رحيل الناقد المصري عبدالمنعم تليمة

نشر بتاريخ: 2017-02-28

فكر – القاهرة:

عن ثمانين عاماً، غيب الموت، عصر أمس الاثنين، شيخ النقاد المصريين والعرب الدكتور عبدالمنعم تليمة، أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب جامعة القاهرة، والناقد والمفكر والتربوي، صاحب الإنجاز الكبير في الثقافة العربية المعاصرة.

يحتل عبدالمنعم تليمة مكانة بارزة ومشهودة في خارطة الثقافة المصرية والعربية عامة وحركتها النقدية خاصة، أثر في أجيال وأجيال سواء داخل الأكاديمية "الجامعة" باعتباره أستاذاً بها، وخارجها باعتباره ناقداً تابع جل الإبداعات الأدبية والشعرية، وقدم عدداً من أهم الكتب النقدية المؤثرة في حركة النقد والإبداع على مدار أكثر من أربعين عاماً، من أبرزها وأهمها كتاباه التأسيسيان المرجعيان: "مقدمة في نظرية الأدب"، "مداخل إلى علم الجمال الأدبي" اللذان طبعا أكثر من طبعة ويتم تدريسهما في العديد من الجامعات العربية.

ولد الدكتور عبدالمنعم تليمة، عام 1937، وتخرج في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة، عام 1960، ثم حصل على درجة الماجستير في الأدب العربي الحديث عام 1963، ودرجة الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث عام 1966.

جذور التكوين الفكري

في آخر لقاء جمع الناقد الكبير ببعض تلاميذه وأصدقائه، احتفاء بإنجازه النقدي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ألقى كلمة موجزة حول تجربته في النقد، ومراحل تكوينه الثقافي والنقدي المبكرة.. استهلها ببيان وقوعه في غرامه بعميد الأدب العربي طه حسين الذي بسببه كان يتخفى في أيامه الأولى بالجامعة سنة 1956م ليذهب إلى درس للفرقة النهائية كي يستمع إلى المحاضر الشيخ الأكبر طه حسين. يقول تليمة "كان الزحام شديداً، وجاهدت حتى وصلت إلى مقعد الشيخ وافترشت منديلي على الأرض بجوار قدمي الأستاذ وجلست وأخذت أتلقى. منذ تلك الخطوة الأولى وما تلاها من خطوات بقسم اللغة العربية وأنا مرتبط بشيوخ هذه الثقافة وأساتذتها، وهم جميعاً في غنى عن ذكرهم، لأنهم من الرسوخ في العلم وذيوع الصيت، بحيث يعرفهم كل من له اتصال بتراث هذه الأمة".

في هذا اللقاء كشف تليمة عن روافد تكوينه الفكري والثقافي والعوامل التي أسهمت في تحديد مساراته العلمية والنقدية إلى حد بعيد، يقول "تتعدد مصادر التكوين بالنسبة لي داخل وخارج آداب القاهرة، فمثلاً درست "المعجم العربي" على يد الأب جورج شحاتة قنواتي بمعهد البحوث والدراسات، و"تجديد الفكر الديني" على الشيخ علي عبد الرازق، وتفاعل الأدب والمجتمع على "زكي نجيب محمود"، و"مذاهب الأدب وفنونه" على محمد مندور". وخلال هذه الفترة كان يواظب على حضور جلسات مجمع اللغة العربية برئاسة أحمد لطفي السيد، وانتظمت زياراته الأسبوعية لعدد من المشاهير والنجوم في سماء الثقافة العربية آنذاك، مثل ندوة العقاد وسلامة موسى وغيرهما.

ويمكن القول، على حد تعبيره، إن عبد المنعم تليمة لم تنقطع علاقته قط بأربعة من الأساتذة الكبار كانوا بمثابة "مراجع عليا" يرجع إليها؛ وهم: الدكتور محمد مندور، وشيخ المحققين التراثيين محمود شاكر، وكلاهما أمة وحده، وأيضاً رئيس مجمع الخالدين (مجمع اللغة العربية بالقاهرة) الدكتور إبراهيم بيومي مدكور، وأخيراً الدكتور زكي نجيب محمود.

وربما تحت تأثير متابعاته وحرصه الدؤوب على حضور الندوات الأسبوعية المنتظمة لكبار مثقفي عصره، صار منزل عبد المنعم تليمة بعد حصوله على الدكتوراه واندماجه عملياً في التدريس والحياة الثقافية "مركز إشعاع ثقافي" تنويري، وأصبحت ندوته الأسبوعية مساء كل خميس قبلة كل المثقفين وطالبي المعرفة والراغبين في تحرير العقول من أسر التقليد والجمود والتناولات السطحية للظواهر الفكرية والأدبية.

الإسهام النقدي.. تأصيل التنظير

عدد من تعرضوا لدرس المجهود النقدي لعبد المنعم تليمة، أجمعوا على أنه مفكر وناقد ومنظر من طراز رفيع يتخذ من المادة التاريخية منهجه وسلاحه، في الوقت الذي انشغل فيه بفكرة "التأصيلية" في الدرس النقدي الأدبي العربي.

كانت أطروحة عبد المنعم تليمة للماجستير عن "الشعر السياسي في مصر من ثورة عرابي حتى ثورة 1919"، لتتضح ومنذ البداية انحيازاته الاجتماعية في فهمه للأدب والنقد من ناحية، ومن ناحية أخرى عكوفه على بلورة رؤية منهجية، ومنهجاً نقدياً منضبطاً، صارماً، يقوم على أسس نظرية متماسكة ويعتمد على أدوات إجرائية تحليلية، وبهذا الوعي أنجز تليمة أطروحته المهمة بل الفارقة في تاريخ النقد العربي بعنوان "نظرية الشعر في النقد العربي الحديث.. ماهية الشعر ومهمته: درس في النقد المقارن".

هذه الرسالة الفريدة من نوعها (لم تطبع في كتاب حتى اللحظة) كانت إعلاناً واضحاً وصريحاً عن مولد ناقد كبير، ومنظر لا يشق له غبار، ومحلل نصوص نقدية يقيم بناءاته الفكرية ونماذجه التحليلية ببراعة ونبوغ، وتصدى تليمة في هذه الأطروحة إلى درس النقد العربي الحديث في انتقالاته الكبرى، من الكلاسيكية إلى التعبيرية مروراً بالنقد الجديد والواقعية الاشتراكية وصولاً إلى النقد الاجتماعي الجمالي، محدداً في كل انتقالة من هذه الانتقالات "الماهية والمهمة والأداة" عبر قراءة متأنية وتحليل عميق لنصوص أعلام كل تيار من هذه التيارات.

نظرية الأدب.. علم الجمال الأدبي

عقب حصوله على الدكتوراه وانخراطه في التدريس والبحث الأكاديمي والنشاط النقدي والثقافي العام، عكف تليمة على إنجاز كتابين سيقدر لهما أن يكونا من أهم الكتب المرجعية في مجال النظرية الأدبية والنقدية وهما "مقدمة في نظرية الأدب" و"مداخل إلى علم الجمال الأدبي" اللذان كان سبباً رئيسياً في تجاوز شهرة تليمة النقدية الحدود المصرية ويتم تكريس اسمه باعتباره واحداً من كبار النقاد والمنظرين العرب في مجال النقد وفلسفة النقد وعلم الجمال الأدبي، وعلم اجتماع الأدب.

في هذين الكتابين ميز تليمة تمييزاً ثاقباً بين مدرستين في الفن وفي النظر إليه؛ المدرسة الأولى ترى أن الفن "جماله في نفعه"، والثانية ترى أن الفن "نفعه في جماله". وفي هذه الصيغة تمييز بين المدرسة الوظيفية التي تذهب إلى أن الفن يكون جميلاً إذا كان نافعاً، والمدرسة الجمالية التي تذهب إلى أن الفن يكون نافعاً إذا كان جميلاً. الأولى تشرط الجمال بالمنفعة، والثانية تنطلق من أن الجمال في ذاته نفع وفائدة ووظيفة، إذ هو يرقِّي الإحساس بالحياة ويعمق وعي البشر بمعاداة القبح، كما أنه ينقل المنجز البشري في التقنيات نقلات تاريخية جديدة. وحلت لنا هذه الصيغة إشكالية الانقسام بين الفائدة المباشرة الوقتية الظاهرة، والفائدة المضمرة والدائمة وغير المباشرة للفن.

وأعاد تليمة النظر في علاقة الفن بالواقع، فبدلاً من أن تتأسس الصلة الجمالية بالواقع على مدار مفهوم "الانعكاس" يمكن أن تطرح هذه الصلة على مدار آخر هو" الموازاة الرمزية". "فالفن موازاة رمزية للواقع"؛ بمعنى أنه يتجاوز طلب الواقع بما ينطوي عليه من فوتوغرافية وتماس، وصولا إلى طلب "الفن في الواقع".

ومنذ منتصف السبعينيات تقريباً وحتى آخر عمره، لم ينقطع عبد المنعم تليمة لحظة عن المساهمة في المجال الثقافي العام، أكاديمياً وسياسياً ونقدياً، وسيصيبه بعض الرذاذ من اعتقال وتنكيل اعتقل مرتين: الأولى أثناء تظاهرات 18 و19 يناير 1977، والثانية في ديسمبر 1986، بتهمة الانتماء إلى تنظيم ثوري سري. وكان بينهما فصله من الجامعة ونقله إلى وزارة الشؤون الاجتماعية أثناء حملة الرئيس الراحل السادات على رموز الحركة السياسية والفكرية في سبتمبر 1981.

كتبه:

(مقدمة في نظرية الأدب) 1973، و(مدخل إلى علم الجمال الأدبي) 1978، و(طرائق العرب في كتابة السيرة الذاتية) 1983، و(نجيب محفوظ) القاهرة 2001،

فصول في كتب:

(النقد الأدبي) 1978، و(طه حسين: مائة عام من النهوض) 1989، و(عبد الرحمن بدوي) 1982، و(الثقافة العربية والكوكبة) 2000.

الجوائز:

حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب، سنة 2004.


عدد القراء: 3938

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-