
هان كانغ تهدي كوريا أول نوبل للآداب
ولدت هان كانغ الكاتبة الكورية الجنوبية العام 1970 في كوريا الجنوبية، من أسرة أدبية حيث كان والدها كاتبًا مرموقًا وبدأت حياته الأدبية ككاتبة قصص قصيرة قبل أن تنتقل إلى كتابة الروايات، حيث حققت شهرة عالمية بروايتها «النباتية» (The Vegetarian)، التي تُرجمت إلى عدة لغات وفازت بجائزة مان بوكر الدولية العام 2016.
تستخدم كانغ في كتاباتها أسلوبًا شعريًا وتأمليًا، وغالبًا ما تستكشف الجانب النفسي والداخلي للشخصيات، مما يجعل قراءتها تجربة عميقة ومؤثرة.
العمق النفسي والشعرية
تتميز أعمال هان كانغ بالعمق النفسي والاستكشاف الشعري للطبيعة البشرية، وغالبًا ما تركز على موضوعات مثل الحرية، والعنف، والهوية.
حيث لاقت اهتمامًا واسعًا من نقاد الأدب حول العالم، وكتب عنها العديد من النقاد والصحفيين في مجلات وصحف أدبية بارزة. ومن أبرز من كتبوا عن أعمالها: ديبورا سميث وهي مترجمة أعمال الكاتبة إلى الإنجليزية، بما في ذلك «النباتية»، وقد كتبت عنها بشكل مكثف في مقابلات ومقالات، مسلطة الضوء على عمق رواياتها وتأثيرها الثقافي والأدبي، وكذلك جيمس وود الناقد الأدبي في مجلة The New Yorke، الذي كتب عن «النباتية» وركز على الأسلوب الشعري والمأساوي في الرواية، مشيرًا إلى كيفية نجاح هان كانغ في دمج الواقع بالخيال لخلق تجربة قراءة فريدة.وبالإضافة إلى هؤلاء اهتم بتجربتها أيضًا بوي لاني الناقد الأدبي في صحيفة The Guardian، وهو كتب عن رواية «النباتية» مشيدًا بالطابع التأملي العميق الذي تقدمه كانغ، وأثنى على قدرتها في استكشاف موضوعات الجسد والعنف بشكل متفرد .. أما جيسيكا غاندرسن فقد كتبت في صحيفة The Independent عن «أفعال البشر» وكيف نجحت كاتبتها في تصوير الصدمات الفردية والجماعية، مسلطة الضوء على سرد الأحداث التاريخية في كوريا الجنوبية بأسلوب يمزج بين الشاعرية والقسوة. أما كلاير أرميتا الناقدة الأدبية فنشرت مقالات عن المتوجة بنوبل هذا العام في The New York Times، مشيدة بكتابها الممهور بـ«الكتاب الأبيض» وكيف أنها تمكنت من تقديم عمل يدمج بين التأمل الشخصي والفلسفي، مستكشفةً الفقدان والذاكرة.
إطلالة على أهم أعمالها …
1 – النباتية

رواية «النباتية» لهان كانغ هي عمل أدبي يدمج بين الواقعية والخيال بطريقة عميقة ومثيرة، حيث تتناول موضوعات الحرية الفردية، الجسد، والعنف النفسي والاجتماعي. تدور الرواية حول «يونغ-هاي»، وهي امرأة كورية عادية تعيش حياة روتينية مع زوجها. في يوم من الأيام، تقرر التخلي عن أكل اللحوم بعد أن راودتها كوابيس مروعة تتعلق بالدماء والعنف، وهذه الخطوة الصغيرة تتحول إلى نقطة تحول في حياتها وحياة عائلتها.
وتقسم الرواية إلى ثلاثة أجزاء، وكل جزء يُروى من منظور شخصية مختلفة، مما يعطينا صورة متعددة الأبعاد للتجربة الشخصية والنفسية ليونغ-هاي، حيث يُروى الجزء الأول من قبل زوجها، الذي يرى قرارها غريبًا وغير مقبول اجتماعيًا، حيث يشعر بالقلق من تأثيره على حياته الشخصية والاجتماعية، أما الجزء الثاني فيُروى من قبل صهرها، وهو فنان يجد في تحول يونغ-هاي مصدر إلهام فني لكنه يستغلها لتحقيق طموحاته الشخصية، مما يزيد من تعقيد العلاقات. أما الجزء الثالث، فهو من منظور أختها الكبرى، التي تكافح لفهم دوافع شقيقتها ومساعدتها، خاصة بعد أن تزداد حالتها سوءًا.
تستكشف الرواية من خلال هذه الزوايا الثلاثة قضية حرية الاختيار مقابل قيود المجتمع والتوقعات العائلية. قرار يونغ-هاي النباتي ليس مجرد تحول غذائي، بل تعبير عن تمردها ورغبتها في التحرر من القيود التي فُرضت عليها. مع تصاعد الأحداث، يتضح أن التخلي عن اللحم هو بداية لمسيرة يونغ-هاي نحو التحرر النفسي والجسدي، لكنها أيضًا تترافق مع تدهور حالتها العقلية والجسدية..
2 – الكتاب الأبيض
«الكتاب الأبيض» هو عمل تأملي وشاعري، يمتزج فيه السرد مع الشعر والفلسفة لاستكشاف موضوعات مثل الفقدان، الحزن، والذاكرة. ويعد الكتاب أقرب إلى التأملات الشخصية، حيث تتناول هان كانغ قصة فقدان أختها الكبرى التي ماتت بعد وقت قصير من ولادتها. تتناول هان هذه الحادثة من خلال سلسلة من النصوص القصيرة والتأملات المرتبطة باللون الأبيض، الذي يرمز للنقاء، الولادة، الموت، والفراغ.
وهذا الكتاب مقسم إلى مقاطع قصيرة، تتناول كل واحدة منها موضوعًا أو تجربة ترتبط باللون الأبيض مثل الثلج، الحليب، الضباب، والأشياء اليومية التي تعكس البراءة والنقاء، لكنها تحمل في نفس الوقت عبء الفقدان والذاكرة، فاللون الأبيض يصبح وسيلة للتفكير في المعاناة والموت والحزن، ولكن في إمكانية الشفاء والنسيان، إذ تسافر هان كانغ في الكتاب إلى مدينة أجنبية (وهي على الأرجح وارسو)، حيث تحاول استيعاب الفقدان في سياق جديد، لتدمج بين تجاربها الشخصية وتجارب الغرباء الذين واجهوا الفقدان والمعاناة.
«الكتاب الأبيض» هو عمل مليء بالتأملات الفلسفية التي تعكس طبيعة الإنسان في مواجهة الحزن والفقدان، ويعد محاولة لإيجاد معنى في الحياة رغم غموضها وعدم يقينها.
3 – دروس اغريقية
«دروس إغريقية» (Greek Lessons) هو كتاب لهان كانغ يتناول موضوعات معقدة مثل الصمت، اللغة، والعلاقات الإنسانية من خلال قصص شخصيات تعاني من الفقدان والانعزال. الرواية تدور حول شخصيتين رئيسيتين: امرأة فقدت صوتها وقررت التوقف عن التحدث بعد سلسلة من التجارب المؤلمة، ورجل كوري-يوناني فقد بصره تدريجيًا، وهو معلم للغة الإغريقية القديمة.
المرأة، التي تعيش في مدينة كورية، تعاني من صدمة نفسية بعد فقدان حضانة ابنها، مما يدفعها إلى التزام الصمت. من خلال التواصل غير اللفظي مع العالم من حولها، تحاول فهم ما تبقى لها من حياة ومعنى. الرجل، من جهة أخرى، يجد نفسه في عالم غامض ومظلم بسبب فقدان بصره، وهو يكافح للحفاظ على هويته ومعرفته بالعالم الذي كان يعرفه يومًا.
يتقاطع مسار هاتين الشخصيتين عندما تلتحق المرأة بفصل لتعلم اللغة الإغريقية، حيث يصبح الرجل معلمها. يتشكل بينهما ارتباط صامت، حيث تبدأ رحلة استكشاف لكل منهما، ليس فقط للتعرف على بعضهما البعض، بل لاستكشاف معاني التواصل واللغة في مواجهة الصمت والعزلة. اللغة تصبح هنا وسيلة للبقاء والتعبير، ولكنها أيضًا تحدٍ في ظل الصعوبات التي يواجهها كلاهما في حياتهما الخاصة.
تستخدم كانغ أسلوبًا تأمليًا وشاعريًا في سرد القصة، مما يعزز الشعور بالانفصال والتواصل في آنٍ واحد. تتناول الرواية اللغة كوسيلة لتواصل الأرواح وليس فقط للكلمات، وتجسد الرغبة الإنسانية العميقة في الفهم والتواصل، حتى في أصعب الظروف. كما تستكشف الكيفية التي يمكن بها للجروح والندوب القديمة أن تعيد تشكيل حياتنا وتفرض علينا مسارات جديدة وغير متوقعة.
4 – أفعال البشر
«أفعال البشر» (Human Acts) هي رواية تستند إلى أحداث تاريخية حقيقية، حيث تتناول انتفاضة غوانغجو التي وقعت في كوريا الجنوبية عام 1980، وهي حركة طلابية وقمعية نتج عنها مقتل العديد من المدنيين على أيدي الحكومة العسكرية آنذاك.
تبدأ الرواية بقصة الصبي «دونغ-هو»، الذي يبحث عن جثة صديقه المفقود وسط الفوضى والعنف الذي يعم المدينة. من خلال عيون هذا الصبي البريء، ترسم الكاتبة صورة حية للوحشية التي تعرض لها الناس، وكيف تحولت المدينة إلى ساحة قتال بين الجيش والمدنيين العزل. يواجه «دونغ-هو» الواقع القاسي للحرب الأهلية وهو يسعى لمساعدة الآخرين.
تنقسم الرواية إلى عدة فصول، وكل فصل يُروى من منظور مختلف لشخصية تأثرت بشكل مباشر أو غير مباشر بالانتفاضة، مثل زميلة دونغ-هو التي تعمل على تنظيف الجثث في مركز للشهداء، وأم تبحث عن ابنها المفقود، ومحررة تواجه الرقابة في عملها. من خلال هذه القصص، تسلط الرواية الضوء على أثر العنف السياسي والقمع على الأفراد، وكيف تشكلت الذاكرة الجماعية والشخصية نتيجة لهذه التجربة.
«أفعال البشر» لا تتناول فقط أحداث الانتفاضة، بل تبحث في التأثيرات العاطفية والنفسية التي تتراكم على الناجين وعلى المجتمع ككل. حيث تعمل الكاتبة على استكشاف كيف يمكن للإنسانية أن تعبر عن نفسها في ظل الظلم والعنف، وكيف يمكن للذاكرة أن تصبح حملاً ثقيلاً ولكنها ضرورية للحفاظ على الكرامة الإنسانية، وهي رواية مؤثرة تعكس عمق التجربة البشرية في مواجهة القمع.
عدد التحميلات: 0