مفهوم اليأس في شعر لويز جليكالباب: مقالات الكتاب
شبين بن أبي بكر الهند |
مناش فراق بهاتشارجي
مؤلف كتاب البحث عن الأمة: نحو فكرة أخرى عن الهند
(Looking for the Nation: Towards Another Idea of India)،
الصادر عن Speaking Tiger Books (أغسطس 2018)
ترجمة: شبين بن أبي بكر
خلال كلماته نيابة عن لجنة نوبل التي منحت جائزتها في الأدب لعام 2020 للويز جليك، الشاعرة الأمريكية المولودة عام 1943، لفت رئيس مجلس الإدارة، أندرو أولسون، الانتباه إلى عمل الشاعرة مرددًا ما وصفته في إحدى مقالاتها عن "فن الاستماع الداخلي" للشاعر الشهير كيتس. فإنها تضيف شيئًا أكثر على الفكرة المجردة البحتة عن مفهوم "الرؤية الداخلية" للشاعر راينر ماريا ريلكه، فإن الاستماع أكثر حسي عند مقارنتها للرؤية. فإنها تنطوي على الوصول إلى شيء يتجاوز عن الذات. فيسأل جليك في شعره، "زهور الحقل"(Field Flowers)، المكتوبة بصوت الزهور، "هل يكفي النظر إلى الداخل فحسب؟" لا- فإن شخص ما يتحدث معك، فوخز أذنيك واستمع.
وأضاف أندرو أولسون ما كتبت في شعرها "النفس تسمع لما بقي من أحلامها وأوهامها". وللاقتراب من فهم هذا الادعاء، دعنا نقرأ سطورًا من الشعر "سنو دروبس" التي حصلت إشارة خاصة في اقتباس أولسون (من مجموعتها الحائزة على جائزة بوليتزر - The Wild Iris , 1992- )
"هل تعلم ما كنت، وكيف عشت؟
تعلم ما اليأس؛
فيكون للشتاء عندك معني"
يرتبط الشتاء بحالة من المشقة الجسدية، وفي كثير من الأحيان، بالتعليق العاطفي. ولنذكر ريلكه مرة أخرى، فقد قارنت الشاعرة الألمانية حالة الانفصال المقفرة بـ "الشتاء" في إحدى شعرها من السوناتات إلى أورفيوس، "من بين تلك الشتاء، هناك شتاء لا نهاية لها/شتاء لا ينجو قلبك إلا بتجربتها".
لا يوجد شيء دافئ حول الألم. فالألم تنفس بارد للقلب. وتأخذ شعر جليك هنا منعطفًا:
"لم أكن أتوقع البقاء على قيد الحياة،
والأرض تقمعني. لم أكن أتوقع
للاستيقاظ مرة أخرى، لأشعر
أن جسدي في الأرض الرطبة
قادرة على الرد مرة أخرى، أذكر
بعد فترة طويلة كيف أنشط مرة أخرى
من الضوء البارد
لأقرب ربيع
ينفتح ثلج الوجود المتجمد ببطء إلى زهرة الربيع، من اليأس إلى الوعد. فالكلمة الأساسية هنا قد تكون كلمة "رد". فيبتلعنا اليأس إلى دوامة للذات. فالحياة حركة ضوئية التخليق، بحيث تستجيب الروح والجسد للنور. فهذا الإدراك نفسه يجعلنا نشعر بأننا نجونا من الظلام.
والشتاء في الغرب يدور أيضًا حول الحروب. فيكتب جليك في شعرها "باربل اوف هوستاجس" (Parable of the Hostages) المكتوبة عن حرب طروادة:
"ماذا لو كان الحرب
مجرد نسخة ذكورية من الارتداء،
لعبة صممت لتجنب
أسئلة روحية عويصة"
قد نتساءل: ما هي الأسئلة الروحية التي تجنبها وتتجاهلها الحرب؟ فأظن بأن أحد أصعب الأسئلة الروحية التي تتجاهلها الحرب هو بالتحديد حول ما تقع لأجلها الحروب: حول الموت. ففكرة الحرب هي تشويه معنى الموت بفصله عن فكرة الحياة. فالحرب طريقة يمكن للرجال أن يتجنب بها عن أسئلة الحياة. والحرب فشل المرء في الاستماع إلى نفسه وإلى الآخرين. فليست الاستماع مجرد أمر يربطنا بسرد يومي من الحياة، ولكن بالحفاظ على الأعمال الجاد من المسؤولية.
بسخرية لطيفة، كتبت جليك سابقًا في شعره:
"هؤلاء
هم رجال العمل، مستعدون على توكيل البصيرة للنساء والأطفال.
الحرب عمياء، وبالتالي، تلغي البصيرة. فرجال الحرب يتركون عبء البصيرة للنساء والأطفال. فما هو هذا العبء للبصيرة؟ نقرأ بالعودة إلى الوراء من الشعر:
"الحرب عذر مقبول
للغياب، حينما
استكشاف قدرة المرء على التحويل
ليست كذلك"
الحرب إذن نوع من أنواع الانحراف عن مسألة الحضور الملحّة. فالحرب تقلل الحضور إلى الغياب. ويخوض الحروب رجال يريدون الاختفاء من الأنشطة المعنوية في للحياة. وليس للحرب مسؤولية تجاه الحياة، فإنها تتخلى عن تلك المسئولية حتى قبل أن تبدأ بها. والحرب في حكم جليك الشعري، هي يأس التاريخ وتاريخ اليأس.
ولا مفر من اليأس حتى في الحب. ففي سلسلة أشعارها بعنوان: "Matins" من مجموعة The Wild Iris (وصفها ديفيد بيسبيل بأنه "صليب بين سفر أيوب ومزامير داود") يستكشف جليك فكرة الحب الملموسة كشيء مشروط بما لا يتلقاه:
"سامحني إذا قلت بأني أحبك...
لأني لا أستطيع أن أحب
ما لا أستطيع تصوره، وأنت لا تكشف
شيئًا تقريبًا: هل أنت مثل
شجرة الزعرور،
دائمًا نفس الشيء وفي نفس المكان،
أم أكثر منها كقفاز الثعلب، غير منسجم!
بالنسبة لجليك، ينطوي الحب على ثبات الوحي المتبادل. ويقدم جليك استعارات تشير إلى أن الطبيعة (البشرية) تخدعنا بإحساس زائف بكل من التناسق وقابلية التغيير. فالحب متصور من الاستجابة على ثبات للتعبير. والحب الذي يتظاهر بأنه طبيعي للغاية، يعطي انطباعًا بأنه غير واقعي للغاية في الوجود.
وفي نسخة أخرى من "ماتينس"، تكتب الشاعرة علاقتها المتوترة،
"لكن الغياب
من كل المشاعر، على أقل تقدير
قلق بالنسبة لي - قد أستمر أنا أيضًا
مخاطبًا البتولا
يُظهر استخدام جليك للطبيعة والاستعارات الطبيعية ما يمكن أن نسميه، الرومانسية الساخرة، حيث يتم تقييم المشاعر من خلال ردود أقرب إلى جهود التعبير البشري بدلاً من عدم الاكتراث بالكائن الطبيعي البحت.
ففي وقت يعاني فيه العالم من سمية وضجيج الشعبوية العدائية، أقوال جليك الجادة والناقدة التي تحثنا على التخلي عن الحرب والاستماع إلى أنفسنا وإلى الآخرين أمر عاجل واقع في التوقيت المناسب.
وقد قارنت الأكاديمية جليك بإميلي ديكنسون. وهذا يستحق لحظة من الاهتمام. فيسمع الشخص أصداء جليك في شعره "لا أستطيع العيش معك" (I cannot live without you)، حيث تكتب ديكنسون،
"وأين - خلصت -
وكنت - محكومة
أن أكون حيث لم تكن -
تلك الذات - كانت جحيم بالنسبة لي"
فمن خلال فترات توقف مؤلمة، تصل الشاعرة إلى مكان فراقها الوحيد حيث تلتقي: "اليأس".
اختارت الأكاديمية السويدية هذا العام شاعرة من أصول يهود مجريين (Hungarian Jews) هاجروا إلى أمريكا. ومن الممكن تحديد أخلاق يهودية - مسيحية معينة للسمع في حساسية جليك الشعرية. وعلى قدم المساواة تأتي أذنها اليقظة نحو الحرب والخراب البشري. فاليأس الذي يلازم شعر جليك تاريخي ويبين فشل التاريخ والثقافة في معالجة السؤال الحقيقي: ما الذي نبحث عنه؟ فإذا كنا نبحث عن الحب، فعلينا أن نصغي ونستمع بهدوء أكثر مما قمنا به في الماضي.
المصدر:
مجلة The wire
https://thewire.in/culture/louise-gluck-poetry-nobel-prize-literature
تغريد
اكتب تعليقك