روسيا تحيي ذكرى شاعرها بوكشين بعد 180 عامًا على وفاته

نشر بتاريخ: 2017-02-11

فكر – الرياض:

تحيي روسيا هذا الأسبوع ذكرى ثقافية بالغة الأهمية، إذ مرت 180 عامًا على مصرع أمير شعرائها ألكسندر بوشكين. وتجري كل عام مراسيم تقليدية لإحياء ذكرى بوشكين بجميع أنحاء البلاد وخارجها، كذكرى يوم ميلاد الشاعر والكاتب البارز، والذي يعتبر يوم اللغة الروسية، إلا أن السبيل الأفضل لتكريم ذكرى بوشكين قد يكمن في أخذ نسخة مهترئة من إحدى رواياته أو مسرحياته أو مجموعة من قصائده من خزانة الكتب، في محاولة جديدة للإجابة عن سؤال: من هو ألكسندر بوشكين؟

لم يكن بوشكين، كما يبدو، الشاعر والكاتب العظيم الوحيد في تاريخ الأدب الروسي، وسلفه وخلفه العديد من أرباب القلم، الذين تتيح مؤلفاتهم لكل روسي أن يفخر بانتمائه إلى هذا الشعب، بمن فيهم ديرجافين في القرن الـ18، وغوغول ودوستويفسكي وتولستوي وتورغينيف في القرن الـ19، وبلوك ومانديلشتام وأخماتوفا وبلاتونوف في القرن الـ20 وغيرهم، ولكن بوشكين وحده حصل على لقب "شمس الأدب الروسي".

تجدر الإشارة إلى أن تصنيف بوشكين من قبل العلماء كمؤسس اللغة الأدبية الروسية، لا يعني أنه كان أول كاتب أو شاعر يبدع روايات أو قصائد مثالية بهذه اللغة، بل إن بوشكين بات أول شخص استطاع الاستفادة في مؤلفاته من الفرص الغنية التي توفرها اللغة الروسية، وفي كل كتاب له يختبر بوشكين ليونة اللغة الأدبية الروسية ليرسم حدودها، ولو خسرت هذه اللغة جميع ناطقيها لكان بوسع العلماء إحياؤها استنادا إلى "ابنة الضابط" أو "يفغيني أونيغين" حصرًا.

ولم تكن مؤلفات بوشكين مجرد موسوعة الحياة الروسية، كما وصف الناقد الأدبي الشهير، فيساريون بيلينسكي، رواية "يفغيني أونيغين" الشعرية، بل وموسوعة اللغة الروسية بالدرجة الأولى، وذلك يفسر تخلف بوشكين في شعبيته خارج روسيا عن دوستويفسكي وتولستوي، اللذان كانا يخلقان نماذج العالم الأكثر تعقيدًا من حيث نفسية أبطال قصصهما، غير أن حب القارئ الروسي لبوشكين ما زال مستمرًا على مدى عقود مضت منذ وفاته.

وكتب بوشكين في إحدى أشهر قصائده: "لا سعادة في المعمورة بل الطمأنينة والحرية"، وهاذان هما الثابتان اللذان كان الكاتب يعول عليهما في إبداعه وسيرته، إذ ميزت بوشكين القدرة الاستثنائية على تفادي الميل إلى أي طرف في الخلافات السياسية والاجتماعية المحتدمة، والتي هزت روسيا في الثلث الأول من القرن الـ19.

وبالرغم من أن عددًا من أصدقاء طفولته شكلوا في المستقبل صلب انتفاضة الديسمبريين، الذين حاولوا الإطاحة بالسلطة القيصرية عام 1825، فلم ينضم الشاعر إليهم وفضل النأي بالنفس عن السياسة الكبيرة، لأنه لم يكن شاعر الثورة أو السلطة بل شاعر الحرية وحدها، اعتبارًا من أول تجربة شعرية له، والتي حازت إعجاب الشاعر المسن، غافرييل ديرجافين، وأثارت دهشته، وصولاً إلى مصرع الكاتب متأثرًا بإصابة أثناء مبارزة يسودها الغموض.

ووجد بوشكين هذه الحرية المرغوب فيها أثناء فترة عزلته، بعيدًا عن العاصمة آنذاك، سان بطرسبورغ، في دار أبائه ببلدة ميخايلوفسكويه، ولم ينس هذه التجربة المهمة طول حياته، لا سيما وسط دسائس مستمرة داخل مجتمع بطرسبورغ. وانعكست هذه المعرفة على تصريح تاتيانا بأنها كانت سترغب في مقايضة "الحفلة التنكرية" لحياتها الغنية برف العيش مع أونيغين في منزل هادئ مع رفوف الكتب والبستان المقفر.

وليس من قبيل الصدفة أن الشاعر ألكسندر بلوك قال في العام 1919، وسط غبار وفوضى الحرب الأهلية، في خطاب له بمناسبة الذكرى الـ84 لوفاة بوشكين، قال إن أهم ما تركه بوشكين لشعراء الأجيال القادمة هو "الحرية الخفية" التي لا علاقة لها بالظروف السياسية والاجتماعية بل بحالة النفس وحدها.

وفي عام 1982 صور المخرج السوفيتي، سيرغي سولوفيوف الحائز على جائزة الدب الفضي لفيلمه "100 يوم بعد الطفولة"، فيلما سماه "الوريثة المباشرة"، ويروي هذا الشريط  قصة فتاة سوفيتية تقطن في أوديسا، وهي تؤمن بأنها سليلة بوشكين، علمًا بأن الشاعر أقام أكثر من عام في هذه المدينة على ساحل البحر الأسود.

وفي ختام الفيلم، تبقى البطلة، بعد تعرضها للسخرية من قبل صديقها، جالسة بمفردها على ساحل البحر، وفي هذه اللحظة العصيبة يخرج من ضباب الفجر بوشكين نفسه، ويجلس في صمت إلى جانب الفتاة لطمأنة وتسلية إحدى وريثاته، وهذا الختام القصير قد يفسر أكثر من أي دراسات علمية أهمية دور بوشكين في الثقافة الروسية، علما بأن إحصاءات المكاتب تظهر أن رواية "ابنة الضابط" كانت، كما "الحرب والسلام" بقلم تولستوي، أكثر الكتب قراءة في لينينغراد المحاصرة بين عامي 1941 و1944.


عدد القراء: 3474

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-