غابو ومرسيدس: الوداع

نشر بتاريخ: 2021-07-18

المحرر الثقافي:

الكتاب: "غابو ومرسيدس: الوداع"

المؤلف: رودريغو غارسيا

الناشر: HarperVia

تاريخ النشر: 27 يوليو 2021

اللغة: الإنجليزية

عدد الصفحات: 169 صفحة

غابرييل غارسيا ماركيز أديب كولومبي بدأ حياته صحفيا ونال شهرة واسعة في عالم الرواية، إذ حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1982. تعد روايته "مئة عام من العزلة" من أشهر ما ألف، وكذلك "الحب في زمن الكوليرا". توفي "غابو" عام 2014 عن 87 عاماً.

وجعل ماركيز أسلوبه -وهو مزيج غريب وفريد من نوعه بين الحقيقة والخيال- أحد أعلام مدرسة الواقعية السحرية، ذلك النوع الأدبي الذي يبدو فيه متأثرا بخلفيته الصحفية، "مهنته الحقيقية" كما كان يقول.

وتمزج تقنية هذه المدرسة الروائية بين عناصر فانتازية وسحرية من جهة، وبين الشخصيات البشرية من جهة أخرى، وذلك بغرض التعبير عن الأحداث الواقعية بطريقة تذهل القارئ وتربك حواسه وتجعله لا يستطيع التمييز بين الحقيقي والخيالي.

وصدر حديثا كتاب رودريغو غارسيا ابن ماركيز مقدِّما صورة حميمة عن صراع والده مع فقدان الذاكرة، ووفاة والدته مرسيدس بارشا التي وافتها المنية العام الماضي 2020.

واستعرضت الكاتبة الكولومبية كاميلا أوسوريو الكتاب الذي أصدره في تقرير نشرته صحيفة "إل باييس" (el pais) الإسبانية، وقالت إنه عندما كان غابرييل غارسيا ماركيز يكتب "مئة عام من العزلة" في الستينيات، قال إن إحدى أصعب اللحظات التي مرت به خلال الكتابة كانت عندما وصل إلى وفاة الكولونيل أوريليانو بوينديا الذي لا يُنسى.

"قتلتُ العقيد"

ويتذكر رودريغو في كتابه -تقول أوسوريو- أن "غابو" -كما اشتهر والده- ترك طاولة الكتابة في منزله بمكسيكو سيتي في تلك اللحظة، وذهب ليجد زوجته مرسيدس بارشا بغرفة النوم. قال لها حزينا "لقد قتلتُ العقيد".

ويقول رودريغو - متذكراً حزن والديه- "لقد عرفت مرسيدس ما يعنيه ذلك بالنسبة له وظلا صامتين مع الأخبار المحزنة". الآن، رودريغو هو الذي يكتب عن حزنه في كتاب جديد عن وفاة والديه، والكتاب بعنوان "غابو ومرسيدس: الوداع".

هذا التكريم المحب هو أحدث إجلال قدمه رودريغو غارسيا إلى والده الذي توفي في عام 2014، ووالدته، مرسيدس بارشا التي وافتها المنية في أغسطس/آب 2020. ويقول رودريغو "لطالما اشتكى والدي من أن أحد أكثر الأشياء التي يكرهها بشأن الموت هو حقيقة أنه سيكون الجانب الوحيد في حياته الذي لن يكون قادرا على الكتابة عنه".

يمزج كتاب رودريغو بين قصة أيام والديه الأخيرة والوفيات التي كتب عنها ماركيز بالفعل، مثل قصة زعيم الاستقلال سيمون بوليفار في "الجنرال في متاهته" ("رأى من خلال النافذة كوكب الزهرة في السماء يحتضر إلى الأبد")، أو اليوم الذي ماتت فيه أورسولا إيغواران، أم العشيرة، في "مئة عام من العزلة"، ميتة يوم خميس العهد، تماما مثل ماركيز، الذي توفي يوم خميس العهد في عام 2014 عن عمر يناهز 87 عاماً.

قال رودريغو -في مؤتمر صحفي- "لم يكن عليّ أن أفكر كثيراً لأتذكر هذه المقاطع، الهوس بالخسارة والموت شائع جداً بين الكتاب، إنه شيء مشترك في الحمض النووي للكتاب؛ الهوس بالخسارة وبالأشياء التي تنتهي، وكيف تؤطر نهاية الحياة تجارب الحياة؛ لهذا السبب تذكرت بسهولة كل وفيات شخصياته الرئيسية".

في السنوات القليلة الماضية، عمل رودريغو -وهو مخرج أفلام- على تحويل كتب والده إلى أفلام؛ فهو المنتج التنفيذي لـ"أخبار الاختطاف" الذي تنتجه "أمازون برايم" (Amazon Prime) ويتم تصويره حاليا في كولومبيا، ونسخة من إنتاج "نتفليكس" (Netflix) من "مئة عام من العزلة"، وهي في مرحلة ما قبل الإنتاج.

ويُعد الكتاب سرداً مثيراً للكيفية التي اختطف بها أمير المخدرات الكولومبي بابلو إسكوبار مجموعة من الشخصيات المعروفة، في محاولة لابتزاز الحكومة لإيقاف تسليمه إلى الولايات المتحدة.

ورغم شهرته كروائي عالمي، أوضح ماركيز أن ما دفعه لكتابة عمل غير خيالي عن عصابات الجريمة القوية في كولومبيا بطريقة تختلف كثيراً عن رواياته المليئة بالخيال، هو شعوره بالغضب بسبب عجز الصحفيين الكولومبيين عن البحث في قصة ظل يعتقد أنها تستحق أن تُروى.

ثرثرة

لكن الأسرة كانت دائماً حريصة جداً على عدم الكشف عن الكثير عن حياتهم الخاصة. وقد اعتادت والدته (والدة رودريغو) -التي كانت تحمي خصوصيتهم بشدة- أن تقول "لسنا شخصيات عامة"، وبهذه الطريقة، يُعد الكتاب الجديد نافذة صغيرة على الألم الذي عانى منه والداه عندما كان ماركيز -الحائز على جائزة نوبل للآداب- في نهاية حياته.

يقول رودريغو "أعلم أنني لم أستطع نشر هذه الذكريات بينما كانت أمي قادرة على قراءتها". وإذا تمكن والداه من قراءتها الآن، يقول "أود أن أعتقد أنهما سيكونان سعيدين وفخورين، لكنني متأكد من أن والدتي ستقول لي يا لها من ثرثرة".

وفقاً لكتاب ابنه، عانى غارسيا ماركيز في أيامه الأخيرة، إذ بدأت ذكرياته في التلاشي وكان يواجه صعوبة في تذكر الوجوه التي كانت مألوفة في السابق. "لماذا تلك المرأة هنا تعطي الأوامر وتجري في أرجاء المنزل كما لو لم يكن المنزل ملكي؟"، يقول ابنه إنه عندما لا يستطيع التعرف على زوجته -في إحدى فقرات الكتاب- يقوم بمخاطبة عاملة منزلية لابنيه رودريغو وغونزالو "من هم هؤلاء الأشخاص على الجانب الآخر من الغرفة؟ هذا ليس بيتي. أريد العودة إلى ديارهم" وفي مناسبة أخرى، يقول الابن عندما أراد العودة إلى منزل جده، الكولونيل -الذي اعتنى به حتى بلغ الثامنة من عمره وألهم شخصية أوريليانو بوينديا- يقول ماركيز "أريد العودة إلى ديار الأجداد".

لكن خلال أيامه الأخيرة، تمكن غارسيا ماركيز أيضاً من إحياء أكثر لحظات طفولته العزيزة في أراكاتاكا، القرية الكولومبية التي ولد فيها عام 1927، كما كان بإمكانه أن يقرأ من قصائد ذكرى العصر الذهبي الإسباني. ويقول رودريغو عندما لم يعد بإمكانه القيام بذلك "كان لا يزال بإمكانه غناء أغانيه المفضلة".

وأمضى ماركيز أيامه الأخيرة في الاستماع إلى موسيقى فالنتوس، وهي الموسيقى الشعبية من منطقة البحر الكاريبي في كولومبيا التي نشأ معها. وكتب رودريغو "حتى في الأشهر الأخيرة، عندما لم يكن قادراً على تذكر الأشياء، كانت عيناه تضيئان بالعاطفة مع النغمات الأولى للأكورديون الكلاسيكي، وفي الأيام القليلة الأخيرة، بدأت الممرضات تشغيل موسيقى فالنتوس بأعلى صوت في غرفة نومه، مع فتح النوافذ على مصراعيها". ملأت أغاني ملحن الفاليناتو الكولومبي رافائيل إسكالونا المنزل في المكسيك مثل هدهدات الرضيع لتوديعه. ويكتب رودريغو "إنها تعيدني إلى ماضيه كما لا يفعل أي شيء آخر".

شخص من دون قدراته

وعلى الرغم من أن الكاتب الشهير كان يعاني من الخرف؛ فإن رودريغو يقول "كانت المرحلة الأخيرة من حياته أسهل، هناك مرحلة مروعة يدرك فيها الشخص أنه يفقد ذاكرته. إن رؤية الشخص ليس فقط من دون قدراته، ولكن أيضا القلق كثيراً بشأن فقدها أمر مروع وصعب للغاية". ويشرح أن "المرحلة النهائية كانت حزينة، لكنها أكثر هدوءا. كان هادئاً، لم يكن قلقاً، كان مشتتا للغاية. لم يتذكر الكثير من الأشياء، لكنه كان جيداً، ومسالماً، وهذا يريحنا".

وعلى الرغم من أن معظم كتاب رودريغو يدور حول وفاة والده؛ فإن الفصل الأخير مخصص لوفاة والدته، التي كانت تُلقب "لاغابا"، وكتب "لكن على الرغم من كل شيء، كان كل من يعرفها يعلم أنها أصبحت نسخة رائعة من نفسها".

ويصفها بأنها "امرأة عصرها، أم وزوجة وربة منزل لم تذهب إلى الجامعة قط. على الرغم من ذلك، كانت هي التي تمكنت من تحقيق نجاح زوجها، وكانت موضع حسد على ثقتها بنفسها".

وفي أحد المشاهد بالكتاب، يجلس رودريغو وشقيقه في مقاعدهما عندما يشير الرئيس المكسيكي (الذي لم يذكر اسمه، ولكن في تلك الفترة كان أنريكي بينيا نييتو) إلى الأسرة على أنها "الأطفال والأرملة"، وفي المشهد، تهدد مرسيدس بارشا "بإخبار أول صحفية تصادفها بأنها كانت تخطط للزواج في أقرب وقت ممكن. وكانت كلماتها الأخيرة حول هذا الموضوع: أنا لست أرملة. أنا نفسي".

ماتت مرسيدس بارشا في عام 2020 وسط جائحة فيروس كورونا، دون الضجة التي أحاطت بوفاة ماركيز. ونظراً لأن زوجها كان سيخبر أطفاله أنه إذا كتبوا عن وفاة والدتهم فيجب عليهم التأكد من أن القارئ يشعر بالحزن التام. وفي الأيام التي أعقبت وفاة بارشا، قال رودريغو إنه ظل ينتظر اتصالها، وهي مكالمة تسأله فيها "إذن، كيف كان موتي؟ لا، اهدأ. أجلس. قل لي ذلك بشكل صحيح، دون استعجال".

عن المؤلف

وُلد رودريغو غارسيا في كولومبيا، ونشأ في مكسيكو سيتي، ويعيش الآن في لوس أنجلوس مع عائلته. درس التاريخ في جامعة هارفارد قبل أن يصبح كاتب سيناريو ومخرجًا.


عدد القراء: 1732

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-