عقد الفل الجازاني إبداع وجمالالباب: ثقافة شعوب

نشر بتاريخ: 2016-05-19 08:49:53

حسن محمد النعمي

لكل شعوب الدنيا تراثها وإرثها الثقافي الخاص بـها، وهي فقط من تتميز به خلاف غيرها من الشعوب الأخرى ولهذا الإرث الثقافي ارتباط بثقافة كل شعب من هذه الشعوب.

ويشكل الماضي دائمًا حضوره برغم الصور العصرية المختلفة التي تتمثّل في العديد من الأنماط الحياتية وثقافة أطواق الفل الأبيض (القريشي) في جازان وفل (عزان) من الثقافات التي تتميز بـها جازان؛ فهم ابتكروا لها أشكال واستخدامات لا تخطر على بال عاقل ولا مجنون.

من جازان نرسل لكم دعوة إلى التعرف على البساطة، وإلى اكتشاف الأسرار في ثقافة أطواق الفل، دعوة مجانية إلى ماضٍ تـهادى بثقله على موروثات  ثقافية تراثية تروي بصمتها العميق ألف حكاية وحكاية من حكايات ذلك الزمن الغابر، وهذه الأيام الحاضرة بكل ما بـها من تغيرات وتقدم وحضارة.

يعد الفل من النباتات العطرية التي عرفت وتشتهر بزراعتها منطقة جازان، حتى ارتبط كل منهم باسم الآخر.

ويعتني المزارعون في منطقة جازان بهذه النبتة، حيث يبدأ المزارع في زراعة "ردائم الفل" في فصل الربيع لانخفاض درجات الحرارة للتعهد بعد ذلك أشجار الفل "الردائم" بالري وبناء بيت من ألواح الخشب المربعة، وذلك للسماح لها بالنمو والتسلق، وهي تكبر، وليتمكن المزارعون من رؤية حبات الفل من كافة جوانب (الرديمة).

وليس المزارعون فقط في جازان من يزرعون (ردائم) الفل بل إن السيدات في جازان يحرصن على زراعة أشجار الفل في مداخل المنازل وحدائقه بما يزيد من جمال المنزل ويسهم في بث رائحة الفل العطرية بأجواء المنزل وداخل أسواره.

تبدأ رحلة حبة الفل من مزارع الفل الحديثة ومن منازل السكان الذين لازالوا يعتنون بزراعة شجرة الفل (القريشي) خاصة في سهل تـهامة، فتجد في كل منزل شجرة فل أو أكثر يتم جني محصولها من حبات الفل، ثم ترسل مباشرة إلى الأسواق القريبة، ومن أشهر تلك الأسواق سوق الأربعاء في محافظة أبوعريش وسوق الأحد في محافظة الأحد وسوق الثلاثاء في مدينة صبيا، وعلى مدار الأسبوع في عاصمة المنطقة جازان، وغيرها من أسواق المنطقة كسوق الخوبة والعارضة وبيش والدرب وأسواق المناطق الجبلية، ثم يتم أخذ حبات الفل إلى متخصصين ومتخصصات لعمل أطواق الفل وبأشكال جمالية رائعة، فتنظم على شكل سبح توضع على رؤوس النساء في أشكال بديعه، ومنها (كباشة) الفل وهي نوع من عقود الفل تنظم بشكل جميل، وتأخذ وقتًا في نظمها وتحضيرها، وتأخذ كمية أكبر من حبات الفل، وتكون بأطوال متناسقة فبعضها قد يصل قطره لأكثر من مترين تزين بالورود الجميلة، وبعض من النباتات العطرية لتضفي على المكان رائحة الطبيعة والذوق الجازاني البديع، وكل تلك الطقوس من أجل جمال حواء في جازان، فهي محور اهتمام الرجل الجازاني، يوفر لها في المناسبات كل تلك الروائح والأزهار، لتبدو كباقة فواحة بين النساء، وقد طغت أشكال جديدة على عقود الفل ونظمها، وتخصص فيها متعهدون وعمال يقومون بكل تلك الأعمال الإبداعية، ثم تباع في الأسواق ويقبل على شرائها سكان منطقة جازان خلال مواسم المناسبات والعطلات، حيث تكثر مناسبات الزواج والأفراح فيلبسها العرسان، وتـهدى إليهم من قبل الأصدقاء، أما العروس الجازانية فتبدو كشجرة فل من خلال التسريحات بالفل.

وعمل الأطواق الجميلة التي تعبر عن تراث لا ينساه سكان جازان، ويتوارثه الأجيال جيل بعد جيل، مع محاولة جعله يتماشى مع الواقع المعاش، ومع رتم الحياة الحضارية السريعة، وهناك أطواق فل (عزان)، وهو نوع من الفل يكثر في المناطق الجبلية، ويستخدمه الرجال والشباب غالبًا، له رائحة ذكية، ولونه يميل للون الأصفر مع كبر حباته وجمال منظرها، يوضع على شكل عصابة، توضع على الرأس، وهي طريقة من التراث لدى سكان تلك الأماكن الجبلية، وقد يضيفون إليه زهرة النرجس، وقد عرفوا بها وما زالوا محافظين عليها من باب التراث والزينة.

وهناك طقوس أخرى للفل في جازان تستخدم حسب المواسم المناخية، وتوفر زهرة الفل الأبيض (القريشي)، وهو الشائع استخدامه بين سكان المنطقة.

والفل في جازان هو المدعو الوحيد في مختلف المناسبات، الذي لا يحتاج لدعوة للحضور، بل هو الضيف الأول والأساس في مناسبات الأفراح والأعياد واستقبال الضيوف والاحتفاء بالمواليد، وفي مختلف المناسبات، وهو من الهدايا ذات القيمة العالية التي تقدم لضيوف جازان وأبناء المنطقة.


عدد القراء: 10559

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 1

  • بواسطة أحمد الحربي من المملكة العربية السعودية
    بتاريخ 2016-05-28 14:55:55

    قلت ذات مرة .. الحفل في جازان بلاشعر كالعرس فيها بلا فل.. فالفل في أعراسنا والشعر في احتفالاتنا متلازمان، لا يمكن أن يخلوا منهما أحدهما. الأستاء حسن النعمي أبدعت في مقالتك الجميل عن عقد الفل الءي طوقت به أعناق قرائك .. شكرا لك ولمجلة فكر ..

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-