
التاريخ الفوضوي للتقويم الغربي الحديث
رغم صعوبة تنسيق مدارات الأجرام السماوية مع دورات النهار والليل، حاولت المجتمعات الإنسانية منذ القدم وضع تقويماتها الخاصة لتصطف الفصول والظواهر الفلكية في نفس الأشهر من كل سنة، ومن هنا ظهرت التقويمات الشمسية والتقويمات القمرية المختلفة.
وفي مقال نشر بموقع «ذا كونفرزيشن» (the conversation) كتب ماثيو شامبيون الباحث في دراسات العصور الوسطى والحديثة المبكرة بالجامعة الأسترالية الكاثوليكية، أن التقويم الغربي الحديث يتسم بطابع فوضوي بسبب صعوبة تنسيق عدد أيام السنة مع مدارات الأجرام السماوية ودورات النهار والليل وتعاقب الفصول.
ويعدّ التقويم الشمسي الذي اعتمدته الإمبراطورية الرومانية قديمًا أساس التقويم الغربي الحديث، أو ما يعرف بالتقويم اليولياني، والذي وضعه الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر عام 46 قبل الميلاد، ودخل حيز التطبيق في 45 قبل الميلاد.
يقدر هذا التقويم أيام السنة الشمسية بـ365.25 يومًا، ويضيف يومًا كل 4 سنوات، وهو ما يُعرف بالسنة الكبيسة.
وتغلب التقويم اليولياني على مشكلة تراكم الأخطاء في حساب التوقيت نتيجة وجود ربع يوم كل سنة في التقويمات الشمسية السابقة، لكن ذلك التوقيت الذي استمر حتى القرن الـ16 الميلادي كان يعيبه مشكلة أخرى.
وقد ترك التقويم اليولياني ثغرة قدرها 11 دقيقة و14 ثانية، كما تم التلاعب بترتيب الأشهر وأسمائها لاعتبارات سياسية. على سبيل المثال، كان ترتيب شهر نوفمبر -الذي اشتُق اسمه من الرقم 9 في اللغة اللاتينية (novem)- الـ11 في التقويم بدلًا من التاسع، نتيجة تحريك بداية السنة الرومانية من شهر مارس لتبدأ لاحقًا بشهر يناير، مثلما هو الواقع الحالي.
وتم التلاعب بالأشهر والأسماء الجديدة وإعادة تنظيمها لتتناسب مع آليات السلطة. فأغسطس -على سبيل المثال- سمي على اسم الإمبراطور أوغسطس. وكما قال المؤرخ الأسترالي كريستوفر كلارك «كما أن الجاذبية تحني الضوء، فإن القوة تفسد الوقت».
التقويم المسيحي في القرون الوسطى
عملت عدة أطراف -وفي مقدمتها الكنيسة- على حفظ التقويم المسيحي خلال القرون الوسطى، لكن الخلافات والصراعات وتعارض المصالح أدى إلى اختلافات كثيرة في التقويم الغربي، وفقًا للمقال.
فبداية العام على سبيل المثال، اختلفت بشكل كبير في مجتمعات القرون الوسطى، حيث كان العام يبدأ في بعض التقويمات في 25 مارس -بالنسبة للتقاليد الكنسية يمثل ذلك التاريخ ذكرى زيارة (جبريل لمريم) العذراء، عليهما السلام-، وفي تقويمات أخرى في 25 ديسمبر، وهو اليوم الذي تعتبره التقاليد الكنسية يوم ميلاد المسيح.
وفي تلك الحقبة أيضًا، ظهرت إشكالية الـ11 دقيقة، إذا إن التقويم اليولياني يحتسب عدد أيام السنة 365.25، وهي بذلك أطول من السنة الشمسية (الفعلية) بـ11 دقيقة و14 ثانية، وقد أدى ذلك إلى تغيّر موعد الفصول في أشهر السنة تدريجيًا.
كما أحدث موعد عيد القيامة إرباكًا في التقويم الغربي، ففي البداية كان الاحتفال يتم خلال الاعتدال الربيعي في النصف الشمالي -ويرمز لانتصار قوى النور على الظلام- ولكن عندما بدأ الاعتدال الربيعي يتراجع زمنيًا مع مرور السنوات، بدأ التمييز في الظهور بين عيد الفصح «القانوني» أو النظري -الذي حدده التقويم- والاعتدال «الطبيعي»، أي الاعتدال الذي يمكن ملاحظته.
ومع اتساع الفجوات، تنازع العلماء ورجال الدين حول طريقة إصلاح التقويم، إما من خلال حذف بضعة أيام من السنة، أو إعادة تنظيمه.
وأصبحت القضية ملحة بشكل خاص في القرن الـ15 مع إخفاق عدد من مقترحات إصلاح التقويم في الحصول على الدعم السياسي الكافي في أنحاء أوروبا.
تم اكتشاف أحد هذه المقترحات مؤخرًا داخل كتاب مطبوع في مكتبة الجامعة وكان مخبأ، ويُظهر الكتاب الذي ألفه عالم اللاهوت بجامعة لوفان، بيتر دي ريفو عام 1488، أنه اقترح إزالة 10 أيام من التقويم. وبعد جدل كبير وأخذ ورد، تم حذف تلك الأيام العشرة، عندما قام البابا غريغوريوس الثالث عشر، بابا روما في القرن الـ16 بإصلاح التقويم عام 1582 وقفز التاريخ مرة واحدة آنذاك من الرابع من أكتوبر إلى 15 أكتوبر من العام نفسه.
وجاء الإصلاح عام 1582 في عالم أنهكته التقسيمات الدينية، بعضها قديم وبعضها جديد. ولم تتبن إنجلترا البروتستانتية التغييرات حتى القرن الـ18 وكانت اليونان آخر بلد أوروبي يعتمد التقويم الغريغوري عام 1923. واستمرت العديد من المجتمعات المسيحية الأرثوذكسية في اتباع التقويم اليولياني مع التنقيحات اللاحقة لذلك التقويم؛ لتثبت أن تلك القضية مثيرة للجدل وتثير المزيد من الانقسامات.
ورغم مكانة البابا الدينية لم تتبن بلدان كثيرة غير كاثوليكية هذا التقويم المحسن، وبقيت العديد من الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والرومية على التقويم اليولياني، ووصل الفرق حاليًا بين التقويمين إلى 13 يومًا وهو ما خلق الفرق بين عيد الميلاد في 25 ديسمبر والسابع من يناير لدى الطوائف المسيحية.
وفي العصر الحديث يطالب بعض علماء الفلك وعلماء الرياضيات وعلماء الدين وحتى المجالس الكنسية بضرورة تحسين أو إصدار التقويم الكنسي الحالي، والذي ظل طوال العصور الوسطى يفقد الاتصال بالظواهر الفلكية في بوتيرة مقلقة.
تقويم الثورة الفرنسية
يضيف الكاتب أن عدة مفكرين تناولوا في القرن الـ18 مسألة وضع تقويم جديد أفضل من التقويم الغريغوري. وبلغ الجدل ذروته خلال الثورة الفرنسية، ففي عام 1793، حددت الحكومة الثورية الشهر بـ30 يومًا (الأسبوع 10 أيام)، وتركت ما بين 5 إلى 6 أيام خارج السنة.
كما حوّلت الحكومة الثورية بداية السنة إلى الاعتدال الخريفي، لأن المساواة بين النور والظلام كانت رمزًا لقيم الجمهورية الجديدة. وكان ذلك انتصارًا للعقل -من وجهة نظر واضعي التقويم- ولكنه أثبت إخفاقه من الناحية الفلكية.
جزء من مشكلة إصلاح التقويم هو أن التقويمات لها علاقة بتجاربنا الحية مع الوقت، وعاداتنا، وإيقاعاتنا، وذكرياتنا ما يتطلب إجراء تغييرات جذرية على كل ذلك، وفق مقال «ذا كونفرزيشن».
المصدر:
عدد التحميلات: 0