رواية «فستق عبيد»: قصة العبودية المستمرّة
المحرر الثقافي:
الكتاب: "فستق عبيد"
المؤلف: سميحة خريس
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
ينقسم أبطال الرواية إلى أصحاب البشرة السوداء وهم العبيد، وأصحاب البشرة البيضاء وهم التجار في الرواية، وحيث أن الأوربيون استخدموا الفستق لإيقاع الفقراء في العبودية، قام الجد “كامونقة” بزراعته ليشبع الأطفال فلا يقعون في فخ العبودية.
خلال السنوات الثلاث الماضية عالجت ستّ روايات عربيّة موضوع العبوديّة في الوطن العربيّ، ثلاث منها تناولت العبوديّة في فترة نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في السودان، وهي: «شوق الدرويش» للسودانيّ حمور زيادة، و«كتيبة سوداء» للمصري محمد المنسي قنديل، و«فستق عبيد» للأردنيّة سميحة خريس.
أمّا الروايات الأخرى فكان من بينها رواية «بابنوس» لخريس والتي تناولت العبوديّة بعد منتصف القرن العشرين في السودان أيضًا. فيما تناولت روايتان العبوديّة خارج السودان: «زرائب العبيد» لليبيّة نجوى بن شتوان عن العبوديّة في ليبيا، و«ثمن الملح» للبحريني خالد البسّام عن العبودية في جزء من الجزيرة العربيّة.
وتواجدت الروايات التي تعالج العبوديّة في قوائم الجوائز العربيّة لثلاث سنوات، وحصلت معظمها جوائز، لكن ما هي الألفة بين موضوع هذه الروايات؛ أي العبوديّة والجوائز العربيّة.
قبل عام تقريبًا من الآن حصلت رواية فستق عبيد لسميحة خريس على جائزة كتارا 2017، وقبل البدء بعرض الرواية، يُذكر أنَّ روايتي خريس «فستق عبيد» و«بابنوس» تتناولان العبودية في السودان، لكن، وهذه نصيحة للذين يرغبون بقراءة العملين، فإنَّ الفترة الزمنيّة التي تناولتها رواية فستق عبيد سابقة على الفترة الزمنيّة التي تناولتها رواية بابنوس رغم صدور بابنوس أولًا، لذا أنصح بقراءة العمل الصادر مؤخرًا ومن ثم الأقدم لتفادي اللبس أو لتحقيق وضوح أكثر في تتبع الأحداث.
"فستق عبيد"
ينقسم أبطال الرواية إلى أصحاب البشرة السوداء وهم العبيد، وأصحاب البشرة البيضاء وهم التجار في الرواية، وحيث أن الأوربيون استخدموا الفستق لإيقاع الفقراء في العبودية، قام الجد "كامونقة" بزراعته ليشبع الأطفال فلا يقعون في فخ العبودية.
يدور العمل بشكل رئيسيّ بين قارتين؛ إفريقيا (السودان، الجزائر، ليبيا) وأوروبا (البرتغال). في الجزء الأوّل تجري الأحداث على تخوم الصحراء السودانيّة؛ مجلس يحكي فيه الجدّ السودانيّ (كامونقة) عن ماضيه في العبوديّة حين أُخذ عبدًا لتاجر سمسم من كردفان (التيجاني) ليبقى مرتحلًا على أسنمة الجمال في رحلة طويلة، قاطعًا خلالها 800 كيلو متر بأسبوعٍ وليلتين من بلاد دارفور في غرب الدنيا إلى الشرق عبر درب الأربعين حيث القفار والشمس.
يروي (كامونقة) حكايات الانكسار للأحفاد - من بينهم الطفلة رحمة- بفخرٍ شديد، وهي حكايات تدور عقب ثورة المهدي في السودان (1881-1889) الذي كان جيشُه من العبيد المحرّرين من التجّار، أمّا المكان فبيْن أم درمان وكردفان.
لا تعرض سميحة خريس العبودية بصورتها المتعارف عليها (الأبيض يشتري، والأسود يُباع)، ثمة الكثير من صور العبوديّة التي تناولتها الرواية؛ عبودية الرجل الأسود للرجل الأسود، وعبوديّة الرجل الأسود للتاجر، وعبوديّة الرجل الأسود لرجل الدين. تعرض العبوديّة في أرض السواد، منظورًا لها من السود بدايةً، من جهة التاجر (التيجانيّ): «مقارنة بسواي؛ كنت عبدًا محظوظًا لرفقتي مالكي المهيب المهاب الطيّب، لا أغلال بيننا، ولا سوط ينظم تعاملنا، لا يخطئ أحدنا في فهم الآخر، محسودان على التناغم. (..) في محاولاتي للنسيان صنفت نفسي بصورة مخادعة رجلًا حرًا برفقة التيجاتي الطيب الذي يمتلكني». كان هذا حديث كامونقة العبد لنفسه.
خلال ترحال قافلة التاجر يمرّ كامونقة بمعسكر المهدي؛ إذ ذاك ستسلب العبوديّة الجديدة كامونقة حين يرى العبيد، كل عبدٍ فارٍّ من سيّده إذا ما التحق بالجهاد صار حرًا، عبوديّةٌ حرّة مع المهديّ، هناك يقول كامونقة: «ركبني عفريت اسمه الجهاد، وأنا ما عرفت قبل اليوم أنَّ عليّ أن أجاهد جنديًا؛ أقتلُ الإنجليز أو المصريين، وأسلم أمري بالكامل للخليفة المهدي». يُجري مقارنات العبوديّة في شكلها الأوّل (للتاجر) مع شكلها الثاني (رجل الدين):« يفترُ حماس قلبي إذا سمعت زعيق بوق أبو بايه العاجي، (في معسكر المقاتلين الجهاديين) نفس الصوت الذي يطلقه النخاس ليجمعنا على منصة عرض العبيد في الماضي، بات صداه يجمعنا حول الخليفة في المعسكر».
فعتقه سيده وعتق معه الجارية "اللمون" بناء على طلبه وتوسلاته أن يعتقها معه لتكون زوجته .. وأصبحا يعرفان باسمي: معتوق ومعتوقة.
في البداية أوكلت له مهمة تنظيف بيت شقيق الخليفة يعقوب، ثم انضم لاحقاً إلى الجيش في أكثر من مهمة، لكن الجوع كان له ولرفاقه بالمرصاد، فمات عدد من الجنود ضعاف البنية أما زوجته اللمون (معتوقة)، فكانت بطنها تتدلى أمامها، ووصلت لحافة الموت هي وجنينها بسبب الجوع، إلا أن مرور التاجر التيجاني بالمنطقة أنقذها، حيث اصطحبها معه بناء على طلب معتوق، ليوصلها إلى أهله في دارفور.
هزم الجيش، ومات من مات، وفرّ من فرّ، ومن بينهم كان كامونقة إلى أن وصل إلى أهله حيث زوجته وابنه الذي كان ابن سنتين في "نيالا"، وبقي هناك.. كبر وكبرت معه زوجته وابنه، ورزق بالأحفاد، الذين كان أحبهم إلى قلبه "رحمة"، التي ولسوء حظها وقعت في شباك الأسر والبيع فاشتراها التاجر البرتغالي ساراماغو.
ثم تنتقل الدفة لحفيدته "رحمة" لتحكي قصتها بعدما بيعت لتاجر عبيد جزائري، وتصف المعاملة السيئة التي يتعرض لها العبيد وكيف يتم حشرهم مع الحيوانات في السفن التي تنقلهم، الرواية مليئة بالممارسات والقيم والعلاقات التي تتشكل باستمرار مكونة معًا عناصر معارضة للهيمنة، ونجد رحمة تستمد قوتها من الكائنات التي كانت حولها وحُبست معها، ثم كان لقاءها بسيدها البرتغالي الذي عاملها بإنسانية فنسيت عبوديتها وصارت تنظر إلى الحياة بمنظور آخر حتى تعلمت كيف تعيش بروح حرة داخل جسد مقهور، واستخدمت هذا الأسلوب حين تم نقلها مرة أخرى لعبودية أخرى، وساعدتها هذه الطريقة بفهم البيض والتواصل معهم واتباع ذات أسلوبهم المعتمد على المنافع المتبادلة.
تناقش الرواية المتناقضات التي يمكن أن يحملها شخص واحد، فنرى كمونقة الرجل بجسده الذي يعكس عبوديته يمتلك روحًا حرة تجعله يختار ما يريد، ونرى الثري البرتغالي بردائه الأنيق لكن روحه مهترئة وشخصيته هشة وغير مستقرة تتأرجح بين الاستعلاء تارة وبين الشعور بإنسانية العبيد تارة.
تخبر الرواية قارئها أن التعود على الحياة القاسية والظلم هو خداع للنفس ووهم من السعادة يخلقه الشخص ليستمر في الاستسلام، ويظهر هذا جليًّا في نهاية الرواية حين يرفض زمرة من العبيد والأفارقة العمل في الفلاحة، وينضمون إلى حركات السود المتمردين.
المؤلف:
وُلدت سميحة خريس في عمان عام 1956، حاصلة على درجة الليسانس في الآداب، وقد عملت في الصحافة والإعلام، وحصلت سميحة خريس على العديد من الجوائز خلال مشوارها الأدبي، وهي عضو في العديد من الروابط والهيئات العربية وشاركت في الكثير من المؤتمرات والندوات، تكتب سيناريو النص والسيناريو الإذاعي والقصة والرواية، تُرجمت بعض أعمالها إلى الإنجليزية والإسبانية والألمانية، إلا أنه في هذا المقال سنقدم نبذة عن رواية فستق عبيد.
تغريد
اكتب تعليقك