
أغنية الجندول
أغنية الجندول
علي محمود طه
شاعر مصري ينتمي إلى المدرسة الرومانسية، ولد علي محمود طه المهندس في عام 1901م بمدينة المنصورة، وقضى معظم شبابه فيها. تعلم في الكُتاب وحفظ بعضًا من سور القرآن الكريم، ثم انتقل إلى المدرسة الابتدائية، والتحق بعدها بمدرسة الفنون والصناعات التطبيقية، وتخرج عام 1924م مساعد مهندس معماري. انشغل بالأدب والشعر، واتصل ببعض رجال السياسة والأدب في بواكير حياته. وكتب في جميع أغراض الشعر، كالغزل والرثاء والمديح والفلسفة والحكمة والتأمل والجمال، وتنوعت قوافيه وفنونه، وتميز بالصور الحسية التي رسمها في قصائده، إضافة إلى النزعة الرومانسية التي بدت غامرة في ديوانه الأول «الملاح التائه». أصدر علي محمود طه ديوانه الأول: «الملاح التائه» في عام 1934، وله قصائد شهيرة كـ«الوحي الخالد»، و«أرواح وأشباح» و«شرق وغرب». صدر له كتاب من النثر بعنوان «أرواح شاردة» 1941، وكتب أيضًا مسرحية غنائية بعنوان: «أغنية الرياح الأربع» عام 1944.
توفي علي محمود طه يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1949 ودفن بمسقط رأسه في مدينة المنصورة.
أين مـن عينيَّ هاتــيـك المجالي؟
يا عروسَ البحــرِ، يا حُـلْمَ الخـيالِ
أيـن عـشاقُــــك سُمَّارُ اللـيالي؟
أين من واديك، يا مهدَ الجـمالِ؟
مـوكبُ الغيد وعـيدُ الكرنفالِ
وسرَى الجندولِ في عُرض القنالِ
بين كأسٍ يتشهَّى الكـرمُ خمـرَهْ
وحـبـيبِ يتمَــنَّى الكأْسُ ثـــغـــرَهْ
التـقـتْ عـيـني بـــهِ أوَّلَ مرَّهْ
فـعـرفـتُ الحبَّ من أوَّلِ نــظـــرَهْ
أين مـن عينيَّ هاتــيـك المجالي؟
يا عروسَ البحــرِ، يا حُـلْمَ الخـيالِ
**
مرَّ بي مُستضحكًا في قربِ سَاقي
يَـمـزُجُ الـــراحَ بأقـــداحٍ رِقــاقِ
قــد قـصدناهُ على غـيرِ اتـفاقِ
فنظرنا، وابتـسـمـنا للـتَّـلاقي
وهوَ يَستهدِي على المَفْرِقِ زَهرَهْ
ويُسوِّي بيـدِ الفـتـنـةِ شـعـرَهْ
حينَ مسَّتْ شَفَتِي أوَّلُ قطرَهْ
ـلْـتُـهُ ذوَّبَ في كاسيَ عِطْـرَهْ
أين مـن عينيَّ هاتــيـك المجالي؟
يا عروسَ البحــرِ، يا حُـلْـمَ الخـيالِ
**
ذَهَبِيُّ الشَّعـر، شَـرقيُّ السِّماتِ
مَـرِحُ الأعـطـاف، حـلوُ اللَّـفـتاتِ
كُلَّما قلتُ له: خـذْ. قال: هاتِ
يا حبيبَ الرُّوحِ، يا أُنْسَ الحـيـاةِ
أَنا مَـنْ ضـيَّعَ في الأوهامِ عُمْرَهْ
نَسيَ التاريخَ أو أُنْسيَ ذكْـــرَهْ
غيرَ يـومٍ لم يَعُدْ يَذكُــرُ غـيرَهْ
يـومَ أنْ قابَـلـتُـه أوَّلَ مَـــــرَّهْ
أين مـن عينيَّ هاتــيـك المجالي؟
يا عروسَ البحــرِ، يا حُـلْمَ الخـيالِ
**
قالَ: مـن أينَ؟ وأصـغى، ورَنَا
قلتُ: من مصرَ، غريبٌ ها هُنَا
قالَ: إن كـنتَ غريبًا فـــأنَا
لـم تكنْ فينيـسـيا لي مَـوْطــنَا
أينَ منِّي الآن أحـلامُ البُحَيْرَهْ
وسماءٌ كَـسَتِ الـشطـآنَ نَضْرَهْ
منزلي مـنها على قمّـةِ صَخرَهْ
ذات عينٍ من مَعـينِ الماء ثَرَّهْ
أينَ من فارسوفيا تلكَ المجالي؟
يا عروسَ البحرِ، يا حُلْمَ الخـيالِ
**
قلتُ، والنشوةُ تسري في لساني:
هاجتِ الذكرى، فأينَ الهرَمانِ؟
أين وادي السِّحرِ صدَّاحُ المغاني؟
أينَ مـاءُ النيل؟ أين الضِّـفَّـتَانِ؟
آه لـو كـنـتَ مـعـي نخـتالُ عَــبْرَهْ
بشـراعٍ تَسْـبَـحُ الأنجـــمُ إثــرَهْ
حيثُ يَروي الموجُ في أرخـم نَبْرَهْ
حُـلْمُ ليل مـن ليالي كلـيـوبترَهْ
أين من عينيَّ هاتيـك المجالي؟
يا عروسَ البحـرِ، يا حُلْمَ الخـيالِ
**
أَيُّها الملَّاحُ، قِفْ بينَ الجسـورِ
فتنةِ الدنيا، وأَحلامِ الدهـــورِ
صفَّـق المـوجُ لولــدانٍ وحـــورِ
يُغرقون الليلَ في يَنبوع نـــورِ
ما ترى الأغْـيَدَ وضَّاء الأسِـرَّهْ؟
دقَّ بالساق وقد أسْلَمَ صـدْرَهْ
لمُحبٍّ لـفَّ بالساعد خَـصْـرَهْ؟
ليتَ هذا الليلَ لا يُطْلِعُ فجرَهْ!
أين من عينيَّ هاتـيكَ المجالي؟
يا عروسَ البحـرِ، يا حُلْمَ الخيالِ
**
رَقَـصَ الجُنـدولُ كالنـجـم الوضيِّ
فاشْدُ، يا ملَّاحُ، بالصوت الشجيِّ
وتَـرَنَّمْ بالـنـشــيـدِ الــوثــنيِّ
هـذه اللـيـلةُ حُــلْمُ الــعَبـقــريِّ
شاعــتِ الـفـرحــةُ فـيها والمَـسَــرَّهْ
وجَـلا الحُبُّ على العُـشَّـاقِ سرَّهْ
يَمْنةً مِـلْ بي، على الماء، ويَسْـرَهْ
إنَّ للجنـدول تحت الليل سحرَهْ
**
أيـن، يا فـيـنيسـيا، تـلك المجالي؟
أَيـنَ عُـشاقُــك سُمَّار اللـــيالي؟
أَيـنَ مـن عـيـنيَّ أطـــيافُ الجمالِ؟
مَـوْكـبُ الـغـيـد وعيدُ الكرنفالِ؟
يا عروسَ البحر، يا حُلْمَ الخَيالِ!!
عدد التحميلات: 0