على هامش أمسية الرياض «قراءة الشاعر حمد الحجي رحمه الله»
د. حسين رحيِّم الحربي - ميونخ
كان صباحي جميلاً لأنني عثرت على ورقة عن الشاعر السعودي حمد الحجي - يرحمه الله- مسجلة كاملة. وكم تمنيت أنني كنت معهم وبينهم. جلبت لي كثيرًا من الدفء ههنا في بلاد البرد والصقيع.
أمسية تألق فيها الدكتور سعد البازعي مقدِّمًا مثقفًا وناقدًا له حضور. كما تجلَّى أستاذنا الأديب الشامل والكبير سعد الغريبي بورقة رصينة متقنة، تحرَّى فيها الدِّقَّة والموضوعيَّة. وهذا ما تفتقر إليه كثيرٌ من الورقات التي تقدَّم؛ فيقتصر دورها على المديح والثناء، وبأن الشخص موضوع الدراسة كان لا يشق له غبَّار ولا تلين له قناة، إلى ما هنالك من هذه الألفاظ العامة الرنانة الطنانة، التي يمكن أن تقال في أي محفل، وعن أي نتاج، بغض النظر عن قيمته الأدبية والفنيَّة، لا بل حتى الاجتماعيَّة.
الأستاذ الكبير سعد الغريبي عرفته شاعرًا رائعًا نُشرت له عدَّة دواوين شعريَّة، وأديبًا نشر رواية مؤخرًا. لكنه تجلى أديبًا محيطًا ملمَّا، ومثقفًا واسع الاطلاع، وناقدًا يجنح دومًا للموضوعيَّة؛ يحكم على النص بغض النظر عن قائله. لقد قال الأستاذ سعد الغريبي في هذه الورقة ما عجز عنه كثيرون.
كانت الأمسية مشوقِّة سلسة وممتعة؛ لدرجة أنني تابعتها بدقَّة وتركيز، حتى انفض المجلس وذهب الحضور. كانت لغة الغريبي محببة منسابة متواصلة، مفهومة وفصيحة، بعيدة عن التقعر واستخدام مصطلحات غريبة، توهم القارئ بأن المحاضر صاحب ثقافة واطلاع - والغريبي كذلك-، لكنه كان خفيفاً شفيفًا. أظهر الغريبي مقدرة فائقة على الإمساك بمفاصل ورقته، وهذا يدل على إحاطته بموضوع الورقة وما يجاوره إحاطة تامَّة. بالإضافة إلى ثقافته الواسعة، أبدى الغريبي براعة في البحث بأن أظهر الشاعر حمد الحجي -يرحمه الله- في سياقه البيئي والاجتماعي والأدبي، ولم يتحدَّث عنه منْبَتَّاً كما زعم الدكتور صالح الغامدي في مداخلته؛ والتي قال فيها:" هناك ملاحظتان"، ولم نعرف ما هما من خلال المداخلة. مداخلة الدكتور سعود اليوسف كانت مثرية وفيها تساؤلات مهمَّة حول الشاعر موضوع البحث. مداخلة الدكتور الهدلق أيضًا كانت ذات أهمية، كما هي مداخلة الدكتور عمر السيف أيضًا، والتي ذكر فيها نقطة مهمَّة؛ وهي دراسة نفسيَّة الشاعر حمد الحجي من خلال نصوصه، وهذا معمول به كثيرًا في الآدب الإنجليزي. كما في مسرحية "هاملت" للمسرحي الإنجليزي شكسبير، والتي درسها نقاد ومحللون نفسيون، ووجدوها تجسيدًا لعقدة "أوديب" التي ذكرها فرويد.
عمومًا، أظهر أصحاب المداخلات والحضور ثقافة وإحاطة واطلاعًا وحسَّاً نقديَّا، تفتقر له كثير من الملتقيات الثقافيَّة في أماكن أخرى.
لكن لي بعض الملاحظات التقنيَّة على هذه الأمسيَّة أود أن يفكر بها القائمون على هذا النشاط لتلافيها مستقبلاً إن كانت ذات أهمية من وجهة نظرهم:
- المكان الذي عقدت فيه هذه الأمسية غير ملائم -من وجهة نظري-، بدا وكأنه (استراحة)، وأنا لا أعيب عقد الأمسيات في أماكن كهذه، لكن شريطة أن يكون المكان جيدًا يليق بحضور كهذا الذي كان. بدا غطاء الطاولة أصغر منها، ولونه قاتم كاتم، يتمايل ويرفرف مع الهواء. افتقرت الطاولة لباقة صغيرة من الزهر، لتكسر رتابة جو الاستراحة.
- حبذا لو عقدت الأمسيَّة في مكان أفضل، ولاسيما أن الرياض تزخر بأماكن لائقة؛ مثل مركز الملك فهد الثقافي والنادي الأدبي في الرياض ومركز الملك سلمان الاجتماعي ومكتبة الملك عبد العزيز ومكتبة الملك فهد، وغيرها كثير.
- كان التصوير سيئًا جدَّاً، ليس يفتقر لأدنى درجات الاحتراف فقط، بل لأقل حد من الخبرة، فكانت الافتتاحية غير موفقة -من وجهة نظري-. خصوصًا إذا علم القائمون على هذا النشاط أن من يتابعهم من خلال الفيديو المسجل أكثر من عدد الحضور بمئات إن لم يكن بآلاف المرات، لذا وجب عليهم الاعتناء بالمكان والتصوير.
- كانت أصوات "الميكرفونات" مزعجة جدَّا، حبذا لو تمَّ تلافي هذه المشكلة، خصوصًا لمن يضع سماعات، وهو يتابع هذا الفيديو.
- لم يكن شعار الجهة الراعية والقائمة على هذا النشاط موجودًا. حبذا لو وضع في ملصق "بوستر" صورة الشاعر حمد الحجي، وشعار الجهة الراعية، أو الداعية لهذه الأمسيَّة.
أخيرًا أقول: شكرًا من القلب للقائمين على هذا النشاط، اتحفتمونا وامتعتمونا، شكرًا بحجم الشمس للأستاذ الأديب سعد الغريبي، وشكرًا للدكتور الناقد سعد البازعي على الحضور والتقديم المتميز، وجزيل الشكر للدكتور عمر السيف. راجيًا لكم مزيدًا من التقدم والتوفيق.
تغريد
اكتب تعليقك