«تشرشل والقنبلة».. أثناء الحربين العالمية والباردة
فكر – المحرر الثقافي:
الكتاب: "تشرشل والقنبلة.. أثناء الحرب العالمية والحرب الباردة"
تأليف: كيفن روان
الناشر: جامعة بلومسبيري ــ 2016.
الصفحات: 424 صفحة، القطع المتوسط
بدأت الحرب العالمية الثانية عام 1939 وانتهت عام 1945. جاءت تلك النهاية بعد أن قصفت الطائرات الأمريكية في مطلع شهر أغسطس من تلك السنة، 1945، مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين بالسلاح الذرّي. ذلك السلاح الذي تمّ استخدامه للمرّة الأولى في التاريخ أظهر مدى قدرة الدمار الرهيب التي يمتلكها فما كان من اليابان سوى أن رفعت الأعلام البيضاء وأعلنت استسلامها.
استمرّت تلك الحرب خمس سنوات وكان من الشخصيات الرئيسية التي لعبت دورًا كبيرًا فيها رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ونستون تشرشل. وكانت سيرة حياة هذه الشخصية البارزة في القرن العشرين قد شكّلت موضوع الكثير من الكتب التي درستها من مختلف جوانبها الإنسانية والمهنية والسياسية.
ويأتي في هذا السياق كتاب «تشرشل والقنبلة»، كما يقول عنوانه، لمؤلفه «كيفن روان»، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة بلومسبيري البريطانية، ليلقي أضواء جديدة على مظهر تتمّ معالجته بصورة متكاملة بالقياس إلى ما سبق حول سيرة حياة تشرشل أثناء سنوات الحرب العالمية الثانية وبعدها. وهذا المظهر يخص علاقة ونستون تشرشل بالقنبلة الذريّة أثناء مسار الحرب وحول استخدامها وفي الفترة التي يطلقون عليها توصيف «الحرب الباردة» بعد نهاية تلك الحرب.
يدرس المؤلف العلاقة بين وزير الحرب ثمّ رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل حلال فترتين تخص الأولى سنوات الحرب العالمية الثانية بينما تغطي الثانية فترة الحرب الباردة. وتتوزع مواد الكتاب تبعًا لهذا التصنيف الزمني بين قسمين رئيسيين يحمل الأول منهما عنوان «الحرب»، أي الحرب العالمية الثانية، وعنوان القسم الثاني هو «الحرب الباردة».
إن «كيفن روان» يقدّم في هذا العمل توصيفًا دقيقًا للمواقف التي اتخذها ونستون تشرشل حيال الميدان النووي بشقيه العسكري والمدني. لكنه يقدّم أيضًا توصيفا دقيقًا، وبطريقة يمكن للجمهور العريض فهمها، مختلف المسائل المتعلّقة بتصنيع القنبلة الذريّة بما في ذلك المعلومات العلمية النظرية التي كانت وراء ذلك والسباق بين «الحلفاء» و«المحور» للحصول عليها.
إنه كتاب عن «تاريخ العصر النووي» الذي بدأت محطاته الواقعية الأولى في خريف عام 1945 عندما تزامن استخدامه مع إعلان نهاية تلك الحرب ومما يتم نقله أن تشرشل توجّه بتاريخ 16 اغسطس من عام 1945 إلى البرلمان البريطاني، مؤكّدا أن قرار قصف هيروشيما بتاريخ 6 اغسطس ثمّ ناغازاكي بتاريخ 9 من نفس الشهر بالسلاح الذري قد جرى اتخاذه، أي القرار، بالتفاهم بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة البريطانية.
بالمقابل عمل تشرشل في سنوات الحرب الباردة كل ما كان في استطاعته من أجل الحدّ من انتشار الأسلحة النووية بل و«نزعها». لكن مع تأكيده بالوقت نفسه على ضرورة «تعزيز التعاون الأمريكي ــ البريطاني» في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. بل وقدّم اقصى مساعيه من أجل ذلك خلال رئاسته الثانية للحكومة البريطانية بعد نجاح حزبه، حزب المحافظين، في الانتخابات التشريعية البريطانية لعام 1951.
ومما يتم شرحه هو أن تشرشل جمع خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية الباردة بين ثلاث مسائل كبرى تمثّلت في «الحرب الباردة والقنبلة النووية والوحدة الأوروبية» بالتوازي مع تأكيده على «العلاقات الخاصّة» التي تربط الولايات المتحدة وبلاده.
وكان تشرشل قد طالب عند نهاية الحرب العالمية الثانية بتوجيه ضربة «وقائية» للاتحاد السوفييتي «وصولاً إلى مطالبة الأمريكيين بتوجيه ضربة نووية تزيل الكرملين من الوجود» حسب تقرير للمكتب الفيدرالي الأمريكي. لكنه اعتبر فيما بعد أن مثل تلك المفاوضات يمكن أن تؤدي إلى «نهاية السباق للتسلّح النووي». لكنه جوبه بتشدد أمريكي كبير جسّده الرئيس الأمريكي آنذاك «دوايت ايزنهاور» في السياسة حيال موسكو.
بهذا المعنى يرى المؤلف أن ونستون تشرشل انتهج خطّا «متعرّجًا» حيال تصنيع السلاح الذري وبعد ذلك استخدامه باعتباره «خيارًا عسكريًا مشروعًا « ضد الأعداء لوضع نهاية للحرب، معتبرًا أن الأمريكيين» سبقوا هتلر« في الوصول إلى تصنيع تلك القنبلة وإلى استخدامها. وتأكيده لو أنهم، الألمان، كانوا السبّاقين ربما كان وجه العالم قد تغيّر.
ويمكن توصيف هذا العمل أنه دراسة فيما يسميه المؤلف «الدبلوماسية الذريّة» لونستون تشرشل والتي يشرحها في السياق العام الذي جرت فيه ويقدّمها على أنها كانت بمثابة «دبلوماسية للسلطة». ويشير بأشكال مختلفة إلى النتائج التي ترتبت على صناعة سلاح التدمير الشامل، والذي غدا يشكّل أحد أكبر المشاكل التي تواجهها البشرية في السياق الراهن، حيث يطرح معضلات حقيقية بالنسبة لمصائر البشر، كما يشرح مؤلف الكتاب.
سلام الرعب
كان تشرشل قد رأى أن السلاح النووي يمثل أداة من أجل منع تحوّل الحرب الباردة إلى «حرب ساخنة» بفضل ما عرف بـ«التدمير المتبادل المؤكّد» وما أنتجه من «سلام الرعب». لكنه بالمقابل أبدى باستمرار تخوفه و«رعبه» من القنبلة الهيدروجينية التي تفوق قدرة تدميرها كثيرًا ــ 1000 ضعف ــ القنبلة التي جرى قصف هيروشيما وناغازاكي بها.
المؤلف في سطور
كيفن روان. أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة بلومسبيري. اختصاصي بالتاريخ الدولي في القرن ال20، وخاصّة بالعلاقات الأمريكية ــ البريطانية. يشرف حاليًا على عدّة حلقات بحث جامعية.
تغريد
اكتب تعليقك