
السعادة: دليل الفيلسوف
كتاب السعادة: دليل الفيلسوف. يستعرض فريدريك لونوار ما أضافه أعظم المفكرين – أرسطو، أفلاطون، تشوانغ تسو، فولتير، سبينوزا، شوبنهاور، كانط، وفرويد – إلى النقاش المتواصل حول السعادة.
السؤال عن السعادة يُطرح باستمرار: حتى إنه مع الوقت يفقد حدّته ويفقد شيئًا من جدّيته. لكنه، رغم شيوعه وبساطته الظاهرة، لا يزال سؤالًا ساحرًا، إذ ينطوي على خيوط متشابكة يصعب فصلها. … فالسعي وراء السعادة ليس مسعىً عبثيًا. بوسعنا حقًا أن نكون أكثر سعادة إذا تأملنا في حياتنا، وعملنا على أنفسنا، وتعلّمنا اتخاذ قرارات أكثر حكمة – أو حتى إذا غيّرنا طريقة تفكيرنا، ومعتقداتنا، أو الصورة التي نتخيل بها أنفسنا والعالم.
لماذا لا توجد وصفة جاهزة للسعادة؟
تنبع صعوبة أخرى من الطابع النسبي الواضح للسعادة: فهي تختلف باختلاف الثقافات والأفراد، بل وتختلف لدى الفرد الواحد من مرحلة حياتية إلى أخرى. وغالبًا ما تأخذ شكل أشياء نفتقدها: فبالنسبة للمريض، تكمن السعادة في الصحة؛ وللعاطل عن العمل، في الحصول على وظيفة؛ وللبعض من العُزّاب، في الزواج – وللبعض من المتزوجين، في أن يعودوا عُزّابًا! وتزداد هذه التباينات حدةً بسبب البُعد الذاتي: فالفنانون يسعدون بممارسة فنهم، والمثقفون بمعالجة الأفكار والمفاهيم، والرومانسيون حين يقعون في الحب.
وقد ألقى سيغموند فرويد، مؤسس التحليل النفسي، ضوءًا بالغ الأهمية على هذه النقطة حين كتب في كتابه الحضارة وسخطها: «تلعب البنية النفسية للفرد دورًا حاسمًا في هذا المجال، بصرف النظر عن الظروف الخارجية. فالرجل ذو الطابع الإيروسي يمنح الأولوية القصوى لعلاقاته العاطفية مع الآخرين؛ أما الرجل النرجسي، الأكثر ميلًا للاكتفاء الذاتي، فيبحث عن إشباعه الرئيسي في عملياته الذهنية الداخلية؛ بينما لا يتخلى رجل الفعل عن العالم الخارجي أبدًا، لأنه ساحة يختبر فيها قوّته.»
أصول كلمة «السعادة»
في اليونانية، تُترجم كلمة السعادة eudaimonia إلى «امتلاك دايمون (روح) طيبة» – ما يُقابل اليوم تعبير «امتلاك ملاك حارس» أو «مولود تحت نجم سعيد». أما الكلمة الفرنسية bonheur فتنحدر من اللاتينية bonum augurium، أي «فأل حسن» أو «حظ طيب». والكلمة الإنجليزية happiness تأتي من الجذر الآيسلندي happ، الذي يعني «الحظ» أو «الصدفة»، وهناك بالفعل عنصر كبير من الحظ في أن نكون سعداء، على الأقل لأن السعادة – كما سنرى – تعتمد بدرجة كبيرة على حسّنا الذاتي، وعلى وراثتنا البيولوجية، والبيئة العائلية والاجتماعية التي نشأنا فيها، والمحيط الذي نعيش فيه، واللقاءات التي ترسم مسار حياتنا.
الرحلة الفلسفية وطريق الحكمة
نحن مشروطون – ولكن غير محددين تمامًا – بعدد من العوامل التي تجعلنا أكثر أو أقل سعادة. وباستخدام العقل والإرادة، مثلًا، لدينا القدرة على تعزيز قابليتنا للسعادة (رغم أن النجاح في هذا المسعى ليس مضمونًا). ولهذا السبب، كتب كثير من الفلاسفة كتبًا في «الأخلاق» كانت مكرّسة لما يعيننا على أن نحيا أفضل وأسعد حياة يمكن تخيّلها. أليس هذا هو الغرض الأسمى للفلسفة؟
وقد أشار إبيقور، حكيم أثينا الذي عاش بعد أرسطو بقليل، إلى أن: «في دراسة الفلسفة، تصاحب المتعة تزايد المعرفة؛ فالمتعة لا تأتي بعد التعلّم، بل يتقدمان جنبًا إلى جنب.»
هذا السعي نحو الحياة “الطيبة” أو “السعيدة” هو ما يُسمى بالحكمة.
لذا، فهي رحلة فلسفية -بالمعنى الواسع للكلمة – هي ما أود أن أقدمه للقارئ. لا يوجد طريق مستقيم في هذه الرحلة، ولن نتبع فيها الترتيب الزمني لحياة الكُتّاب أو لظهور المفاهيم؛ فذلك سيكون تقليديًا ومملًا. إنها، بالأحرى، نزهة فكرية – من النوع الأكثر إثارة – مليئة بالأسئلة والأمثلة الملموسة.
الشكّ الفكري تجاه السعادة
يقدّم الكاتب باسكال بروكنر وجهة نظر مختلفة: «أنا أحب الحياة أكثر من أن أرغب في أن أكون سعيدًا على نحو دائم.» في الواقع، هناك حركة مناهضة للسعي وراء السعادة، وقد ناقشتها من قبل. لكن لونوار يضيف إلى هذا النقاش سببًا آخر لريبة المثقفين تجاه مفهوم السعادة: الهشاشة الشخصية.
يقول: «أعتقد أن هناك سببًا آخر يجعل بعض الأكاديميين والمثقفين يترددون في تناول هذا الموضوع – سببًا يصعب عليهم الاعتراف به: لكي نتحدث عنه بجدية، علينا أن نُعرِّي أنفسنا على المستوى الشخصي.
بإمكاننا أن نخوض مطولًا في قضايا اللغة، أو التأويل، أو نظرية المعرفة، أو الإبستمولوجيا، أو أنظمة الحكم، من دون أن ينخرط ذلك في حياتنا الحميمة بالضرورة. لكن الأمر يختلف تمامًا حين يتعلق بسؤال السعادة؛ فهذا سؤال يمسّ مشاعرنا، وعواطفنا، ورغباتنا، ومعتقداتنا، والمعنى الذي نُسبغه على حياتنا.
من المستحيل أن تُلقي محاضرة أو حديثًا عن هذا الموضوع دون أن ينهض شخص من الجمهور ويسأل: وماذا عنك أنت؟ ما معنى حياتك؟ ما هو نظامك الأخلاقي؟ هل أنت سعيد؟ ولماذا؟ – كثير من الناس يجدون هذه الأسئلة محرجة.»
المصدر
عدد التحميلات: 0