهو البحث في كتب التاريخ العام والإسلامي عن شخصيات نسوية لأجل الاقتداء بسالفات العصر الإسلامي.

وقد أوصلها العمل على توسيع المدارك وشحذ القرائح إلى الشعور بالتأسف على مؤرخي الإسلام (الذين لم يتسع الوقت لأحدهم ليسردوا سيرة كاملة) لسيدة من سيدات الإسلام. فالتاريخ يذكر الشخصيات النسوية عرضًا لا قصدًا ولذا توزعت سير السيدات كشذرات في بطون التاريخ.

وقد افتتحت قدرية الفصل الخاص بسيرة السيدة فاطمة عليها السلام قائلة: (شعرت أثناء كتابتي عنها حاجتي إلى الرجوع إلى ما يزيد من عشرة كتب من أمهات التاريخ. وليتني استطعت أن أخرج من معلوماتي المقتطفة منها بما يروي الغليل بل وقفت جهودي عند حد تكوين سيرة مختصرة، فحسبُ بطلاتنا وشهيراتنا محاطة على الدوام بالغموض والإيهام فإن الأقدمين كانوا يعتبرون هذه من المسائل التي لا يجوز إذاعتها كما هو ظاهر من كتبهم .. أقول مستسمحة سيدات اليوم أنه كان لشهيرات الأمس عقلية رصينة وغاية ثابتة في الحياة ومع ذلك فقد ظلت ألوان المساعي التي بذلنها مخفية وراء ستور الإهمال)(24).

ويقع الكتاب موضع الرصد في جزأين: أرخت في الجزء الأول منه لأربع شخصيات نسوية هن على التوالي: أم المؤمنين السيدة خديجة الكبرى وأم المؤمنين عائشة والعباسة أخت الرشيد والملكة عصمة الدين شجرة الدر. وأرخت في الجزء الثاني لأربعة شخصيات نسوية هن على التوالي: سيدة النساء فاطمة الزهراء وتاج الرجال رابعة العدوية وأميرة المؤمنين زبيدة والأميرة صبيحة ملكة قرطبة.

وأكثر السير غزارة هي سيرة عائشة ليس لأن المؤرخين وثقوا لحياتهم بشكل أكبر فأعطوها مساحة وأهمية في تواريخهم أغزر من غيرها حسب وإنما أيضًا أن الحوادث التي شاركت فيها وعاشتها وعاصرتها كانت من الأهمية والقدسية ما جعل التاريخ يسرد كثيرًا من تفاصيل حياتها. وقد تناولت قدرية ذلك كله في سبعة فصول منها زفاف عائشة وحديث الإفك وحجة الوداع وواقعة الجمل وأواخر أيامها وغيرها.

وإذ تنقل قدرية حسين بأمانة ما ذكر من أخبار وحوادث تتعلق بالسيدات (خديجة وعائشة وفاطمة الزهراء) فإنها كانت مع الشخصيات الأخرى أكثر تحررًا في النقل والتفسير الاجتماعي والنفسي لبعض الحوادث كما أدلت بدلوها في ما يتعلق بالمسكوت عنه في التاريخ ولم ينقله المؤرخون وبما يعزز تراجمها ويحقق غايتها في التارخة للنساء المشهورات. فمثلاً أرجعت المصير المأساوي لشجرة الدر إلى السياسة وليس إلى نفسيتها فقالت: (لم تكن شجرة الدر شخصية كاملة ولكنها استطاعت أن تظهر على مسرح الحكم والسياسة في زمن عصيب وكونت لها قصة تستاف الأذان لسماعها وهذا ما حدا بي إلى تصوير قصتها وشؤون حياتها للقراء)(25).

وتعاطفها مع شجرة الدر إنما هو ردّ الاعتبار لهذه الشخصية التي ألصق بها التاريخ العام كثيرًا من التهم، فقالت: (كانت شجرة الدر رغم مظاهر حياتها الخصوصية امرأة مسلمة ذات ميزة خاصة في حياتها العمومية كانت على علم قام بنفسية الشعب ولم تكن حكومتها استبدادية)(26).

وتعاطفها مع زبيدة بغداد جعلها تشبه ملاقاة موكبها من قبل الأمين ومعه الوزراء والأمراء والأعيان بموكب بلقيس وهي تلاقي النبي سليمان، (هنا اخذ الخيال بيدي إلى منظر آخر في صفحات التاريخ إلى صورة بارزة للحلال والاحتشام إلى موكب اجتماع ملكة سبأ بسيدنا سليمان عليه السلام ودخولها فلسطين تحف بها آيات الاحتشام ومظاهر الجلال والكمال)(27).

وفي كتابها (طيف ملكي) قدمت قصصًا كانت فيها هي الساردة والمؤرخة مستوحية فيها تاريخ مصر القديمة وتحديدًا تاريخ ملكات الفراعنة وما حثها على سرد هذه القصص هي آثار مدينة طيبة التي زارتها خلال مدة إقامتها في مدينة الأقصر المصرية وفيها تخيلت أرواح نساء ملوكية (منها عرفت كيف كان صنيع أولئك الملكات اللواتي حلت فيهن روح الوطن أجيالاً طوالاً وفي حضرتهن خطرت على القلب ذكرى ملكات آخر من ملوك العهد الإسلامي العظيم)(28).

وأكدت في هذه القصص أن الشرق لم يحط بأخبار هؤلاء الملكات فنسى ماضيهن (ممن كن لتاجه الخلاب زينة لا يبلغها بثمن)(29) وغالبًا ما تتخذ القصص شكل حوارات واستبطانات لدواخل أولئك الملكات (كان محيًا الملكة العظيمة الهادئ الصافي يتهلل بابتسامة هي لغز من الألغاز كأنما هي تتحدى غابر الدهر كما تتحدى كل ما في الماضي من اضطهاد وعصور إهمال، أ ليست من جوهر الآلهة ابنة آمون الفاتنة)(30).

وكثيرًا ما كانت تقارن ملكة فرعونية بملكة مصرية من العصور الإسلامية ففي الفصل الأول وعنوانه: (طائف حلم: عند الملكة هاتاسو في الدير البحري) نجدها توازي بين ملكتين هما هاتاسو الفرعونية وشجرة الدر المصرية وسألت الآثار الباقية عن هاتاسو وكيف (سولت الدناءة لرجال دولتها ان يعيبوها بأنها لم تكن إلا امرأة)(31) وفي كتابها (سوانح الأميرة) شبهت الملكة تابا في الفكر والقدرة وتولي الحكم بالسلطانة كوسم غير أن (التاريخ يذكر اسميهما مقرونًا بالشدة والغرور)(32).

وتحسرت على زمان كانت فيه النساء فاعلات وحاكمات وإلهات (آه لو أن نساءنا نساء الشرق عرفن كيف يحتفظن بتلك الهمة الأولى)(33) ووجهت اللوم إلى المؤرخين لأنهم آثروا أن يسحبوا على نساء تستحق الإعجاب ذيل النسيان فلم ينلن حسن الذكر الذي استوجبنه(34).

وتأسفت حين وجدت أن قصة الأميرة نوفريت (ظلت قصة.. خرافية ولم يبق لها التاريخ مزية أكثر من ذكر اسمها الموسيقي)(35).

وإذا علمنا أنها فرغت من كتابها هذا عام 1920 أدركنا أنها كانت سابقة لباحثين ونقادًا كثيرين من الذين شككوا في عمل المؤرخين وكتب مؤلفات حاول فيها أن يكمل ما تركه التاريخ العام من نواقص ومتروكات.

 ثالثًا/ زينب فواز 1850-1914

عنيت المرأة بالتاريخ كجزء من عنايتها ببنات جنسها، فوجهت اهتمامها نحو تدوين تواريخ النساء شرقيات وغربيات جنبًا إلى جنب تدوين تاريخها الشخصي. وكانت الترجمة هي الأسلوب الأكثر نجاعة في الدفاع عن مكانتها داخل المجتمع، مخترقة احتكار الذكور كتابة التاريخ ومساهِمة في تعزيز قضية المرأة وكتدليل أيضًا على اختلاف التاريخ النسوي الذي ينبغي أن تكون له مكانته تمامًا كالتاريخ العام.

وهو ما تنبهت إليه زينب فواز (1850-1914) فجمعت سير النساء اللائي ذكرهن التاريخ العام وخصصت لهن معجمًا خاصًا هو بمثابة تاريخ نسوي وحمل عنوانًا أثيرًا هو (الدر المنثور في طبقات ربات الخدور) عام 1894 وما وصفها النساء المترجَم لهن في هذا الكتاب بالدر المنثور سوى تأكيد على ما لهذا الجمع للسير وهذا التخصيص لتاريخ النساء من أثر في رفع مكانة المرأة وتوكيد دورها في الحياة.

وقد رتبت سير النساء المشهورات والمعروفات عربيًا وعالميًا بحسب الترتيب الهجائي لأسمائهن وبجزأين: الأول يبدأ من الحرف أ إلى الحرف س والجزء الثاني يبدأ من الحرف ش إلى الحرف و. وبلغ مجموع صفحات الجزأين 879 صفحة.

وقد نالت زينب فواز بسبب هذا الكتاب شهرة أدبية واسعة أولاً لجهدها الكبير غير المسبوق وثانيًا لوعيها النسوي المبكر على وعي كثير من الرجال الأدباء وثالثًا مساواتها لقاسم أمين في دعوته النهضوية لتحرير المرأة وفي دفاعه المستميت عن حقوق النساء جميعًا.

ولقد أكدت زينب فواز في المقدمة أهمية التاريخ مبينة أنها أول امرأة تؤرخ للشهيرات من بنات جنسها وعن ذلك قالت: (إنه لما كان علم التاريخ أحسن العلوم وأفضل المنطوق والمفهوم كثرت رجاله واتسع نطاقه.. ولم أر في كل ذلك مَن تطرفَ وافردَ لنصف العالم الإنساني بابًا باللغة العربية جمع فيه من اشتهرن بالفضائل وتنزهن عن الرذائل.. فلحقتني الحمية والغيرة النوعية على تأليف سفر يسفر عن محيا فضائل ذوات الفضائل من الآنسات والعقائل وجمع شتات تراجمهن بقدر ما يصل إليه الإمكان وإيراد أخبارهن من كل زمان ومكان)(36).

وكان سعي زينب فواز نحو ممارسة فعل التارخة متأتيًا عن تعمق في كتب التاريخ مما مكنها من ممارسة كتابته مخترقة بذلك ميدانًا طالما ظل حكرًا على الرجال.

والجميل أنها لم تعتمد في ترجمة أعلام النساء على كتب التاريخ حسب، بل استعانت أيضًا بالمجلات والجرائد والدوريات كما رجعت إلى آراء كاتبات جايلنها مثل مريم مكاريوس.

ومن ميزات زينب فواز في كتابة التاريخ النسوي، أسلوبها الأدبي المشوق والبليغ فوصفت مثلاً نزهون الغرناطية بالقول: (جوهرة لم يسمع بمثلها الدهر وفريدة فاقت على نساء العصر فما الآداب إلا نقطة من بحرها الرائق، وما الجمال إلا من نور وجهها الشارق، لها ناد لم يؤمه إلا الأفاضل)(37) ولا عجب أن يكون هذا النوع من الكتابة التاريخية نافعًا ومهما من عدة نواح:

1) التأثير في النساء المتعلمات ليقمن بممارسة الترجمة على مستوى الصحافة مقلدات هذا العمل الفريد الذي كانت فيه زينب فواز (ثاني امرأة عربية تكتب معجمًا لتراجم النساء فسيدة أخرى من لبنان سبقتها عاصرت مريم مكاريوس تقريبًا هي مريم نحاس نوفل(38).

2) أنه مصدر مهم في دراسة سياسات النوع والبحث عن الهوية في ظل المجتمع الأبوي المنغلق والأحادي.

ولا نتفق مع الباحثة مارلين بوث التي عزت اهتمام زينب فواز بالترجمة إلى الرغبة في الخروج عن المقياس بين مجتمع المهاجرين السوريين اللبنانيين في مصر لكونها مسلمة شيعية تعيش وسط أغلبية مثقفة من الشوام المسيحيين(39) بل السبب هو نزعتها النسوية التي جعلتها مدركة بوعي كبير أهمية التاريخ وأنه وحده القادر على التدليل على أهمية المرأة وأنها مثل أهمية الرجل مما يوجب لها الاحترام داخل المجتمع.

وتتضح هذه النزعة النسوية أكثر في كتابها (الرسائل الزينبية) وهو عبارة عن إحدى وسبعين رسالة جمعت فيها كل ما نشرته في الصحف وفيها دعت إلى المساواة في مسائل سياسية وتربوية. ومن آرائها أن المرأة ليست كائنا ناقصًا ومن ثم لا ينبغي أن يغلق (أمامها باب السعادة فلا تعرف نفسها إلا آلة بيد الرجل يسيرها أنّى سار ويديرها كيف شاء ويشدد عليها التنكير بإغلاظ الحجاب وسد أبواب التعليم وعدم الخروج من المنزل وبحرمانها من حضور المحافل النسائية العامة)(40).

وكذلك نزعة زينب فواز النسوية وميلها الشديد للتاريخ في روايتها التاريخية ذات البطولة النسوية (الملك كورش) وهي قصة عن دولة الماديين 751 ق.م. في بلاد مادي بأذربيجان بناها الملك ديجويس، والبطلة هي الأميرة مندان التي يدفعها تفكرها في عبادة النار إلى التساؤل هل فعلا تقدر النار على خلق البشر وهي التي تلتهم كل شيء؟!

وتحتدم أحداث الرواية حين تتزوج الأميرة من قمبيز الذي يحملها معه إلى بلاد فارس ثم يغرم بها الملك كورس الذي غزا البلاد، وتستهل الرواية بأسلوب حكائي (كان في بدء روايتنا هذه أحد ملوك مادي وهو الملك استياج وكان شديد الحرص على ملكه قوي البطش يعبد النار دون الملك الجبار وكان قد تزوج بابنة ملك ليديا فرزق منها ابنة في غاية من الحسن والجمال فسماها مندان ورباها ورتب لها الأساتذة والمعلمين على اختلاف أنواع العلوم)(41).

وإلى جانب الكتب، فإن لزينب فواز مقالات كثيرة اتضح فيها فكرها النسوي أيضًا، وفيها حضت المجتمع على تعليم البنات مثل مقالتها المعنونة (تقدم المرأة) المنشورة في جريدة المؤيد المصرية 12 شوال 1309 وفيها قالت: (ما من أمة انبعثت فيها أشعة التمدن في أي زمان كان إلا وكان للنساء فيه اليد الطولى والفضل الأعظم كما لا يخفى ذلك على من اطلع على تواريخ المصريين واليونان القدماء فكل هذه الأمم المتمدنة كانت تعتبر النساء كعضو لا يتم العمل إلا بمساعدته.)(42).

خاتمة

إن الغاية من كتابة “التاريخ النسوي” هي عرض صورة دقيقة وحقيقية لمسارات النهضة النسوية وتطور حركيتها وبالشكل الذي يعمق الوعي ويصحح مسار الأبحاث لتكون أغنى وأعمق مما أعتيد طرقه في دراسات الباحثين الاجتماعيين والمؤرخين الأدبيين.

وإذ يعتقد كثير من الدارسين أن بداية انطلاق الحركة النسوية في العالم عامة والشرق الأوسط خاصة، كان مع إنشاء اتحادات رسمية ومنظمات ذات طابع سياسي، فإن واقع الحال يشير إلى غير ذلك. فوفقًا للتاريخ النسوي كانت بداية الحركة النسوية في أوروبا تعود إلى القرن الثامن عشر وفيه ظهرت نساء متنورات ورجال متنورون كان لهم دور مهم في تشكيل النواة الأولى للنهضة النسوية.

ويقينًا، فإن لا تخصيص فرديًا في الاهتمام بقضايا المرأة وحقوقها ما لم يتم تخصيص قضايا النساء وحقوقهن جميعًا إذ لا أهمية للمفرد بمعزل عن أهمية المجموع كما أن أي حديث عن تحسين واقع المرأة سيظل حلولًا ومعالجات ناقصة ما لم يكن المجموع النسوي حاضرًا بكليته.

وأغلب ما يجري الآن على الساحة السياسية العالمية تحت يافطة (تمكين المرأة) يصب في باب الاهتمام الفردي بالمرأة ككيان معزول ليس مخصوصًا بمجموع نسوي يمثله أو هو يتمثل فيه، بدءا من مؤتمرات بكين ونيويورك ما بين الأعوام 1995-2012 وانتهاء بآخر مؤتمر من هذا النوع. ولذلك تظل التأكيدات على صعيد قيادة المرأة للمجتمع وتولي المهام الرسمية، فاعلة في الأقل نظريًا، أما المسائل الواقعية المتعلقة بالنساء كمجموع عام فإنها تغيب سياسيًا في الأعم الأغلب.

 

الهوامش

(1) ينظر: أدونيس، الثابت والمتحول الجزء الثالث صدمة الحداثة (بيروت: دار العودة، ط2، 1979) ص255. و(الامبريالية الثقافية) هي مجموعة الوسائل التي تمكن من إدخال مجتمع ما في إطار النظام العالمي الحديث وهي الطريقة التي تؤدي بالطبقة التي تقود هذا المجتمع إلى أن تكيف مؤسساته الاجتماعية سواء بفعل الإغراء أو الضغط أو القوة أو الإفساد لكي تجعلها متطابقة مع القيم والبنى في المركز المهيمن لذلك النظام أو لكي تجعلها وسيطًا لها. المقولة نقلها أدونيس عن عالم اجتماع أمريكي لم يذكر اسمه ولكن ذكر اسم الباحث الفرنسي الذي نقل عنه وهو برنار كاسن.

(2) كان دور الصحفيات مهما وواضحًا آنذاك/ فمريم نرمه ترأست تحرير صحيفة (فتاة العرب) 1937 وكانت لحمدية الأعرجي مجلة (المرأة الحديثة) ولحسيبة راجي مجلة (فتاة العراق) 1936 أما مجلة الاتحاد النسائي العراقي فرأستها آسيا توفيق وهبي 1950 ورأست نعيمة الوكيل مجلة (14 تموز) 1958.

(3) من أوائل القاصات اللائي كان لهن كتاب في القصة حورية هاشم نوري ومجموعتها (دماء ودموع) 1950 وكانت تنشر قصصها باسم فتاة بغداد ومثلها مليحة اسحق 1948 وناجية حمدي 1955 وأول رواية أصدرتها امرأة كانت لليلى قادر عام 1957 عنوانها (نادية).

(4) نبوية موسى، المرأة والعمل، (القاهرة: مؤسسة هنداوي، ط1، 2014) ص60.

(5) فهمي المدرس، مقالات فهمي المدرس (بغداد: مطبعة أسعد، 1970) ص71 وعنوان المقالة هو (النهضة في الشرق وروح الاجتماع).

(6) Nabia Abboott, Muhsin Mahdi, oi.uchicago.edu.

(7) See; Studies in arabic literary papyri,1. The historical texts , Nabia Abbott , university of ghicago, 1957.

وقد أهدت نبيهة عبود كتابها إلى المؤرخ مارتن سبرنغلتغ (1877ـ1950) وهو بروفيسور اللغات السامية في جامعة شيكاغو.

(8) جاسر بن خليل أبو صفية، برديات قرة بن شريك العبسي دراسة وتحقيق (الرياض: مركز الفيصل للدراسات الإسلامية، ط1، 2004) ص14.

(9) ينظر: جاسر أبو صفية، بحث (اللغة والنحو والصرف والهجاء في البرديات الأموية) مجلة مجمع اللغة العربية الأردني، العدد 60،2001، ص11ـ41. ونفسه منشور بعنوان (مشكلة الجوالي في البرديات الأموية) في مجلة حوليات الجامعة التونسية، العدد 39، ص188.

(10) برديات قرة بن شريك العبسي، مصدر سابق، ص156.

(11)Two queens of Baghdad :mother and wife of Harun al-Rashid , Nabia Abbott, the university of chicago press,1946.

(12) ينظر: وميض محمد شاكر إبراهيم، دور المرأة الشرقية الحاكمة دراسة في كتابها ملكتان في بغداد، مجلة آداب الرافدين، ملحق العدد 82، 2020، ص270.

(13) See; Aishah: the beloved of Muhammed, Nabia Aboott, the cambridge university, london press.

 ولم يترجم الكتاب إلى العربية بعد.

(14) أحمد أبو زيد، بحث (الاستشراق والمستشرقون)، مجلة عالم الفكر، المجلد العاشر، العدد الثاني، 1978، ص551. والبحث عرض لكتاب الاستشراق لإدوارد سعيد.

(15) ينظر: الاستشراق والمستشرقون، مصدر سابق، ص539ـ 560.

(16) نبيهة عبود، المرأة والسياسة في الإسلام، ترجمة عمر أبو النصر (باريس: دار بابليون 2010) ص271 ـ272.

(17) المصدر نفسه، ص11

(18) عدها المؤرخ نجيب العقيقي مستشرقة مع مستشرقين مثل ايلي سمث وايرفنج وجميس جوت (أستاذ اللغات الشرقية في جامعة بيروت الأمريكية وهارفرد وشيكاغو) ينظر: نجيب العقيقي (المستشرقون) الجزء الثاني (مصر: دار المعارف، ط3، 1964) ص431.

(19) قدرية حسين، شهيرات النساء في العالم الإسلامي، تعريب عبد العزيز أمين الخانجي (مصر: المكتبة المصرية، مطبعة السعادة، ط1، 1924) ص6.

(20) شهيرات النساء في العالم الإسلامي، مصدر سابق، ص3.

(21) شهيرات النساء في العالم الإسلامي، مصدر سابق، ص24.

(22) شهيرات النساء في العالم الإسلامي، مصدر سابق، ص176.

(23) شهيرات النساء في العالم الإسلامي، مصدر سابق، ص176.

(24) شهيرات النساء في العالم الإسلامي، مصدر سابق، ص12.

(25) شهيرات النساء في العالم الإسلامي، مصدر سابق، ص176

(26) شهيرات النساء في العالم الإسلامي، مصدر سابق، ص180

(27) شهيرات النساء في العالم الإسلامي، مصدر سابق، ص124

(28) قدرية حسين، طيف ملكي، ترجمة مصطفى عبد الرزاق، (مصر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ط1، 2012) ص9

(29) طيف ملكي مصدر سابق، ص9

(30) طيف ملكي مصدر سابق، ص12

(31) طيف ملكي مصدر سابق، ص14

(32) قدرية حسين، سوانح الأميرة، ترجمة عبد العزيز أمين الخانجي، (مصر: مؤسسة هنداوي، 2013) ص37.

(33) سوانح الأميرة، مصدر سابق، ص21

(34) ينظر: طيف ملكي، مصدر سابق، ص192

(35) سوانح الأميرة، مصدر سابق، 38.

(36) زينب فواز، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور، (مصر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012)  ص8

(37) الدر المنثور في طبقات ربات الخدور، مصدر سابق، ص833

(38) مارلين بوث، شهيرات النساء، ترجمة سحر توفيق (القاهرة: المركز القومي للترجمة، ط1، 2008) ص60.

(39) ينظر: شهيرات النساء، مصدر سابق، ص66

(40) زينب فواز، الرسائل الزينبية، (مصر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012)، ص13

(41) زينب فواز، الملك كورش، (مصر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012)، ص7.

(42) الرسائل الزينبية، مصدر سابق، ص18.

Facebook
X
WhatsApp
Threads
Telegram

عدد التحميلات: 0

أ.د. نادية هناوي

ناقدة من العراق - كلية التربية - قسم اللغة العربية - الجامعة المستنصرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى