«المرأة والسلطة» كتاب يحدد تاريخ النبوغ والتفوق
المحرر الثقافي:
الكتاب: «المرأة والسلطة»
المؤلف: ماري بيرد
الناشر: مؤسسة فراين للنشر
الصفحات: 115 صفحة، القطع المتوسط
«الشعبوية»: تيار فادح السلبية بات يجتاح أصقاع العالم. ورغم أن هذا التيار يحمل في موجاته دعوات بالغة الضلال: ما بين التمييز العنصري واللوني والطَّبَقي، إلا أن «الشعبوية» جاءت لتغطي بظلالها الكثيفة، والكئيبة أيضاً، ساحات من الغرب المفروض أنه يقود خطى التقدم والمساواة والتنوير في عالمنا.
والحاصل أنه من مظاهر تيار الشعبوية ما يتجلى في الإساءة إلى المرأة والحَطّ من شأنها، وهو ما أصبحت أمريكا تشكو منه في الوقت الراهن. يشهد بذلك ما تعكسه وسائل الإعلام وساحات السياسة في الولايات المتحدة من شكاوى وأحداث ومجابهات تتعلق في مجموعها بحالات انتهاك كرامة المرأة وجرائم استغلال الرجال لنفوذهم وسطوتهم بهدف التحرش بمن يعمل تحت رئاستهم من نساء.
من هنا فقد حفل النصف الأخير من عام 2017 المنصرم بشكاوى وتحقيقات واعترافات ومجابهات وصدامات كانت تتعلق جميعها بحالات «التحرش» في ظل أنماطه ومظاهره وسلوكياته، بالمرأة الأمريكية على اختلاف المواقع وتباين المستويات الثقافية والمهنية والطبقية في آن معاً.
ولقد جاء التعبير عن هذه التيارات على شكل حركة دينامية اجتاحت الشارع الأمريكي منذ الخريف الماضي، تكريساً لكرامة المرأة، وحملت العنوان الذي بات ذائعاً وشهيراً وهو: «وأنا أيضاً». وفي غمار هذه الحركة أصدرت المفكرة «ماري بيرد» كتابها الدقيق الحجم تحت عنوان: «المرأة والسلطة» ثم حرصت على أن تضيف إلى هذا العنوان، الذي يرادف بدوره فكرة المرأة والقوة أو النفوذ، عنواناً آخر من كلمة وحيدة هي: «مانيفستو».
وفيما تشير «مانيفستو» لغوياً إلى معنى «البيان»، إلا أن الكلمة تثير عند المثقف المعاصر معاني ترتبط بالدعوة كما يقولون إلى تحريك السواكن ورفض الثوابت، والتطلع إلى أوضاع جديدة وأفكار غير مسبوقة بكل تأكيد.
وربما كان أشهر بيان، مانيفستو هو ذلك الذي أصدره في عام 1848 المفكر «كارل ماركس» (1818- 1883) تحت العنوان الشهير الذي دخل تاريخ النظم السياسية الاقتصادية في عالمنا وهو:
«البيان.. الشيوعي»، أما مؤلفة كتابنا فهي أستاذة الدراسات الكلاسيكية بمعنى الأدب والتاريخ اليوناني الروماني في جامعة كامبردج. وقد أصدرت كتابها الموجز في 115 صفحة، وعمدت إلى طرح مقولاتها من خلال مقدمة إضافية، وبعدها نشرت فصلاً تحت عنوان «صوت المرأة في المحيط العام» ثم فصلاً آخر عن المرأة في مضمار السلطة أو القوة والنفوذ.
نلاحظ كقارئين لهذا العمل المكثف أن مقولات الكتاب استندت بالأساس إلى المحاضرات العلمية والأحاديث المتلفزة التي سبق للمؤلفة أن قدمتها في موضوع دور المرأة ومكانتها في المجتمع الذي تعيش فيه. ثم نلاحظ أن محور هذا الكتاب يركز بالذات على ظاهرة سلوكية وأحوال سيكولوجية، ثم على مواقف ظاهرة أحياناً وكامنة في أحيان أخرى..
وهو ما تلخصه كلمة بالغة الدلالة في اللغة الإنجليزية وهي: «Misogyny» ويقابلها في لغتنا العربية المعاني التالية: «كراهية المرأة أو بُغض أو معاداة النساء».
ولأن مؤلفة كتابنا أستاذة أكاديمية متخصصة في التراث الكلاسيكي، فهي لم تتورع عن تأصيل هذه السلوكيات والمواقف السلبية المناهضة للمرأة، ثم في تقصّي جذورها التي ترجع في النسق المعاصر إلى ما تراه المؤلفة من أصول في التاريخ والتراث الإغريقي (اليوناني) والتراث اللاتيني (الروماني)، باعتبار أن هذه هي الخلفية التي شكلت.
وما برحت تشكل، أسس الفكر والسلوك والمواقف التي تتبناها المجتمعات المعاصرة في الغرب، ومنها ما انتقل بحكم المحاكاة والاتباع إلى مجتمعات معـاصرة بدورها في قارات وأقطار وثقافات تتجاوز أمريكا وأوروبا أيضاً.
هكذا أرادت البروفيسور «بيرد» أن تدلل لقارئها على أن ثمة تاريخاً طويلاً يمتد عبر قرون من الزمان القديم إلى الزمن الحديث ثم المعاصر، من تهميش المرأة إلى حد قهرها واستغلالها وتعريضها لأنماط من سلوكيات التحرش التي تمس كرامتها وتنال من اعتبارها: إنساناً ومواطناً وشريكاً في المصير وفي الحياة.
من هنا يشعر القارئ أن الهدف من هذا الكتاب الموجز إنما يتمثل في محاولة المؤلفة أن تطرح ما قد نصفه بأنه «خطاب التنبيه» أو التحذير إزاء التهوين من شأن المرأة.
وكأنها دعوة أكاديمية إلى تجاوز قصائد الغزل التي لطالما حفلت بها الثقافات مديحاً للمرأة أو طلباً لرضاها، إلى حيث أثبتت المؤلفة سلبية التعامل مع المرأة في سياقات مختلفة سبقت في التاريخ الإنساني، ابتداء من التعامل مع المرأة وكأنها دمية كما تصورها ملحمة «الإلياذة» على نحو ما حدث بالنسبة إلى «هيلين» أو ترسمها في صورة الخاضع للأوامر والكوابح كما حدث بالنسبة للأميرة «بنيلوبي» بطلة ملحمة الأوديسة وقد أبدعهما «هوميروس» شاعر الإغريق الأشهر.
هناك أيضاً سلوكيات الحيلولة دون خروج المرأة مهما كانت مواهبها وتجليات نبوغها إلى ساحات المجال العام، التي ظلت كما تؤكد بحوث كتابنا قصراً على الرجال، يستوي في ذلك قيادة الجيوش (قيصر) أو ساحات الخطابة (شيشرون) أو إبداعات الفكر والأدب (سقراط - أفلاطون - أرسطو)..
وصولاً، في تصورات المؤلفة أيضاً، إلى رفض الناخب الأمريكي أخيراً إيصال سيدة اسمها «هيلاري» إلى مقعد السلطة الأولى في الولايات المتحدة.
والمعنى أيضاً أن مثل هذه التطورات ما زالت تبرر مشروعية إصدار كتب ودراسات تدور حول أزمة المرأة والسلطة.. ومنها كتاب البروفيسور «ماري بيرد» بطبيعة الحال.
تغريد
اكتب تعليقك