الثقافة العربية وثقافة التشويه.. واحتلال العقلالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2023-05-31 22:47:45

حيدر زكي عبدالكريم

كاتب من العراق

قبل الخوض بالموضوع لابد من توضيح للقارئ عن محتوى الثقافة (culture) تحوي كل معالم الفكر العلمي والأدبي الإنساني ومظاهر التمدن والعمران بما فيها البداوة والحضارة.

والثقافة في اللغة العربية، أصلها من الفعل (ثقف) الذي يتصل تاريخه بلغة ما قبل الإسلام. حتى نراه قد ورّد في بعض آيات القران الكريم. كما أن القواميس العربية القديمة والحديثة تنطوي على تحديدات متقاربة لمعنى الثقافة، أما فكرة الثقافة فهي حديثة دخلت اللغة العربية مع مطلع النهضة الأوروبية. وتعتبر اللغة من أهم عوامل تقدم الثقافة ولولاها لما كان للثقافة وجود بل ان النطق وفهم اللغة هو الذي جعل الثقافة شيئًا خاصًا بالإنسان.

ماهي الثقافة..

  يرى الاستاذ مالك بن نبي ولمن لا يعرفه "ولد عام 1905 في مدينة قسنطينة بالجزائر وأكمل دراسته الأولية فيها ومن ثم انتقل إلى باريس حيث تخرج عام 1935 مهندسًا - في كتابه مشكلة الثقافة أن الفكر وصل إلى سؤال - ماهي الثقافة؟ ولكن عن طرق مختلفة ومناهج مختلفة فجاءت وجهات النظر مختلفة أيضا لاختلاف النزعات مترجمة أحيانًا عن اتجاهات سياسية، فمن أجل هذا كله اختلفت تعاريف الثقافة، ويضيف أنه لا يجوز أن نتلهى بتعريف محدد للثقافة بل علينا أن نبحث عن وظيفتها الاجتماعية في خطة تحليلية تضعها في إطار برنامج قابل للتطبيق أي أن ننقي مفهوم الثقافة من خليط متراكم من النصوص الأدبية، ومن كل أكاديمية، ومن كل إقحام فلكلوري، أما عن علاقة الثقافة بالماضي يقول بن نبي، حين اتجهت الثقافة إلى مدح الماضي أصبحت ثقافة أثرية. لا يتجه العمل الفكري فيها إلى الأمام بل ينتكس إلى الوراء"1.

يقول رتشارد ماك كوين، يمكن تعريف الثقافات من ناحية بكونها انماطا ناشئة عن تطور تاريخي ويمكن متابعة آثارها في كل دوائر النشاط الإنساني كالسياسة والقانون والفن والدين الخ.. وترى المدرسة الغربية أن الثقافة ثمرة الفكر، أي ثمرة الإنسان ويمثل هذه المدرسة مجموعة من المفكرين منهم (رالف لنتون) الذي يرى أن الثقافة "كل" تتداخل أجزاؤها تداخلاً وثيقًا، ولكن من الممكن أن نتعرف فيه على شكل بنائي معين، أي أن نتعرف منه على عناصر مختلفة، هي التي تكون الكل. وينظر (كونست نتينوف) أن حياة المجتمع المادية هي واقع موضوعي ومستقل عن إرادة الناس، إما حياة المجتمع الفعلية.. فهي كلها انعكاس هذا الواقع الموضوعي بشكل ثقافي. اما تعريف (وليام اوجرين) الذي يدل على تطور الفكر الامريكي وانفصاله عن التفكير الاوربي الكلاسيكي حيث ان الشيء لديه هو الذي يخلق الفكرة. وفي رأي (روث بند بكت) إن الثقافة كالفرد تكون نظامًا منسقًا من التفكير والسلوك، وتوجد داخل كل ثقافة أهداف متميزة ليس من الضروري أن يشترك فيها غيرها من المجتمعات الأخرى ويعمل كل شعب طبقًا لهذه الأهداف على تجميع خبراته حتى تتخذ شيئًا فشيئًا شكلاً منسقًا.

طبيعة الثقافة - تتحدد بأمور منها السّمة "الشكل البدائي" والنمط " "مجموعة من السمات المنظمة" وكذلك هناك علاقة وثيقة بين الثقافة والشخصية تصل الى درجة تبدو كما لو أنهما مترادفان وأن الثقافة تشير إلى عملية تنمية الأفكار داخل الشخصية الإنسانية مثل "تنمية المزروعات داخل الأرض"، وكما هو معلوم أن التراث الثقافي للمجتمعات هو نتاج الإنسان من خلال عمله المتواصل أي بمعنى آخر أن الإنسان هو صانع الثقافة. لكن الثقافة بدورها تصنع الإنسان أيضًا وتشكله وتفاعل الإنسان مع ثقافته هو الذي يخلق الشخصية الإنسانية.

الثقافة العربية -"للثقافة العربية دور في خلق الإنسان العربي، أن الثقافة العربية اليوم هي امتداد للثقافة العربية القديمة، وهي مخاض لثورة ثقافية تنسجم مع متطلبات مرحلة تاريخية من النهضة القومية التي مرت بها الأمة العربية. وأن الثقافة العربية هي عنوان لشخصية الأمة العربية. وهي فلسفة النهضة العربية إذ يصعب أن نتكلم عن ثقافة عربية خارج إطار مفهوم نهضوي عربي لمرحلة ما مثلاً". كما يصفها البعض

كان ولابد لمفهوم الثقافة العربية أن ينطلق من قراءة جديدة للماضي على ضوء حاجات المرحلة التاريخية الراهنة ومن خلال (عقلية العصر)، وان يتمسك بالتراث لأنه تذكير دائم، وصلة وصل مستمرة بين الثقافة والأمة وعلى هذا الأساس فإن العودة إلى التراث تأتي من خلال مفهوم النهضة، أي إنها تكون بمثابة اكتشاف جديد للذات القومية واكتشاف للطريق العربي للنهضة وللصيغ الفكرية الجديدة الملائمة لحاجات هذه النهضة"2.

يتضح مما تقدم الثقافة العربية لا يمكن ان تكون جزئية لأنها مطالبة بمعالجة معالم الحياة العربية من خلال حركة الفكر وحركة النضال في الدفاع عن ذاتها من هجمات التشويه عبر مراحل التاريخ المختلفة. وهذه الحركة يمكن الانطلاق منها نحو الحاضر والمستقبل بشكل صحيح.

التخريب المقصود - إن أشكال التخريب الذي تعرضت له الثقافة العربية لم ينحصر في المعالم الحضارية العمرانية فحسب بل شملت مؤسسات الثقافة ومظاهر الفكر الإنساني الذي كان العرب يطورها مع مضي العصور، ويقدمّها للبشرية ناجحة سليمه بلا مُقابل وكنموذج من التخريب المُمنهج الأقوام التي اختلط العرب معها ومنهم (الفرس والترك) ونظرتنا مبنية على تصدي الفرس في التاريخ لكل المبادرات العربية، الثقافية والحضارية، منذ بزوغ عصر فجر السلالات وتصاعد النشاط البشري ومساهمات العرب في هذا الحقل الإنساني الكبير من أجل تنشيط حركة المعرفة في جميع المجالات وشهد كل عصر تخريب منظم منذ قيام الأسر الحاكمة ببلاد فارس وبلاد الترك ممسوحة بالغزو وبالتوسع تارة أخرى مرتدية غِطاء التديّن أحيانًا.

كانت بادية الصحراء، الاصطدام العسكري العربي - الفارسي قد ظهرَ بشعر الأعشى عندما تشرفت قبيلة بكر بن وائل بانتصارها:

لو أنّ  كلُ  مَعدّ  كان  شاركنا

                في يوم ذي قار ما أخطاهُم الشرف

وخيل بكرِ فما تفتك تطحنهم

                حتى  تولــوا  وكادَ  اليوم  ينتــصــف

ففي عهد الفتوحات الأولى من الناحية الثقافية كان العرب منشغلين بالقضايا العسكرية من حروب وفتوح وبالقضايا الإدارية من تنظيم البلاد المفتوحة ومسح أراضيها وجباية ضرائبها ليثبتوا أقدامهم ويحسنوا إدارتها، وكانوا يستعينون على الإدارة - بما وجدوا عند أهل البلاد من تنظيمات إدارية وكثيرًا ما ساروا على الطرق التي كانت متبعة قبلهم. ولم تسمح لهم الظروف بالانصراف إلى العلوم الجديدة عليهم. فاكتفوا بدراسة القرآن وتفسيره مختصرًا واستمداد أحكامهم منه لأنه دستورهم وبدراسة أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) وحفظه وروايته، لأنه المصدر الثاني أو المساعد للدستور. 

ونستعرض على وجه السرعة برؤوس العناوين عن الصراع الفكري العربي الفارسي3: "تشترك الحكومات الفارسية قبل أن تظهر دولة إيران الحديثة بصفة واحد هي استغلال سذاجة طبقة من الشعوب الإيرانية لارتكاب الأخطاء والقلائل والفتن، فهذا سلمان الفارسي. صاحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، تتجلى في نفسه روحانية عربية متطلعة ذات أبعاد إنسانية سامية وكان يعرف بسلمان الطاهر فحُرفَ إلى (سلمان باك) إبعادًا لكلمة الطاهر العربية ولا زالت سلمان باك منطقة قرب بغداد تسمى بهذا الاسم، وإن أول تصدي فارسي للثقافة العربية، كان منصبًا على استهداف رجال العرب المسلمين. وفي حقل الثقافة الأدبية فأفسدت ثقافة المجّان نقاوة الشعر العربي في الحماسة والفخر فحوّله إلى مدائح لقادة عنصريين كالبرامكة ورجال مدسوسين كالأفشين وزير المتوكل، أما الشعراء ذوو النزعة العنصرية الحاقدة فهم معروفون بتاريخنا العربي أمثال اسماعيل بن يسار النسائي والذي يفخر كسرى بكلامهِ وسابور الجنود والهرمزان وإسحاق بن حسان الصفدي ومهيار الديلمي وعبدالله بن طاهر الخرساني صاحب الفخر المشهور بفارسيتهِ والتشفيّ بمقتل الخليفة العربي الأمين" انتهى 

أما الناحية الثقافية لدى الأمويين من حيث العلوم لم يتصل العرب كثيرًا بأهالي البلاد ولم يمتزجوا بهم كما امتزجوا في العصر العباسي، فلم يتأثروا بعاداتهم وأخلاقهم وعلومهم إلا بمقدار ما الجأتهم إليه الحاجة، وكان قليلاً. فلم ينصرفوا إلى علوم هذه الشعوب فيترجموا أو يؤلفوا. بل لم يؤلفوا حتى في علوم لغتهم، فاقتصر اهتمامهم على ما ورثوا من العلوم وهي القرآن والحديث والشعر وفيما يتعلق بالشعر فقد شجع الخلفاء الأمويين الشعر ولا سيما الشعر المسمى السياسي فقد كان في البلاد جماعات تتخاصم من أجل الخلافة كالخوارج وغيرهم، وكان لكل جماعة شعراء يدافعون عنها ويدعون إليها، وكان الخلفاء يكرمون الشعراء الذين يمدحونهم وينظمون القصائد في تأييدهم، وأشهر هؤلاء الشعراء "جرير والفرزدق والأخطل" كما يرى البعض ذلك.

أصبح للفرس نصيب كبير في الدولة العباسية، فبدأ بعض الأفراد من الفرس والسريانيين الذين يتقون العربية ولغة أخرى، يترجمون الكتب إلى العربية، لغة الشرق في هذا العصر. فترجموا كثيرًا من كتب الفرس السياسية والتاريخية والأدبية مثل " كليلة ودمنة" و"ألف خرافة" وكتاب "مزدك" الكاهن الديني الفارسي وكتاب "سير الملوك الفرس" الخ.. لتعزيز ثقافتهم داخل الدولة العربية الإسلامية حينذاك. ومن أشهر المترجمين عبدالله المقفع الذي ترجم كثيرًا من الكتب الفارسية وقتل فيما بعد بتهمة الزندقة؟

ونقلة تاريخية اخرى - صورة بغداد في عهد آخر الخلفاء العباسيين المستعصم بالله 1258م وقد خانه وزيره (ابن العلقمي) – فأحرقت المكتبات ودمرت المساجد وهدمت المدارس وقتل يومئذ (8000) ثمانية آلاف من المدنيين العزل وقال الشاعر:

وما زالت القتلى تمجُ دماءها

                   من الفجر حتى ماءُ دجلةً أشكل

وتتجلى الفترة ما بعد المغولية (حكم البويهيين – الفرس) إن أكثر البويهين لم يكونوا حكام ماهرين ولم يعتنوا بإصلاحات تنفع البلاد كثيرًا باستثناء ما قام به عضد الدولة بعد موت معز الدولة البويهي حيث شجع العلماء الأدباء فألفت في زمانه كثير من الكتب في مختلف العلوم. وكان في عهده المتنبي والوزيران الكاتبان ابن العميد والصاحب ابن عباد ولنا رواية مع الأخير – تقول: من مجلس الصاحب ابن عباد حين دخل عليه شاعر من العجم فأنشده قصيدة يفضل فيها قومه على العرب يقول في بعضها:

 غنينا  بالطبول عن الطلول

                  وعـن  عـنــسٍ  عـــذافــــرةٍ   ذمــــول

وأذهلني عقار عن عقارٍ

                  ففي است أم القضاة مع العذول

فلست  بتاركٍ إيوان  كسرى

                  لتوضح  أو  لحــومــل  فالـــدخــول

وضــبٍ  بالفلا  ســـاعٍ  وذئبٍ

                  بها  يعــوي  ولــيث  وســـط  غـيــل

يسلون السيوف لرأس ضب

                  حـــراشًـــا  بـــالـــغـــداة  والأصــــــيـــل

إذا  ذبحوا  فذلك  يوم عيدٍ

                  وإن  نحــروا  فـفي  عــرسٍ  جـلـيل

أما  لو  لم  يكن للفرس  إلا

                  نجــار  "الصــاحب"  القرم  النبيل

لكان  لهم  بذلك  خير فخرٍ

                  وجــيـلـهـم  بذلــك خـــيــــر  جــــيــــل

وكان في مجلس الصاحب بديع الزمان الهمداني وأنشد يرد على الفارسي المتعصب:

أراك  على شفا  خطر مهول

                  بما  أودعت  لفضلك  من فضول

تريــــد  على  مكارمـــنـــا  دلـيــلاً

                  متى  احـــتـــاج الـنـهــار  إلى  دلـيـل

متى  قــرع المــنــابــــر فــــارســــي

                  متى  عــرف  الأغــرّ  من  الحجول

متى  عرفت  وأنت  بها  زعيــم

                  أكــف  الفــرس  أعــراف  الخــيــــول

فخرت بملء ما ضفتيك هجرا

                  على  قحـطان  والبيـت  الأصيـل"

وكان الوزير المثقف بتلك الفترة هو سابور ابن أرد شير أسس مكتبة كبيرة تضم مئات من الكتب ذات التوجه الفارسي الاجتماعية والدينية والعلمية. وذكرها أبو العلاء المعري (رهين المحبسين) في أحاديثه4.

أما فترة حكم (السلاجقة – الترك) لم يكن الحال بأفضل من سابقهم، وكانت الثقافة العربية تموج بتأثيرات هؤلاء الأقوام وحكمهم لمناطق من الأراضي العربية ليست بقليلة المساحة وظهرت شخصية تدعى بنظام الملك وزير قام بشؤون الإدارة السلجوقية والأعمال العمرانية وله مؤلفات منها كتاب (سياسة نامة) وقام ببناء المدارس ومن أشهرها المدرسة النظامية في بغداد فقد كانت جامعة علمية. وقال الشاعر يصف السلاجقة الترك وهيمنتهم وذلك في زمن الخليفة المعتصم وخلفه الواثق:

أصبح الترك مالكي الأمر والعا

                            لم ما بين سامع ومطيع

"وتأثر أشهر الأدباء بذلك العصر وهو (الجاحظ) بهؤلاء وكان له من المقربين الشاعر أبو يعقوب الخريمي والذي روى الجاحظ أبياتا من قصيدة (بؤس بغداد) للخريمي والتي نقلها المؤرخ الطبري كاملة وتقع في مائة وخمسة وثلاثين بيت ويقول فيها هذا الشاعر التركي:

يـا بـؤس  بغـداد  دار  ممــلكـة

                      دارت  على  أهــلــهــا  دوائـرها

بل هل رأيت السيوف مصلته

                      أشهرها في الأسواق شاهرها

والخـــيـــل  تــســتن  أزفــتــهـــــــا

                      بالترك  مسـنونـة  خناجرها"5.

يقول المؤرخ الدكتور عبدالعزيز الدوري (رحمهُ الله) في كتابه (الجذور التاريخية للقومية العربية)6: "أدت الهجمات على التراث العربي إلى عودة العرب إلى هذا التراث من شعر ونثر وتبنّيه، وإلى العناية بجمعه وتيسيره ليكون أساسًا في الثقافة العربية. واختفت تلك النظرة التي تريد تجزئة التاريخ العربي فلا تعترف بشيء قبل الإسلام، وترى في قبل الإسلام بداية تلت فترة جهل، فتهمل تراث العرب الثقافي السابق.. ويضيف أيضًا - انغمرت الروح العربية بموجات من المستعمرين والطامعين عدة قرون، ولكن جذور الوعي العربي ومقوماته ظلت كامنة لتظهر من جديد في حركة الانبعاث الفكري والسياسي في العصر الحديث. وحين بدأ الوعي العربي الحديث صدر عن مقومات الأمة العربية وعن الجذور التاريخية التي لاحظناها، فقد بقيت اللغة العربية مصدر اعتزاز للعرب وبقي إرثهم الثقافي يؤثر فيهم رغم التحجرات، وبقيت لديهم فكرة الأمة العربية يخالطها، أحيانًا، الشعور الإسلامي ومن هذه الجذور ومن تحديات جديدة داخلية وخارجية ظهر الوعي العربي وتطور إلى الحركة القومية" انتهى.

ثقافة جديدة متجددة - تشيع في ثقافتنا العربية اليوم ظاهرتان بارزتان هما:

- الخوف من المستقبل والنظر إليه بمزيد الارتياب.

- الخشيّة من المواجهة الفكرية الشاملة.

ولعل هاتين الظاهرتين هما من أكثر الظواهر الثقافية إعاقة للنمو والتقدم، يحصل هذا ونحن ندخل عصرًا جديدًا "يهدد" بمتغيرات تشمل حياتنا وأساليب تفكيرنا وطرائق تعاملنا مع الواقع الذي يدفع إلينا بمتغيراته. فإذا علينا أن لا نكون خارج العصر "لأن ذلك دفعنا خارج التاريخ" فأن بداية الطريق هي في: التحرر من الخوف الذي قد تزرعه "الأفكار الجديدة " في نفوسنا.

ندعو إلى ثقافة عربية جديدة تقوم على ركيزتين، تشكلان الأساس لها والمنطلق:

- الأولى: بتجاوز الموقف الوضعي التقليدي الذي يأخذ بمنطق التسليم بأنّ العمليات الفكرية تمثل "ظواهر طبيعية" منزهة من كل اعتبار حضاري أو سياسي باعتبار مجتمعاتنا مجتمعات متأخرة ليس لها من سبيل إلى هدفها، إلا تقليد الآخر – والغربي ومسايرة تجاربه..

- الثانية: التقدّم بالمستوى البديل، وهو يتمثل في الموقف النقدي الجذري.. وأساسه المنهج العلمي الأصيل فهو وحده الذي يتيح لنا دراسة ظاهرتي التخلف والتأخر في المجتمع والثقافة بوصفهما ظاهرتين متلازمتين يمكن تجاوزهما7.

وأخيرًا: إن هذه النظرة الموجزة من الاقتباسات لا تُعطي صورة شاملة والموضوع يحتاج إلى المزيد من الدراسات الأدبية والعلمية حتى تتضح رؤية في الهدف والغاية وحتى الحضور، وانطلاقًا من فكرة تتبلور مع الآراء والنقد الموضوعي وبعيدة عن التزمت فالإنسان هو الإنسان كقيمة عليا وبناءه أهم من بناء الحجر، وفيما إذا تحددت سماته في رقعة أو مساحة معينة  كالإنسان العربي فقد اكسبته صفات تميز بها عن الآخرين مستلهمًا ذلك من حضاراته العظيمة وتاريخ أمته الواحدة ورسالتها الخالدة، وعندما نقول العربي بدون أيّ تزمتٌ، بل على العكس هنالك الكثيرين من الفلاسفة والمفكرين رفدوا الأرض العربية وهم جغرافيًا من خارج هذه المساحة.

 

المراجع:

1 - عمر كامل مسقاوي، مالك بني نبي والدعوة للانتقال من التكديس إلى البناء، مجلة العربي، العدد 285، الكويت، 1982، ص67.

2 - جمعة عبدالكريم، الثقافة والشخصية العربية، مكتب الثقافة والإعلام، العدد 2، العراق، 1984، ص ص29-33.

3 - نقلاً عن مجلة دراسات للأجيال - تصدرها نقابة المعلمين العراقيين، العدد 4، السنة الأولى، 1980، ص8-9.

4 - المرجع السابق، ص9-11.

5 - د. زكريا كتابجي، الجاحظ والأتراك، مجلة العربي، العدد 271، الكويت، 1981، ص ص121-122.

6 - الدكتور عبدالعزيز الدوري، الجذور التاريخية للقومية العربية، طبعة جديدة، بيروت، 2008، ص33.

7 - ماجد صالح السامرائي، نحو ثقافة عربية جديدة، مجلة الأقلام، العدد 2، بغداد، 2000م.


عدد القراء: 1978

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-