رواية «عدْو» تقترن بلغة الرواية والسيرة الذاتية
فكر – المحرر الثقافي:
الكتاب: رواية "عدْو"
المؤلف: جان إشنوز
المترجم: أبو بكر العيادي
الناشر: مشروع "كلمة" للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة
تأتي الرواية ضمن سلسلة ترجمات الأدب الفرنسيّ التي يصدرها مشروع "كلمة"، ويشرف عليها ويراجعها الشاعر والأكاديميّ العراقيّ المقيم بباريس كاظم جهاد.
ويعد هذا الكتاب واحد من ثلاثة كتبٍ لإشنوز، صاغ فيها الكاتب بلغة الرّواية وإجراءاتها سيَرَ ثلاثة من أعلام العصر الحديث: المؤلّف الموسيقيّ الفرنسيّ موريس رافيل ("رافيل")، والعدّاء التشيكيّ إميل زاتوبيك ("عدْو")، والمخترع ومهندس الكهرباء الصربيّ - الأمريكيّ نيكولا تسْلا ("بروق"). في كلّ واحدة من هذه الرّوايات البيوغرافيّة أو السِّيَر، يقيم إشنوز شعريّة خاصّة تقترن بمواصفات بطل كلّ رواية ونظامه الشعوريّ والإدراكيّ، وتجترح لغة قادرة على عكسه في خصوصيّته، لا بل في فرادته.
إميل زاتوبيك (1922-2000) كما يريناه إشنوز في هذا الكتاب رياضيّ غيَّر نواميس الرّياضة. "عصاميّ هوميروسيّ" كما نعته الروائيّ الفرنسيّ باتريك غرانفيل في عرضه النقديّ لهذا الكتاب، عدّاء مسافات طويلة يتدرّب على طريقته الخاصّة جدّاً، وآلة تبتكر التشنّجات والتسريعات القصوى وتحصد فوزاً تلو الآخر على غير انتظار. كائن معذَّب بموهبته، مفاجئ وغير متوقّع أبداً. ركضَ ما يعادل ثلاث دورات حول الكرة الأرضيّة في ملاعب بلدته الصغيرة وشوارعها، ووقف بكلّ شموخ جسده ووعيه بغرابات هذا الجسد وإمكاناته الخارقة لغزاً مطروحاً على الرياضة وعلى السياسة في آنٍ معاً. حمل إلى الأعالي، فبقي مثاله حيّاً حيثما أرادوا إخماد شرارته الخلاقة.
تبدأ رواية "عدْو" بالغزو النازيّ لمورافيا (شرقيّ الجمهوريّة التشيكيّة حاليّاً) في 1939، وتنتهي بالاجتياح السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا في 1968، وكان السّوفييت قد دخلوها من قبلُ لطرد الألمان منها في 1945. مناخٌ سياسيّ كامل يرسمه إشنوز بلمساتٍ خفيفة من السّخرية والإدانة، منطلِقاً إلى رؤية حقبة بكاملها من منظار رجلٍ تتلخّص حياته في بضع مسارعاتٍ فذّة قام بها على مضمار الرّكض.
إميل "يركض ويداه في جيبه" كما كتب باتريك غرانفيل أيضاً عن بطل إشنوز هذا. وبالفعل فهذه الرواية إنّما يتمثّل مسعاها في وضع هذا البورتريت الفيزيقيّ والمعنويّ لرياضيّ لم يكن ليتدرّب ولا ليركض كسائر الرياضيّين. رياضيّ سلبيّ كما نقول "بطل سلبيّ"، ولكنّه في سلبيّته هذه يبلغ ذروة الفاعليّة، فيفوز حتّى عندما لا يريد ذلك، وينهض من رماده كالعنقاء عندما يحسب خصومه وأنصاره أنّه على قاب قوسين أو أدنى من إدراك خاتمة شوطه كرياضيّ كبير. جسمٌ مخلَّع، وإهابٌ منفصم، وخطوٌ مرتدّ على ذاته ثمّ مندفعٌ حتّى أقصى الفضاء، في مسيرة لا يمكن توقّعها ولا إحالتها إلى ضابط منهجيّ. كان يتمرّن كدابّة لا تتعب، ويمارس على جسمه الأخرق الحركات هيمنة عجيبة وحده يمتلك سرَّها أو نابضها العميق.
في ملعب برلين في 1947 كان هو وحده فريق مورافيا بكاملها، أمّة يمثّلها "واحد لاغير" كما فتئ هو يردّد أمام حامل العلَم المستغرب من حالته. حصد ثلاث ميداليات ذهبية في هلسنكي في 1952، وساد بلا منازع لسنوات عديدة على سباقات الخمسة آلاف متر والعشرة آلاف متر والماراثون.
هي في النهاية مسيرة مفارِقة، مسيرة رجل لم يبحث عن المجد ولكنّه ألفى نفسه مقذوفاً إليه كأنّما على مضضٍ، وبفعل الوفاء لنسقه الشخصيّ وحقيقته الذاتيّة. رجل قبلَ بتهميشه وزواله فانتهى به الأمر إلى أن سكنَ التاريخ وصار أحد أكثر أعلام فترته احتداماً وعصفاً.
ويعد جان إشنوز من أبرز الروائيّين الفرنسيّين الذين بزغ نجمهم في ثمانينيّات القرن العشرين، والذين ردّوا الاعتبار للسّرد التقليديّ، مفيدين في الأوان ذاته من منجزات الرّواية الحديثة.
ولد في السادس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول 1947 في مدينة أورانج في الجنوب الشرقيّ من فرنسا، لأبٍ طبيبٍ نفسيّ وأمّ رسّامة. ولدى إنهائه الدراسة الثانويّة، بدأ بدراسة الكيمياء، ثمّ انعطف إلى علم الاجتماع، فالموسيقى، ثمّ عقد العزم على ممارسة الكتابة الأدبيّة. نشر حتّى الآن ثماني عشرة رواية، وكتب للسّينما عدداً من السيناريوهات. فاز في 1983 بجائزة مديسيس عن روايته "شيروكي"، وفي 1999 بجائزة غونكور عن روايته "أنا راحل".
أمّا مترجم الكتاب، أبو بكر العيادي، فهو كاتب ومترجم تونسيّ، ولد عام 1949 في جندوبة، ويقيم في فرنسا منذ 1988. نشر ستّ روايات وسبع مجموعات قصصية، ووضع كتباً بالفرنسية مستوحاة من التراث القصصيّ العربيّ والحكايات الشعبية التونسية، ونقل إلى العربية أعمالاً عديدة من الأدب العالمي.
تغريد
اكتب تعليقك