التعليم وثقافة التنمية المستدامة في العالم العربيالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-05-19 00:43:46

د. إدريس سلطان صالح

أستاذ جامعي - مصر

يمتلك الوطن العربي ثروات طبيعية متنوعة، ما بين موقع إستراتيجي متميز يتوسط قارات العالم، وموارد مائية ومعدنية، ومصادر للطاقة، ومراعي طبيعية، وتربات خصبة، جعلته من أغنى مناطق العالم، إضافة إلى الثروات البشرية المتمثلة في سكانه، وما يمتلكونه من قدرات ومهارات قادرة على صنع الفارق إذا ما أُتيحت لهم الفرص المناسبة.

وتمثل الموارد الطبيعية والبشرية مصادر أساسية لقوة الوطن العربي، وعناصر مهمة تعتمد عليها جميع المشروعات التنموية، وذلك اعتمادًا على تعليم وتدريب موارده البشرية؛ لتكون قادرة على توظيف ما يمتلكه من موارد طبيعية بطريقة فعالة تحقق الأهداف المنشودة.

وقد أدى التقدم الصناعي الذي يشهده العالم العربي إلى التوسع في استخراج الموارد الطبيعية، خاصة الموارد غير المتجددة منها، مثل الفحم والبترول والغاز الطبيعي والمعادن، وهي موارد يحتاج تكوينها انقضاء عصور جيولوجية طويلة .

ولذلك وجب علينا الانتباه لمعدلات استخدامنا لمواردنا الطبيعية واستنزافها، لما لذلك من تأثير على البيئة العربية وسكانها في الحاضر والمستقبل، ومن ثم ضرورة التوجه نحو تحقيق التنمية المستدامة لمواردنا، بما يعني التنمية التي تحقق حاجات الأجيال الحالية، وتراعي حق أجيال المستقبل في التنمية.

وقد انتشرت ثقافة التنمية المستدامة في العالم كرد فعل على المشكلات التي نتجت التنمية التقليدية، التي ركزت على تحقيق النمو الاقتصادي وزيادة معدلات الإنتاج دون اعتبار للآثار السلبية التي يخلفها هذا التنامي على الإنسان والبيئة، وأيضًا الضغوط المحلية المتزايدة لمواجهة أعباء وآثار الإصلاح الاقتصادي .

وأصبحت التنمية المستدامة قضية حياتية ومستقبلية تهم كل البشر، واهتمت بها المنظمات الدولية من خلال عقد المؤتمرات وورش العمل الدولية من أجل تحديد أهداف للتنمية المستدامة، وسبل تحقيقها، وكانت تلك الأهداف تركز على: الحياة وسبل العيش المزدهرة، والأمن الغذائي المستدام، والأمن المائي المستدام، والطاقة العالمية النظيفة، ونظم إيكولوجية صحية ومنتجة، وإدارة المجتمعات المستدامة .

ونظرًا لأهمية التنمية المستدامة للموارد الطبيعية وضرورة تحقيق أهدافها، وعائد ذلك على المجتمعات في المجالات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، كان على التعليم العربي أن يستجيب لمتطلبات ونداءات المنظمات والمؤتمرات المعنية بالتنمية المستدامة. فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ديسمبر 2002، القرار  57/ 254 المتعلق بعقد الأمم المتحدة للتعليم من أجل التنمية المستدامة (2005 – 2014) وعيّنت اليونسكو وكالة مسؤولة عن الترويج لهذا العقد. ويستند اعتماد العقد إلى مثال أعلى هو بناء عالم تتاح فيه لكل شخص فرصة الانتفاع بالتعليم، واكتساب القيم، وأنماط السلوك وأساليب العيش، وكل ما يلزم من أجل بناء مستقبل قابل للاستمرار، وتحويل المجتمعات من أجل تحقيق عالم أفضل. وفي هذا المنظور، حُددت الأهداف الأربعة التالية :

• تسهيل إنشاء شبكات وروابط لتشجيع المبادلات والتفاعلات بين الأطراف الفاعلة في مجال التعليم من أجل  التنمية المستدامة.

• النهوض بتحسين جودة التعليم والتعلم في مجال التعليم من أجل التنمية المستدامة.

• مساعدة البلدان على التقدم في طريق بلوغ الأهداف الإنمائية للألفية.

• إتاحة إمكانات جديدة للدول لكي تراعي التعليم من أجل التنمية المستدامة، في إطار إصلاحاتها لقطاع التربية.

وقد حددت اليونسكو المقصود بالتعليم من أجل التنمية المستدامة بأنه:

• تعليم يُمَكّن الدارسين من اكتساب ما يلزم من تقنيات ومهارات وقيم ومعارف لضمان تنمية مستدامة.

• تعليم يتيسَّر للجميع الانتفاع بمختلف مستوياته أيًّا كان السياق الاجتماعي (البيئة العائلية والمدرسية، وبيئة مكان العمل، وبيئة الجماعة).

• تعليم يُعِدّ مواطنين يتحملون مسؤولياتهم، ويشجع على الديمقراطية بحيث يمكّن جميع الأفراد والجماعات من التمتع بكل حقوقهم إلى جانب قيامهم بجميع واجباتهم.

• تعليم يدخل في منظوره التعلم مدى الحياة.

• تعليم يضمن تفتح الشخص تفتحًا متوازنًا.

واستجابة لمتطلبات التنمية المستدامة، واستفادة من جهود المنظمات الدولية المعنية بهذه القضية، نجد أن نظمنا التعليمية في العالم العربي مطالبة بالتطوير، بحيث يشمل هذا التطوير الجانبين، تطورًا كميًّا ونوعيًّا معًا.

ويعني التطور الكمي بتوفير فرص تعليمية حقيقية في المجتمعات والبيئات الفقيرة والمهمشة، وإتاحة فرص لكل المواطنين للحصول على التعليم الذي يناسب قدراته وإمكاناته دون تمييز لمنطقة أو بيئة دون أخرى أو تفضيل لطبقة أو جماعة بعينها.

ويعني التطور النوعي بمحتوى التعليم، وتقنياته، بما يزود المتعلمين بالمعارف والمهارات والسلوكيات والقيم المرتبطة بثقافة التنمية المستدامة بمفهومها الشامل للموارد الطبيعية والبشرية معًا، ويكون قادرًا على إعداد مواطنين لديهم القدرة على تحمل المسئولية، والقيام بواجباتهم تجاه مجتمعاتنا العربية إلى جانب التمتع بحقوقهم.

فإذا كانت لغة الأرقام ترصد اهتمامًا متزايدًا في العالم العربي بقضية التعليم، إلا أن الواقع يشير إلى حاجات متزايدة من التخطيط السليم، لكي تتحقق استفادة حقيقية تنعكس على مستوى ثقافة المتعلمين، وتنمية مهاراتهم وقدراتهم؛ ليكونوا على وعي بثقافة التنمية المستدامة، والسعي لتحقيقها ضمانًا لتلبية حاجاتهم الحالية وحاجات أجيالنا القادمة.


عدد القراء: 5719

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-