حسين الواد: رحلة بين الأدب القديم والرواية
المحرر الثقافي:
رحل عن عالمنا يوم أمس في العاصمة السعودية الرياض، الناقد والروائي التونسي حسين الواد (1948-2018) تاركاً وراءه مدوّنتين: الأولى بحثية نقل فيها أحدث نظريات دراسة الأدب وطبّقها بالخصوص على التراث العربي، والثانية كانت روائية حيث أن السنوات الأخيرة قد شهدت انتقاله إلى عوالم السرد.
في نيسان/ أبريل الماضي، خصّص "معرض تونس الدولي للكتاب" جائزة جديدة باسم الناقد التونسي الراحل، توفيق بكّار (1927-2017)، وقد مُنحت في دورتها الأولى لأحد تلاميذ هذا الأخير، الناقد والروائي التونسي حسين الواد (1948-2018) عن مجمل أعماله. لم تمض سوى أسابيع معدودة على ذلك حتى غادر عالمنا، أمس، الواد أيضاً.
ورغم أن إصداراته في السنوات الأخيرة كانت روائية في الأساس، وأبرزها "روائح المدينة" (2010) و"سعادته السيد الوزير" (2011) وآخرها "الغربان" (2018)، إلا أن الواد يُذكر في الغالب كدارس للأدب وناقد له، وربما يعود ذلك إلى الدور التأسيسي الذي لعبه، مثل أكاديميين من جيله، في تأصيل المناهج الحديثة في دراسة الأدب وحسن تطويعها وهي الوافدة من الغرب على نصوص عربية تراثية ومعاصرة.
استفاد الواد من موقع التدريس الجامعي، ليقدّم إصدارات بين نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، نقلت إلى العربية أهم أدوات تحليل النصوص، على تعدّد مدراسها، بين البنيوية واللسانية والنفسية والاجتماعية وغيرها، وكان أبرزها كتاب "في مناهج الدراسات الأدبية" (1982) والذي تحوّل على صغره إلى مرجع أساسي يقبل عليه جميع من يريد أن يطّلع على ما وصلت إليه علوم السرد في العالم، وقبله أصدر كتاباً في نفس الإطار بعنوان "في تأريخ الأدب" (1979) يخرج تاريخ الأدب من كونه تجميعاً لأسماء كتّاب وتحليل نصوصهم إلى قضية إشكالية حقيقية تعكس روح ثقافة بأسرها.
يُحسب أيضاً للواد حسن تطبيقه لآخر صيحات النظريات الأدبية على الأدب العربي القديم، وفي هذا الخصوص يمكن أن نجد في ما أصدره ما يشبه موسوعة نقدية للتراث الأدبي العربي، ومن أبرز ما نَشر في هذا الإطار: "البنية القصصية في رسالة الغفران" (1972)، و"المتنبي والتجربة الجمالية عند العرب" (1987)، و"تدور على غير أسمائها: نظر في شعر بشار بن برد" (1992)، و"اللغة-الشعر في ديوان أبي تمام" (1999)، و"جمالية الأنا في شعر الأعشى الكبير" (2001).
من المؤكّد أن هذا التراكم قد أفسح للواد موقعاً أساسياً في خارطة الثقافة التونسية، لكنه ساهم ربما في تلق مختلف لمسيرته الأدبية التي بدأت متأخرة. ففي 2010 أصدر أولى رواياته، وأتبعها برواية ثانية بعد سنة. ورغم دخول العملين تحت دوائر الجوائز الأدبية، ما وضعهما بسرعة تحت الضوء، إلا أنه لا يمكن القول إن الواد قد اندمج في الحقل الإبداعي، فقد لازمته صورة الناقد والمنظّر، ولم تسجّل رواياته تفاعلاً موسّعاً في الإعلام أو الدوائر الأدبية. وقد نذكر هنا أنه أشار في مناسبات عديدة أن أعماله الروائية ظلت طويلاً حبيسة أدراجه، وقد تكون هذه المسافة بين زمن الكتابة ولحظة النشر من العوامل المفسرة لغلبة صورة الناقد على المبدع.
لكن في كلا المجالين، النظرية الأدبية أو الممارسة الإبداعية، كان حسين الواد يقدّم مادة فيها أثر كبير للجهد، ووعي بموقع العرب الحديث في عالم اليوم، وخصوصاً كان ينطلق من رؤية جديدة، حداثية بالمعنى الدقيق، وهو يتصدّى للنصوص القديمة، أو يبدع نصوصاً من بنات أفكاره.
تغريد
اكتب تعليقك