لماذا نصوّر غروب الشمس؟الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2019-02-05 13:36:20

د. فيصل أبو الطُّفَيْل

أستاذ مشارك. الدراسات العربية - الكلية المتعددة التخصصات خريبكة - المغرب

أبولين غيو

ترجمة: د. فيصل أبو الطُّفَيْل

 

مع أننا نعلم أنها مجرد صورة، فلا يسعنا إلا أن نخلّدها. ربما لأنها تخفي وراءها شيئا أكثر عمقا.

1 - لكي نقترب من الخلود

أفلاطون (PLATON)

(عاش بين القرنين 5 ق.م -4 ق.م).

تخطئ العين المتأملة لروعة الغروب إزاء ما تود رِؤيته حقيقة. يوضّح أفلاطون في كتابه الموسوم بـ: "تيمايوس" (Le Timée)، أن على الإنسان "أن يعتني بعنصره السماوي"، وذلك بأن يتفحص ليلاً السماء المرصّعة بالنجوم. غير أنّ ذلك لا يعني أنّ عليه أن يقف مندهشًا أمام روعة ألوان الغروب. بل على العكس من ذلك، لا بد أن يدرّب نفسه -باستعمال العقل- على تبين مسار الشمس، الذي لا يراه سوى المختص بالهندسة، بغية تعويد الروح على الحركة الدائرية المنتظمة؛ أي الخالدة. فعندما نصوّر الغروب مثل شيء ملوّن جميل، فنحن نضيّع على أنفسنا رؤية جماله الحقيقي، والأسوأ أننا نمجّد نسخته الرقمية.

2 - لكي نحتفظ بدليل على ما يكتنفه الشك

ديفيد هيوم (DAVID HUME)

(القرن 18).

يمثّل غروب الشمس حدثًا اعتياديًا، يتكرّر في حياتنا ألف مرة. ولكن لاشيء في اللحظة التي تغرب فيها الشمس، يضمن لنا أنها ستشرق في اليوم الموالي. وفي الواقع، "لا نملك أن نكشف المعلول في العلّة" (تحقيق في الذهن البشري) (Enquête sur l’entendement humain). ومن فرط تكرار مشهد الغروب، يصير ربطه بما نسمّيه: "مسار الشمس" أمرًا اعتباطيًا. ويظل الشيء الوحيد الثابت هو الانطباع الراهن والحي المتبقّي في أذهاننا من منظر الغروب. وإذا ما ألغينا عامل العادة التي تقتادنا كما لو كنا مرغمين، أمكننا إذن أن نشك في ما إذا كانت الشمس ستعاود الظهور ولو للحظة قصيرة تكفي لأن نلتقط صورة لها.

3 - لكي نبلغ السامي

إيمانويل كانط (EMMANUEL KANT)

(عاش بين القرنين 18 و19).

لا يمكننا مطلقا أن نَتَمَثَّلَ غروب الشمس في كليته الزمانية والمكانية، وذلك لفرط ساعته ودوام حركته، مما يعني أن حدوده غير قابلة للقياس. ولهذا "لا يفلح الخيال في تقدير عظمة الشيء، مهما بذل في سبيل ذلك من مجهود كبير". ويظهر لنا هذا الإخفاق بالمحسوس في فكرة اللانهاية (نقد ملَكَة الحُكْم) (Critique de la faculté de juger). وهذا هو المعنى الذي يقصده كانط بمفهوم السامي. أن يحمل المرء آلة التصوير فهذا يعني أنه يتحكّم في ظاهرة، ليس للذهن ولا للخيال القدرة على تركيبها. وهكذا لا تثير فينا صورة مُتْقنة سوى لذة جمالية ، تبطل الدوار الذي يمكن أن ينتج عن شعورنا بالامتلاء في مواجهة اللانهائي.

4 - لكي نتحكم به

هنري برغسون (HENRI BERGSON)

(عاش بين القرنين 19 و20).

من سوء حظ المصوّر الفوتوغرافي أن غروب الشمس ليس سوى توليف متغيّر من الضوء والألوان والأشكال. ولا يمكن لهذا التركيب أن يوجد إلا ممتدًا في الزمن، إذ يمثّل "تقدّما مستمرًا للماضي يسحق المستقبل وينمو كلما تقدم" (التطوّر المبدع) (L’Evolution créatrice). ولا يمكن لأذهاننا أن تتحكّم في هذا الامتداد الزمني مادامت تُقَسِّمُ ما يحيط بها باستعمال عدد من المفاهيم. لذلك نلجأ إلى حامل موضوعي منافس يمكن الرجوع إليه متى شئنا ذلك، ونقصد به: التصوير الفوتوغرافي. ولكننا إذا أمّلْنا التخفيف من قوة الظاهرة، فإننا بذلك نشوهها، لأننا لا نحتفظ إلا بمظهر وحيد من مظاهرها البصرية. وفي واقع الأمر، يبقى غروب الشمس نفسُه غائبًا عن كل صورة يتمّ التقاطُها لغروب الشمس.

* إضاءة:

أبولين غيو (Apolline Guillot): أستاذة مبرّزة، تخصص: الفلسفة. (ليون، فرنسا).

 

 

مصدر الترجمة:

Philosophie magazine, n° 114, novembre 2017, p. 80.

وبالإضافة إلى النسخة الورقية، يمكن الاطلاع على النص الأصلي بالفرنسية على الرابط الآتي:

(http://www.philomag.com/les-idees/divergences/pourquoi-photographie-t-on-les-couchers-de-soleil-25332) .(المترجم)


عدد القراء: 8921

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 1

  • بواسطة آمال بقاشة من المغرب
    بتاريخ 2019-06-03 18:49:27

    مقال بروعة و جمال الغروب الأستاذ الفاضل فيصل أبو الطفيل

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-