في الجحيم الأوروبي .. أوروبا 1914 ــ 1949

نشر بتاريخ: 2019-11-02

المحرر الثقافي:

الكتاب: في الجحيم الأوروبي.. أوروبا 1914 ــ 1949

تأليف: ايان كيرشو

الناشر: Penguin Books - Reprint edition

اللغة: الإنجليزية

الصفحات: 624 صفحة، القطع المتوسط

شهدت القارّة الأوروبية في النصف الأول من القرن العشرين انطلاق حربين عالميتين كان ضحيتهما عشرات الملايين من البشر وكثير من الخراب. ذلك بالتوازي مع خروج القوى الأوروبية الكبرى من مركز دائرة القرار على المستوى العالمي وصعود قوتين عظميين بعد نهاية الحرب العالمية الثانية هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق.

والمؤرّخ البريطاني الشهير ايان كيرشو، أستاذ التاريخ لسنوات طويلة في جامعة شيفلد، والذي قدّم سلسلة من الأعمال حول النازية وزعيمها هتلر، يكرّس كتابه الأخير لمحاولة إعادة قراءة التاريخ الأوروبي المضطرب الذي عرفته القارّة القديمة اعتبارًا من اندلاع الحرب العالمي الأولى عام 1914 وحتى عام 1949.

يحمل الكتاب عنوان «في الجحيم الأوروبي، 1914 ــ 1949». ويحدد المؤلف ــ المؤرّخ هدفه منذ البداية بالتأكيد أنه من الهام معرفة ما عانت منه القارة في الأمس من أجل فهم أوروبا اليوم. الخطوة الأولى في التعرّف على الواقع الأوروبي المأساوي خلال الحقبة المدروسة يتطلّب قبل كل شيء توضيح «العوامل التي قادت القارّة إلى الجحيم»، حسب التعبير المستخدم.

ويشرح المؤلف أن اختياره لعام 1949 وليس لعام 1945 عند نهاية الحرب العالمية الثانية يعود إلى رغبته في فهم «كيف استطاعت القارّة المدمّرة النهوض من رمادها، ذلك أن ملامح أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية لم تظهر واضحة سوى في عام 1949».

كما يربط ذلك بالقول أن الطموحات الألمانية بالسيطرة «لم تخمد نهائيًا» سوى في عام 1949 بينما كانت لا تزال تلك الطموحات قائمة في عام 1945. بالتوازي مع ذلك في عام 1949 امتلك الاتحاد السوفييتي قنبلته الذريّة وبرزت «الثنائية الدولية» ليسود بالوقت نفسه نوع من السلام في ظل التهديد بالدمار الشامل المتبادل. وما كان يعني قيام مرحلة عالمية، وأوروبية، جديدة.

ويركّز المؤلف تحليلاته على شرح العوامل الرئيسية التي يرى أنها كانت قائمة بقوّة خلال الفترة التي سبقت اندلاع الحرب العامية الأولى عام 1914، «الحرب الكبرى»، حسب التوصيف المستخدم لها، وبقيت تلك العوامل فاعلة في فترة ما بين الحربين العالميتين وحتى نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939.

هذا مع تحديد القول إن ألمانيا كانت هي المسرح الذي عرف أكثر تعبيرات تلك العوامل قوّة ووضوحًا. من هنا بالتحديد غدت في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي، حسب التحليلات المقدّمة، مركز «انطلاق الحروب والتدمير» على صعيد القارة الأوروبية. ومن العوامل التي ساعدت على ذلك، حسب المؤلف، وجود سلطة عسكرية قويّة فيها.

تلك العوامل التي كانت وراء نشوب النزاعات الكبرى في القارّة أو شكّلت التربة الخصبة لنشوبها يتم تحديدها في أربعة أمور أساسية تتمثّل في «تصاعد النزعات القومية المتشددة» و«تكاثر النزاعات الحدودية في القارّة» بالتوازي مع «تعاظم النزاعات الاجتماعية ذات الطبيعة الطبقية» مع انتشار الأنظمة الشمولية ــ التوتاليتارية ــ من شيوعية وفاشية ونازية، وأخيرًا «الأزمة الكبيرة والمستمرّة للرأسمالية» وانفجارها في الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية عام 1929، الأكبر في التاريخ الحديث.

تلك الأزمة التي ترتب عليها وأعقبها ما عُرف بـ«الكساد الكبير». وكان من بين أكبر نتائجها على الصعيد الأوروبي السياسي، بالتوازي مع تفاقم أزمة المنظومة الرأسمالية العالمية حتى نهاية عقد الثلاثينات، الصعود الذي عرفه الحزب النازي ووصوله إلى السلطة في ألمانيا.

هنا يفتح المؤلف قوسين كي يشرح واقع الوضع الصعب الذي كانت تعرفه ألمانيا في بداية عقد الثلاثينيات الماضي. هكذا يشير أن «15 بالمائة فقط من العاطلين عن العمل الألمان كانوا يحصلون على مستحقاتهم كاملة والضئيلة أصلاً، و25 بالمائة كانوا بحاجة لمساعدة ملحّة بينما كان 40 بالمائة يعيشون على المساعدات المقدّمة للفقراء والـ20 بالمئة الباقين لم يكونوا يحصلون على شيء»، كما نقرأ.

ذلك الوضع تلخصه جملة ينقلها المؤلف عن أحد المراقبين الألمان مفادها أن «البلاد برمّتها كانت تعيش حالة من الضنك والفقر (...). والناس يعيشون جحيمًا حقيقيًّا من البؤس والاضطهاد والمرض». ويشرح المؤلف أنه في مثل ذلك السياق صعد الحزب النازي ووصل هتلر إلى قمّة السلطة.

تجدر الإشارة أن مؤلف هذا الكتاب لا يدرس على مدى صفحاته صعود النازية في ألمانيا فحسب، لكنه يدرس أيضًا «سلوكيات» مختلف القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي قادت أوروبا خلال الفترة المعنيّة 1914ــ 1949 نحو الفوضى والحروب.

إن المؤلف يعود طويلاً وبأشكال مختلفة إلى الحرب العالمية الأولى والمذبحة التي عرفتها، حيث دفعت أوروبا نحو «الجحيم». ويشرح أن الأوروبيين ساد لديهم الاعتقاد أن تلك المأساة لن تتكرر. لكن «حتى في الجحيم يمكن أن يقع ما هو أسوأ». ولعلّ ها هو الدرس الكبير الذي يريد المؤلف أن يخرج فيه.

ولا يتردد «كيرشو» في التأكيد أن أوروبا خرجت من الحرب العالمية الأولى «مدمّرة اقتصاديا» و«نظامها السياسي وقيمها» يعانيان من هزّة كبيرة. والتأكيد أيضًا أن صدمة الجيل الأوروبي الذي خاض تلك الحرب وخرج منها حيًّا كانت، أي الصدمة، مريعة. وأثار هلع أغلبية الأوروبيين أن حربًا قاتلة أخرى انطلقت من القارّة وشكّل المدنيون هذه المرّة أحد أهدافها الرئيسية.

يصل أيان كيرشو في المحصّلة إلى أن ذلك «الجحيم الأوروبي»، كما يشير عنوان الكتاب، الذي شهد حربين كونيتين أظهر «إفلاس» النموذج ــ الموديل ــ الأوروبي وقدرته على اقتراف كل أنواع البربرية».

وكانت نتيجة ذلك التدمير الذاتي هي بروز قوتين عظميين جديدتين على المسرح العالمي هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق. ودخول القارّة «المدمرة» في محصّلة ذلك بـ«حرب باردة» تقودها تلك القوتان العالميتان.

ويشرح المؤلف ــ المؤرّخ بالكثير من التفاصيل ومن الدقّة التاريخية الفترة المضطربة التي عاشتها القارّة الأوروبية خلال النصف الأول من القرن الماضي، العشرين.

وهو يحلل الأحداث ــ الحروب المأساوية لذلك «الجحيم الأوروبي» عبر التركيز على أربعة عوامل أساسية، وهي: تعاظم النزعات القومية على خلفية إثنية ونشوب النزاعات الحدودية وانفجار أشكال الصراع الطبقي والأزمة الكبيرة والمستمرّة لأزمة الرأسمالية التي كانت أزمة عام 1929 عنوانها الأكثر بلاغة.

المؤلف في سطور

ايان كيرشو. مؤرّخ بريطاني. يعمل أستاذًا للتاريخ الحديث في جامعة شيفلد. يحظى بشهرة عالمية كمؤرّخ للنظام النازي في ألمانيا عمومًا ولسيرة حياة أدولف هتلر ولمساره السياسي خصوصًا. من مؤلفاته: سيرة حياة هتلر، عشرة قرارات غيّرت العالم، النهاية، ألمانيا 1944ــ 1945.


عدد القراء: 3247

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-