جاك دريدا يتتبّع «تاريخ الكذب»
المحرر الثقافي:
الكتاب: "تاريخ الكذب"
المؤلف: الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا
ترجمة: رشيد بازي
الناشر: المركز الثقافي العربي
يبدو الكذب من المناطق التي عادة ما تغفلها المعرفة المعقلنة، إذ يكاد يغيب المصطلح من الكتابات الفكرية حتى القرن العشرين، حين بدأت تظهر محاولات لتفسير الظاهرة، كانت في البداية ضمن علم النفس ثم سرعان ما تلقّفتها اختصاصات أخرى. في كتابه “تاريخ الكذب”، يطلّ الفيلسوف الفرنسي الجزائري جاك دريدا (1930 – 2004) على الظاهرة من منظور مختلف. نَقل هذا العمل مؤخّراً إلى العربية رشيد بازي، وقد صدرت الترجمة عن “المركز الثقافي العربي”، ضمن موجة أعمال معرّبة للفيلسوف الفرنسي عرفتها الأشهر الأخيرة، مثل “فصول منتزعة” (“منشورات الجمل”، ترجمة ناجي العونلي وعبد العزيز العيادي ومعز مديوني)، و”أبراج بابل” (“دار الحوار”، ترجمة مصطفى دقوري). رغم أن هذا النص يأتي في مراحل متأخّرة من حياته، حيث إنه في أصله محاضرة ألقاها في 1997، ونشرت في 2012، فإنه يظل قريباً من منطلقات دريدا، إذ كان رائد التفكيكية محبّاً كعادته للمداخل اللغوية نحو القضايا الفلسفية.
يعتمد المؤلف على مقاربة سيميو – لغوية، إذ يلاحظ أن ألفاظاً ومفاهيم عدّة التبست بالكذب، مثل الخطأ والحماقة والخبث والإيديولوجيا وحتى الشعر. هذه الملامسات تصنع فضاءً ضبابياً حول الكلمة. هذا على صعيد أول، قبل أن يتساءل إن كان تمثُّل الظاهرة يحدث بالشكل نفسه بين حضارة وأخرى، وخصوصاً في مستويات مختلفة من الحضارة نفسها، كما هو الحال في الحضارة الغربية التي هي تراكم إغريقي، روماني، يهو – مسيحي.
فهل نحن إزاء مدلول ثابت للكذب، وبالتالي هل نحن قادرون على كتابة تاريخه؟ هنا، يوقفنا صاحب “الكتابة والاختلاف” أمام ضرورة التمييز بين تاريخ الكذب كمفهوم وتاريخ الكذب كظاهرة.
موضوع الدرس يقتضي أن نلغي القياس البسيط على ما هو صحيح أو خاطئ، فالكذب هو عملية محاكاة لهما يجعل من الصحيح نموذجاً لإطلاق الخاطئ. الأكاذيب إذن ليست سوى محاكاة للحقيقة، والأساطير كانت هي الأخرى محاكاة، أي أن هذه العملية يستدعيها الإنسان كلما كانت لديه تمثّلات ذهنية ونفسية لا تُصاغ منطقياً.
ها هو الكذب، كما يلاحظ ليس دريدا وحده، بل أيٌّ منا، يتغلغل في كل مظاهر الحياة البشرية، من الأسرة إلى المؤسّسة السياسية أو الإعلامية، لا شيء ينأى بنفسه عنه. بل إن أكبر السرديات التي طوّرها الإنسان، كالعلم والتاريخ، مستفَزّة دائماً بتهمة الكذب. ثمة سؤال قد يُثار: لماذا كتب دريدا هذا العمل؟
لعل سبب كتابة “تاريخ الكذب” لم يكن سوى كذب التاريخ.
تغريد
اكتب تعليقك