الرأسماليّة والتقدُّم الاجتماعيّ

نشر بتاريخ: 2024-11-08

المحرر الثقافي:

الكتاب: "الرأسماليّة والتقدُّم الاجتماعيّ"

المؤلف: أنطون براندر

المترجم: جان جبّور

الناشر: مؤسّسة الفكر العربيّ

تاريخ النشر: 20 فبراير 2024

عدد الصفحات: 160 صفحة

في البلدان الأكثر تطوّراً، يُواجِهُ التقدُّمُ الاجتماعيُّ طريقاً مسدوداً. ففي مُواجَهةِ التنامي شبه العامّ للتفاوتات، وفي مُواجَهَةِ ركود الدخل بالنسبة إلى شريحةٍ كبيرة من السكّان، وكذلك في مُواجَهَةِ الأضرار الواضحة للعيان التي تلحق بشكلٍ متزايد بالكوكب الأرضيّ بسبب التطوّر السابق لهذه البلدان، بات ثمّة ضرورةٌ للإقرار بهذا الواقع. إلاّ أنّ إلقاء اللّوم على الرأسماليّة التي كانت في أساس هذا التطوّر سيكون خطأً: إذ تنتفي مسؤوليّتها عن التعثُّر الحاليّ بقدر ما تنتفي تلك المسؤوليّة عن التقدّم المُحرَز في ما مضى. 

في أعقاب الحرب العالَميّة الثانية، شهد السكّانُ الغربيّون تحسُّناً عميقاً في ظروفهم المعيشيّة تَشارَكَ فيه الجميعُ على نطاقٍ واسع، وذلك لأنّهم إثر تاريخٍ طويلٍ وصاخب، نجحوا في السيطرة على القوّة الإنتاجيّة للرأسماليّة. مع ذلك، شكّلت ثمانينيّات القرن الماضي انتصاراً للإيديولوجيّة الّليبراليّة. ففي مُواجَهة العَوْلَمَة والتغيّرات التقنيّة التي برزَت حينها، كان على المُجتمعات الغربيّة أن تُضاعف من جهودها للحفاظ على توازُنٍ في القوى مع الرأسماليّة. لكنّها فضّلت تَرْكَ الأمور على غاربها. بعد أربعين عاماً من الانحراف، هل فات الأوان للإمساك بالمُبادَرة مُجدّداً؟

هذا ما يناقشه كتاب بعنوان: "الرأسماليّة والتقدُّم الاجتماعيّ"، الصادر من مؤسّسة الفكر العربيّ، ومن تأليف الباحث والخبير الاقتصادي الفرنسي أنطون براندر، وترجمة الدكتور جان جبّور.

يُناقش الكتاب التحدّيات المعاصرة التي تواجه التقدّم الاجتماعيّ في ظلّ الرأسماليّة، مركّزاً على الفترة التي أعقبت الحرب العالميّة الثانية وصولاً إلى يومنا هذا. يرى الكاتب أنّ التقدّم الذي شهدته المجتمعات الغربيّة قد تباطأ وتراجعت آثاره الإيجابيّة بسبب التدهور البيئيّ المتزايد، ممّا يضع مستقبل هذه المجتمعات الاستهلاكيّة في موقف حرج، ويعرّضها لمعوّقات قد تحولُ دون استمرار هذا التقدّم.

يُتبع الكاتب ذلك بإيضاح أسباب هذا المأزق من دون الخوض في تاريخ الرأسماليّة أو سرد النضالات الاجتماعيّة والسياسيّة التي أثّرت عليها، بل يركّز على وصف آليّات التفاعل بين الرأسماليّة والمجتمعات التي ازدهرت فيها، محاولاً تبيان الأسباب التي تعوّق التقدم الاجتماعيّ في العصر الحاليّ، ويبحث في إمكانيّة استعادة المجتمعات مسيرة تقدّمها.

وفي هذا السياق، يستعرض أيضاً دور العولمة في تغيير خريطة الصناعة العالميّة وتأثيرها على التقدّم الاجتماعيّ في البلدان المتطوّرة. ويناقش كيف تسبّب دخول الدول الآسيويّة حَلَبة التجارة الدوليّة بمعضلات جديدة للدول الغربيّة، خصوصًا مع دخول الصين الاقتصاد المُعولَم.

يتناول الكتاب أيضاً التحدّيات التي فرضتها الثورة المعلوماتيّة على العمالة الغربيّة، حيث وجدت العمالةُ نفسها عالقةً بين منافسة البلدان ذات الأجور المنخفضة والتقدّم التقني الجديد، فضلاً عن أنّ السياسات الظرفيّة التي اعتمدتها الحكومات لحلّ هذه المشكلة لم تكن كافية.

في الختام، يناقش براندر ضرورة إعادة التفكير في السياسات العامّة والتوجّه نحو سياسات تركّز على التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعيّة، ويرى أنّ الحلّ لا يكمن في هدم الرأسماليّة، بل في تكييفها لتصبح أكثر عدالةً واستدامة، داعياً إلى نقاش ديمقراطيّ واسعٍ يجدُ حلولاً فعّالة للأزمات التي تواجه المجتمعات اليوم.


عدد القراء: 884

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-