ليلة بيضاء لـ«مقتل قائد الفروسية»
فكر – المحرر الثقافي:
عرفت طوكيو- المدينة الأكثر حداثة- ليلةً بيضاء تغلّب فيها شغف القراءة على سلطان النوم، بحيث أُسدلت الستائر عند منتصف الليل، عن الطبعة الأولى من روايةٍ سبق أن تحدّد موعد توزيعها في الأسواق، من دون كشف معلومات عنها. وفتحت مكتباتها أبوابها عبر البلاد، ولانطلاق العد العكسي قبل بدء بيع الرواية عند منتصف ليل الجمعة، وذلك لاقتناء النسخ الأولى من رواية الكاتب الياباني الأشهر هاروكي موراكامي الجديدة "مقتل قائد الفروسية"، وهو الأمر الذي واكبه اهتمام من الإعلام الياباني بوصفه حدثًا ثقافيًا صاخبًا في رزنامتها، تواصلت معه مواقع التواصل الاجتماعي وحتى محطات التلفزة، فعرضت محطة "إن إتش كاي" التلفزيونية العامة برنامجًا خاصًا حول أعمال موراكامي. فاتسمت الضجة الليلية في المكتبات اليابانية بأجواء "سوريالية" تشبه إلى حد ما أجواء كتاباته. وما زال احتشاد القرّاء بأعداد غفيرة وأصداء المبيعات تشغل الصحف اليابانية والعالمية.
"مقتل قائد الفروسية" عنوان الرواية الضخمة (2000 صفحة)، الطبعة الأولى 700 ألف نسخة، بيع منها حتى الآن أكثر من مئة ألف نسخة في يومين، على أن تتبعها طبعة ثانية من 600 ألف نسخة أيضًا.
ويعد شراء النسخ الأولى من رواية "مقتل قائد الفروسية" ليس فقط حدثًا يابانيًا، وإنما حدث عالمي لافت، يستمد قيمته من صاحبها ذائع الشهرة، الذي زاد من حالة الإثارة المنسوجة حول روايته الجديدة بتصريحاته المقتضبة عنها قبل فترة بقوله، إنها رواية أطول من "كافكا على الشاطئ" وأقصر من "Q1 84".
الضجة التي سادت مكتبات العاصمة طوكيو وزحف ضجيجها إلى أنحاء العالم، مشهد لا يمكن استبعاده عن المخاوف التي تسود سوق النشر في العالم على مستقبل الكتاب الورقي في ظل غلاء أسعار الطباعة وإغراءات الكتاب الإلكتروني، وهو المشهد الذي بدده زحف "الهاروكيين" أمام المكتبات، وعلى الأقل يوعز ببعض الاطمئنان النسبي لدى سوق القراءة، ويجدد السؤال حول ظاهرة موراكامي.
تقع رواية "مقتل قائد الفروسية" في 2000 صفحة على مدار جزئين، طبعت دار "شينشوشا" منها مليون و300 ألف نسخة لجزئي الرواية، ولم تعلن عن الترجمات التي ستبدأ في التعاقد عليها، لاسيما أن أعمال موراكامي عابرة لحدود العالم، ووصلت ترجمات أعماله إلى نحو خمسين لغة، ومن بينها العربية، ويعد صاحبها من أكثر الكتاب المترجمة أعماله قراءة في العالم العربي.
دار النشر نفسها تحفظت على التصريح بأية معلومات عن الرواية، وكان ناطق باسم دار النشر "شينشوشا" قد صرح لوكالة الأنباء الفرنسية إن "الكاتب أبلغنا أنه يريد أن يكتشف القراء الكتاب من دون أن يعرفوا شيئاً عنه قبل صدوره، لذا لن نقول شيئاً، حتى داخل الدار قلة قليلة من الناس اطلعت عليه". فيما اختصر موراكامي حديثه عنها في كلمات زهيدة عندما ذكر في فعالية شارك بها بالدنمارك أنها "تدور حول قصة نادرة" من دون إبداء تفاصيل أكثر.
وتعد شهرة صاحب "84 Q1" الساطعة كنور ثقافة بلاد الشمس التي ينحدر منها، تنافس بشراسة شهرة كتاب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية في عُقر دورهم، وعلى رأسهم صاحبة "هاري بوتر" جي كي رولينج ودان براون وباولو كويلهو، حتى أن صحيفة الـ"جارديان" البريطانية وصفته بأنه أبرز الروائيين على قيد الحياة في العالم.
شغل موراكامي العالم برواياته محكمة البناء، وسرده الرصين لشخوصه الروائية المائلة للانعزالية، وخيوطه المتأثرة بالثقافة الغربية لاسيما الموسيقى والأدب الغربي.
تعتبر "مقتل قائد الفروسية" هي الرواية الـ 14 في مسيرة موراكامي الأدبية، ومنها "أعوام حج الصبي"، و"اسمع صوت أغنية الريح" و"بينبال"، و"الغابة النرويجية"، و"ما بعد الظلام"، و"كافكا على الشاطئ"، و"سبوتنيك الحبيبة"، و"رقص رقص رقص".
موراكامي (من مواليد 1949) من الأسماء المرشحة سنويًا لجائزة نوبل، لكنّ شهرته جعلت منه "ظاهرة" عالمية تفوقت بتأثيرها الثقافي على كثيرين من الكتّاب النوبليين. فما حقّقه مُبدع «84 Q1» في اليابان وخارجها يُضاهي جماهيرية البريطانية ج. ك رولينغ التي كانت تُحدث زوبعة كلّما نشرت إحدى رواياتها الجديدة في سلسلة "هاري بوتر". ظاهرة "موراكامانيا"، كما يُطلق عليها النقّاد- والمقصود بها "هوس موراكامي"- تحمل أبعادًا دالّة في عصرٍ باتت فيه الثقافة الورقية مهددة بخطر الامحاء أمام هيمنة الأرقام.
الموراكاميون المولعون بقراءة روايات كاتبهم المفضل علّلوا سهرهم أمام المكتبات بأنّهم يتسابقون على امتياز وضع "اقتباسات" من الرواية الجديدة على "تويتر" و"فايسبوك"، لكنّ مشهدهم بأعداد غفيرة وضعنا أمام حقيقة العلاقة الهشة بين القرّاء العرب وكتّابهم.
تغريد
اكتب تعليقك