
ترجمة: سوران محمد
إميلي ديكنسون Emily Dickinson ولدت عام 1930، وهي واحدة من أشهر الشعراء الأمريكيين في كل العصور. ومع ذلك، لم تبلغ شهرتها العامة ذروتها إلا بعد وفاتها في عام 1886. حيث نشرت بعد وفاتها مجموعتان من أعمالها في عامي 1890و 1950.
مع إنها لم تلق التقدير الأدبي في حياتها، لكن اعتبارها أُعيد فيما بعد. تُعد مع والت وايتمان أهم الشعراء الأمريكيين في القرن التاسع عشر. كتبت ما يزيد عن 1700 قصيدة لم ينشر منها خلال فترة حياتها إلا 11 قصيدة في بعض الصحف المحلية بأسماء مستعارة. صنفها الناقد الأدبي وأستاذ علم الإنسانيات بجامعة يال هارولد بلووم ضمن أهم 26 كاتباً وكاتبةً غربيين عبر التاريخ.
ملاحظة: لم تضع الشاعرة في حياتها أي عنوان لقصائدها، لذا قام البعض بوضع السطر الأول کعنوان لها، لكنني عصرت زبيب المعانى وجعلت عناوين النصوص كلمات قلائل.
***
النص الاول: (1)
منع قلب من انكسار
لو أستطيع منع قلب من انكسار،
لن أعيش خسرانا؛
ولو أخفف من أوجاع الحياة لأحد،
أو أزيل الألم عن شخص،
أو أساعد “أبو الحن”* المغمى عليه
وأضعه في عشه من جديد،
اذاً لن أعيش دون جدوى.
* ولو أن الشاعرة عاصرت زمن حرب أمريكا الأهلية و هي مرت بتجارب مريرة في حياتها الشخصية والعاطفية والتي جعلتها تعيش عيشة منعزلة آنذاك، إلا أن أعمالها الشعرية تتسم بالنبرة الانسانية Humanism وهي مليئة بروح التفاٶل والإيمان والأمل، فكما نری ونتمعن ونتأمل معًا هذه الأبيات القصيرة فهي تر سعادتها في إسعاد الآخرين وهذه هي نقطة التحول في الإنسان كي يحب الحياة و يعيش من أجل غايات سامية، هنا لا تنس الشاعرة دنيا الطبيعة كي تستعير منها أبجدياتها الشعرية ورموزها النادرة، فطائر أبو الحناء أو أبو الحن هو طائر يعيش في العالم (بما في ذلك أوروبا وآسيا وإفريقية) حجمه صغير يشبة طائر السمنة وطائر أبو الحن صدره أحمر ويطلق الاسم أيضًا على طيور أخرى ذات ألوان مشابهة مثل أبي الحناء الأمريكي الشمالي وأبي الحناء الهندي وأبي الحناء القرمزي الأسترالي.
وها هنا قد جعلت الشاعرة من هذه المقولة شعارها: بأن لا تحزن على الأمس فهو لن يعود! ولا تأسف على اليوم.. فهو راحل.. واحلم بشمس مضيئه في غد جميل. نحن نعيش لكي نرسم ابتسامة.. ونمسح دمعة.. ونخفّف ألما.. ولأن الغد ينتظرنا.. والماضي قد رَحل وقد تواعدنا مع أفق الفجر الجديد.
***
النص الثاني: (2)
قصيرة
في هذه الحياة القصيرة التي لا تدوم سوى ساعة
كم – كم هو قليل – ما في وسعنا
* هذا النص قصير جدًا إذ أنه لا يتجاوز سطرين فقط لكنه اختزلت فيهما الشاعرة معان عظيمة وحقائق معرفية وفلسفية جمة، وكما قال فيودور دوستويفسكي: حقًا إنني لا أدري لماذا الحياة قصيرة هذا القصر كله، لا شك أن الغاية من قصرها هي ألا تكون مملة، ذلك أن الحياة هي أيضًا عمل فني من أعمال الخالق الأعظم صاغها صيغة نهائية كاملة كقصيدة من قصائد بوشكين، إن الإيجاز أول شروط الفن، ولكن الذين لا يشعرون بالملل يجب أن يُتاح لهم أن يعيشوا مدة أطول.
وقد قال قديما الشاعر المتنبي:
إِنّي لَأَعلَمُ وَاللَبيبُ خَبيرُ
أَنَّ الحَياةَ وَإِن حَرَصتَ غُرورُ
وَرَأَيتُ كُلّاً ما يُعَلِّلُ نَفسَهُ
بِتَـعِـلَّةٍ وَإِلى الـفَـناءِ يَصــيرُ
النص الثالث: (3)
الأمل
الأمل هو شيء ذو ريش –
يجثم في الروح –
ويغني الألحان بدون كلمات –
ولا يتوقف أبدًا – على الإطلاق –
أحلى – أن يسمع في – الريح –
والوجع يأتي أثناء العاصفة –
هذا ما يحير الطائر الصغير
الذي أبقى الكثير من الدفء –
لقد سمعته علی أبرد الأرض –
وفوق أغرب البحر –
حتى في أشد الحال،
لن يسألني فتات خبز.
***
* الأمل هو الشيء ذو الريش هي قصيدة غنائية في عداد القصيدة كتبها الشاعر الأمريكي إميلي ديكنسون. تظهر مخطوطة هذه القصيدة في الملزمة رقم 13، التي جمعها ديكنسون حوالي عام 1861. وهي واحدة من 19 قصيدة تضمها المجموعة، بالإضافة إلى قصيدة “هناك ميل معين من الضوء”. اكتشاف الملزمة رقم 13 بعد وفاة ديكنسون على يد أختها لافينيا ديكنسون، تمّ نشر “الأمل هو الشيء ذو الرّيش” لاحقًا في عام 1891 في مجموعة من أعمالها تحت عنوان قصائد، والّتي تمّ تحريرها ونشرها بقلم توماس وينتورث هيجينسون ومابيل لوميس تود.
في هذه القصيدة القصيرة تتركز الشاعرة علی روح الامل في الانسان وهي تشبهها بالطائر الصغير الذي لا ييأس من برودة الشتاء وصعوبة الأجواء فهو لا يسأل أحدًا مد يد العون له، لکنه يجتهد ويقاوم ويجد الملاذ، وكما قال الشاعر الطغرائي:
أعلل النفس بالآمال أرقبــها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
ويكتب أحمد شوفي في نفس السياق:
الأماني حلم في يقضة
والمنايا يقضة من حلم
وفي الضفة الأخری قد رأی ألبير كامو بأن الإنسان لم يبحث عن الكآبة يومًا لكن الإفراط بالأمل هو من ألقى به إلى تلك الزاوية المظلمة.
في حين قال ونستون تشرشل: يرى المتشائم الصعوبة في كل فرصة، أمّا المتفائل فيرى الفرصة في كل صعوبة.
نعم في الختام؛ صحيح ما قد قيل بأن الأمل هي تلك النافذة الصغيرة، التي مهما صغر حجمها، إلّا أنها تفتح آفاقًا واسعة في الحياة. لا تنتظر حبيبًا باعك.. وانتظر ضوءًا جديدًا يمكن أن يتسلل إلى قلبك الحزين.. فيعيد لأيامك البهجة ويعيد لقلبك الأمل ونبضه الجميل. الناس مَعادن.. تصدأ بالملل، وتتمدد بالأمل، وتنكمش بالألم.
***
النص الرابع: (4)
فرصة لن تتكرر
لن ترجع مرة أخرى
هذه ما تجعل الحياة حلوة جدًا.
تصديق ما لا نؤمن به
لن يسعدنا.
لو كان الأمر كذلك، فسيكون في أحسن الحال
وضع استئصال –
هذا ما يفتح الشهية
اذاً كان العكس تمامًا.
* بما أن هذا النص فيه الإيجاز والاختزال والقفز من موضوع لآخر في الأبيات، لذا أود توضيحه باختصار: هنا في المقطع الأول تلمح الشاعرة إلی قصر الحياة وهي ذات قيمة لأنها لن تتكرر مرة أخرى، لذا من المفضل أن يتفاءل الإنسان بعد القيام بدوره بأحسن وجه وبذل الجهود لبلوغ المرام فيها، وأن التصديق على شيء لا نٶمن به لن يفيدنا..
وفي المقطع الثاني تشجع الشاعرة من لا يٶمن بالحياة الأخرى باستئصال الشكوك من جوفه كالذي يستأصل مرضًا من جسمه من أجل علاج الباقي، وهكذا الإيمان بالآخرة يفتح الشهية ويملأ النفس صبرًا وسلوانًا وشوقًا وبهجة للحياة السرمدية، لأن الروح لن تموت، بل تنتقل من وضع إلى آخر وهكذا نتخلص من خداع النفس كذلك.
المصادر:
1- The Complete Poems of Emily Dickinson by Emily Dickinson, Thomas H. Johnson.
2 – Emily Dickinson – Wikipedia
عدد التحميلات: 0