«سيد الأشباح» .. سيرة حياة فكر كارل ماركس

نشر بتاريخ: 2019-03-27

المحرر الثقافي:

الكتاب:  "سيد الأشباح"

المؤلف: توماس شتاينفيلد

الناشر: Carl Hanser Verlag

تاريخ النشر: 2018

عدد الصفحات:  288 صفحة

كلما بدت الرأسمالية المعاصرة أكثر إحكامًا وبلا بديل بعد أكثر من ثلاثين عامًا على انهيار الاتحاد السوفيتي، كلما زاد الاهتمام بالنظريات التي تضع هذا النظام الاقتصادي والاجتماعي موضع التساؤل، ذلك النظام الذي أعيد تسميته بالتعبير اللطيف “اقتصاد السوق الحر”.

وبذلك عاد الفيلسوف الألماني كارل ماركس على وجه الخصوص مرة أخرى إلى محور الاهتمام، وهو الذي كان قد أتُخذ مرجعًا – بحق او بغير حق- من قبل نصف العالم الثوري الشيوعي صاحب الاقتصاد المُوَجه. وقد ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من السير والدراسات حول موضوع كارل ماركس.

 من خلال الأسلوب والمضمون تبرز من بين المنشورات المتعددة سيرة حياة فكر كارل ماركس تحت عنوان “سيد الأشباح” للباحث الأدبي والمُحرر بجريدة “زود دويتشه تسايتونج” توماس شتاينفيلد. وكما الباحثين الجدد في الموضوع يقف شتاينفيلد تحت المراقبة المريبة من قبل الاقتصاديين المهنيين، لأن تحليلاته وبراهينه واضحة ومتخصصة بشكل مُحكم. في المقام الأول لا يريد المؤلف تقديم تحديثًا للتوقعات الماركسية على وتيرة الباحث الاقتصادي الفرنسي “توماس بيكيتي” في كتابه “رأس المال في القرن الحادي والعشرين”. وبالتأكيد أيضًا لا يرغب شتاينفيلد في تقديم دفاعًا عن الثورة أو وصفة لإصلاح النظام الاقتصادي.

 وبتوصيات، من السهل جريانها على ألسنة الماركسيين التقليديين، يحجبها شتاينفيلد أو يتخلى عنها تمامًا. “عندما يتم استيعاب الشيء الأكثر أهمية، يمكن للمرء أن يفكر فيما يجب فعله بعد ذلك”. قراءة لأخر جملة في السيرة الفكرية. وسيستخلص من هذا التنويه أن ثمة تهديد مؤكد لرافضي الأيديولوجية الماركسية. بدايةً هذا غير مبرر، لكون شتاينفيلد يعتمد في المقام الأول على فهم ظاهرة النشر لكارل ماركس.

شرح وبشكل واضح ضد نصف المعرفة التي أزعجت بالفعل المؤلف في سبعينيات القرن الماضي الثورية. لقد قرأ الطلاب على أكثر تقدير البيان الشيوعي، وربما بعض من فصول من كتاب “رأس المال”، فلقد فضل الطلاب تجربة الثورة في المعاهد الدراسية عن دراسة الكلاسيكيات. لكن لم يكن هذا كافيًا آنذاك كما هو الحال اليوم. كما إن شتاينفيلد لا يفتأ عن توجيه الملاحظات. تدور مقالاته الطويلة بأفق واسع وأحيانًا بشكل دقيق حول الآثار الفلسفية والاقتصادية التاريخية الملازمة لعمل كارل ماركس الإبداعي – غالبًا ما يكون لدى القارئ الانطباع بأن شتاينفيلد مفتونًا بسيرة الصحفي والكاتب العبقري- كما كان ماركس طول حياته- أكثر من اهتمامه بالتنظير الاقتصادي والفلسفي.

يحلل الناقد الأدبي توماس شتاينفيلد لغة الفلسفة متعددة الطبقات بشكل دقيق. وهذه ميزة لا تقدر بثمن، لأن ماركس كان كاتب للأدب إلى جانب الفلسفة والاقتصاد، ويجب أولاً تفسير استعاراته الأدبية بشكل صحيح، وهذا ما نجح فيه شتاينفيلد ببراعة وبعقلانية جمة. وثانيًا تسمح باستنتاجات حول المراحل تفكير ماركس وكتاباته. وكذلك وضع الكتابة والقراءة الموضوعية في مكتبة المتحف البريطاني بلندن استحقت في كتاب شتاين فيلد التوضيح وكذلك المقاطع الجذابة. فهو يبحث بعناية ويفسر استخراج المقاطع بلا كلل من الأدب والصحافة، وكذلك تقنية ماركس في تأليف مقالات وكُتب من تلك المقتطفات

يتناول شتاينفيلد بالحديث تكرارًا ومرارًا التطور الحالي للرأسمالية- ممزوجة بمهارة مع قراءة دقيقة للنصوص الأصلية- وتحليل المكاتبات الخاصة بالتشخيصات والتوقعات الماركسية. لقد تغير الوضع بشكل جذري بالنسبة لأوروبا وغيرها من المناطق الغنية: “في أغلب الأحيان يكفي تتبع مسارات الإنتاج للسلع الاستهلاكية حتى البداية حيث نقطة الانطلاق كي نقابل “الوجه المظلم” من الثروة العالمية. وبالطبع يشعر المحظوظون من لهم فرصة عمل في مجالات الازدهار والرفاهية، أنهم لم يعودا بالضرورة يُستَغلون (من قِبل صاحب العمل):  قد يكون لدى المُستَخدِم في مرحلة ما فكرة أن رب العمل يكسب من ناتج عمله أكثر مما يكسبه هو نفسه. في هذه الحالة سيقوم المُستَخدِم بتحديد تطلعه لزيادة أجر العمل في ظل الشروط المحددة مسبقًا. لكنه بذلك لا يفلت من الاستغلال بالطبع، فعلى الأقل بالنسبة للكثير من الناس، يكون الاستغلال محجوبًا من خلال حرية الاختيار”.

تقول نظرية ماركس أن الرأسمالية ستفشل بسبب مواردها المستنفذة، وأنها اليوم أكثر ضراوة بسبب الوضع البيئي الحالي، وهذا جلي أيضًا في كتاب شتاينفيلد.

في نهاية الكتاب يبقى سؤال “ما العمل؟”، أملاً ألا يتهددنا شيئًا شموليًا مرة أخرى، وأن تستطيع الاصلاحات الحكيمة منع الثورات المحفوفة بالمخاطر.


عدد القراء: 3576

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-