العدد الحاليالعدد رقم 43ثقافات

ملامح مدينة غزة في العصر المملوكي

كانت غزة في العهد المملوكي محطة يمر منها سلاطين المماليك(1) حينما كانوا يريدون الهجوم على أعدائهم الصليبيين أو المغول أو المتمردين من الأمراء، أو العودة إلى مصر من الشام، كما كانت مركزًا لهؤلاء السلاطين حينما كانوا يريدون التوجه لزيارة بيت المقدس والحجاز(2).

التفت المماليك منذ عهد “الظاهر بيبرس” لأهمية موقع مدينة غزة كمدخل رئيسي للشام جنوبًا ولمصر شمالاً متخذين المواجهة الدينية شعارًا وهدفًا لهم خاصة بعد اتخاذهم من القاهرة عاصمة لهم بعد مقتل الخليفة العباسي ببغداد على أيدي المغول سنة 1258م، فأصبحت غزة أولى مدن الشام الأكثر قربًا من مقر الخلافة في القاهرة(3).

بالإضافة إلى ذلك اهتم السلطان بيبرس بعمارة القلاع والأسوار والقناطر والمساجد، كما قام بعدة إصلاحات بالحرم النبوي، وأرسل الكسوة إلى الكعبة المشرفة، كما أرسل الصناع والآلات لعمارة قبة الصخرة بالقدس(4).

وأما أهم المدن والقرى في نيابة غزة في العهد المملوكي:

1 – اطربه:

والتى ذكر عنها “محمد بن عبدالرحمن السخاوي (ت 902 هـ/1497م) بأنها من أعمال نيابة غزة (5).

2 – بربرة (بربرا)(6)

ويشير “مجير الدين العليمي”(7) (ت 928 هـ/1522م) إلى أنها قرية من أعمال غزة قرب عسقلان، وفيها مزار الشيخ يوسف البربراوي.

3 – بيت جبرين

حصن من حصون بيت المقدس، يقع بين بيت المقدس وبين غزة، أراضيها رحبة وخصبة، ويرجع هذا الحصن في الأساس إلى الوجود الصليبي في الشام، فقد أمر بتشييده “الملك فولك الأنجوي” ملك بيت المقدس عام (532ه/1137م) (8).

4 – بيت دراس: (بيت داراس)(9)

تقع بين غزة والرملة (10)، كانت في العهد المملوكي محطة من محطات البريد(11) بين غزة ودمشق(12) .

5 – رفح (13):

موقعها على طريق مصر بعد الداروم، كان خرابًا في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي(14)، وفى هذا العهد كانت محطة للبريد بين غزة ومصر(15)، وقد زارها “السلطان الملك الأشرف برسباى” (825-841 هـ/1422-1437م)، أثناء سفره إلى الشام عام (836 هـ/ 1432 م)(16).

أما “شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري” (ت 749 هـ/1349م) فكان أدق في تحديده من الدمشقي، فذكر بأنها تمثل الصفقة(17) الأولى من صفقات الشام والمشار إليها باسم “الصفقة الساحلية والجبلية”(18) الواقعة في القسم الجنوبي الغربي من بلاد الشام، ولنائبها الحديث في هذه الصفقة مع مراجعة نائب الشام ليس إلا في قرتيا وبيت جبرين والداروم فإن نائب غزة يولى ولاتها وهذه الصفقة هي الشام الأعلى ينقص منه ما هو نهر الأردن إلى أول حد قاقون(19).

يوديموجغرافيًا كان فقد عزز السلطان بيبرس الوجود البشري في المدينة من المسلمين التركمان ومنحهم العطاءات المالية(20)، واستقروا في الحي الجديد للشرق من مدينة غزة والذي أسس في الفترة الأيوبية وهو حي الشجاعية(21) بحارة التركمان، كما استقر بعض الأكراد للشمال من هذه الحارة في حي الجديدة.

كان عدد سكان نيابة غزة في عهد المماليك البحرية لا يتجاوز عشرة آلاف نسمة، وكانوا ينقسمون من حيث الدين إلى ثلاث فئات (مسلمة ونصرانية ويهودية)، وتعود جذور السكان المسلمين والنصارى إلى أحفاد القبائل العربية التي هاجرت عبر فترات التاريخ إلى شمالي الجزيرة العربية وجنوبي بلاد الشام(22).

وكانت غزة في عهد المماليك من أهم مراكز البريد، وكان بها لتوزيع البريد أبراج للحمام، لتوصيل رسائل الملوك والأمراء بواسطة الحمام الزاجل، وكانت هذه الرسائل تأتي من مصر إلى غزة عن طريق رفح، ودير البلح، ومن غزة توزع إلى المدن الأخرى، عن طريق الحمام كذلك، فتتشعب مسارات الحمام إلى الخليل ونابلس والقدس والكرك وصفد ودمشق، وكان موزع البريد في ذلك العهد يحمل على صدره لوحًا من الفضة نُقش على أحد وجهيه اسم السلطان الذي يجري البريد في عهده، وعلى الوجه الآخر هذه الكلمات: (لا إله إلا الله محمد رسول الله. أرسله(23) (بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التَّوۡبَة 33 ).

ويعود ذلك لجهود السلطان الظاهر “بيبرس” بتوفير أسباب القوة للدولة المملوكية، عن طريق اهتمامه بتطوير طرق المواصلات وزيادة الكفاءة البريدية منها بواسطة “الحمام الزاجل”، ليتسنى له سرعة الاتصال فجعل من مدينة غزة محطة بريدية مركزية للحمام الزاجل سنة 1170 ينطلق منها نحو الخليل والكرك شرقًا والقدس والمدن الشامية شمالاً يساندها بعض المحطات البريدية الثانوية في “رفح” و”السلقا” والداروم في جنوبها ومحطة “حنين” (بيت حانون) في شمالها(24).

ولتأمين عنصر الإمداد والتموين لهذه المحطات البريدية قام السلطان بيبرس بالاعتماد على قبائل بني ثعلبة وهي بطن من طيء القحطانية فاستخدمهم عندما قام بزيارة غزة سنة 661 هـ، بتقديم الدعم المالي اللازم لهم من أموال الزكاة حتى يتمكنوا من تقديم الخدمات البريدية من إعداد الخيول المطلوبة، فكانت الأخبار تأتى لمصر بواسطة الخيل من غزة مرتين في الأسبوع(25).

وكان كل مركز بريد ما يحتاج إليه المسافر من زاد له وعلف لدابته، ومما يدل على انتشار الأمن آنذاك أن المرآة كانت تسافر من القاهرة إلى دمشق بمفردها راكبة أو راجله لا تحمل زادًا ولا ماء ولا يرافقها حارس(26).

وعُرف أهل غزة بخبرتهم التجارية، وتُعد التجارة والأعمال اليدوية من الأعمال الأولية والهامة عندهم، ونجحوا في تحقيق أرباح وفيرة من خلال عملهم بالتجارة، واشتهرت غزة بمرور قافلة الحج الشامي في أراضيها أثناء عودتها من الحجاز؛ وعمدت سلطاتها وعشائرها العمل على حمايتها من هجمات البدو، أو التقليل من حالات وظروف هجماتهم عليها، وعُرف الطريق الذي تسلكه القافلة (بالطريق الصحراوي)، وساعد انتظام وصول القوافل التجارية لغزة على ازدهار أسواقها وتجارتها الداخلية والخارجية.

 

الهوامش:

(1) لفظة المماليك ومفردها مملوك، في أصلها اللغوي، مستخرجة من فعل ملك؛ لتعني الرقيق الذي يشتري بقصد تربيته والاستعانة به كجند وحكام، عبدالمنعم ماجد، الدولة الأيوبية في تاريخ مصر الإسلامية، دار الفكر العربي، القاهرة 1997، ص 143.

(2) مصطفى الدباغ، بلادنا فلسطين، ج1، ق2، ص 54.

(3) سليم عرفات المبيض، غزة وقطاعها “دراسة خلود المكان وحضارة السكان”، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1987، ص 213.

(4) إسماعيل، ليلى عبدالجواد، تاريخ الأيوبيين في مصر والشام، دار الثقافة العربية، القاهرة 2008، ص 209.

(5) السخاوي، الضوء اللامع، ج 6، ص 148.

(6) قرية تقع إلى جنوبي المجدل وتتبع إداريًا منطقة غزة، الدباغ، ج1، ص 254.

(7) العليمي، ج3، ص 148.

(8) عبدالعزيز عرار، قرية بيت جبرين، منشورات جامعة بير زيت، بير زيت 1995، ص 8.

(9) بيت داراس، قرية تقع شمالي شرق المجدل، وتتبع إداريًا منطقة غزة، حسن عبدالقادر، اسماء المواقع الجغرافية في الأردن وفلسطين، اللجنة الأردنية للتعريب والترجمة والنشر، عمان 1973، ص 30.

(10) البدر العيني، محمود بن أحمد، السيف المهند في سيرة الملك المؤيد، مطبعة دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة 1998، ص 242.

(11) يعود إدخال نظام البريد في الدولة الإسلامية إلى الخليفة الأموي “معاوية بن أبى سفيان”.

(12) ابن فضل الله العمري، ص 242.

(13) رفح: مدينة تقع غرب غزة، وتتبع إدراريًا منطقة غزة، مصطفى الدباغ، ج1، بلادنا فلسطين، ص 310.

(14) ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج2، ص 792.

(15) ابن فضل الله العمري، ص 191.

(16) أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد، بن حجر العسقلاني، إنباء الغمر بأبناء العمر، ج3، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة1969، ص 493.

(17) الصفقة لغويًا من الفعل صفق بمعنى (الناحية)، الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، ج 15، الكويت 1965.

(18) ابن فضل الله العمري، أبو العباس أحمد بن يحي، التعريف بالمصطلح الشريف، مطبعة العاصمة، القاهرة 1894، ص 177.

(19) ابن فضل الله العمري، التعريف بالمصطلح الشريف، ص177.

(20) المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، ج1، ق 2، القاهرة 1957، ص 316-318.

(21) حي الشجاعية، يقع في الجزء الشرقي خارج حدود المدينة، نسبة إلى شجاع الكردي، الذى قُتل في أحد المعارك بين الصليبين والأيوبيين، آمنة إبراهيم أبو حجر، موسوعة المدن والقرى الفلسطينية، ج2، دار أسامة للنشر والتوزيع، عمان 2003، ص 680

(22) محمود على خليل عطا الله، نيابة غزة في العهد المملوكي، دار الآفاق الجديدة، بيروت 1979، ص 79.

(23) العارف، عارف، تاريخ غزة، مطبعة دار الأيتام الإسلامية، بيت المقدس 1943، ص 163.

(24) القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشا، ج 14، القاهرة 379-380.

(25) ابن إياس، محمد بن أحمد، المختار من بدائع الزهور في وقائع الأخبار، مطبعة كتاب الشعب، القاهرة 1960، ص 98-92.

(26) النحوي، فوزي علي رضا، غزة في التاريخ، مجلة الثقافة، عدد 2، 1 فبراير 1979، ص 16.

Facebook
X
WhatsApp
Threads
Telegram

عدد التحميلات: 1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى