المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين
المحرر الثقافي:
الكتاب: "المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين"
المؤلف: د. شكري عياد
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
ليس هذا أول كتاب يتطرق إلى قضية المذاهب الأدبية يضاف إلى المكتبة العربية، غير أن كل كتاب يحمل طابع عصره، وكتاب الباحث د. شكري عياد "المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين" كتبه الناقد الراحل عام 1992، وينطلق من زمن كتابته، لكنه صالح للتعبير عن الواقع الأدبي الراهن بجدارة، وهذا ما دعا الهيئة المصرية العامة للكتاب إلى إعادة طباعته، للإفادة من مباحثه التي تناولت شتى عناصر الساحة الأدبية العربية، التي لم تتغير كثيرا رغم التغير الجذري للظروف المحيطة بها.
يقول شكري عياد إن "هذا الكتاب مهموم بالوجود والمصير، ولأنه يبدأ وينتهي في الزمن الحاضر؛ فقد وجدت أن السرد التاريخي لا يصلح له، ولم أقسمه فصولاً بل مقالات فجاءت المقالة الأولى بعنوان في أن مناقشاتنا حول المذاهب الأدبية المعاصرة تعكس موقفًا تاريخًا من ثقافة العرب.
نعم هناك أدب يمكننا أن نسميه حداثيًا، يكتب وينشر الآن في مصر، ولكن دائرة القراء الذين يتبادلونه لا تزال محدودة ومعظمه يعتمد على المفاجأة والإدهاش كي يتقبله القارئ العادي، وفي هذا التيار – إذا استمر – انحطاط بالحداثية".
ومع ذلك فلا جدال في أن الكتابة الحداثية التجريبية، قد أصبحت تشغل حيزًا كبيرًا في إنتاج الأدباء الشبان، في مصر والعالم العربي، والعامل الأكبر في رواجها بينهم "كونها غير رائجة عند الجمهور"، هو الشعور بالإحباط ، وللجمهور مسالك أخرى للتعبير عن هذا الإحباط"، ثم إن الحداثة تقتل نفسها عندما ترسخ قدمها. فمعنى ذلك أن تصبح لها قواعدها المتعارفة عند القراء والكتاب، أي أن تصبح تقليدًا.
وفي مقالته الثانية، يرى عياد أن بدايات الحداثة كانت رد فعل لعودة الكلاسيكية التي اقترنت بزمن الحرب، وما صاحبه من نشاط ثقافي. كما يلفت الباحث إلى أن الإبداع الأدبي ليس حكرًا على علماء اللغة، فاللغة ملك لجميع أبنائها، والإبداع موهبة يتميز بها أفراد في جميع المدن، هؤلاء هم "الهواة" الذين يصبحون "محترمين" إلا بعد أن ترسّخ أقدامهم في فن الكتابة. مثال ذلك أننا نجد إحدى بواكير الفكر الحداثي في المقدمة التي كتبها المحامي عادل كامل لروايته "مليم الأكبر" (1994). ورغم ذلك فإن المجمع اللغوي كان قد رفضها.
في مقالته الثالثة، يشير الكاتب إلى الصراع بين الكلاسيكية والرومانسية، قائلاً "كل تغير كبير ينتج عن صراع، وكل تغير في مجال الفكر والفن لا يحدث بمعزل عن القوى الأخرى الفعالة في المجتمع. ومن المحقق أن الميدان الرئيس للصراع بين الكلاسيكية والرومانسية كان فرنسا، وكثيرًا ما يفسر ذلك بميل خاص لدى الفرنسيين إلى التجريد والتنظير. ولعل ذلك صحيح ولكننا يجب ألا ننسى الظروف التاريخية أيضًا. ويحمل الناقد الفرنسي هنري بير في كتابه "ما هي الكلاسيكية" خصائص المذهب الكلاسيكي في عشرة مذاهب: خمس منها تتعلق بالأفكار، وخمس بالأسلوب".
أما في جانب الأفكار فالسمة الأولى هي العقلانية. فالكلاسيكية مولعة بالهندسة العقلية والوضوح الفكري. ونلاحظ ذلك مثلاً في نثرهم، ويذكر الباحث هنا تأملات مونيتنى وبسكال وحكم لاروشنوكو، وهو الأمر المختلف عند أبطال تراجيديات كورنى وراسين الذين يستطيعون محاورة أنفسهم بينما هم في أشد المواقف إثارة للاضطراب، وهم بلا شك نماذج لا نعثر عليها في أدب آخر.
وفي مقالته الرابعة والأخيرة، يتساءل المؤلف: ماذا أراد الآمدي بعبارة "مذهب الأوائل"، لم يكن الآمدي فيلسوفًا مثل أرسطو، حتى يصف لنا أسلوب "الأوائل" في نظم القصيدة كما وصف أرسطو طريقة هوميروس في بناء الملحمة أو طريقة سوفوكليس في بناء التراجيديا، فتصبح هذه الصفات قانونا يلتزمه كل من أراد أن يحتذي بهم، وتعاد صياغته مرة بعد مرة، حتى إذا هبت رياح التغير ووضع له اسمه المميز، ولكن الآمدي وضع بجانب هذا الاسم اسمًا آخر وهو عمود الشعر.
وفي ختام الكتاب، يقول شكري عياد "بدأنا من الحاضر وانتهينا إليه. فلم يكن الغرض من هذا الكتاب التعريف بالمذاهب الأدبية دون البحث عن كيفية نشوئها وتطورها، ولا فهم تاريخها في تصارعها أو تتابعها دون التطلع إلى علاقتها بغيرها من جوانب الفكر والحياة".
تغريد
اكتب تعليقك