مشفرون: صنع قبيلة جديدة وإعادة صنع العالم
المحرر الثقافي:
الكتاب: "مشفرون: صنع قبيلة جديدة وإعادة صنع العالم"
المؤلف: كلايف تومسن
الناشر: منشورات بنغوين
اللغة: الإنجليزية
تاريخ النشر: 26 مارس 2019
عدد الصفحات: 448 صفحة
إذا أردنا أن نعرف ماذا في العالم اليوم… وغدًا، علينا أن نعرف ماذا يدور في خلد مبرمجي وادي سيليكون ومشفريه. هذا الكتاب دليلنا إلى ذلك.
عندما تحدث فضيحة في عالم البرمجيات، تتوجّه أصابع الاتهام إلى الشفرة أو إلى خلل في عمل الآلة أو كبوة تعرّض لها الذكاء الاصطناعي، كأن تُستحدث أداة جديدة تقرر أحكام السجن، ويتضح أنها تصدر أحكامًا أقسى على السود، أو تخرج عملية بحث عن لقاحات على الإنترنت بنظريات مؤامرة خبيثة.
إلقاء اللوم على آلة أمر مثير للسخرية، لأن أيدي البشر موجودة في كل ما تفعله، بما فيها الأخطاء. يتناول كلايف تومسن في كتابه الجديد “مشفرون: صنع قبيلة جديدة وإعادة صنع العالم”، هؤلاء البشر وما تفعله أياديهم على وجه التحديد. وبعين العالم الأنثروبولوجي، يستعرض صفاتهم الشخصية المختلفة وتاريخهم ومعاييرهم الثقافية.
يستطلع كيف يعيش المبرمجون، وما الذي يدفعهم، ومن أجل ماذا يتنازعون في ما بينهم. وبتفكيكه طبيعة مهنة التشفير، التي كثيرًا ما تؤديها فرق، لا نابغون يعملون بمفردهم، يزيل الغموض الذي يكتنف عملهم، ويسلط عليه الضوء. فالبشر ومثالبهم هم السبب في كون الإنترنت على النحو الذي هي عليه، سلبًا أو إيجابًا، وفي أحيان كثيرة سلبًا.
يضع تومسن في كتابه منطقة وادي سيليكون، مركز الشركات التكنولوجية، على طاولة التشريح، متسائلًا لماذا لم يتوقع مصمموها ومهندسوها استخدام منصاتها بطرق خسيسة.
يركز الكاتب على المبرمجين والمشفرين، ويتيح للقارئ أن يعرف أن التشفير ليس بتلك الصعوبة التي نتخيلها. ويشرح ما هو الفيروس الإلكتروني الذي يمكن أن يحدث بإسقاط الفاصلة التي تأتي بعد الأداة الشرطية مثلًا. ونفهم أن التشفير يتعلق بتفاصيل صغيرة، يمكن التعاطي معها وإدارتها.
المشفر الجيد يثمّن الكفاءة، والكاتب يبدأ بتقدير هذه الصفة، موضحًا ما عليه البشر من تعقيد مقارنة بعملية التشفير. لكنه يفقد متعته لاحقًا، ويدرك أن هذا العمل يدفعه إلى اكتساب عادات ذهنية تبدو كأنها نفسها نصف آلة، كما تلاحظ صحيفة “نيويورك تايمز” في مراجعتها الكتاب، مشيرة إلى أن خلفيته تتمثل في أن هناك خللًا في وادي سيليكون.
لفهم هذا الخلل، من الضروري وضع المشفرين أنفسهم وشخصياتهم تحت المجهر. فالانطوائيون هم الذين استدرجتهم مهنة التشفير، وهؤلاء لم يعطوا الأولوية للتفاعلات الإنسانية الإيجابية. والذين يتعاملون مع أفكار الفوضى يتوجسّون من إضافة صمّامات أمان إلى البرمجيات والأدوات التي ينتجونها.
لدى التعامل مع الغوريثم يصمَّم بحيث يستخدمه مليارات الناس، تكون المثالب الشخصية مهمة. وبضع بقع سوداء في نظر أفراد محدودين تعني انتقالها إلى منظومة يمكن أن تغيّر العالم.
تعيد صحيفة “نيويورك تايمز” تذكيرنا بأن عدد العاملين في خدمة إنستغرام كان 13 شخصًا عندما اشترتها فايسبوك، وفي واتساب 55 شخصًا فقط.
يلاحظ الكاتب أن البيض في الغالب الذين أنتجوا أدوات الشبكات الاجتماعية لم يدركوا خطر التحرشات والمضايقات والاعتداءات الإلكترونية، فأصبحت الأشياء التي أنتجوها قنوات لهذه الممارسات. ويذهب إلى أنه لو كانت هناك نساء أو سود يعملون معهم لكان من الجائز بناء أدوات تحمي المستخدمين من هذه الأفعال منذ البداية. لكن مصمّمي هذه الأدوات كانوا أبناء عائلات ميسورة من جامعات راقية، وبالتالي هذه العقول الفذة ركزت على تطبيقات مريحة، مثل منظومات لإيصال البقاليات إلى البيت أو تنظيف الملابس بحسب الطلب.
ينتقل تومسن إلى تهشيم الفكرة التي يروّجها المبرمجون والمشفرون عن أنفسهم بوصفهم عباقرة. يذكر قضية شركة ناشئة طردت مبرمجًا “نابغًا” عمل على تصميم شفرة معقدة، لا أحد يفك طلاسمها سواه، بعدما اكتشفت الشركة أن الإنتاجية ستكون أعلى بالاستغناء عنه. العبرة من ذلك أن الفريق الذي يعمل بصورة أفضل لا يحتاج “أبطالًا” خارقين.
في هذا الإطار، يواصل تومسن هجومه على الأساطير التي تُحاك عن وادي سيليكون، قائلًا إن التشفير ليس فنًا، على الرغم من الهالة التي يُحاط بها. ويشير إلى أن الكثير من المهندسين هناك على اقتناع بأن ذكورًا يؤدّون العمل ويصمّمون البرامج من أجل ذكور. وسيكون هناك عدد أكبر من المشفرات، إذا كانت المرأة راغبة في التشفير، وأقل عصابية من الرجل، بحسب زعمهم.
جيمس دامور، الموظف السابق في غوغل، كتب يقول إن سبب عدم وجود نساء أكثر هو أن المرأة بحكم مزاجها وطبعها ليست ملائمة لمهنة التشفير.
يفند تومسن هذا الرأي بعرض تاريخ مهنة التشفير، حين كان أفضل المبرمجين الأوائل من النساء، ويبيّن كيف أن بلدانًا أخرى تتسم بقدر أكبر من التوازن الجندري مقارنة بالولايات المتحدة. يقول: “إذا كانت المرأة عصابية بيولوجيًا، بحيث لا تتحمل المنافسة في مجال التشفير، فإن نسبة النساء إلى الرجال في مهنة البرمجة يجب أن تكون متماثلة في العالم”، لكنها ليست كذلك.
المشفرون الأبطال الوحيدون في كتاب تومسن هم مجموعة المشفرين المهووسين بأمن الاتصالات، الذين ينظرون بريبة عميقة إلى الحكومات والمراقبة والشركات التكنولوجية الكبرى. يمثلون الخير في الكتاب، لأنهم دعوا إلى الحذر مما يُصمّم من برمجيات. يكتب تومسن: “هؤلاء مصابون بجنون الارتياب قطعًا، لكن لعلنا يجب أن نكون مثلهم”.
تغريد
اكتب تعليقك