العدد الحاليالعدد رقم 45مراجعات

شرق الجامع الأموي تأريخ الماسونية الدمشقية

الكتاب: شرق الجامع الأموي

المؤلف: سامي مروان مبيض

الناشر: دار رياض الريس

عدد الصفحات: 270 صفحة

تاريخ النشر: 2019

اكتنف الماسونية الكثير من الغموض بسبب طابع السرية الذي اتسمت به، وظلت الأقاويل والاتهامات والجدل يدور حولها حتى يومنا هذا، دون أن يتمكن أي باحث من معرفة الحقيقة كاملة، فقد أنكر الكثيرون لاسيما في الدول العربية انتمائهم وأسقطوا تلك الفترة من حياتهم وسيرتهم الذاتية لا سيما بعد النكبة عام 1948 واتهام الماسونية بالتواطؤ مع الصهيونية العالمية في احتلال فلسطين، من هنا بدأ المؤرخ السوري سامي مبيض البحث عن الماسونية الدمشقية تحديدًا في كتابه (شرق الجامع الأموي) الصادر عن دار الريس في بيروت، ليقدم للقارئ سلسلة من الأسماء من أعضاء الماسونية سيفاجئ القارئ بأنهم من خيرة الوطنيين السوريين الذين قاوموا المحتل وساهموا في صنع الاستقلال عام 1946.

ينطلق المؤلف من سيرة اثنين من أجداده الذين لم تكن سيرتهم تشي بأي من المخاوف التي عششت في عقول الناس، هم ليسوا من المخربين والخونة بل كانا من الوطنيين المخلصين لبلدهم ودينهم، ليبدأ البحث والنبش في تاريخ الماسونية الدمشقية من بدايتها عام 1868 وحتى نهايتها في 1965 حين أغلقت المحافل الماسونية في البلاد بأمر من الرئيس أمين الحافظ، وحظر نشاطها وغاب أعضاءها عن المشهد السياسي السوري، مستندًا إلى الكثير من الوثائق والمراجع وشهادات من بقي حيًا منهم علّه يعرف الحقيقة أو جزءًا منها عملًا بنصيحة الماسوني العريق جورج لاذقاني «عليك أن تقرأ أكثر يا بني لكي تعرف الحقيقة»، مؤكدًا أنّ هذا الكتاب ليس إلا إنصافًا للتاريخ «فلا ينبغي تحميل الماسونية الدمشقية المحلية أكثر مما تحتمل»، بعد أن انتشرت الكثير من الكتب والدراسات التي كتبها كتاب يساريين وإسلاميين متشددين حملوها كل الخراب الذي لحق بالعالم العربي.

سيكتشف القارئ أنّ الكثير من الأعضاء كانوا من المؤسسين للدولة السورية، مؤكدًا أنهم «دخلوا الماسونية لأنهم نخبة القوم لا العكس» فهم لم يستفيدوا منها ولا تسلقوا عليها ولا هي قدمت لهم الدعم اللازم للارتقاء سواء سياسيًا أو اقتصاديًا أو حتى اجتماعيًا، بل إنها لو صح ما نسب إليهم لكانت أنقذت بعضهم من القتل أو أوصلت آخرين إلى سدة الحكم، مشيرًا في سياق الحديث عن الماسونية الدمشقية أنها بقيت حكرًا على الرجال وفق شروط مشددة لا بدّ من توفرها لدى طالب الانتساب من بينها «السمعة الحسنة».

حاول الكاتب إلى حد ما دحض الاتهامات التي وجهت إلى الماسونية وأعضاءها لا سيما الدمشقية، وهي التي نصّت أدبياتها على العدالة وبعث الحقيقة، إلا أنّ تهمًا كعبدة الشيطان وقلب أنظمة الحكم ستلاحقها إلى يومنا هذا، مستغربًا الصمت الذي أبداه أعضاؤها إزاء من ألقي عليهم من تهم، فلا هم دافعوا عن أنفسهم ولا قدموا وثائق تثبت براءتهم، بل إنهم ومع إغلاق المحافل الدمشقية قاموا هم أنفسهم بحرق كل الأوراق ولاذوا بالصمت.

يحكي المؤرخ السوري سامي مبيض في هذا الكتاب الكثير من التفاصيل ويعدد المحافل الدمشقية وأسماء أعضاءها وتاريخهم النضالي الوطني، من محفل نور دمشق أبرز مؤسسيه عبدالرحمن الشهبندر وفارس الخوري الذي أنكرت حفيدته الأديبة كوليت خوري أي علاقة لجدها بالماسونية كما جاء في كتابها (أوراق فارس خوري)، إلى محفل قاسيون 1922 ومحفل سوريا 1924 الذي أسس أعضاؤه جمعية المواساة الخيرية ومستشفى المواساة الذين ما زالا باقيين حتى اليوم.

تخلل الكتاب سيرة أبرز الماسون السوريون ودورهم في الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، على الرغم من أنّ قوانين الماسونية كانت تحظر التعاطي بالسياسة داخل المحفل، متحدثًا عن أبرز المراحل في تاريخ سوريا إلى الوقت الذي «بدأت أنوار المحافل الماسونية تنطفئ تدريجيًا».

يبدو الكتاب بكل ما حمله من تفاصيل مرجعًا هامًا للقارئ الباحث عن تاريخ سوريا ويومياتها في تلك الحقبة، دون أن ينسى الكاتب الإشادة بالمواقف والأعمال التي قدمتها تلك الشخصيات، من بينها ظريف دمشق وزعيمها فخري البارودي الرجل الذي أنفق أمواله خدمة للعلم والثقافة ومات وحيدًا في بيته عام 1966، كتاب قد يرضي البعض ويرفضه آخرون إلا أنّك سواء وافقت أم لا، لابدّ أن تخرج منه محملًا بالكثير من المعلومات التي تغني الذاكرة السورية وتحفظها.

Facebook
X
WhatsApp
Threads
Telegram

عدد التحميلات: 0

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى