أمين معلوف: هاجسي جعل الناس يعيشون معاً.. وعلينا السير في هذا الاتجاه
فكر – أبوظبي:
رأى الكاتب اللبناني الفرنسي أمين معلوف أمس، أن عيش الناس بعضهم مع بعض بات أصعب مما كان يتصور، مؤكداً أن على المثقفين العمل على تصور عالم مختلف، على رغم هذه المرحلة من «الضياع الفكري والعنف».
وخلال لقاء في أبوظبي تسلم خلاله عضو الأكاديمية الفرنسية جائزة «مؤسسة الشيخ زايد للكتاب» لشخصية العام الثقافية، تطرق الكاتب إلى مسائل الهوية والانتماء والإشكاليات الاجتماعية في عالم اليوم.
وقال معلوف: «أنا نشأت في لبنان، وفي لبنان عندنا هاجس دائم هو جعل الناس يعيشون بعضهم مع بعض (...) هذه مسألة غير سهلة في أي مجتمع، لا في المجتمع اللبناني ولا في مجتمعات عربية أخرى ولا في مجتمعات أوروبية».
أضاف: «هاجسي أن نتمكن من جعل الناس يعيشون بعضهم مع بعض، ولم أكن أعتقد يوماً أن المسألة سهلة، وقد يكون انطباعي في الفترة الأخيرة أنها أصعب حتى مما كنت أتصور، ومن الواضح أننا لا نسير في هذا الاتجاه اليوم».
ورأى أن «علينا السير في هذا الاتجاه، ولا خيار لنا إلا أن نسير في اتجاه جعل الناس يعيشون بعضهم مع بعض. لكن المسألة كانت صعبة، وما زالت صعبة، والمستقبل يحمل طبعاً صعوبات جديدة لا شك».
وعكس معلوف في مؤلفاته، نشأته المتعددة الثقافة، خصوصاً ولادته في لبنان في شباط/فبراير 1949، وعمله في المجال الصحافي، قبل هجرته إلى فرنسا بعيد اندلاع الحرب الأهلية في بلاده عام 1975. ولاقت مؤلفاته بالفرنسية انتشاراً عالمياً، ومنها «الهويات القاتلة» (1998) الذي طرح فيه مسألة الانتماءات المتعددة والتعايش في ما بينها، وبدا مدافعاً عن لا حتمية التصادم بين الثقافات والهويات من الشرق والغرب.
إلا أن الظروف الراهنة تجعل من نظرة معلوف لواقع تعايش الهويات أكثر قتامة، من دون أن تدفعه إلى أن يبدل من قناعاته.
يقول: «كل المجتمعات، بما فيها المجتمع الفرنسي، بما فيها المجتمعات الأوروبية، كذلك المجتمعات العربية، تمر في مرحلة صعبة ودقيقة قد تهدد المبادئ والقيم التي بنيت عليها هذه المجتمعات، وهذا جزء أساسي من المشكلة التي نعيشها في هذه المرحلة العصيبة والتي تتميز بالضياع الفكري وبالعنف».
وعلى رغم أمله في أن تكون «المراحل المقبلة أقل صعوبة»، يشدد معلوف على ضرورة أن يقوم «المسؤولون السياسيون والثقافيون والتربويون في مختلف المجتمعات... بواجبهم في محاولة بناء التعايش في (...) قلوب الناس، وهذا مشروع لسنوات وربما لأجيال».
وتطرح الإشكاليات الراهنة أسئلة عن الدور الذي يمكن أن يحظى به المثقفون في ظل صراعات لا تبقي ولا تذر. إلا أن معلوف الذي تعهد لدى دخوله الأكاديمية الفرنسية في العام 2012 خلفاً للكاتب الفرنسي الراحل كلود ليفي- ستروس، العمل على تحطيم «الجدار» الذي ينشأ في البحر المتوسط بين الهويات الثقافية التي ينتمي إليها، يدعو المثقفين إلى عدم التخلي عن دورهم، وإن بات هذا الأخير أكثر صعوبة ومحدودية.
ويقول: «واضح أن الجدار لم يتحطم، وهو قد يكون اليوم أعلى مما كان في الماضي. هل أنا سأغير موقفي؟ طبعاً لا. هل أنا سأحاول جهدي للمساهمة في تحطيم هذا الجدار؟ بالطبع (...) هل أتوقع أن يتحطم في المستقبل القريب؟ لا، لكن أملي كبير في أن نتمكن من تخطي هذه المرحلة في المستقبل، على الأقل ليتمكن أبنائي وأحفادي من أن يعيشوا في عالم أفضل من الذي يعد لهم اليوم».
ويسأل: «هل هذا يعني أن على المثقف أن يتوقف عن العمل من أجل الأهداف، من أجل الآمال التي يعيش من أجلها؟ في رأيي أن على المثقف معرفة مدى صعوبة مهمته اليوم، وأن يواصل العمل، أن يواصل الكتابة (...) ما يمكنه أن يحقق كان دائماً محدوداً، وهو اليوم محدود، لكن دوره ضروري أن يتصور عالماً مختلفاً، مجتمعاً مختلفاً، ضروري أن يعمل على حل المشكلات».
ويؤكد الكاتب الحائز جائزة «غونكور» الأدبية الفرنسية المرموقة عن روايته «صخرة طانيوس» (1993)، أن الإنسان «لا يغير قناعاته، لأن الوضع صعب. قناعاته تبقى ويحاول أن يساهم في إصلاح الأمور. هل سيتمكن من إصلاحها؟ طبعاً لا، لكن واجبه أن يحاول».
ويشدد على أن اليأس في ظل هذا الواقع ليس خياراً، قائلا: «اليأس لا يقود إلى أي حل. اليأس ليس حلاً. الأفضل (للإنسان) أن يأمل ويخطئ، بدلاً من أن ييأس ويكون على حق».
تغريد
اكتب تعليقك