العدد الحاليالعدد رقم 45ثقافات

الذكاء الاصطناعي واللغة العربية: واقع وآفاق

أصبح الذكاء الاصطناعي السمة الرسمية لعصرنا الحالي، والطابع الذي يصبغ الكثير من أساليب عيشنا اليومي، ذلك على علم منا أو من غير درايةٍ.

فما هو الذّكاء الاصطناعيّ؟ ما هي آلاته؟ ماذا عن المحتوى الرقمي العربي على منصاته؟ وَكيف يخدم الذكاء الاصطناعي التعليم عامةً، وتعليم اللغة العربية بشكلٍ خاصٍّ؟

1 – ماهيّة الذكاء الاصطناعي

الذّكاء الاصطناعي هو محاكاة الآلة للإنسان بقصد مجاراته في إنجاز المهمات التي تحتاج إلى ذكاءٍ بشريٍّ وإلى مهاراتٍ التفكير العليا كالقدرة على صناعة القرار، والشّرح، والاستنباط، والتّفكير الإبداعي، وغير ذلك، مع ملاحظة تفوق الذكاء الاصطناعي على تلك القدرة البشرية سرعةً، وأداءً، ودقّةً في الإنجاز.

2 – آلات الذكاء الاصطناعي

التطبيقات الذكية، روبوتات الدردشة، أنظمة تحليل الصور، برامج الألعاب، الأدوات الإبداعية، السيارات ذاتية القيادة، وغيرها…

3 – واقع المحتوى الرقمي العربي على منصّات الذكاء الاصطناعي

ما زال المحتوى الرقمي العربي على منصات الذكاء الاصطناعي غير مناسبٍ لِمكانة اللغة العربيّة، حيث تحتل اللّغة العربية المرتبة الخامسة بين اللغات العالمية، ويقارب عدد النّاطقين بها 550 مليون نسمة، في حين لا يتجاوز المحتوى الرقمي العربي على شبكة الإنترنت 3% مقارنةً باللّغات العالمية الأخرى.

من هنا لا بُدَّ من العمل على توفير بياناتٍ عربيّةٍ متنوعةٍ وشاملةٍ لتعزيزِ هذا المحتوى العربي بما يليقُ بالغنى الثقافي واللغوي في عالمنا العربي. الأمر الذي دفع بأبناء الضاد الغيارى على لغتهم لإنشاء مبادراتٍ تُساهم في تذليل العقبات التي تواجه اللغة العربية في مجال الذكاء الاصطناعي، وجعلها مرنةً، حيةً: صوتًا، صورةً، تركيبًا، دلالةً، ونحوًا …، متفاعلةً مع خوارزميّات الذكاء الاصطناعي.

يبرز دور جامعة محمد بن زايد للذّكاء الاصطناعي، في تطوير نماذج لغويّةٍ، متقدِّمةٍ، بتقنيّات التّعليم العميق(1)، مساعِدةً الذّكاء الاصطناعيّ على إدراكٍ أكبر لأنماط اللّغة العربيّة. كما يشار إلى دور مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربيّة من خلال دراساتٍ مُعَمَّقَةٍ في هذا المجال، نذكر منها: دراسةً بعنوان (العربيّة والذّكاء الاصطناعيّ)(2)، فضلًا عن دور الاتّحاد العربي للاقتصاد الرقميّ في جامعة الدّول العربيّة، واللّجنة العربيّة للاتّصالات والمعلومات، في هذا المضمار. وما يقدمه المركز العربيّ للذّكاء الاصطناعيّ من خدماتٍ تضيف لبنةً مباركةً في هذا البنيان.

والدعوة مفتوحة لكليات الآداب، ولأقسام اللّغة العربيّة في جامعاتنا العربيّة، لخلق حيزٍ حاسوبي يخدم اللّغة العربيّة من ناحية تكنولوجيا المعلومات، ودمج علوم اللّغة بعلوم الحاسوب، ذلك لننتقل بلغتنا إلى المكانة التي تستحقها رقميًّا على منصات الذكاء الاصطناعي، متجاوزين معوقاتٍ يواجهها الذّكاء الاصطناعي في إدراكه الكامل لهذه اللّغة، كونها لغة اشتقاقٍ، ولغة دلالةٍ، فضلًا عن تفرُّدها بالتّشكيل والتضعيف الأمر الّذي لا يظهر في معظم النّصوص الرقمية. وهذا ما نتطلع إليه سريعًا، وذلك بجهود المختصين في الهندسة اللغوية واللسانيات الحاسوبية.

4 – الذكاء الاصطناعي والتعليم عامةً، وتعليم اللغة العربية خاصةً

ينقسم الكلام في هذا المجال إلى محورين. المحور الأول: التعليم وأثر الذكاء الاصطناعي فيه. والمِحوَر الثّاني نتناول فيه وسائط الذّكاء الاصطناعيّ في خدمة تعليم اللغة العربية.

أ – التّعليم وأثر الذّكاء الاصطناعي فيه

مِمّا لا شكّ فيه أن الذّكاء الاصطناعيّ يخلق ثورةً في مجال التّعليم عامةً، لم نستجل نتائجها الكاملة بعد، لكن على الأقل يمكننا ملاحظة بعض جوانبها حيث «يمكننا الحديث عن  الإنسان الآلي المعلم القادر على التّمييز بين الطّلّاب والتّفاعل معهم من خلال قراءة تعبيرات وجوههم وتحليل نشاطهم الدماغي، ومن ثم تعليمهم معلوماتٍ جديدةٍ حسب قدرات كل تلميذٍ».*(3) انطلاقًا مما سبق نستخلص قدرة الذكاء الاصطناعيّ على إدارة الأنماط التّعليميّة المتخصِّصة، القادرة على التّقييم الفعّال، والانتقال بالمتعلِّم إلى مرحلةٍ متقدمةٍ في طريق التعلم المرن.

ومن أبرز مظاهر الذّكاء الاصطناعي في التّعليم:

– أَتمتة الأنشطة الأساسيّة فيه مثل التّصنيف وتحديد الدّرجات، مما يوفرُ الوقت والجهد على المعلمين مع الحصول على نتائج أكثر دقةً.

– غزارة المادة المتاحة على منصّات الذكاء الاصطناعي، أمام كل من المعلّمين والمتعلمين على حد سواء.

ب – وسائط الذّكاء الاصطناعي في خدمة تعليم اللغة العربية

الذّكاء الاصطناعي قادر اليوم على التصريف اللغوي العربي، وعلى إدراك علم العَروض، وعلى تحليل النص العربي، قادر على استيعاب علم المعجمات، والنحو، والدلالة، قادر على فهم وتحليل المستوى الصوتي واللساني. والذكاء الاصطناعي قادر اليوم على توليد القصائد العربية، وتحليل المشاعر العربية، وتلخيص النص العربي بإتقانٍ، فضلًا عن قدراتٍ أخرى قيد التطوير. كل ذلك في خدمة تعليم اللغة العربية وتعلمها.

ومن أهم المنصات العربية المساعدة في هذا المجال:

– مركز (ذكاء العربية): وهو مركز مختص بحوسبةِ اللغة العربية. يساعد المتعلم العربي معتمدًا تقنيات الذكاء الاصطناعيّ لِتطوير أدواتٍ لغويةٍ متقدمةٍ.

– (علام): وهو تطبيق دردشةٍ توليدي، يفهم اللغة العربية ويجري محادثاتٍ مع المستخدمين.

– (معجم الرّياض للغة العربية المعاصرة): وهو أغنى المعاجم بالمفردات العربية المعاصرة.

– (فنار): نموذج ذكاءٍ اصطناعي توليديٍّ(4) في اللّغة العربيّة. وهو نموذجٌ متقدّمٌ في مجال الذّكاء الاصطناعيّ المرتبط باللّغة والثّقافة العربيّة.

– (معجم الدوحة التاريخي للغة العربية): وهو يهدف أن يكون سجلًّا تاريخيًّا للغة العربية على امتداد عشرين قرنًا من الزّمان.

إضافةً إلى تطبيقاتٍ ذكيّةٍ أخرى تسعى كي ترى النّور وتجد مكانًا في عالم الغد الذي ستكون تطبيقات الذكاء الاصطناعي فيه من أهم قضايا تكنولوجيا التعليم والمعرفة.

 

الهوامش:

(1) التعلّم العميق: أداةٌ قويّةٌ في الذّكاء الاصطناعيّ يمكنها معالجة البيانات الضّخمة وتحديد الأنماط المُعَقّدة، فتقوم بمهامٍ كانت تستحيل على الكمبيوتر من قبل.

(2) (العربيّة والذّكاء الاصطناعيّ) تحرير المعتز بالله السّعيد. المشاركون أحمد راغب – المعتز بالله السّعيد- محمد عطيه – نعيم عبد الغني- الرّياض 1445 هـ

(3)   Popenici, 2017

(4) الذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ: نوع من الذّكاء الاصطناعيّ يمكنهُ إنشاء محتوى جديد بناءً على البيانات التي تمّ تدريبه عليها.

Facebook
X
WhatsApp
Threads
Telegram

عدد التحميلات: 0

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى