الأدب والنقدالعدد الحاليالعدد رقم 43

قاسم حدّاد.. يكتب سيرة الفنان «فان غوخ» بفرشاة الكلمة (أيّها الفحم يا سيدي: دفاتر فنسنت فان غوخ)

“أضع ألوان قلبي في كلمات، أقرأ الرسم بالرسائل، وأكتب الرسائل بالشكل.

تلك أجمل أحلامي التي لم يسعني الوقت لابتكارها، في طفولة النزق وفتوة العناد وعنفوان التجربة وانفجار الأسئلة. كان عليّ أن أكتمل بعد ذلك.

لذلك أضع روحي في المهب وأبدأ في كتابة الرسم. كتاب لك ورسم عليك”.

قاسم حدّاد

 

المقدمة:

موضوع هذه المقاربة النقدية دراسة شعريّة اللون في نص قاسم حداد(1) (أيها الفحم يا سيدي: دفاتر فنسنت فان غوخ)(2). يأتي السؤال أولًا: كيف يتعاطى رسّام مثل فان غوغ (3)Vincent Willem van Gogh بظروفه المزاجيّة الصعبة مع الألوان؟ هل بوصفها مجرد أداة للأصباغ والرسم؟ أم المسألة تعدت الصبغة البصرية للون لتأخذ منحى آخر؟

وتكمن أهمية هذه المقاربة فيما يحظى به نص الشاعر قاسم حداد في كتابه (أيّها الفحم يا سيدي: دفاتر فنسنت فان غوخ) بجاذبية مغوية وممتعة في آن معًا؛ حيث فرادة النص، بارتياد مناطق من حياة الفنان فينسينت فان غوغ من وجهة نظر الشاعر قاسم حداد، ضمن إطار ما يعرف بالسيرة الذاتية الغيرية heterobiography. لقد قدّم قاسم حداد أسلوبًا فنيًّا فريدًا عرض فيه السيرة الذاتية للفنان الهولندي فان غوغ من خلال استنطاق لوحاته التي عكست مواقفه من الحياة والفن، مستثمرًا محتوى رسائله الإنسانية التي جاءت معظمها لأخيه “ثيودو”، مضافًا إليها  قدرة الشاعر قاسم حدّاد على الغوص في عمق أفكار الفنان فان غوغ ليعيد لنا، بأسلوب أخّاذ،  سيرته من خلال قراءته للوحاته ورسائله، برهافة شعريّة ولغة راقية متخمة بتأويلات الألوان، ومطلّة على مساحة رحبة من البوح بأوجاع الفنان المأزوم على كافة المستويات؛ الفن، الرسم، الحقول، الغابات، الطفولة، العلاقات الاجتماعية، العائلة، الدين، الأصدقاء، المرأة، الجنون، المصحّة، الثورات، الفقر…  فكان هذا النص الفني الشعري الفلسفي الذهني. فيه إحساس الفنان إزاء الحياة والكون، وصياغة الشاعر المؤلف، وسرد السيرة الذاتية لرحلة العذابات، ورائحة الألوان.

تحتل الألوان دور البطولة في النص، بما تلبّست به من طاقة هائلة للاحتمالات التأويلية، وانفعالات شاعرية، عبّر من خلالها الكاتب عن موقف الفنان من الوجود والحياة والناس، فلم يكن للفنان سوى الرسم والألوان؛ ملاذه من الكون، وصوته الأشد صدقًا، فيما يريد أن يقوله ويحس به.

قاسم حدّاد وفان غوغ:

وفق اتجاه ما يعرف بـ”السيرة الذاتية الغيرية” بدأ قاسم حداد كتابه بالإشارة إلى ولعه بالرسم، والحلم القديم أن يكون ذات يوم فنانًا رسامًا، لكن حلمه أيام الصبا لم يكتمل. وهو أحد الأسباب التي جعلته يتقمص شخصية الفنان فان غوغ، الذي يراه يشبهه في مزاجه الصعب وانفجار الأسئلة ويتقاطع معه في كثير من المواقف إزاء الفقر والحقوق والمجتمعات. يقول في مقدمة الكتاب، ليشير عن تماهيه بشخصية فان غوغ: “أضع ألوان قلبي في كلمات، أقرأ الرسم بالرسائل، وأكتب الرسائل بالشكل. تلك أجمل أحلامي التي لم يسعني الوقت لابتكارها، في طفولة النزق وفتوة العناد وعنفوان التجربة وانفجار الأسئلة. كان عليّ أن أكتمل بعد ذلك. لذلك أضع روحي في المهب وأبدأ في كتابة الرسم. كتاب لك ورسم عليك”(4).

تجاوزت عبارات النص في الكتاب الهدف الإخباري إلى العناية الجمالية بالصورة والتركيب وانتقاء الألفاظ الشعرية المتخمة بالدلالات والشاعرية. واستنجد الكاتب برسائل الفنان، والألوان والريشة كي يحدد موقف فان غوغ من العالم والناس والحياة والدين.

قام قاسم حداد بسرد تفاصيل صفحات من حياة فان غوغ، منذ مجيئه إلى الحياة بديلًا عن أخيه “فنسنت” الذي مات صغيرًا، فسمي هو بالاسم نفسه، ليظل في نظر أسرته مجرد بديل عن فقيد عزيز، على نحو ما أشير في سيرته التي ذكرتها الدراسة، نظرت له أسرته ومن حوله على أنه غريب الأطوار واتهموه بالجنون، فعانى العنف الأسري وقسوة أبيه “القس”.  قبل انبثاق موهبته في الرسم تاه كثيرًا في البحث عن نفسه سنين طويلة، متنقلًا بين وظائف مختلفة. عاش تفاصيل معذبة في حياته مع الفن والفقر والفقراء وخيبات الحب وغدر الأصدقاء وإقصائه، بإيعاز من عائلته، التي لطالما آلمته، إلى المصحة العقلية بتهمة الجنون، وانتهاءً بموته وتهمة الانتحار الكاذبة، من وجهة نظر مؤلف الكتاب قاسم حداد.

نهض النص، الذي وصل قرابة 429 صفحة، على أسلوب المذكرات الشخصية، جاءت في هيئة الرسائل المتتالية، كشكل من أشكال السرد، مستعينًا بإعادة قراءة الرسائل التي كتبها الفنان فينسينت، وكانت تمثّل قيمة أدبية عالية، سجّل فيها الفنان تأملاته في الحياة والكون، وأسئلته عن الدين، ورأيه في الفن، وأوجاعه من صدامات الحياة. وكان مجملها موجًّا لأخيه   ثيودور، الذي يناديه كثيرًا “يا أخي يا صديقي…”(5). كما استنجد المؤلف بقراءة لوحات الفنان، صاغ ذلك كله بأسلوب “شعري” ورهافة شاعر، مشيرًا إلى أن عمر الإبداع الفني في حياة فان غوغ كان قصيرًا للغاية؛ لا يتجاوز “عشر سنين” حيث بدأ فعليًّا الرسم قرابة الثلاثين من عمره، ورحل في السابعة والثلاثين.”37 عامًا ليست عمرًا مديدًا لكي يسع كل الأحلام. يتأخر في قرار السفر، مثل طريق تتعرف خطوات العابر، يرسم لموقع أقدامه المحطات والخيل والعربات وركائب الزبيب والخزف الطائش بالنبيذ واللافندر النفّاذ، يضع ألوانه وحامل لوحاته، ويلقي نظرة خاطفة على منعرجات الهواء ثم يذهب… عذاب طويل مثل ليل بلا نهاية. ألوان وكلمات تختصر الحياة في عشر سنوات، قصيرات قبل المغادرة، طويلات بعدها”(6). في العبارة “طويلات بعدها” إشارة إلى أن شهرة الفنان لم تكن على هذا النحو الذي هو عليه الآن إلا بعد رحيله، إذ قليلًا ما نجح في بيع لوحاته، كما أنه لم يكن معروفًا على نطاق واسع في الأوساط الفنية آنذاك. ورغم العمر القصير لفنه إلا أنه متخم بالتجارب والمواقف والعذابات والإبداع، إذ تفوح بين سطور الكتاب أريج زهرة دوّار الشمس وعتمة الحقول وخبز الفقراء الكالحين ورائحة الألوان التي يتنفس من خلالها الحياة، وقد جسدها جميعًا في لوحاته.

كان لقاسم حداد قبل أن يكتب الرسم بلغة الشعر أن ينصهر في شخص “فان غوغ” فلا يعود القارئ يميز بينهما. “طريق الرسم على صعوبتها من أجمل مسارات الأرض، وأكثرها حنوًا على الكائن من كل فصول السنة. رمقني بنظرة تليق بالمحاربين وهم يفرغون من معركتهم الأخيرة، وينحنون على أسلحتهم التي لم تزل دافئة، يمسحون آثار القتال، يصقلونها استعدادًا للمعركة التالية. شخص يتماهى بما أعرفه، موغلًا فيما أجهله. يلبس قميصي يتكلم بصوتي ويحمل الحزن عني. أردتُ استدراكه، لكنه كان قد ذهب. ذلك الشخص الذي كنته، ماذا أستطيع أن أفعل لكائن يسبق الكتابة ويستعصي على الرسم”(7).

بدت الشعريّة Poetics طافية في نص قاسم حداد. حيث العناية بتلك الخصائص المجردة التي تصنع فرادة الحدث الأدبي. أي “الأدبية”(8).  ويجيء اهتمام “الشعرية” بالمظهر اللفظي من النص الأدبي؛ حيث التمثيل اللفظي للنظام المتخيّل(9). و”تسهم الشعرية في المشروع الدلائلي العام”(10)، إذ تستنجد “الشعرية” بكل علم من العلوم “اللسانية” و”الصوتية”، والدلالية” و”النحوية”، فضلاً عن الأنثربولوجيا، والتحليل النفسي، وفلسفة اللغة، حيث تشكل تلك الحقول المعرفية عونًا كبيرًا للشعرية. كما تعد “البلاغة” أقرب تلك الحقول إلى الشعرية من كل تلك العلوم(11).

ثمّة ارتباط وثيق بين “الشعرية” و”الجمالية”؛ إذ تبدو مهمّة “الشعرية” الأساسية في طرح مسألة قيمة العمل الجمالية، أي الحكم على العمل من ناحية الجمال الفني(12). من ناحية أخرى تبدو علاقة “الشعرية” بـ”التأويلية” علاقة تكامل “فكل تأمل نظري في الشعرية لم يُغذَّ بملاحظات حول الأعمال الموجودة لا بد أن يكون عقيمًا وغير إجرائي”(13).

يشير تودروف Tzvetan Todorov إلى مسألة اهتمامه الشعرية بأدبية النص فيقول: “إن المظاهر الأشد أدبية في الأدب والتي يتفرد لوحده بامتلاكها هي التي تكوّن موضوع الشعرية. إن استقلالية الشعرية رهينة بقيام الأدب بذاته”(14). وهذا ما عبّر عنه ياكبسون Roman Jakobson بتحديد وظيفة “الشعرية” في استهداف “الرسالة” (إحدى عناصر التواصل اللساني الستة) “إن استهداف الرسالة بوصفها رسالة والتركيز على الرسالة لحسابها الخاص هو ما يطبع الوظيفية الشعرية للغة”(15). حيث العناية بأدبية النص تحديدًا، والكشف عن تجليات بنائه الداخلي، على نحو يمكن القول فيه بأن “الشعرية” “استعمال خاص للغة” يُحال هذا الاستعمال الخاص في كثير من جوانبه إلى مسألة “الانزياح” أو “الانحراف”؛ حيث ينحرف “الدال” عن “مدلوله” المباشر، على نحو يحقق ما يعرف بانتهاك سنن وقوانين اللغة(16). لذا؛ فإنه “يمكن تحديد الشعرية باعتبارها ذلك الفرع من اللسانيات الذي يعالج الوظيفة الشعرية في علاقاتها مع الوظائف الأخرى للغة”(17). إن قضية انزياح اللغة الشعرية عن اللغة العادية بدت جوهرية عند جون كوهن(18) Jean Cohen . بل إن أدونيس جعل من البنية الشعرية في جوهرها “بنية مجازية”(19). أي؛ استعمال اللفظ في غير المعنى الذي جرت العادة لاستخدامه فيه. في حين اتخذت مسألة الانحراف في البنية الداخلية للنص الشعري مفهومًا أوسع عند كمال أبو ديب “إن نمط الانحراف الذي يمكن تقبّله باعتباره مصدرًا للشعرية هو الانحراف الداخلي: أي الانحراف في بنية النص فعلًا: دلاليًّا أو تصوريًّا، أو فكريًّا، أو تركيبيًّا”(20).  إن هذا الاتجاه يحيل إلى مسألة تجاوز “الشعرية” للمفهوم القديم الذي كانت فيه وظيفتها محصورة في تحقق “الصورة” البيانية للمخيلة الشعرية، وقد أصبحت الصورة مع الشكليين الروس “وسيلة من وسائل متعددة للغة الشعرية”(21).

لا تقتصر وظيفة “الشعرية” على حقل الشعر فشمولية اهتمامها بأدبية النص وبالقيمة الجمالية للرسالة اللسانية يجعلها صالحة للتطبيق في بقية الفنون الأخرى، “فالخطاب يمكن أن يبقى شعريًّا مع عدم المحافظة على الوزن”(22). فبحسب تعبير ياكبسون “لا تؤدي كل محاولة لاختزال دائرة الوظيفة الشعرية إلى الشعر، أو لقصر الشعر على الوظيفية الشعرية إلا إلى تبسيط مفرط ومضلل”(23).  بل إن المسألة تتجاوز مجرد اهتمام “الشعرية” بفن اللغة بكل تفرعاته، إلى تفريعات أخرى لا تأخذ الشكل اللساني؛ كالرسم والمقطع السينمائي والرسوم الجدارية والمقطوعة الموسيقية…. فـ”اللغة تتقاسم العديد من الخاصيات مع بعض الأنساق الأخرى من الدلائل”(24). وهذا يعني أن العناصر البنيوية لكل ممارسة تظل ثابتة رغم اختفاء الشكل اللساني(25).

شعريّة اللون

لقد أشير فيما سبق إلى مسألة اهتمام الشعريّة بأدبية النص وتحقيق جماليته، لذا؛ فإن سؤال “الشعرية” المركزي: ما الكيفية التي يدل بها نص من النصوص على معنى المعاني، وليس على ماذا يدل. وتلك “الكيفية” هي التي آلت باللغة الشعرية، كما ذكرت الدراسة، نحو انتهاك سنن اللغة؛ حتى تتحقق بواسطة هذا الانتهاك حظوة الانتقال من الكلام العادي إلى الكلام الأدبي، الذي يحقق لها ما يعرف بـ”الأدبية” أو الاستعمال الخاص للغة. وفق هذا المنطلق ستعمد الدراسة إلى تحليل نص قاسم حداد للكشف عن تلك الكيفية التي تمّ من خلالها توظيف “اللون” شعريًّا نحو المقاصد والرؤى والأفكار، التي استهدفها فان غوغ في حياته، وأدت بالتالي إلى تحقق جمالية البناء الأسلوبي.

استطاع فان غوغ أن يعبَّر، من خلال اللون، عن أفكاره، وهو الذي لا يحسن في حياته غير الرسم، ومن خلال قراءة اللون نهضت براعة قاسم حداد اللغوية في رصد المشهد شعريًّا بكل إيحاءاته، مستهدفًا كتابة الرسم.

في أثناء مقاربة “اللون” شعريًّا في نص قاسم حداد، يستبين كيف أن “اللون”، كلفظ دال، قد تجاوز مدلوله المباشر (أداة للرسم والتشكيل) إلى مدلول أوسع وأعمق. إذ جاء “اللون” ليعكس عمق تجربة الكاتب (المتلبس بشخصية فان غوغ) وفق تمثلاته للحياة والناس والدين والطبيعة. وتلك هي وظيفة الشعريّة الأساسية، الانزياح عن الاستعمال العادي للغة إلى الاستعمال الفني الذي يكسب اللفظة دلالتها الفنيّة، ويمنحها الطاقة الكامنة في الإيحاء بالعديد من المدلولات الأخرى الأكثر عمقّا وأدبية.

المدلول المباشر

الدال: “اللون”  – أداة للرسم والتلوين

المدلول الشعري

الدال: “اللون” – معاني عميقة تنحرف عن مهمّة الرسم والتلوين

تحقق “الشعرية” الاستعمال الخاص للغة، بانحرافها عن اللغة العاديّة وعن مسميات الأشياء مباشرة، وهي بهذا الانحراف تنزع إلى كل ما يوقد المخيلة بالصور الفنية ويحقق أدبية النص وجماليته الفنية، لذا؛ ستفيد هذه المقاربة من الظواهر البلاغية والصياغات الأسلوبية التي تؤسس لمدلولات غير مباشرة، من أجل خدمة القيم الجمالية للمعاني الشعريّة للنص بفتحها أفقًا رحبًا للتأويل.

تحققت شعريّة اللون في النص، موضوع الدراسة، عبر التمثلات الفنية التالية:

أولًا: اللون حياة (الرسم حياتي وألواني أدوات الحرب والسلام)

استطاع قاسم حداد في نصه أن يبرز قيمة اللون لدى فان غوغ، فهو بالنسبة له، ليس مجرد أصباغ للرسم والتشكيل، إنما حياة كاملة، آسرة. فللون قيمة عليا توازي قيمة الحياة في تأثيرها السحري على الأشياء: جاء هذا التشبيه الوصفي وفق صياغة شعرية في المقولات التالية: “الألوان حياة التجلي الأجمل. لستُ قادرًا على العيش خارج اللون. فكّرتُ: أول ما يوصف به الإنسان لحظة موته: أنا شاحب. أي أنه بدأ يفقد لونه. فالألوان مرتبطة بأحاسيس الإنسان الحي، وكل ما ليس لونًا يبقى خارج الحياة. كل حائل اللون خارج الحياة”(26). يؤكد هذا المعنى القدرة العجائبية للألوان والرسم في بث الروح، ومنح الحياة للكائنات “كلما وضعت لوني على جسد قام من بين الأموات”(27).

من خلال الرسم فحسب مُنح فان غوغ الحياة الحقيقية، لقد أعاد له الفن والألوان الشعور بالحياة، وتحقيق التوازن، بعد أن تخبط كثيرًا في الأعمال والوظائف طوال شبابه، وعانى أكثر من إحباطات العائلة ولأصدقاء والأوضاع الاقتصادية التعيسة: “على المرء أن يموت كثيرًا قبل أن يتحول إلى لون. فكرة الحلول في اللون هي وردة الروح. غريزة اللون في كياني”(28). ففي الإشارة إلى أنه كان ميتًا قبل أن يحترف الرسم دلالة على ما منحته الألوان من حياة جوهرية تستحق أن تعاش، وما أحدثته من توزان واستقرار نفسي.

يؤيد فكرة حصول الفنان على الحياة الحقيقية عبر “اللون” بمشقة واستبسال، مقولة المؤلف الوصفية الشعرية التالية:

“تعلمتُ الرسم مثل حجر يتعلم السباحة. ليس سهلًا أن تبدأ في الثلاثين. حيث يكون كل شيء قد تقرر. والحجارة أخذت مكانها في الصلصال. ثمّة الطرق المختلفة لتعلم الفنون جميعها، إلا الرسم، يجب أن تفعل ذلك بيديك”(29). وقد أيقن بأن الرسم هدفه الوجودي، وصنعته الوحيدة التي لا يعرف ولا يتقن غيرها، بعد أن جرّب نفسه في مهن عديدة، إرضاءً لوالده “أرسم لأنني لا أحسن صنع شيء آخر. قلت لهم هذا منذ البداية، لكنهم لم يسمعوا ولم يكترثوا ولم يساعدوني على شيء”(30). فبين زحام البحث عن الذات، ومرارة خذلان العائلة، والحاجّة المادية الملحّة، وعذابات السفر من مدينة لأخرى، كان الرسم حريّة، واللون حياة حقيقية؛ الحياة كما ينبغي لها أن تكون عند فنان حر “اختبرت طرقًا في الطريق، أرسمها وأمشي إليها. أصور بيتًا وأدخله. لا حدود بين الرسم والحياة. في رسومي طرق تفوق المنازل، كأنني في الطريق أكثر مما في البيت. الدار حبس، وفي الطريق حرية السفر”(31).

ويبدو أن للون فلسفة شعرية عند الفنان، فاللون ليس مجرد عجينة “ميتة” بل هي كائن “حي” يقرأ ويفهم ويقرر ويبث الحياة في جسد الفنان: “كيف أن للفرشاة سلطة على اللون؟ وكيف أن اللون عجينة تقرأ إيقاع الفرشاة وتستجيب لرشاقتها؟ وكيف أن كثافة اللون في القماشة نسيج مضاعف من الشهوات والرغائب؟ وكيف أن لأنغام ضربات الفرشاة رجعًا في التوتر الصادر من قلب الرسام واندفاق دمه في الأوردة؟ وكيف أن التموج الرهيف للوحة أصداء غامضة للارتجاف العميق في الجسد لحظة الملامسة؟ وكيف أن اللون في اللوحة امتداد فيزيائي لأخلاط تنداح وتحتدم وتموج في جسد الراسم؟ وكيف أن للرسم سهم النائم في الحلم، وحصة الصائم في الماء؟”(32).

إن اللون- وفق منطق المؤلف – وحده القادر على منح الكائنات الشكل الذي يليق، وتطمح إليه “أتناول الكتاب وأجلس في خندق الوقت. أقرأ، فتطفر النجوم في الشرفة. أرخي عيني في طين الأرض، فتنشأ النباتات مثل أطفال شقر يرتمون في اللون لئلا يتأخر الشكل عنهم”(33).

على نحو ما تمّ استعراضه فإن مجمل الصياغات الأسلوبية تعزّز القيمة الشعريّة للون بتجاوزه مدلوله المباشر من مجرد أصباغ، إلى جعله معادلًا موضوعيًّا للحياة. وقد برزت “الشعرية” في الصياغات الأسلوبية السابقة من خلال الصور والجماليات الفنية التي يمكن رصد حالاتها في التوصيفات التالية:

– “الألوان حياة التجلي الأجمل”

اللون – الحياة الجميلة

-الألوان “مرتبطة بأحاسيس الإنسان الحي”

اللون – انعكاس حقيقي وصادق لأحاسيس الأنسان

– “كل ما ليس لونًا يبقى خارج الحياة. كل حائل اللون خارج الحياة”

اللون  –  لا لون .. لا حياة

– الحلول في اللون هي وردة الروح”

اللون  ! وردة مزهرة تتنفس الروح عبق أريجها

– “غريزة اللون في كياني”

اللون  – غريزة راسخة في كيان الفنان لا يمكن العيش دونها، كما هي بقية الغرائز

– “اللون عجينة تقرأ إيقاع الفرشاة وتستجيب لرشاقتها”

اللون – كائن حيوي يقرأ ويعي

– “كثافة اللون في القماشة نسيج مضاعف من الشهوات والرغائب”

اللون  –  كثافة اللون معادل موضوعي للشهوات والرغائب المضاعفة

– “اللون في اللوحة امتداد فيزيائي لأخلاط تنداح وتحتدم وتموج في جسد الراسم”

اللون – قوة حيّة نافذة ومؤثرة في جسد الراسم

“فتنشأ النباتات مثل أطفال شقر يرتمون في اللون لئلا يتأخر الشكل عنهم”

اللون! منح الكائنات الشكل الذي يليق وتطمح إليه

الأصفر.. دوّار الشمس

ظلّت لوحة “دوار الشمس” هي الأبرز والأكثر شهرة في حياة الفنان فان غوغ، من وحي حقول مدينة “آرل” الفرنسية التي أقام فيها فترة طويلة من حياته، وعكست بألوانها الشاحبة وذبولها الحالة النفسية والمزاجية للفنان، بل ورؤيته للشقاء والكدح والذبول على وجه العاملين في الحقول طوال النهار. رسم منها كثيرًا وملأ بيته وتفكيره بلوحات دوّار الشمس الأقرب إلى نفسه.  لم يكن اللون الأصفر لتلك الزهرة لونًا فحسب، بل كان هو الفنان. ففي تشخيص شعري جميل للون الأصفر، جاء هذا الحوار:

“زهرة عبّاد الشمس، ذهب طالع، أيها الأصفر، يا أنا، تعال امزج روحي بذهبك الهاطل. لأضع الكوكب اللعوب في أحداقك. لأوقظ الكون بعينين مغرورقتين لفرط الذهب”(34). لقد ألمح النص نفسه إلى عيني فان غوغ التي عُرف عنها امتلاؤها بالدموع دون هطول، وقد فسّر قاسم حداد ذلك شعريّا بأن عيني الفنان تغرورق بالدموع لكثرة انعكاس لون حقل دوار الشمس الأصفر على عينيه: “بعينين مغروقتين لفرط الذهب”. وهو يدرك بأن الحديث مع اللون حِرفة الفنان الحقيقي “ثمّة لون جديد يتوجب علينا استعادته. ففي هذه الحقول تزدهر لا نهائية الأصفر الباهر. شمس كهذه لابد أن تنتقل إلى تمثلات العالم وكائناته. لا أحد يحسن مكالمة اللون مثل رسام يدرك الجنون”(35).

على الرغم من أن اللون الأصفر لون توهج الشمس وله صفة الحرارة والسطوح، إلا أنه عند فان غوغ، كما هو في كثير من الموروث الأدبي القديم والحديث، يتم توظيفه للإحالة إلى الذبول والشحوب والمرض والتهالك(36). لقد بدا اللون الأصفر في لوحات فان غوغ شاحبًا، وعلى زهرة دوار الشمس ذابلًا، فخلف اللون تختبئ أوجاع الفنان الأكثر شحوبًا وذبولًا، جاء هذا المعنى في صياغة شعرية جميلة “لم تكن الطبيعة سوى ظاهر الرسم، هاجسي أن أضع جحيمي تحت الألوان، لكي يشعر الناظر للوحة بأن ثمّة عذابًا هناك. فليس ذهبًا ذلك الأصفر الصاخب في حقل القمح أو في باحة المقهى، ليس ذهبًا. إنه وجع الكائن في حقل الناس، واندياحات الأرواح الهائمة في ليل الله، بين البيت والمقهى وطرقات الضياع الكوني”(37).

وتأتي الصورة الشعرية الحيّة للزهرة الأثيرة عند الفنان “أكثر الأزهار رشاقة في السهوب” على حد وصف قاسم حداد، في النص التالي: “زهرة تنهض وتنقل اللون معها بين الحقل والسماء وعتمة المناجم وطرقات الريف والضواحي وشرفات المباني، ثم تنحني مع الفُرشاة في صلاة. أرسم فأعيد الخلق لئلا يتعب الخالق من خلقه. لا أقلّد أحدًا، لا أنجح في تفسير جرحي لأحد. للحقل ذريعة نصب أعناق أزهاره مأخوذة بسيدة النهار وهي تحنو بعطرها النبيل على أكثر الأزهار رشاقة في السهوب”(38).

ملأ بيته “البيت الأصفر” في مدينة “آرل” الفرنسية بلوحات دوّار الشمس من أجل استقبال وصول الفنان الفرنسي “بول غوغان Paul Gauguin” للإقامة معه، وكي يكون، كما كان يطمح، ملتقى الفنانين. زيّن بيته بزهرات دوّار الشمس الصفراء في كل مكان، وفي “صفرته الملكية رسالة من شمس آرل لأكثر الكائنات الفنية صلة بالضوء وتعلقًا به”(39). لقد كان له في ذلك منطقه الجمالي الشعري: “أنا الذي لا يصلح لغير الرسم، بوصف الرسم حلمًا أيضًا، فليس أقل من أن يصنع الفنانون ألوانهم من الزرع حتى اللوحة. قلب الشمس يليق بهم، والأصفر قميص لهم”(40). لقد أحبّ زهرة دوار الشمس أكثر من أي شيء في الوجود على الرغم من انتقاد الآخرين لكثرة رسمه لهذه الزهرة وولعه بها، لا سيما صديقه الفنان “غوغان” الذي كان يقيم معه، ويرى نفسه محاصرًا بتلك الزهرة في كل مكان. أحب فان غوغ هذه الزهرة كما لو كانت أخته الحنون “آه لو أعرف أين هي زهرة عبّاد الشمس الآن. أحب أن أحتضنها كما لو كانت أختي”(41).

من خلال الصياغات الأسلوبية السابقة تجلت شعريّة اللون الأصفر لزهرة دوّار الشمس، فانحرف عن مجرد كونه لونًا له طبيعة محددة إلى تمثلات فلسفية، وذلك على النحو التالي:

– “أيها الأصفر، يا أنا. تعال امزج روحي بذهبك الهاطل”

أصفر دوّار الشمس – تشخيص حواري فيه تشبيه لزهرة دوّار الصفراء بذات الفنان

– “لأوقظ الكون بعينين مغروقتين لفرط الذهب”

أصفر دوّار الشمس – مفارقة وصفيه، فالذهب الأصفر في زهرة دوّار الشمس بدل أن يمنح الفرح، كان سببًا في امتلاء عيني الفنان بالدموع، ففي الحقول شاهد وجه الحياة القاسي للعمّال الكالحين، وتضاعفت مع هذه المشاهدات أوجاعه. تتعزز تلك المفارقة في قوله “فليس ذهبًا ذلك الأصفر الصاخب في حقل القمح أو في باحة المقهى، ليس ذهبًا. إنه وجع الكائن في حقل الناس، واندياحات الأرواح الهائمة في ليل الله، بين البيت والمقهى وطرقات الضياع الكوني”(42).

– “زهرة تنهض وتنقل اللون معها بين الحقل والسماء وعتمة المناجم وطرقات الريف والضواحي وشرفات المباني، ثم تنحني مع الفُرشاة في صلاة”.

أصفر دوّار الشمس –  صورة فنية جميلة تجلت في الاستعارة المكنية، حيث تشبيه الزهرة بالكائن المؤثر الذي ينقل معه الحياة في كل مكان.

– “للحقل ذريعة نصب أعناق أزهاره مأخوذة بسيدة النهار وهي تحنو بعطرها النبيل على أكثر الأزهار رشاقة في السهوب”.

أصفر دوّار الشمس – صورة فنية ذات مشهد استعاري جميل، إذ جعل غصون زهرة دوار الشمس بمثابة الأعناق المنصوبة نحو الشمس.

– “قلب الشمس يليق بهم، والأصفر قميص لهم”

أصفر دوّار الشمس – صورة فنية جعلت من اللون الأصفر قميصًا للفنانين الأكثر تعلّقًا بالشمس، والذين، على حد وصفه، يصنعون ألوانهم من الزرع. لكثرة غمرهم بالحقول والزرع كان اللون الأصفر لون الزهر والشمس بمثابة القميص الذي يتلبسهم.

– “آه لو أعرف أين هي زهرة عبّاد الشمس الآن. أحب أن أحتضنها كما لو كانت أختي”

أصفر دوّار الشمس – لشعوره بالأمان الكبير مع زهرة دوّار الشمس شبهها بأخته التي يحب احتضانها كثيرًا.

جمهورية الأزرق

تتجلى فلسفة قاسم حدّاد في حديثه عن اللون الأزرق، فهذا اللون، من وجهة نظر الفنان، ليس كذلك في حقيقته، إنما وكما في منطق كل الألوان إبداع الناظر للمنظورـ أي صنيعة الفنان: “أزرق لأنكم ترونه كذلك. اللون هو خلق الناظر للمنظور، وخصوصًا من جهة النظر. الفنان ناظر مختلف إلى الشيء من جانبه الخاص. اللون هو نظرة الشخص إلى الشيء. من شرفة نظري، ترون أن السماء تأخذ ألوانها مني. أنا الخالق الآخر للأزرق، يا أزرق، يا صديقي، وضعتك في أحلامي ومنحت قلبي نعمتك. من سمّاك أزرق في سمائي، ومن يصد عتمة ليلي سواك”(43).

وفي صورة شعريّة وبناء فني وصفي، وإيقاع حزين يأتي المقطع التالي ليفسر سبب زرقة السماء: “زرقة جاءت من البحر وحدها وتركت الأسماك تائهة في القيعان ملتاعة في ماء باهت لا لون له ولا نكهة، ماء يكف عن القهقهات التي تبعث النشوة في كائنات الأعماق. وأصبح الصيادون يرقبون موجات حيية تخرج من السواحل تسحب أذيالها الزرقاء مرتعشة من البرد. وسرعان ما تمتزج بورش الرسامين وتأخذ مواقعها في اللوحات والرسوم والأشكال التي تصور الأحلام الليلية لناس الأرض”(44).

جاءت الصياغات الفنيّة في النص السابق لتشرح من أين جاءت زرقة السماء؟ والأثر الحاصل من هذا المجيء. وقد انزاح الكاتب في وصف هذه الظاهرة عن المنطق العلمي للظاهرة الفيزيائية، إلى منطق الفنان الأدبي، وهو ما يعزز قيمة الشعرية في النص، واصفًا اللون الأزرق بأنه “جمهورية” قائمة بذاتها؛ بالكائنات في البحر وفي السماء.

– انسحاب الزرقة من الماء لتنتقل إلى السماء  –  بناء استعاري يتجلى من خلاله أثر هذا الانسحاب “ماء يكف عن القهقهات التي تبعث النشوة في كائنات الأعماق”

– انسحاب الزرقة من الماء لتنتقل إلى السماء –  كانت نتيجتها “تركت الأسماك تائهة في القيعان ملتاعة في ماء باهت لا لون له ولا نكهة

– انسحاب الزرقة من الماء لتنتقل إلى السماء – بناء استعاري جميل “وأصبح الصيادون يرقبون موجات حيية تخرج من السواحل تسحب أذيالها الزرقاء مرتعشة من البرد”

في موضع آخر يشير الكاتب إلى فلسفة اللونين الأزرق والأصفر، كما أشار من قبل إلى ارتباط الأصفر الذهبي بالشمس، فهو الآن يؤكد المعنى الذي ذكره في النص السابق، حيث ارتباط الأزرق بالأفق، مبرهنًا على أن اللونين -أو كما يصفهما – سيّدان، بالكاد يخلو الرسم منهما، وهما سيّدان فعلًا، ليس وفق المنطق العلمي بوصفهما لونان أساسيان، بل بمنطق الرسّام؛ الأزرق للأفق في بدايات اليقظة، والأصفر في أصيل الشمس والذهاب. فهما، على حد وصفه، سر وجوده بالحقول والكون “بالأزرق والأصفر يبدأ اكتشاف دلالة اللون في الرسم وفنّه. ما من لوحة تنشأ من سديم. الأزرق؛ لأن الأفق. والأصفر؛ لأن الشمس. بهما نهضتُ، وبهما ذهبتُ، وبهما صرتُ في الكون. يندر العثور على رسم بعيد عنهما. كل الرماديات تأتي من الأزرق، وتذهب باقي الألوان نحو الأصفر. لونان سيّدان أصقل لوحاتي بهما.  يحلو لي أن أسميهما الأزرقان”(45). وقد عُرف عن فان غوغ بأن ما من لوحة له تخلو من هذين اللونين.

اللون الرصاصي.. الغريب الغامض

إن اللون الرصاصي ليس باللون الأبيض ولا اللون الأسود، فهو مزيج بين هذا وذاك، لم يأتِ وصفه في النص على هذا النحو من التعبير المباشر “خليط بين الأبيض والأسود” إنما بلغة شعرية، ورؤية رسّام جاء وصف هذا اللون بما يتلاءم وغرابة تحديد هويته “الغامض الغريب” وقد انبثق من بين الألوان كلون عصّي عن المجيء، طال انتظاره: “صنعتُ في الهواء خطوطًا تكفي لتسع قرى كاملة، دون أجرأ على مزج لون واحد أطلق الرسم به. يومًا بعد يوم، أقطع الطريق إلى المكان نفسه، أنصب أخشابي، أضع قماشتي، أصقل فراشيّ، وأفهرس الألوان. كل يوم بترتيب مختلف، عسى أن يؤذن بانطلاقة اللون المنتظر. سبعة أيام كاملة بلا جدوى. كل يوم على هذه الحال؛ أعصابي مشدودة، وأدواتي منصوبة، والسماء شاخصة فوق رأسي، والغابة صامدة. فجأة برق اللون الغامض الغريب! الرصاصي؛ من رأى غابة رصاصية من قبل؟”(46).

جاءت تمثلات اللون الرصاصي لتتآزر مع ذلك النفوذ وتلك القسوة في صورة فنية بليغة تشير إلى طبيعة اللون الرصاصي الغريب المخيف الغامض الباعث على الفزع، كما هي طبيعة الأشياء الغامضة. “غرست الفرشاة في الخشبة، كما لو أن اللون كان ممزوجًا بيد غير منظورة، أطلقت الضربة الأولى في الأبيض الناصع، فانتفض مستيقظًا مثل فرس جامحة. شهرتُ مروحة الألوان كمن يريد أن يصد أحداقًا تهب بياضها لمن تطاله العين. غير أن الرمادي نافذة تزيح ستائرها بنفسها لينكشف المنظر أمام البصائر”(47). احتلال كاسح هيمن على اللون الأبيض، استفزه الرصاصي على نحو جعله شبيهًا بفرس جامحة أوقظت فجأة.

سواد الفحم.. ظلام التبشير وعقيدة الرسم

عمل فان غوغ في التبشير كآخر محطات تنقلاته في الأعمال، أراد بهذه العمل أن يرضي والده “رجل الدين” ولم يكن يعلم بأنه من خلال هذا العمل ستتخلّق موهبته الفنية في الرسم، وسيجد ضآلته؛ حيث العمل الأحب إلى قلبه-أو كما يصفه بأنه هو الحياة بالنسبة له -كُلّف فان غوغ خلال عمله مبشرًا أن ينزل إلى أحد المناجم في البلجيكا حيث عشرات الفقراء الذي يعملون في استخراج الفحم. كان عليه أن يؤدي معهم في عمق الظلام مهمته الدينية. وكما أن احتكاك الفحم يولّد الألماس، فقد تولّدت روح الفنان الحقيقية باحتكاكه مع الفقراء داخل ما وصفه بــ “جرح الأرض”: “كنت في ممر كئيب في سجن، في جرح الأرض”(48). يشير النص إلى هذا التحول في الرؤية لدى فان غوغ بالقول: “ذهبت إلى الدين وخرجت بالفن عليه، لا أصّلي لشيء خوفًا منه، صلاتي نصّي في كتاب الله، عربون صداقة لحياة صادقة، في الحلم وفي الواقع، الرسم هو ديني؛ هكذا ابتدأت، هكذا انتهيت”(49). وكأنما لامست تلك تجربة العمل في المناجم روح الفنان القلقة دائمًا، والتي تضاعف قلقها من مفارقة الدين التبشيري المزيّف الذي يعد بالسعادة والاطمئنان لفقراء كالحين؛ يقضون نهارهم في مناجم العتمة، في ظروف عصيبة ومريرة “من أين يأتي اليقين لقلب يشغف بكل ما يبعث القلق؟ مكتنز بأسئلة يشهرها الفن في وجه الدين”(50). لحظة عصف الأسئلة المقلقة من الفنان كانت نهايات عمله بالتبشير وبدايات انبثاق موهبة الفن “أتلاشى مثل شمعة في كهنوت الكهوف. البراكين كانت هناك، البدايات كانت هناك. النهايات كانت هناك، وهناك كان الرسم منقذي مما قدَّر الله لي”(51). لقد كشف فان غوغ من خلال لوحاته، التي صورت الفلاحين في الحقول تلك المسافة الشاسعة بين رحمة الله -تعالى – وتباشير الدين المزيفة ” ثمّة من يسعى لحبس الحياة في الدين. أيها المحرّر الرحيم. عسف خارج الطبيعة. جابهته كي أرسم الله في قلوب منسية في سديم الكون. يقترح الله علينا النوم بأحلام وتلاوين، فيأتي الدين لتشجيع الأسرى، يأتي بالصفة الأخرى. يعيد السدنة إنتاج الدين بالحدود والفهارس والأحكام”(52).

جاء التعبير البلاغي في وصف عمله بالتبشير بمفردة “الرسم” في قوله: “أرسم الله في قلوب منسية في سديم الكون”. كما بدت المفارقة المريرة للفنان في وصف ما يريده الله وما يريده سدنة الدين في قوله: “يقترح الله علينا النوم بأحلام وتلاوين، فيأتي الدين لتشجيع الأسرى” الأسر في لون واحد، هو السواد.

تأتي شعرية لون السواد للفحم بانزياح مفهومه عن مجرد لون أسود للفحم “وقود” إلى لون سافر يعكس ظلمة “الدين” والتبشير المزيفتين، ويسمي المنجم بالزنزانة (السجن) “في زنزانة الأرض بالمناجم، ثمّة لون واحد، هو الظلام. ما من لون آخر هناك. الشعل الصغيرة المرتعشة تهدي العمال لمواقع خطواتهم، نقاط شاحبة في صقيع سحيق. شحوب مثل نحيب يصدر من الأجساد المنهكة وهي تزحف في الجحور يصعب تمييزها عن السحالي. الظلام هو اللون الوحيد الذي كنت أخرج مكنوزًا به، فأسرع نحو غرفتي محاولًا رسم الظلام. عندما أنجزتُ مجموعة المحاولات السوداء الشاحبة، لم أكن قادرًا على التمييز بين اللوحة والأخرى لفرط اشتراكهما الكامل في اللون نفسه: الظلام”(53).  وتكمن مفارقة “الفحم” في تحقيقه انطفاء الحياة داخل الفقراء الكالحين العاملين في المنجم، من جهة. وإشعال النور للناس خارجه، من جهة أخرى: “يا أيها الفحم يا سيدي. كيف تقوى على إطفاء هذه الذؤابات الرهيفة فيما تضيء الحياة للآخرين؟”(54). لذلك كانت مجمل لوحات فان غوغ تنتصر لكفاح العمّال والحقول وتعكس واقعهم البئيس “نهضت قبل الفجر في تجربة المناجم فرأيت العمال يتقاطرون في ورشة الحياة مصطحبين شمسًا رائعة. صنّاع الحياة في أشداق الموت. ينتابني شغف أن أكافئهم بالمزيد من ألوان قوس قزح الفاتنة”(55). لقد كان عمله في المنجم مبشرًا للدين درسًا لا يُنسى “درس المنجم منجم، أرسمه فيما يرسمني. ليست مصادفة وليست بلا دلالة”(56). ولعمق هذه التجربة في حياة الفنان، وما أحدثته من تحول في اعتناق الفن، والانحياز نحو تصوير العمّال الكالحين، استحوذ “الفحم” سيّده، على نحو ما يصفه قاسم حداد، على عنوان النص “أيها الفحم .. يا سيدي”.

أخي وصديقي .. حارس اللون

عُرف عن فان غوغ عذاباته مع أهله، حيث جاء إلى الحياة تاليًّا لأخيه “فنسنت” الذي رحل سريعًا، وفي التاريخ نفسه، فسمّي فان غوغ باسمه “فنست”، وتعامل معه أهله بإهمال وعدم الاعتراف بإبداعه، كما لم يكن موضع رضا من أبيه “رجل الدين”، الذي رأى أنه غير صالح لامتهان حرفة جديرة بالاحترام. كان أخيه الأصغر ثيودور الوحيد الذي يقف إلى جواره، ويدعمه بالإشادة بإبداعه وتوفير المال، والسؤال عن الحال، كان ثيودور كما يصفه فان غوغ في رسائله: “حنان العائلة” الذي افتقده: “آه ثيودور العظيم، لقد كان وحده .. حنان العائلة”(57). كما يراه الداعم الحقيقي في وجوده كفنان “لولا ثيودور لما تيسر لفنسنت أن يكون موجودًا”(58). كان لشدة التصاقه به يناديه “يا صديقي” إذ لم يكن بالنسبة له مجرد أخ ورابطة دم، بل أكثر بكثير. جاء هذا التعبير في صورة فنية رائعة جسدها قاسم حداد بلغة شعرية وصفية رائعة: “قل لي يا ثيودور، هل أنت أخي أم أبي؟ لماذا لا تكون صديقًا، لكي أدعوك يا صديقي، لا أرى في العائلة غيرك. كلما رسمت، طفرت المخلوقات من ألوان القماشة حيّة في وجهي، مثل امرأة تلد نفسها. كائنات تجهر بعداء لأحلامي. عليك أن تكون لي، فقد سئمت العائلة. سئمت الضغائن مبثوثة في الثآليل. سئمت تدرعهم بالقمصان المهترئة التي هندسها الأب، وخاطها على مقاساتهم، لا أطيق القمصان مقدودة من كل جانب”(59).

ولأن للون قيمة عليا لدى الفنان، فإن تعبير علاقته القوية بأخيه ثيودور، جاءت من خلال اللون كذلك، حيث الشعرية البلاغية التي مثّلت ثيودور بأنه حارس يذود عن الخطوط والألوان، بوصفها أشياء ثمينة للفنان، بل أثمن ما يكون: “ثيودور الاستثنائي في العائلة، وفي الكون قاطبة. يسعفني ويحميني ويذود عني. يتلقى النصال ويقف خارج المرسم يحرس الخطوط والألوان بالضوء والظلال”(60).

أخي وصديقي .. حارس اللون

الفقد.. محو الألوان

أسقط قاسم حداد التعبير باللون على مسألة فقد الأصدقاء وخسرانهم .. حيث جاء التعبير عن هذا الفقد بمحو اللون الذي هو أعز ما عند الفنان. كانت تجربة خذلان “غوغان” لصديقة فان غوغ، الذي سمح له بالإقامة معه في بيته، تجربة مريرة(61). كان “غوغان” يسخر، أحيانًا، من لوحات غوغ، ويعمد إلى تلميحات تشير إلى عدم جدارته بحب امرأة، الأمر الذي أنشب نزاعًا بينهما ذات مرة، مما أسفر عن مغادرة “غوغان” للمنزل المشترك بينهما للأبد، وهي الحادثة ذاتها التي قطع فيها فان غوغ أذنه بشفرة الرسم. كان فقد “غوغان” وبقية الأصدقاء لدى فان غوغ بمثابة محو اللون من الرسم؛ موجعًا ومريرًا. “الأصدقاء لا يتركون كل هذه الجراح ويغادرون بلا اكتراث. التفتَ، فيما يبتعد، كمن يريد أن يثّبت مما يتركه خلفه ويذهب. كنتُ ألملم روحي بعده لصيانتها من الخذلان. الفقد يجرح روحي ويحيلني إلى دفتر الغبار ويمحو اللون في رسمي. سأحتاج عمرًا كاملًا لكي أدرك أنني لا أحسن اختيار حياتي ولا أصدقائي ولا فهارس عذاباتي. كنت منشغلًا عن ذلك كله بالرسم، لئلا أفقد الباقي”(62).

الفقد – محو اللون

خاتمة

قدمت هذه المقاربة النقدية دراسة عن شعرية اللون في نص الشاعر قاسم حداد “أيها الفحم يا سيدي” هذا النص استوحاه المؤلف من رسائل الفنان الهولندي المنتمي إلى المدرسة الانطباعية فنسنت فان غوغ، التي كتب معظمها إلى أخيه “ثيودور”. كما استوحاه من قراءته، أيضًا، للوحات الفنان، وتعمقه فيها. لذا؛ بدا النص عصيًّا عن التصنيف؛ يتراوح تشكيله الأسلوبي بين الرسائل والسيرة الذاتية والسرد والمقطوعات الشعرية النثرية، والخواطر المتأتية من محاولة كتابة الرسم. من خلال المقاربة النقدية لشعرية اللون في النص يمكن الخروج بالنتائج التالية:

– قد لا تكون للظواهر الاجتماعية والنفسية والظروف التاريخية علاقة مباشرة في دراسة بنية النص التي تُعنى بها الشعرية، لكن من شأنها، أحيانًا، تقديم تفسير للكيفية التي تشكلت على أساسها الصياغة الأسلوبية. وهو ما أفاد الدراسة في تحليل عمق تجربة الفنان فان غوغ لمعرفة تأثير اللون على حياته.

– ألمح المؤلف الشاعر قاسم حداد إلى تقاطع فصول من حياته مع حياة الفنان فان غوغ، على نحو ما أشارت الدراسة، مثل ولعه بالرسم قديمًا، وشغفه بالكتابة، وضجيج الأسئلة حول الكون والناس والعدالة، وغيرها من تقاطعات ربما كانت هي السبب وراء تماهي شخصية المؤلف مع الفنان.

– للون في النص قيمة عليا لدى الفنان فان غوغ، وقد احتل دور البطولة بتوظيفه وسيلة للتعبير عن مجمل موضوعات الحياة والوجود والدين والكون والناس.

– من خلال مقاربة “اللون” شعريًّا في نص قاسم حداد، تجلى للدراسة كيف أن “اللون”، كلفظ دال، قد تجاوز مدلوله المباشر (أداة للرسم والتشكيل) إلى مدلول أوسع وأعمق؛ حيث جاء “اللون” ليعكس عمق التجربة الفنية لدى الفنان. واللون بهذا الانحراف عن المدلول المباشر يحقق الوظيفة الشعريّة الأساسية، الانزياح عن الاستعمال العادي للغة إلى الاستعمال الفني الذي يكسب اللفظة دلالتها الفنيّة ويحقق أدبية النص.

– حمل “اللون” في النص طاقة تعبيرية هائلة، ومنحى مشرع على محتمل التأويلات. وظهر للدراسة، من خلال النص، كيف أن الفنان ملتصق باللون إذ-وبحسب ما أشير- لم يحسن في حياته سوى صنعة الرسم واللعب بالألوان.

– صاغ المؤلف قاسم حداد، ببراعة فنية ولغة شعريّة وفلسفة ذهنية استثمار فان غوغ للون للتعبير عن أشد الموضوعات تأثيرًا في حياته، حيث بدا اللون لديه معادلًا موضوعيًّا للروح في الجسد، وللحياة الجميلة، كما  أنه جسّد فكرة فقده لأعز الناس بفرار اللون من اللوحة،  ومثّل متانة علاقته بأخيه “ثيودور” بحراسة اللون، وأسقط الرسّام ذاته المنهكة على اللون الأصفر لزهرة دوّار الشمس، كما عبّر عن الغموض الطارئ الجامح بالرصاصي،  وجاء الأزرق ليروي سيرة فرار اللون من البحار إلى السماء، فيما بدا اللون الأسود انعكاسًا لظلام عقيدة التبشير.

– تجاوزت الجمل في النص الهدف الإخباري المباشر إلى العناية الفائقة بالصورة الفنية والترميز والإيقاع الموسيقى للمفردة وبراعة التركيب والمفارقات والتكرار وانفعال المشهد.. كلها أساليب من شأنها تعزيز الشعرية في النص.

– حقق النص سؤال الشعرية المركزي وهو: كيف عبّرت الألوان عن مجمل موضوعات الحياة والكون والناس والعقيدة عند فان غوغ؟ وليس “عن ماذا عبّرت الألوان؟”.  فالشعرية تعني بالكيفية التي تحقق أدبية النص، والتي من شأنها استعلاء القيمة الجمالية للصياغة الأسلوبية.

–  بدا، من خلال المقاربة النقدية، أن عمل فان غوغ بالتبشير في مناجم الفحم نقطة تحول انبثقت من خلالها موهبته في الرسم، وانحاز من بعد هذه التجربة إلى الانتصار للعمّال والفقراء بتجسيد معاناتهم عبر الرسم، لذا؛ كان لنقطة التحول هذه أثرها في يكون للفحم السيادة بتصدّر عنوان الكتاب “أيها الفحم، يا سيدي”. وبرزت شعرية الفحم على النحو التالي: اندلعت موهبة الفنان في الرسم باحتكاكه مع العمال في المناجم خلال عمله بالتبشير، تمامًا مثلما يتولد الألماس من احتكاك الفحم. واستطاع الفحم أن يحقق المفارقة المريرة؛ العتمة في المناجم من جهة، والضوء بالاشتعال للناس من جهة أخرى.  وبين العتمة والضوء كان الكشف عن سواد التبشير الذي يعد بالعدالة للناس فيما هو يضاعف من أوجاعهم، فكانت عقيدة الرسم لدى الفنان بالانتصار لهم بالفن.

آخر ما يمكن أن يقال إن تجربة نص الشاعر قاسم حداد فريدة وباعثة للذة ولرؤية الوجود على نحو أكثر عمقًا؛ كيف للشاعر أن يعيد سيرة الفنان بمنطقه وأسلوبه الشعري؟

 

الهوامش

(1) قاسم حداد، شاعر بحريني، ولد في البحرين عام 1948. التحق بالعمل في المكتبة العامة منذ عام 1968 حتى عام 1975 ثم عمل في إدارة الثقافة والفنون بوزارة الإعلام من عام 1980. شارك في تأسيس (أسرة الأدباء والكتاب في البحرين) عام 1969. وشغل عددًا من المراكز القيادية في إدارتها. تولى رئاسة تحرير مجلة “كلمات” التي صدرت عن “أسرة الأدباء” عام 1987. عضو مؤسس في فرقة (مسرح أوال) العام 1970. كتب مقالاً أسبوعيًا منذ بداية الثمانينات بعنوان (وقت للكتابة) ينشر في عدد من الصحف العربية. كتبت عن تجربته الشعرية عدد من الأطروحات في الجامعات العربية والأجنبية، والدراسات النقدية بالصحف والدوريات العربية والأجنبية.

ترجمت أشعاره إلى عدد من اللغات الأجنبية. وضع كتابًا عن (المسرح البحرين، التجربة والأفق)، مسرح أوال -1981

حصل على عدة جوائز محلية وخارجية.  حصل على العديد على المنح الثقافية للتفرغ الأدبي.

من أعماله: البشارة – البحرين – أبريل 1970، خروج رأس الحسين من المدن الخائنة – بيروت – أبريل 1972، الدم الثاني – البحرين – سبتمبر 1975، قلب الحب – بيروت – فبراير 1980، القيامة – بيروت – 1980، المستحيل الأزرق (كتاب مشترك مع المصور الفوتغرافي صالح العزاز) ترجم النصوص إلى الفرنسية/عبداللطيف اللعبي، والإنجليزية/نعيم عاشور– 2001، ورشة الأمل- (سيرة شخصية لمدينة المحرق)- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت- 2004- القاهرة-2007، فتنة السؤال- المؤسسة العربية للدراسات والنشر -بيروت – 2008 ، طرفة بن الوردة-المؤسسة العربية للدراسات والنشر/بيروت-المطبعة الشرقية- البحرين 2011.

انظر: الموقع الشخصي للشاعر قاسم حداد http://www.qhaddad.com/ar/sira/www.qhaddad.com

(2) حداد، قاسم. البحرين: دار مسعى.  ط1، 2015. الكتاب هو نتاج منحة حصل عليها الشاعر قاسم حدّاد من أكاديمية العزلة بألمانيا، وهي منحة يحظى بموجبها كتّاب العالم على تفرغ إبداعي لإنجاز مشاريعهم الإبداعية، ضمن برنامج “زمالة جان جاك روسو”. كُتب النص في غابات الهضبة على مدينة شتوتغارت، شتاء 2012.

(3) فينسنت ويليم فان غوغ (بالهولندية: Vincent Willem van  (30 مارس 1853 – 29 يوليو 1890). من أبرز فناني المدرسة الانطباعية في الفن. هولندي المولد والمنشأ. صنع خلال حياته القصيرة ما يقرب من ألفي قطعة فنية؛ بين لوحة زيتي ورسم. أنجز معظمها في السنتين الأخيرة من عمره، خلال إقامته في فرنسا. ترك فان غوغ إرثًا أدبيًا في الرسائل التي كان يكتبها شبه يومي، كتوثيق لحياته. بلغت قرابة 903 رسالة، ذهب معظم هذه الرسائل (95%) لأخيه ثيورد الذي كان يناديه “ثيو”. ويصفه بـ “يا أخي يا صديقي”. كان أخيه ثيودور يصغره، وهو الذي يدعم فان غوغ بالمال، حيث لم يحظَ فان غوغ بدخل حقيقي ثابت أثناء تنقلاته في الوظائف. تنقل فان غوغ بين موظف في شركة لتجارة الأعمال الفنية في باريس ولاهاي ولندن، ثم مساعد معلم في مدارس الريف الإنجليزي، إلى واعظ إنجيلي في مناجم الفحم البلجيكية. تأثر ثيودر بوفاة أخيه جدًا، ومات بعده بستة أشهر.

كان والد فان غوغ يعمل كاهنًا ريفيًا في كنائس القرى الريفية الجنوبية لهولندا، فننشأ فان غوغ محبًا للطبيعة ونمط الحياة الريفية.

لم يحظَ فان غوغ بالشهرة إلا بعد وفاته، عانى كثيرًا قبل أن يصل إلى مبتغاه من الفن، ومن قسوة تعامل والده معه. ومن ظروف نشأته، حيث جاءت ولادة فان غوغ بعد سنة واحدة من اليوم الذي ولدت فيه أمه طفلاً ميتًا بالولادة، سمي أيضًا بفينسنت. عانى من ظروف مزاجية صعبة، ومن اكتئاب حاد وهلاوس.  أشهر لوحاته: آكلو البطاطا، ومزهرية زهرات دوّار الشمس، المقهى الليلي، غرفة النوم، ليلة النجوم، بورتريه لوجهه.

انظر: مقدمة تعريفية عن فينسنت فان غوغ من كتاب: المخلص دومًا، فينسنت “الجواهر في رسائل فان غوغ”. إعداد: ليو يانسن، وهانز لويتن، ونيينكه باكر. ترجمة: ياسر عبداللطيف ومحمد مجدي. تحرير: ياسر عبدالطيف. ط1، دار الكتب خان: القاهرة. 2017. بدعم من مؤسسة الأدب الهولندي. ص 9 – 11.

(4) حداد. أيها الفحم يا سيدي، ص17.

(5)  يمكن الاطلاع على تلك الرسائل من خلال كتاب: المخلص دومًا، فينسنت “الجواهر في رسائل فان غوغ”. (مرجع سابق).

(6) حداد. أيها الفحم يا سيدي، ص15.

(7) المصدر السابق، ص19.

(8)  تودروف، تزفيتان. الشعرية. ترجمة شكري المبخوت ورجاء بن سلامة. الدار البيضاء: دار توبقال للنشر (سلسلة المعرفة الأدبية) ط2. 1990. ص23.

(9) المرجع السابق، ص31.

(10) المرجع السابق، ص28.

(11) المرجع السابق، ص27، ص28.

(12) المرجع السابق، ص80.

(13) المرجع السابق، ص24.

(14) المرجع السابق، ص84.

(15) ياكبسون، رومان. قضايا الشعرية. ترجمة محمد الولي ومبارك حنون. الدار البيضاء: دار توبقال، ط1، 1988. ص31.

(16) المرجع السابق، ص78.

(17) المرجع السابق، ص35.

(18) كوهن جون: بنية اللغة الشعرية. ترجمة محمد الولى ومحمد العمري.  بيروت ـ الدار البيضاء: دار توبقال. 1986. ص113.

(19)  أدونيس. الشعرية العربية. (محاضرات ألقيت في الكوليج دو. فرانس، باريس، أيار 1984). ط2. بيروت: دار الآداب. 1989، ص77.

(20) أبو ديب، كمال. في الشعرية. ط1، بيروت: مؤسسة لأبحاث العربية، 1987. ص141.

(21) ناظم، حسن. مفاهيم الشعرية. دراسة مقارنة في الأصول والمنهج والمفاهيم. ط1. بيروت: المركز الثقافي العربي. 1994.  ص5.

(22) المرجع السابق، ص85.

(23) ياكبسون،. قضايا الشعرية، ص31.

(24) المرجع السابق، ص24.

(25) المرجع السابق، ص24.

(26) حداد. أيها الفحم يا سيدي، ص128.

(27) المصدر السابق، ص24.

(28) المصدر السابق، ص127.

(29) المصدر السابق، ص103.

(30) المصدر السابق، ص105.

(31) المصدر السابق، ص113.

(32) المصدر السابق، ص133.

(33) المصدر السابق، ص25.

(34) المصدر السابق، ص137.

(35) المصدر السابق، ص21.

(36)  عمر، أحمد مختار: اللغة واللون. ط2. القاهرة: عالم الكتب. 1997. ص ص 14 – 15.

(37) حداد. أيها الفحم يا سيدي، ص196.

(38) المصدر السابق، ص141.

(39) أيها الفحم يا سيدي، ص143.

(40) المصدر السابق، ص143.

(41) المصدر السابق، ص190.

(42) المصدر السابق، ص196.

(43) المصدر السابق، ص135.

(44) المصدر السابق، ص136.

(45) المصدر السابق، ص137.

(46) المصدر السابق، ص261.

(47) المصدر السابق، ص262.

(48)  أيها الفحم يا سيدي، ص81.

(49) المصدر السابق، ص67.

(50) المصدر السابق، ص67.

(51) المصدر السابق، ص69.

(52) المصدر السابق، ص74. جاءت عبارة “يقترح الله علينا النوم بأحلام وتلاوين” على غير معناها اللفظي، وإلا لصارت تجاوزًا في وصف الذات الإلهية، إنما قصد الكاتب المعنى المجازي بأن الله يمنح لعباده الحياة السعيدة الفسيحة الملونة بالخيارات، بينما يأتي التبشير المسيحي المشوّه بأحاديّة اللون من خلال تشجيع الأسر والقيود وتضييق الأحكام.

(53) المصدر السابق، ص131.

(54) المصدر السابق، ص88.

(55) المصدر السابق، ص99.  ثمّة لوحات عديدة لفان غوغ تصور واقع العمّال والكالحين والفقراء، وقد رصدت لوحاته حالات الكدح بكل تنويعاتها وظروفها؛ حيث تؤدي الشخصيات الكادحة أعمالها في الحقول أو في المنازل. مثل حراثة الأرض، وتقشير البطاطا، ورتق الجوارب، وجمع المحاصيل … الخ.

(56) المصدر السابق، ص77.

(57) المصدر السابق، ص43.

(58) المصدر السابق، ص199.

(59) المصدر السابق، ص59.

(60) المصدر السابق، ص199.

( 61) سبقت الإشارة إلى طبيعة علاقة غوغان بفان غوغ أثناء الحديث عن “أصفر دوار الشمس”.

( 62) المصدر السابق، ص191.

 

قائمة المصادر والمراجع

المصدر:

حدّاد، قاسم. أيها الفحم يا سيدي: دفاتر فنسنت فان غوخ. البحرين: دار مسعى.  ط1، 2015

 

المراجع:

– أدونيس. الشعرية العربية. (محاضرات ألقيت في الكوليج دو. فرانس، باريس، أيار 1984). ط2. بيروت: دار الآداب. 1989.

– أبو ديب، كمال. في الشعرية. ط1، بيروت: مؤسسة لأبحاث العربية، 1987.

– تودروف، تزفيتان. الشعرية. ترجمة شكري المبخوت ورجاء بن سلامة. الدار البيضاء: دار توبقال للنشر (سلسلة المعرفة الأدبية) ط2. 1990.

– عمر، أحمد مختار: اللغة واللون.  ط2. القاهرة: عالم الكتب. 1997.

– كوهن جون: بنية اللغة الشعرية. ترجمة محمد الولي ومحمد العمري.  بيروت ـ الدار البيضاء: دار توبقال. 1986.

– ليو يانسن، وهانز لويتن، و نيينكه باكر(إعداد). المخلص دومًا، فينسنت “الجواهر في رسائل فان غوغ”. ترجمة: ياسر عبداللطيف ومحمد مجدي. تحرير: ياسر عبدالطيف. ط1، دار الكتب خان: القاهرة. 2017. بدعم من مؤسسة الأدب الهولندي.

– ناظم، حسن. مفاهيم الشعرية. دراسة مقارنة في الأصول والمنهج والمفاهيم. ط1. 1994. بيروت: المركز الثقافي العربي.

– ياكبسون، رومان. قضايا الشعرية. ترجمة محمد الولي ومبارك حنون. الدار البيضاء: دار توبقال، ط1، 1988.

Facebook
X
WhatsApp
Threads
Telegram

عدد التحميلات: 0

أ.د. أميرة علي عبد الله الزهراني

قسم الدراسات العامة – كلية الإنسانيات والعلوم - جامعة الأمير سلطان - الرياض - المملكة العربية السعودية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى