وفاة الكاتب والمترجم العراقي حسين الموزاني
فكر – الرياض:
بصورة مفاجئة وصادمة لمحبيه وأصدقائه، توفي، الأربعاء، بالعاصمة الألمانية برلين، الكاتب والمترجم العراقي القدير حسين الموزاني، عن عمر ناهز 62 عامًا، بعد رحلة أنجز، خلالها، العديد من الكتابات والترجمات التي وضعته في مصاف أهم الكتاب والمثقفين العراقيين في المنافي الغربية. جمع الكاتب والروائي والصحفي والمترجم حسين الموزاني بين الجنسيتين الألمانية والعراقية، وهو من مواليد عام 1954 في مدينة العمارة بالعراق، وترعرع في بغداد. وغادرها في عام 1978 لدواعٍ سياسية، متوجهاً إلى لبنان؛ حيث عمل صحفيا لمدة عامين، انتقل بعدها إلى ألمانيا عام 1980 ولا يزال مقيما بها حتى توفاه الله.
يكتب حسين الموزاني باللغتين الألمانية والعربية على حد سواء. وقد كتب مجموعة من الأعمال الأدبية، من بينها رواية "منصور" أو "عطر بلاد الغرب" التي صدرت بالألمانية عام 2002، وتدور أحداثها في ألمانيا والعراق وسوريا. وبطلها جندي عراقي هارب من أتون الحرب العراقية الإيرانية، فيخترع له نسباً، ويدّعي بأن جدته العراقية الأصل عائشة قد تزوجت من أحد قادة الحروب الصليبية في مدينة حلب قبل 9 قرون.
وله أيضًا رواية صدرت عام 2007 بعنوان "اعترافات تاجر لحوم"، وهي التي تدور أحداثها في القاهرة قبل 25 عامًا. أراد الموزاني تسجيل الفترة التي قضاها في القاهرة "روائيًا"، خاصة أن هذه الفترة لعبت دورًا كبيرًا في تشكيل وجدانه وتكوينه الفكري، وهو ما انعكس بعمق على مجمل رحلته، وعلى كتاباته الأدبية والنقدية بشكل عام.
في "اعترافات تاجر لحوم"، يستدعي الموزاني أصداء تلك الفترة التي قضاها نزيلاً بشقة في شارع أحمد عرابي الشهير، الكائن في قلب حي المهندسين الراقي، زمن قاهري يعود إلى عام 1991، أجواء وصفها الموزاني بلغته المميزة: "وكان ضياء النهار ينهمر عبر النوافذ والستائر والجدران حتّى، وكنت أصغي إلى نداءات باعة العسل والحليب والفول. فكانت تلك محطتي الأولى في المدينة التي أحببتها وأحببت أهلها الطيبين، حيث أمضيت عامًا ونصف العام. وهي فترة كانت بمثابة علاج نفسي من آثار حرب الخليج الأولى وتدمير العراق. وعندما حان موعد عودتي إلى منفاي الألماني، استنكر أصدقائي المصريون هذه الخطوة، وقالوا ابقَ معنا هنا، فنحن أهلك: تعمل إيه في ألمانيا؟"..
وحينما دعي الموزاني، قبل عامين، إلى زيارة القاهرة لقراءة أجزاء من أعماله الروائية وترجماته عن الألمانية، استدعي تفاصيل هذه الذكريات في كتابة شجية تنضح حنينًا وعشقًا للقاهرة وناسها، يقول الموزاني: "والآن سأعود مجددًا إلى القاهرة وإلى زهرة البستان وستيلا، وغريون والأوديون وغروبي وفلفلة وكوشري العمدة ومقهى نجيب محفوظ، وسأضيف إلى هذه الأماكن النادي اليوناني ومقهى ريش الذي كان يرمم آنذاك. وإلى مصر كلّها، بعد ذلك الغياب الطويل والانتفاضات والثورات والأحداث الجسام، وسأقرأ هذه المرّة في معرض القاهرة للكتاب وفي معهد غوته والمنصورة ودمياط ودمنهور، وصرت أشعر بسعادة لا حدود لها كلّما فكرت في لحظة الدخول إلى مصر ورؤية أهلي وأحبتي".
تروي رواية الموزاني "اعترافات تاجر لحوم" قصة قاتمة بدون مخرج، سرحان قاطع الربيعي عراقي ألماني يعيش في كولونيا ويعمل كتاجر لحوم عاش عدة ضربات مؤلمة من القدر. طلق زوجته الألمانية وحصلت زوجته على حق حضانة الابنة. أما أفضل صديق له وهو رسام عراقي ألماني فقد توفي بقلب مفجع بسبب إدمان الخمر. وكلما أصبح سرحان وحيدًا يائسًا، كلما أصبح أكثر اقتناعًا، أن المصائب التي تصيبه سببها الحقيقي يتمثل في تأمله المتقدم. بسبب مشاعر الكره السائدة لديه ضد المجتمع المحيط به ينزلق سرحان أخيرًا في "معركة غضب" تجعله في النهاية قاتلاً يقوم بالقتل العشوائي.
في القصة القصيرة، ترك مجموعة قصص قصيرة بعنوان "خريف المدن" فضلًا عن مجموعة أخرى حملت عنوان "الوصي على الإمام الهائم"، وفي كل ما كتب كان ينطلق الموزاني من مفهوم حنيني للكتابة ودورها وما تمثله بالنسبة له، يقول الموزاني: "أودّ أن أشير إلى أن الكتابة لم تكن يومًا فعلاً فرديًا صرفًا، رغم احترامي التام للفردية في العمل الفني، بل إنها عمل جماعي. ومعظم أفكاري لم تكن سوى حوارات مع الآخرين، أصدقاء وغيرهم. وكلّ إنجاز أقوم به ما هو إلا إنجاز للآخرين ليس إلا. وكانت ثقة الآخرين بيّ الطاقة الوحيدة التي تحركني دائمًا. وهناك مثل ألماني يقول: ضع ثقتك بإنسان ما، فتضاعف من ثقته بنفسه 10 مرات".
وللموزاني أيضًا كتاب بعنوان "عوالم متوازية"، وهو كتاب نقدي، يضمّ عددًا من المحاضرات حول: الأدب والمنفى واللغة الأم ومفهوم الوطن والكتابة والعلاقات الثقافية بين العرب والألمان؛ في الأصل هو عبارة عن محاضرات باللغة الألمانية ألقاها في جامعة دريسدن التقنية. الكتاب الذي صدر عن دار نشر "تيلم" تم تصديره بدراسة مطولة ﻷعمال حسين الموزاني باللغة الألمانية بقلم البروفيسور فالتر شمتس، وهو مدير مركز الأبحاث الأوروبية في جامعة دريسدن.
علاوة على عمله في مجال التأليف الروائي والقصصي، امتد نشاط حسين الموزاني أيضًا بشكل أساسي إلى مجالي الصحافة والترجمة. حيث نقل إلى العربية مجموعة من الأعمال من بينها كتابات لإنجِبورج باخمان، وجوتفريد بينّ، وراينر ماريا ريلكه، ويورجن هابِرماس، فضلاً على ترجمته لرائعة جونتر جراس الشهيرة "الطبل الصفيح"، الصادرة عن منشورات الجمل في 688 صفحة من القطع المتوسط. كانت تلك الرواية "الطبل الصفيح" للألماني الحائز على نوبل 1999 جونتر جراس، إحدى روائع الأدب الألماني، والعالمي في القرن الـ20، والترجمة التي اضطلع بها حسين الموزاني، وضعته في مصاف كبار المترجمين ووصفها الكثيرون بالترجمة "المثابرة الدؤوب"، خاصة أنها من الأعمال المركبة ومتعددة المستويات لغويًا وبلاغيًا وتركيبيًا، وهو ما يشكل عائقًا أمام أي مترجم محترف، وتقتضي ممن يتصدى لترجمة مثل هذه الأعمال استعدادًا وتحضيرًا حاشدًا ومكثفًا لغويًا وأدبيًا ومعرفيًا وسياقيًا، وهو ما أنجزه الموزاني بحرفية واقتدار، جعلت ترجمته لهذه الرواية هي المعتمدة في كل الدول الناطقة بالعربية.
حصل حسين الموزاني في عام 2003 على جائزة "Adelbert-von-Chamisso" التشجيعية عن هذا العمل. وتولَّى في عام 2009 منصب محاضر بمؤسسة Chamisso-Poetikdozentur بجامعة دريسدن التقنية.
تغريد
اكتب تعليقك