
السؤال والتفكير الاستدلالي
يقول العالم الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين «رحم الله السائل والمسؤول والسامع له، سألت يومًا نفسي ماذا يلزم المسلم إذا أسلم فكتبت كتابي هذا».
لذلك أرجوك أيها السامع أنتظر أُنهي حديثي ثم أسألني، ولا تتضجر من أي الطفل قد يقاطعك ليسألك بحماس مفرط لأن بعض الأسئلة لا تتحمل الانتظار إنها فرص للبحث والاكتشاف فالسؤال هو مفتاح العلوم، ومحفز العقول، وطريق مهذب إلى الفلسفة.
يقول العالم بروس لي «يمكن للشخص الحكيم أن يتعلم من سؤال أحمق أكثر مما يتعلمه الجاهل من أجابه حكيم لأن الأسئلة هي منابع الفضول والدهشة والتغيير» لذلك السؤال قد يكون محور التربية والتعليم ومحور الذات ايضاَ، يتأرجح هذا السؤال فقد يوقدّ شرارة أو قدّ يطفئها.
ولكن ماهي الأسئلة التي تلهب العقول؟
فالسؤال المعلب الذي نختصره بكلمة واحدة هو سؤال فقير لا يثري الشخص أو الطفل ولا يحرك مناطق الدماغ، واحيانًا قدّ يصيب العقل بالملل وكأنه عضو استقبال لا أكثر، ومثال على ذلك أسئلة المسابقات أو من القائل؟ أو أين تقع؟، والبديل عنها هي الأسئلة الممتدة التي تفتش عن تبرير لها وتعتبر بمثابة مفاتيح دماغية عندما نقول للأطفال أو للأبناء أو للطلاب (وضّح إجابتك، أدعم إجابتك بالأدلة، أشرح لي أكثر).
ماذا عن الأسئلة المفتوحة؟
من أصعب الأمور أن تتعلم دون أن تفتح ذهنك وذهن من حولك بتعمدّ السؤال فالذين يطرحون أسئلة كثيرة هم في طريقهم للفهم والأدراك، كم مرة دخلت على ابنائك وهم يجلسون بغرفة المعيشة ينتظرونك لتناول القهوة أو الشاهي وسألتهم ما لذي تفكرون فيه قبل حضوري؟ وإعطائهم وقت كافي للإجابة لأنه حق مشروع لهم.
إلا ان الأطفال يحتاجون إلى مضاعفة الوقت للرد عليك لأن تفكيرهم بطبيعته استدلالي يعتمد على بنائهم المعرفي السابق وبناءً عليه يتم استحضار الإجابة ففي دراسة أجريت في مدرسة تهتم «بنتائج انتظار المعلم لأجابه الطلاب عليه» كانت مدة الانتظار تتراوح ما بين خمس إلى عشرة ثواني في المتوسط، وبعد طرح السؤال فحصلت النتائج المرغوبة وكانت كالتالي (أعطى الطلاب إجابات أطول من المقتضبة، حدث زيادة في التفكير التأملي والإبداعي، زاد عدد الأسئلة، قدم الطلبة عدد أكبر من الاستدلالات العلمية المعقولة).
التفكير الناقد يخرج من رحم السؤال:
ويعود أصل التفكير الناقد إلى العالم والفيلسوف الأمريكي جون ديوي (1910) وقد أشير إليه بأنه التفكير الاستقصائي ويجذب المؤتمر الدولي كل عام حول التفكير الناقد والتعليم الهادف الذي يعقد بكاليفورينا منذ عام 1980 الكثير من المعلمين والمهتمين بإصلاح التعليم، بل أنها طريقنا لأعداد أبنائنا وطلابنا لهندسة الحياة بشكل جيد هذا التفكير الناقد الذي يخرج من رحم السؤال قادر على تعليمهم الخطط المدروسة والبديلة والمرونة تعلمهم ماهية الحياة وماهية الحب وطريق النور ومراحل البحث والتقصي تعلمهم مهارات النقاش والحوار.
كما أن التجربة اليابانية كانت ملهمة حيث أن تدريس العلوم لا يرتكز على نظريات فلسفية أو نفسية، ولكن يؤمن بمبدأ الممارسة للطالب فهو يفكر ويمارس من خلال الأسئلة والاعتماد على جوهرهما الأهم في المناقشة وهما (كيف؟ ولماذا؟) هما الاختبار العملي والفعلي للأفكار وبعدها المشاعر.
أخيرًا أسال ذاتك بأول الطريق وبمنتصف الطريق:
تعمدّ سؤال ذاتك ماذا أريد؟ ماهي أهدافي في الحياة؟ كيف يمكنني تحقيقها؟ ماذا احتاج؟
هذا الحوار قادر على التعديل والحذف والإضافة في توجهاتك اللحظية أو المستقبلية، وقد تأخذك هذه الأسئلة لتبدأ في تخطيط مسار جديد لحياتك، حتى لا تضطر أن تأخذك الحياة في مسارها التلقائي، وقد تكون الحقائق التي تبحث عنها مدفونة بداخلك تلك التي تتطلب تقصي وحوار مختلف.
عدد التحميلات: 0