روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الهند الغربية «جزر الكاريبي»الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2024-09-26 20:26:08

د. أشرف إبراهيم محمد زيدان

جامعة بور سعيد/كلية الآداب/مصر

ترجمة: د. أشرف زيدان

مراجعة وهوامش: أ.د. جمال الجزيري

قال أحد الكتاب المهاجرين الذين ينتمون إلى منطقة الكاريبي متذكِّرًا: "تكبَر وأنت تعرف أنك سترحل" (Philip 230)، ويبدو ذلك من المسلَّمات في حياة الكتَّاب الواعدين الذين ينتمون إلى حوض جزر الهند الغربية/ جزر الكاريبي، وشتاتُهم يشمل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا العظمي.

ولقد ظلت لندن في الواقع لزمن طويل العاصمة الثقافية الحقيقية للكاريبيين الناطقين بالإنجليزية. ومع ازدياد موجة الهجرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، زاد عدد المهاجرين من جزر الهند الغربية إليها زيادة ملحوظة. بحلول عام 1961، كان تقدير الذين هاجروا منهم بالفعل إلى المملكة المتحدة نحو 72,000 مهاجرٍ. وبحلول عام 1981، كان نصف مليون شخص من السكان من جذور كاريبية يعيشون فيها. ويبدأ أدب الشتات تحت مسمّى أدب المهجر، ثم يصير بعد ذلك أدبا مهاجرًا يعيد باستمرار تشكيل رؤيته للمكان وللهوية. "الهجرة تولّد الرغبة في الوطن، وهي بدورها تنتِج إعادة كتابة الوطن" (كونديه ولونزديل Conde and Lonsdale، 1999). ففي بداياته، يوجد أدب الشتات على هوامش الآداب القومية، سواء أكانت بريطانية أم أمريكية أم كندية؛ وبتطوره من جيل من الكتّاب إلى الجيل التالي، يعيد تعريف الأماكن القومية، ويتخيل أماكن أخرى عابرة للحدود القومية.

بدأ أدب شتات جزر الهند الغربية على يد س. ل. ر. جيمس (C. L. R. James) الذي انتقل إلى إنجلترا سنة 1931 ليكتب مؤلفاته وينشرها. وتعد روايته "زُقاق مِنْتِي" (1936) أول رواية كاريبية تصدر في إنجلترا، وهي رواية تسلط الضوء على القضايا الكاريبية، وتُدْرِج لهجات الكاريبية في نسيجها. وتصور الرواية مجموعة بيوت تطل على فناء في مدينة ميناء إسبانيا1 من منظور هينز وهو شاب ينتمي للطبقة الوسطى، ويقيم في هذا المكان إقامة مؤقتة. وكانت معرفة بطل الرواية بالدنيا مستمدة من الكتب، وكان في البداية يَقْنَعُ بملاحظة جيرانه من غرفته، وبالتدريج يتزايد انخراطه في حياتهم، ويفقد براءته، ويدخل في معمعة مجتمع ترينيداد الواعي بالفروق الطبقية والعرقية والمليء بالأمور الجنسية. وقد تم اتهامه في نهاية القصة بارتكاب أعمال جنسية غير مشروعة. كان جيمس رائداً، وكذلك كان إ. ر. بريثويت (E. R. Braithwaite) الذي هاجر إلي إنجلترا في ثلاثينيات القرن العشرين والذي صارت روايته "إلى سيدي، مع كل الحب" (1959) وكذلك الفيلم المُسْتَلْهَم منها (1967) فيما بعد علامةً مهمةً، لأن أدب شتات جزر الهند الغربية في بريطانيا العظمى لم يدخل مرحلتَه الأولى التأسيسية إلا في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين ووصول المهاجرين على سفينة "ويندرش". 

إن عبارة "جيل ويندرَش"– المستمدة من السفينة الحربية/ سفية الركّاب (SS Empire Windrush) التي بدأتْ في نقل المهاجرين من جزر الهند الغربية ومهاجرين آخرين إلى إنجلترا في يونيو 1948، وهو حدث صار يرمز لبدايات بريطانيا المعاصرة ذات العرقيات المتعددة ولإعادة تشكيل الهوية القومية – يدل على الهجرة بعد الحرب العالمية الثانية من منطقة الكاريبي ومستعمرات سابقة أخرى. في أواخر الأربعينيات وطوال الخمسينيات من القرن العشرين، هاجر إلي انجلترا جورج لامنج (George Lamming)، وصمويل سيلفون (Samuel Selvon)، وف. س. نايبول(V. S. Naipul)، وويلسون هاريس (Wilson Harris)، بالإضافة إلى كتّاب آخرين أقل شهرة مثل إدجر ميتلهولزر (Edgar Mittelholzer)، وأندرو سوكي (Andrew Salkey)، وروجر ميس (Roger Mais)، ورُوي هيث (Roy Heath)، ومايكل أنتوني (Michael Anthony) . وكانت التحديات التي تواجههم شاقة، خاصة وأن أدبهم الجديد ذلك لم يكن له ناشرون ولا قراء ولا حتى موضوع مطروق، ولكنهم وصلوا في وقت الترجمة الأدبية، وكان بالإمكان أن تقوم بعض المؤسسات بتشجيعهم ودعمهم مثل: هيئة الإذاعة البريطانية ودُور نشر مثل أندريه ديوتش (Andre Deutsch)  وهاينمان (Heinemann) ولونجمان (Longman) وفيبر& فيبر(Faber & Faber). وكان البرنامج الإذاعي "أصوات كاريبية" يبث أقباسًا من هذه النار الأدبية الجديدة لجمهور بريطانيا والجماهير الأخرى فيما وراء البحار. وصار هذا البرنامج "أهم حافز أدبي للكتابة الإبداعية الكاريبية باللغة الإنجليزية" (Wambu 2000).

ومن كبار الكتاب الذين ساعدهم البرنامج على بدء مشوارهم الأدبي الكاتب جورج لامنج، ومن بين رواياته رواية "في قلعة جِلدي" (1953) ورواية "المهاجرون" (1954). تعود رواية "في قلعة جلدي" إلى الريف الذي عاش فيه المؤلف طفولته في باربادوس في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، وتروي نشأة ولد في قرية يكاد أهلها لا يعرفون شيئًا عن تاريخهم؛ وتسرد الرواية اكتساب الوعي لدى الفرد والمجتمع في مستعمرة تكاد تنتهي فيها العلاقات الإقطاعية بين السادة مُلَّاك الأراضي والعمّال السود. وتبدأ رواية "المهاجرون" من حيث انتهت رواية "في قلعة جلدي"، إذ تتبّع الرحلة البحرية التي يقوم بها الشاب الذي ترك جزيرته الأصلية ويسافر مع مجموعة أخرى من رفاقه الذين ينتمون لجزر الهند الغربية إلى إنجلترا. و"البداية الأفضل" التي يسعى كل منهم إلى تحقيقها تكتنفها الكثير من العقبات، ومن هذه العقبات: صعوبة الحصول على مسكن ووظيفة، وتضييق الشرطة عليهم، وجهلهم بطبيعة الحياة في بريطانيا.

وقد سافر سام سيلفون إلى لندن على السفينة نفسها التي أقلَّتْ لامنج من جزر الهند الغربية إلى لندن. وكتب سيلفون جزءًا من روايته "شمس أكثر إشراقًا" أثناء هذه الرحلة البحرية العابرة للمحيط الأطلنطي. وأشهر رواياته "لندنيون يشعرون بالوحدة" (1956) تتخذ شكل سلسلة من الفصول الوصفية القصيرة التي يتم سردها من منظور ضمير الغائب لموسى ألويتا، وهو مهاجر من ترينيداد يعيش في لندن منذ عشر سنوات وصار معتادًا على مساعدة القادمين من جزر الهند الغربية وأفريقيا على الاستقرار في لندن. والجانب الكوميدي في الرواية يخفف من وطأة الواقع القاسي المتمثل في الفصل العرقي والعنصرية. وفي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، ظل سيلفون يلقى الضوء على تجارب المهاجرين، مُتَتَبِّعًا مصير و(سوء)حظوظ وجولات بطل رواياته في روايته "موسى صاعدًا" (1975) وروايته "موسى مهاجرًا" (1983).

إن ف. س. نايبول وويلسون هاريس أغزر الروائيين إنتاجًا من بين الجيل الأول من المهاجرين من جزر الهند الغربية/ جزر الكاريبي. وتجمع روايات نايبول بطريقة تحويلية بين عناصر السيرة الذاتية والعناصر التاريخية، وتستجيب للمآزق والقضايا المعاصرة، ليس في منطقة الكاريبي وبريطانيا العظمى فحسب، بل وكذلك في الدول النامية. وروايته "شارع ميجيل" - وهي أول رواية كتبها وإن كانت الثالثة في النشر- تصور حيًّا داخل المدينة في مدينة ميناء إسبانيا من وجهة نظر فتى ينشأ ويترعرع في ذلك الحي، وتصوير الفتى لذلك الحي ينتقل لنا بطريقة غير مباشرة لأنه يمر من خلال عملية مفارقة وسخرية تتمثل في اكتشافات المراهق وتساؤلاته وتشكيكاته وانقشاع أوهامه وأخيرًا رحيله عن الجزيرة. أما روايته "المُدَلِّك الغامض" (1957) فتروي سيرة (متخيَّلة) بطريقة متعاطفة وساخرة في آن لمُعَالِج يُدعى جانش يصعد من أصوله القروية في قرية بجزر الهند الشرقية  ليصبح مؤلفاً ومفكرًا وسياسيًا ورجل دولة ينال الكثير من الأوسمة. وتلقى رواية "حق الاقتراع في إلفيرا" (1958) الضوء على الأوضاع السياسة في ريف ترينيداد حيث تؤدي الولاءات العرقية الضيقة والأحقاد واللامبالاة بالفنون والآداب إلى تزوير عمليات التحوُّل إلى الديمقراطية. وتتناول روايته "منزل للسيد بِسْواز" (1961) أحوال ترينيداد في إبّان الحقبة الاستعمارية التي عاشها أجداد المؤلف وأبواه، وتصور انتقال المستعمرة من الحياة الريفية إلى المجتمع الحضري الحديث. ومع أن الكاتب رسم شخصية بطل الرواية على غرار شخصية والده، نجد أن شعور بسواز بعدم الانتماء يشبه شعور نايبول به. ويظهر المغتربون والمهاجرون والمنفيُّون في العديد من روايات نايبول اللاحقة. ففي رواية "الرجال المقلِّدون" (1967)، يكتب بطل الرواية رالف سينج، وهو رجل أعمال في منتصف العمر وسياسي كاريبي اختار المنفى طواعية، ذكرياته، ويعبر عن إحساسه المتزايد بالاغتراب عن كل من المجتمع الكاريبي ومجتمع لندن. وتروي روايته الفائزة بجائزة البوكر "في دولة حرة" (1971) رحلة إلى عالم الفوضى في دولة إفريقية، وكذلك الأمر في رواية مهمة أخرى له، ألا وهي روايته "منحنى في النهر" (1979)، فالراوي فيها- وهو مهاجر وصاحب محل من أصول هندية مسلمة- يصور أفريقيا في مرحلة ما بعد الاستعمار وما تقع فيه من دورات متعاقبة لتنمية منقوصة وتدهور وخراب. وتُقرأ رواية "لغز الوصول" (1987) على أنَّها محاولة للتوفيق بين ما ورثه المهاجر من المرحلة الاستعمارية والتغيرات الاجتماعية والثقافية التي حدثت في إنجلترا في عصر ما بعد الإمبريالية، وتعيد تفسير مفهوم الهوية البريطانية في العصر الحالي. ويمكن أيضا قراءتها على أنها تعبير عن هوية جديدة عابرة للقوميات، وهو الموضوع الذي توسّع نايبول في تناوله في روايته "طريق في العالَم" (1994).

ويلسون هاريس روائي ومفكِّر له رؤية تنبؤية، وتستلهم أعمالُه مصادرَ من الكاريبي وأمريكا الجنوبية (مثل أساطير الهنود الحمر) وتستلهم كذلك التراث الأدبي الغربي ككل. وكان لأعماله الروائية وكذلك غير الروائية مثل كتابه "رحمُ المكانِ: الخيال العابر للثقافات" (1983) تأثير ملحوظ على الجيل الثاني من الكاريبيين الناطقين بالإنجليزية.  وتجمع رواياته في أسلوبها وجنسها السردي بين الأسطوري والواقعي الرائع، وتتلاعب بالمتقابلات- مثل القاهر والمقهور، العالم القديم والعالم الجديد، الأحياء والموتى - حيث يُظْهِرُ الترابطَ بين كل الثنائيات المتعارضة. وروايته "قصر الطاووس" (1960)، التي تعدُّ أحد أجزاء رباعيته "رباعية جويانا" (1960-1963)، عبارة عن مزيج من الأحلام والأحداث البسيطة الهادفة، وتعيد تخيُّلَ أسطورة إلدُورَادو 2(El Dorado)، وفيها تجسِّدُ شخصيةُ البطلِ دَنْ والطاقم المرافق له الغزاةَ الإسبان الذين ينتمون لعصر قديم. وتروي رحلة المجموعة في داخل غابة ممطرة، وهي في ذلك تستدعى روايةَ جوزيف كونراد "قلب الظلام" (1902)، ولكنها لا تنتهي بانقشاع الوهم كما حدث في رواية كونراد، بل تنتهي باحتفال واستنارة، وهي في ذلك تشبه إلى حدّ بعيد "الكوميديا الإلهية" التي تأثر بها هاريس تأثرًا كبيرًا، فهاريس دائمًا ما يثري أعماله باستلهام التراث الأدبي من ثقافات مختلفة حول العالم وكذلك يستلهم عناصر من بلده الأم في جزر الكاريبي. وفي رواياته التالية مثل "عين خيال المآتة" (1965)، و"الصعود إلى أوماي" (1970)، و"رفاق النهار والليل" (1975)، و"شجرة الشمس" (1978)، و"ثلاثية المهرجان" (1993)، و"جونز تاون" (1996) يواصل هاريس إعادة تخيُّل الهوية الإنسانية في أواخر القرن العشرين. ومن خلال استدعاء أشباح التاريخ المؤلم لثنائية العالم القديم/العالم الجديد، وتوظيف التراث الشعبي والأساطير باعتبارها مركبات عابرة للقوميات، تُعتبر روايات هاريس في المقام الأول فنَّ ممراتِ العبور بين الثقافات المختلفة، وفنَّ تحوُّلِ الوعي، وفنَّ البحثِ في التاريخ، وفنَّ الخلاصِ.

خلال النصف الأول من القرن العشرين، كانت الكاتبة المولودة في الدومينيكان جين ريز (Jean Rhys) هي الكاتبة الكاريبية الوحيدة التي اشتهرت عالميًا، بداية من مجموعتها القصصية "الضفة اليسرى وقصص أخرى" (1927) وخاصة روايتها "بحر سارجاسو الواسع" (1966) التي تروي قصة أنطوانيت كوزواى، وهي الزوجة الأولى لـ إدوارد روتشيستر في رواية "جين اير" (1847) للكاتبة البريطانية تشارلوت برونتي(Charlotte Bronte)، وتؤسس ريز في روايتها هذه نموذجًا  لإعادة الكتابة الأدبية سيتبناه  ويطوِّره الكتّاب الذين جاؤوا بعدها3.

وبعد أن مهَّد لامنج وسيلفون ونايبول وهاريس وريز الطريقَ، ظهر جيل ثانٍ في المملكة المتحدة من الكتّاب الذين ترجع أصولهم إلى جزر الهند الغربية/ جزر الكاريبي، بداية من سبعينيات القرن العشرين حتى التسعينيات منه، ويمكن الحديث عن هؤلاء الكتاب من خلال ثلاث زوايا على الأقل، وهي: الكاتبات اللاتي يصورن تجارب النزوح ورؤيتهن الخاصة للموضوعات التي أدخلها الجيل الأول من الكتّاب الذكور؛ غلبة الكتّاب الذين تعود جذورهم إلى جوايانا؛ ومتابعة تطوير مشروع إعادة تصوُّرِ التاريخ الكاريبي واستكشاف الهوية المعاصرة، خاصة بالتأكيد على جوانب الهوية العابرة للثقافات والعابرة للقوميات. تطورت الروايات التي كتبتها مهاجرات من المنطقة الكاريبية في أمريكا الشمالية أسرع من تطورها في المملكة المتحدة، بعد نشر الكاتبة المولودة في بروكلين باولا مارشال (Paula Marshall) بنشر روايتها "بنت بُنِّيَّة، بيوت الحجر الأسمر" في عام 1959، وهي رواية ترصد حياة المهاجرين الباربادوس في نيويورك. وعلى الجانب الآخر، في المملكة المتحدة، كانت الروايات المكتوبة بأقلام نسائية غائبة عن الازدهار الأدبي الذي حدث في الخمسينيات من القرن العشرين، ولم يبدأ نشر روايات الكاتبات التي تتناول تجارب النساء إلا في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين. تروي لنا رواية ميرل هودج (Merle Hodge) "نادِ ولبِّ أيها القرد"4 (1970) قصة نشأة  فتاة  في  ترينيداد، وانتقالها من القرية إلى المدينة، والصراعات الأخلاقية الناتجة عن ذلك الانتقال، ثم رحيلها في النهاية إلى إنجلترا. وفي هذه الرواية، توسّع ميرل هودج نطاق القصص التي كانت تروى عن الطفولة في جزر الهند الغربية، مما نجده مرويًا من منظور ذكوري كما في رواية لامنج "في قلعة جلدي"، ورواية نايبول "شارع ميجيل"، ورواية أنتوني "سنة في سان فرناندو" (1965)، على سبيل المثال. الكاتبة بيريل جيلروي(Beryl Gilroy)  المولودة في جويانا هاجرت إلى إنجلترا في عام 1952، وتنتمي لجيل يسبق الجيل الذي تنتمي له ميرل هودج. وقد نشرت جيلروي سيرتها الذاتية بعنوان "المعلمة السوداء" (1976)، وتروي فيها تجربتها كمديرة مدرسة سوداء في مدينة صغيرة تابعة للندن. وبعد ذلك نشرت روايات مثل رواية "منزل فرانجيباني" (1986)، وتصوّر فيها حياة امرأة مسنة تعيش في دار كاريبية للمسنِّين، وهي بذلك تتناول بشكل غير مباشر جانبًا من جوانب الهجرة يظل في خلفية الصورة، ألا وهو: مصير من يتركهم المهاجر في موطنه من أهل وأصدقاء. 

تتناول رواية "عدم الانتماء" (1985) للكاتبة جوان رايلي(Joan Riley)  المولودة في جاميكا محنة الفتيات المهاجرات السوداوات في إنجلترا؛ وتروى قصة هياسينث، الفتاة ذات الحادية عشرة، التي تتعرض للتنمُّر في المدرسة، وتتعرَّض للضرب والاعتداء الجنسي في المنزل. وتُلقي المجموعةُ القصصية التي اشتركت رايلي في تحريرها مع براير وود (Briar Wood) بعنوان "ارحل لتبقى: قصص المنفى والانتماء" (Riley & Wood 1996) نظرةً أوسع وأكثر تنوُّعًا على تجارب المهاجرين، وهو الأمر الذي يُبرز تنوُّعَ هذه التجارب وثراءها.  وجريس نيكولز (Grace Nichols) وجانيس شاينبورن (Janice Shinebourne) وبولين ميلفيل (Pauline Melville) ثلاث كاتبات من جوايانا أيضا هاجرن إلى المملكة المتحدة أو أقمن فيها إقامة مؤقتة. رواية "سماء صباح كاملة" (1986) لنيكولز ورواية "ساعة" (1986) لشاينبورن تصطبغان بصبغة نسائية فيما ترويانه، فكُلٌّ منهما تتناول انتقال فتاة أو أسرة من القرية إلى المدينة في جويانا في أثناء الصراع من أجل الاستقلال في الستينيات من القرن العشرين. ونشرت الكاتبة والممثلة بولين ميلفيل مجموعتين قصصيتين وهما "محوِّل الشَّكلِ" (1990)، و"هجرة الأشباح" (1999)، كما نشرتْ رواية بعنوان "حكاية المتكلم من بطنه" (1997)؛ وتجمع هذه الأعمال بين أساطير الهنود الحمر واستكشاف الهوية والمكان بطريقة ما بعد استعمارية وواقعية سحرية. وتربط بين هذه الأعمال الثلاثة براعة الأسلوب وموضوع تحوُّل الشكل: بداية من محوِّل الشكل الذي يستحضر تجليات مختلفة ووصولا إلى المتكلم من بطنه والأشباح المهاجرة، مثل الرئيس الذي يعود إلى القرية التي يسخر سكانها الهنود الحمر من فيديو لجنازته. وتستمتع ميليفل بتحويل العيوب إلى مزايا وبالسخرية والهجاء؛ فهي بعيدة عن اللباقة وخفيفة الظل في آن.

وتصور أعمال الكاتب الترينيدادي شيفا نايبول (Shiva Naipaul) والكاتب الجواياني روي أُ. ك. هيث (Roy A. K. Heath) مدى الإحباط والفشل الذي وصل إليه الفرد في المجتمعات الكاريبية. درس شيفا (الأخ الأصغر الراحل للكاتب ف. س. نايبول) أيضًا في جامعة اكسفورد، حيث درس اللغة الصينية. وهو معروف أيضًا ككاتب أدب رحلات؛ وتبدو رواياته أكثر سخرية وكآبة من روايات أخيه. وتدور أحداث رواية "اليراعات" (1970)، ورواية "صائدو الطيور" (1973) في ترينيداد. وتدور أحداث روايته "دولة حارة" (1983)؛ ونُشرت في الولايات المتحدة الأمريكية بعنوان "الحب والموت في دولة حارة" في مدينة متخيَّلَة اسمها جورج تاون في دولة جويانا، حيث يجد مليون شخص أنفسهم "محصورين في مكان مفرَّغ تضربه الشمس يفصل المحيط عن الأدغال" (ص: 5). بالمثل، تتميز روايات هيث باستخدام أسلوب المدرسة الواقعية والمدرسة الطبيعية؛ وهاجر هيث إلى إنجلترا في عام 1951، وامتهن مهنة التدريس والمحاماة، ولم ينشر أول كتبه إلا في عام 1974. وتظل أشهر رواياته هي "ثلاثية أرمسترونج"، وهي تضم: رواية "منذ حرارة النهار" (1979) ورواية "جيل واحد" (1981)، ورواية "جِينِثَا" (1981). وبطل هذه الثلاثية رجل خشن الطباع وليس لديه قوة شخصية أو خبرة أو مستوى تعليم، ويجد نفسه دائما خارج السيطرة في المواقف التي لا يستطيع السيطرة عليها. وتروي رواياتُ هيث حياة جيلين من عائلة تنتمي لمدينة جورج تاون، وتؤرخ مدى التفاعل ما بين الطائفة والطبقة الاجتماعية والطباع والأخلاق والعواطف في جويانا في القرن العشرين.

في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، دشّن الجيلُ الأول من الكتّاب المهاجرين من جزر الهند الغربية الروايات والقصص والموضوعات ونحتوا لأنفسهم هويّات أدبية قام الجيل الثاني بتوسيعها لاحقًا. وبحلول الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، أصبحت ميزةً أن تكون كاتبًا ذا أصول مختلطة أو متعددة الثقافات مهاجرًا من المستعمرات السابقة. ونرى لدى الكتّاب الكاريبيين الذين برزوا على الساحة الأدبية في تلك الفترة تأثيرَ نايبول الذي سافر كثيرًا وكتب عن مجموعة من القضايا المعاصرة، ونرى كذلك تأثير هاريس الذي كان يقيم الجسور دائما بين القارات وبين التقاليد والذي كان دائما يستجوب الماضي. ومثل نايبول، كتب كاريل فيليبس(Caryl Phillips) كتب رحلات ومقالات وروايات، وكتب كذلك مسرحيات وسيناريوهات للإذاعة والتليفزيون والسينما. وتُظهر أعمال الشاعر والروائي والمسرحي فريد داجويار(Fred D'Aguiar)  تأثره بهاريس، بما فيها من واقعية عجائبية واهتمامه على مستوى الموضوعات بالزمن والذاكرة والعلاقة بين الأحياء والأموات. يستكشف داجويار صدمات التاريخ التي ما زالت تطاردنا وتعقيدات النفس البشرية. تدور أحداث روايته "أطول ذاكرة" (1994) في أمريكا في بدايات القرن التاسع عشر، وتروي قصة عبد يتم القبض عليه بعد أن يشهِّر به أبوه بالتبنّي، ثم يُجْلَد حتى الموت.  وتبدأ الرواية بالعبارة التالية: "إنّ المستقبل ما هو إلا مزيدًا من الماضي ينتظر الحدوث". وتواصِل رواية داجويار الثانية "عزيزي المستقبل" (1996) تقصِّي موضوع الزمن، وتستلهم مصادر متباينة، مثل هاريس وهـ. ج. ويلز  (H. G. Wells). وتدمج روايتُه "إطعام الأشباح" (1997) التاريخَ بالعجائبي، وتعود في التاريخ إلى الطريق الوسطى5 الشهيرة بالسوء وإلى حادثة مسجلة تاريخيًا في عامي 1832-1833 حيث قام قبطان سفينة بإلقاء 130 عبدًا من على متن السفينة وهي في طريقها إلى جزر الهند الغربية. في سرد داجويار المًتَخَيَّل للأحداث، تتمكن عبدة اسمها مِنْتَا تم إلقاؤها من على متن السفينة من التعلق بالسفينة والصعود عليها من جديد والاختباء على متنها. وتحصل على ورق وأقلام ريش من صندوق القبطان - وكانت على قدر من التعليم إذ درستْ في إحدى مدارس الرهبان الهولندية- وتكتب يومياتها، وتُستَخْدَم هذه المذكرات كدليل في محاكمة القبطان لاحقًا في بريطانيا. وتكتب منتا (وداجويار) لكي "يُطعِما الأشباح"، وهي مسؤولية أخلاقية للاعتراف بأنَّ الأموات جزء من الأحياء، وأنّ التاريخ لا يُحْكَى في العادة ويظل دائمًا غير مكتملٍ. ويكتب الأكاديمي والشاعر والروائي المولود في جويانا ديفيد دابيدين (David Dabydeen) روايات مصقولة فنيًّا عن هوية الشتات. ففي روايته "الاختفاء" (1993)، يذهب أحد المهندسين المهاجرين الذين ترجع أصولهم إلى جوايانا وأفريقيا إلى إنجلترا ليعمل في مشروع ضخم لترميم ودعم جدار بحري في مدينة دانزمير. ويسكن هناك عند امرأة في منتصف العمر اسمها السيدة رذرفورد، وكانت هذه السيدة قد عاشت عدة سنوات مع زوجها في إفريقيا أثناء عصر الاستعمار. وتعرِّف المهندسَ المقيم عندها على إنجلترا التي كانت في الماضي. وتستحضر الرواية رواية نايبول "لغز الوصول" ورواية هاريس "السُّلَّم السري" (1963)، وإن كانت تختلف عنهما في الاتجاه وطريقة التناول، كما لو كانت الموضوعات ما بعد الاستعمارية لم يعد من الممكن تناولها بأسلوب كتّاب الجيل الأول. وتتلاعب روايته المروية ببراعة "مسيرة عاهرة" (1999) بمجموعة من اللوحات والنقوش المحفورة للرسّام ويليام هوجارث(William   Hogarth) الذي ينتمي للقرن الثامن عشر، ويتخيَّلُ قصة حياة أحد العبيد من جزر الهند الغربية يظهر في لوحة الطبق رقم (2)  لهوجارث6. وتنتقل الرواية، عن طريق الفلاش باك، من مسقط رأس مَنْجُو7  في إفريقيا إلى الأمريكتين وإنجلترا، حيث يخدم العبدُ اللوردَ مونتيج اليهودي والعاهرة (أي، مول هاكاباوت، الشخصية الرئيسة في أعمال هوجارث) على التوالي. ويقوم منجو في شيخوخته بإملاء قصته على شخص يُدعَى السيد برينجل من لجنة إلغاء العبودية.

ربما استنفدتْ أغراضَها الرواياتُ والقصصُ ما بعد الاستعمارية الخاصة بشتات الكتّاب الذين ينتمون لجزر الهند الغربية/ جزر الكاريبي، وهي روايات وقصص لم تنتج عن التغير السياسي فحسب، وإنما نتجت أيضًا عن الهجرة بعد الحرب العالمية الثانية إلى المملكة المتحدة وأمريكا. إنّ المبالغات ولمسات المعارضة كشكل فني عند ميلفيل وداجويار ودابيدين توحي بقوة دفع متطورة نحو التغيير، كما توحي بالبحث عن اتجاهات جديدة. إن الموضوعات التي تناولَها الجيل الأول- ومنها الوصول إلى مرحلة الوعي في المستعمرات، والهجرة، والهوية الجديدة في الحواضر - تحوّلت إلى موضوعات أخرى تركز على الأحداث التاريخية المسكوت عنها وإعادة النظر في التاريخ، وعلى التعددية الثقافية، وعلى الظلم وعدم المساواة بين البشر، مع أنَّ هذه الموضوعات لا تقتصر على الشتات بالتأكيد. وسيواصل كتاب الجيل الثاني والجيل الثالث من المهاجرين من جزر الهند الغربية/ جزر الكاريبي الاندماجَ في النطاق الإجمالي للروايات والقصص المكتوبة باللغة الإنجليزية، كما أنهم سيقدّمون رؤى جديدة للنظر إلى المملكة المتحدة المتعددة ثقافيًا وإلى العالَم ككل حيث تتواصل مآسي التشريد، والاختلافات الثقافية، والانتماءات والهويّات العابرة للثقافات.

 

الهوامش:

 - 1Weiss, Timothy. "Postcolonial Fiction of the West Indian/ Caribbean Diaspora". The Encyclopedia of Twentieth-Century Fiction". Vol. 1: Twentieth-Century British and Irish Fiction. Ed. Brian W. Shaffer. West Sussex: Blackwell Publishing Ltd, 2011. Pp. 303- 308.

2 - مدينة ميناء إسبانيا (Port of Spain) هي عاصمة جهورية ترينيداد وتوباجو وهي أكبر مدينة في الدولة بعد مدينة سان فيرناندو (المراجع).

 إلدورادو تعني مكان فيه خيرات وثروات كثيرة. وهي دولة أو مدينة كان الناس يعتقدون أنها توجد في أمريكا الجنوبية. وتعني العبارة في الإسبانية "الذهبي"، بالإشارة إلى شخص أو مكان أو مدينة أو دولة أو إمبراطورية، حسب تطور الأسطورة وتنوعاتها. وأصل الأسطورة أن زعيم قبيلة أسطورية في شعب المويسكا في كولومبيا، غطّى نفسه ببرادة الذهب في طقس من طقوس المبتدئين أو طقوس الدخول في طريقة أو درب أسطوري خاص وغطس في بركة جواتافيتا. وقام السير وولتر راليه البريطاني بحملتين للبحث عن بلاد الذهب في القرن السادس عشر. وانتقلت الأسطورة إلى الآداب والفنون وصارتْ رمزًا ثريا للحلم والثراء (المراجع).

3 - كانت بيرث مجنونة، ولذا ظلت حبيسة مهمشة في الرواية الأصلية، ولكن (ريز) تتيح لها فرصة الكلام، كما تتيح لـ (روشستر) فرصة الدفاع عن نفسه؛ وهذا مثل من أمثلة الاختلاف بين كتابات الغرب في أثناء الفترة الاستعمارية وكتابات الشرق في فترة ما بعد الاستعمار (المترجم).

4 - فضلتُ ترجمة عنوان الرواية هكذا وعنوانها بالإنجليزية (Crick Crack, Monkey)، لأن تعبير (Crick Crack) تعبير خاص بطريقة محددة في الحكي الشفاهي، إذ ينادي الراوي على الجمهور ويقول (crick) فيلبي الجمهور نداءه بقول (crack)، وهو نوع من الحكي الأدائي الذي يتطلب وجود راوٍ أو منشد أو حاكٍ ووجود حكاية شفاهية ووجود جمهور يستمع ويعلق ويتفاعل مع الراوي. وينتشر هذا الأسلوب في منطقة جزر الكاريبي وله جذور في الثقافة الحكائية الشفاهية الأفريقية. ويقوم فيها الجمهور بدور الجوقة والجمهور معًا. ويبدأ فيه الراوي بقول بعض الفوازير للجمهور، ويقوم الحاضرون بحل هذه الفوازير، وهي فوازير معروفة في وسط الجمهور. وبعد أن تنتهي جولة الفوازير، تبدأ القصة. ويوجد ناد في بريطانيا باسم (Crick Crack Club) تأسس في عام 1988، والهدف منه، كما يعلن مؤسسوه، تطوير الحكي باعتباره فنًّا من الفنون التي تقوم على الأداء، وتعريف الجمهور بالكم الهائل من الحكايات والقصص والأساطير والملاحم الشعبية. ويقوم النادي بإعادة حكي القصص التراثية شفاهة. ولا يعني ذلك أن أسلوبهم يعتمد على حكي شفاهي للقصة، مثلما كان يفعل رواة السير عندنا على سبيل المثال، أو الإنشاد أو الإلقاء أو القراءة، فإعادة الحكي عندهم هو أداء قصة من خلال الكلمة المنطوقة لجمهور معين في سياق معين، وبالتالي يتميز بالفورية والمباشرة (كما لو كان مذاعا على الهواء مباشرة أو في بث حيّ) في الأداء. كما أنه عمل جماعي، ومن آن لآخر يكرر الراوي نداءه ويكرر المستمعون/ الجوقة/ الجمهور تلبيتهم لندائه. ولا يشترط أن يكون النداء والتلبية ظاهرين بشكلهما، فقد يتحققان من خلال الإيماء والتلميح والملاحظات التي يبديها الراوي أو الجمهور مما يضمن تواصل اشتراك الجمهور مع الراوي في الأداء. ويستخدم الراوي لغة حكائية تجعل الجمهور قادرا على تخيُّل الأحداث كما لو كانت تُعرَض في رأسه (المراجع).

4 - الطريق الوسطى (Middle Passage) هي الطريق أو المعبر ما بين سواحل أفريقيا والعالم الجديد آنذاك (القارتين الأمريكتين) عبر المحيط الأطلنطي. وسُمِّيَتْ بالطريق الوسطى لأن تتوسط مسارين آخرين: الطريق الأولى هي نقل الأسرى أو المستعبَدين بالقوة من داخل أفريقيا إلى الموانئ الأفريقية على ساحل المحيط الأطلنطي. ثم شحنهم في السفن الواقفة في الميناء. وبعد تحرك السفن تبدأ الطريق الوسطى إلى أن تصل السفن إلى سواحل الأمريكتين. وبعد تفريغ شحنة "العبيد" تبدأ الطريق الثالثة والأخيرة: أي يتم نقل العبيد لبيعهم في المستعمرات أو المزارع. وكان التجار الأوروبيون أو الشركات الأوروبية تحمل البضائع من أوروبا وتنتقل لبيعها في الموانئ الأفريقية، ثم تشتري العبيد أو تأسر من تجدهم على السواحل وتستعبدهم. وعند الوصول إلى الأمريكتين تبيع العبيد وتشترى بضاعة من هناك لتعود بها إلى أوروبا. وكان 15 % تقريبا من الأفارقة المستعبَدِين يموتون على متن السفن على هذه الطريق الوسطى. وكانت نسبة من يموتون في أفريقيا أثناء عملية القبض عليهم أو أسرهم ونقلهم إلى السفن الراسية على سواحل أفريقيا أكبر من ذلك بكثير. (المراجع)

5 - وليام هوجارث (1697-1764) رسام وفنان إنجليزي، قام في عام 1731 برسم مجموعة من اللوحات (تم تدميرها لاحقًا) وفي عام 1732 مجموعة من النقوش المحفورة على أسطح وأطباق معدنية، بعنوان "تقدم عاهرة" أو "مسيرة عاهرة" (A Harlot's Progress). وتصور هذه اللوحات والنقوش قصة حياة امرأة شابة تُدعَى م. هاكاباوت، وهي امرأة تنتقل من الأرياف إلى لندن وتتحول إلى عاهرة. وتتخذ اللوحات والنقوش شكل السرد المتتابع أو المتتالية الفنية: ففي اللوحة الأولى، نرى امرأة عجوزًا تمتدح جمال المرأة الشابة وتقترح عليها الاشتغال بعمل مربح. وفي اللوحة الثانية، نراها مع عشيقين لها. وفي اللوحة الثالثة، تتحول إلى عاهرة بالفعل ويتم القبض عليها. وفي المشهد الرابع، نجدها تضرب نبات القنب في السجن لفصل مكوناته مثل الألياف وغيرها. وفي المشهد الخامس، تحتضر من جراء أحد الأمراض المنقولة جنسيًّا. وفي المشهد السادس، تموت بالفعل في عمر الثالثة والعشرين. أما بالنسبة للوحة/الطبق رقم 2 الذي تستلهمه الرواية هنا، فكما ذكرنا أعلاه، يتم تصويرها فيه على أنها عشيقة، أما بالنسبة للتفاصيل: فهي عشيقة تاجر يهودي ثري، ونستشف ذلك من الرسومات واللوحات المستلهمة من التوراة الموجودة في خلفية المشهد. وتتأنق في ملبسها ومقتنياتها، ويوجد لها خادم من جزر الهند الغربية، كما يوجد لديها قرد. ووجود الخادم والقرد يوحيان بأن ثروة التاجر اليهودي ناتجة من تجارته في المستعمرات. ويوجد في شقتها أدوات تجميل وقناع مما يتم ارتداؤه في الحفلات التنكرية، كما أن اللوحات التي تزين شقتها توحي بعلاقاتها الجنسية العابرة الكثيرة، وبغياب الوازع الأخلاقي لديها. وتظهر في اللوحة وهي تزحزح منضدة لتصرف انتباه التاجر اليهودي عن عشيق آخر يتسلل خارجًا (المراجع).

6 - منجو Mungo هو اسم العبد الذي ينتمي إلى جزر الهند الغربية الذي يظهر في لوحة هوجارث المذكور في الهامش السابق (المراجع).


عدد القراء: 1115

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-