الاضطراب السياسي: كيف تعمل وسائل الاعلام الاجتماعية على تشكيل العمل الجماعي
فكر – المحرر الثقافي:
الكتاب: "الاضطراب السياسي: كيف تعمل وسائل الاعلام الاجتماعية على تشكيل العمل الجماعي"
تأليف: هيلين مارغيتس وزملاؤها الثلاثة
الناشر: جامعة برنستون
تاريخ الصدور: نيويورك، 2017
عدد الصفحات: 304 صفحات
من خلال سلسلة الدراسات الميدانية ورصد اتجاهات الرأي العام التي تعكسها استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي يخلص المؤلفون الأربعة لهذا الكتاب إلى أن الوسائل المذكورة أدت إلى تغيير مفاهيم الديمقراطية، ومن ثم ممارساتها، إلى حيث أصبحت هذه الممارسة نهباً لآفات الثرثرة والتكرار والتبسيط المخّل إلى درجة التسطح، وهو ما يهدد – في تصور مؤلفي الكتاب.
- بإصابة الممارسة الديمقراطية، ومن ثم المشاركة الجماهيرية، بآفة الفوضوية في الفكر والتشتت والتخبط في الرأي وفي السلوك العام. ويحذّر الكتاب من النزول بالأفكار السياسية والطروحات والممارسات الديمقراطية من مستوى الممارسة الراشدة والمسؤولة إلى وهدة التسطيح والشخصنة وخلل التبسيط.
أكثر من خمسين عاماً باتت تفصل بين التاريخين، وبالتحديد من منتصف الستينيات وحتى هذه الأيام الاستهلالية من العام الجديد.
عند الموعد الأول تسامع عالم تلك الحقبة باسم البروفيسور مارشال ماكلوهان (1911- 1980) الذي يعد واحداً من الآباء المؤسسين، كما قد نصفه، لتيار الإعلام الالكتروني وخاصة من خلال الدراسات التي عكف عليها، وفي طليعتها كتابه بعنوان فهم الوسائل الإعلامية، الذي بشّر فيه بالمقولة التالية:
الوسيلة هي الرسالة، بمعنى أنه بصرف النظر عن مضمون رسالتك الإعلامية، فإن هذه الرسالة تكتسب تأثيرها عند جمهور المستقبلين من واقع نوعية الوسيلة الاعلامية التي تنقلها إلى تلك الجموع: ما بين الراديو ثم التلفاز ومن بعدهما بالطبع وسائل الاتصال الالكتروني عبر الحاسوب ومشتقاته في زماننا الذي لم يكن في حسبان البروفيسور ماكلوهان بطبيعة الحال.
أما الموعد الثاني في سياقنا الراهن فهو مساء الخميس 12 يناير الحالي، وقد شهد آخر تغريدة سجلها على التويتر الرئيس الأمريكي أوباما، وتابَعها كما ذكَرتْ دوائر البيت الأبيض نحو 80 مليون متابع، خاصة وقد جاءت على شكل تغريدة الوداع بعد 8 سنوات أمضاها الرئيس المغرِّد في سدّة الرئاسة الأمريكية.
والدرس المستفاد من التاريخين المذكورين أعلاه يشير إلى أن زماننا الحالي أصبح مرهوناً بما أصبحت تنقله وتتداوله وتؤثر به ميديا التواصل الحالية ولدرجة تصل إلى حالة البلبلة أو التشوش أو الاضطراب الفكري والسلوكي في بعض الأحوال.
هذه الظاهرة هي التي شغلت فريقاً رباعياً من كبار الباحثين، كان على رأسهم الدكتورة البريطانية هيلين مارغتس أستاذة علم المجتمع والانترنت في جامعة اكسفورد، وكان أن ألفوا كتابهم الذي نلقي عليه الضوء في هذه السطور تحت العنوان التالي: البلبلة السياسية: كيف تعمل وسائل الاتصال الاجتماعي على صياغة الفعل الجماعي.
ثمانية فصول
كتابنا يتألف من 8 فصول لا يتردد أولها في التطرق إلى ما يوصف بأنه الحالة الرقمية التي آلت إليها أنماط السلوك الجماعي في لحظتنا الراهنة. أما الفصل الثامن- الأخير فيحمل عنواناً لا تخفى دلالته وهو: من الاضطراب السياسي إلى فوضوية التعددية.
ولعل أهم، وربما أخطر، ما يسجله هذا الكتاب يتمثل في حقيقة أن: وسائل الاتصال الاجتماعي، وعلى رأسها بالطبع ميديا التويتر تسببت بتغيير مفهوم الديمقراطية، فبينما كانت الممارسة الديمقراطية تنصرف عبر العصور إلى حيث تشمل الوعي بما يدور في المجتمع وتأكيد شعور المواطنة وإقرار حقوق الإنسان وتفعيل حسّ ومبادرة المشاركة الإيجابية في قضايا الشأن العام، إذا بوسائل الإعلام الالكترونية، فضلا عن الرقمية.
وقد باتت تدعو الناس – الأفراد العاديين- إلى أن يكشفوا عن كل ما يحيط بحياتهم اليومية وسلوكياتهم الفردية، والحميمة أحياناً، فإذا بهم وقد سجلوا ودوّنوا وتبادلوا الرغبات والأمنيات وتقاسموا عمليات التغريد، وإعادة التغريد والمتابعة والتقصي والتحميل والتفريغ والرؤى. وإذا بهذه الحصيلة المنقولة عبر الميديا الجديدة.
وقد وصلت بعمليات التشارك إلى ذروة الحشد والتعبئة ومنها ما يسلك سبيل القصد والاستقامة، ولكن منها ما يحيد عن الطريق إلى حيث الاتهامات والابتذال والسباب والتشهير في كثير من الأحيان.
من هنا يذهب مؤلفو هذا الكتاب إلى القول: أن نمط التعددية الناشئ عن وسائل الاتصال الاجتماعي إياها، لم يعد يشكل نموذج النهج الديمقراطي القويم أو المطلوب، بقدر ما أصبح نهجاً يفتقر إلى الاتزان وحسن الترتيب وتعوزه الرؤية المنظمة التي كان ينطلق منها مفكرو ودعاة وممارسو الديمقراطية.
وبالتالي يكاد هذا النمط المستجد من حكاية التويتر وشركاه يُسلم إلى شكل فوضوي، كما يؤكد المؤلفون، من أشكال العمل السياسي، وهو ما بات يؤثر سلباً بطبيعة الحال على ترشيد عمليات الاختيار للمرشحين والنواب الممثلين وعلى المشاركة السياسية تستوي في ذلك أحوال الأفراد والجماعات.
عن «الربيع العربي» وآخرين
في هذا السياق بالذات، يعمد مؤلفو كتابنا إلى التوقف ملياً بالتأمل وبالتحليل عند نماذج واقعية شهدتها السنوات القليلة الأخيرة.
وكل نموذج منها يعكس الأثر الذي أحدثته ظاهرة التوسع، إلى حد الغلّو والانهماك والانغماس في استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي الرقمية، بل واعتبارها المرجعية الأولى في تبادل الآراء وعرض المنطلقات وتعبئة الحشود الجماهيرية. أما الأمثلة التي يسوقها الباحثون فهي مستقاة من حالة حشود ما يسمى «الربيع العربي» في مصر.
ومظاهرات ساحة جيزي في تركيا، ثم جموع البرازيل التي احتشدت وأشعلت حالة من التمرد قبل مباريات كأس العالم في عام 2014، وكلها تصفها فصول الكتاب بأنها احتجاجات جماهيرية مدفوعة بفعل وسائل الاتصال الاجتماعي.
ويخلص المؤلفون أيضاً إلى التنبيه بأن من واجب النظم الحاكمة أن تتابع المسارات التي تنتهجها وسائل التواصل آنفة الذكر.
أربعة من الباحثين هم بيتر جون أستاذ علم السياسة بجامعة لندن، وسكوت هيل الاختصاصي في علم البيانات الالكترونية، وطه ياسري الباحث بمعهد أكسفورد، وترأس هذا الفريق البروفيسور هيلين مارغتس مديرة معهد أكسفورد لشبكة الانترنت الالكترونية: البالغة من العمر 56 سنة، وقد درست هذه الباحثة البريطانية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
وحصلت على الدكتوراه عام 1996 في موضوع تحوّل الحكومة المركزية في أمريكا وانجلترا إلى اتباع نهج الحوسبة الالكترونية في مجال صنع السياسة واستخدام تكنولوجيا المعلومات.
تغريد
اكتب تعليقك