إمبراطورية الإسلام.. محاولة فهم المكوّنات الثقافية
المحرر الثقافي:
الكتاب: "إمبراطورية الإسلام"
المؤلف: غابرييل مارتنيز-غرو
الناشر: PASSES COMPOSES
تاريخ النشر: 4 سبتمبر 2019
اللغة: الفرنسية
عدد الصفحات: 350 صفحة
مما لا شكّ فيه أن الإسلام مكوّن ثقافي أساسي في فرنسا منذ عقود نظراً لوجود جالية عربية كبيرة منذ منتصف القرن الماضي، وقد كان ذلك سبباً في توليف أجيال جديدة ذات ثقافة وسيطة. لكن هذا الحضور للإسلام في الثقافة الفرنسية، هل تُسنده معرفة تاريخية؟
لا يبدو الأمر كذلك بالمرة، حيث يحضر الحديث عن الإسلام في الغالب ضمن مشاحنات أحداث الحياة اليومية وهو ما يمنع كل تقديم رصين للتاريخ الإسلامي. في كتابه الأخير، "إمبراطورية الإسلام"، الذي صدر عن منشورات " PASSES COMPOSES "، يسعى المؤرّخ الفرنسي غابرييل مارتنيز-غرو (1950) إلى سدّ هذه الثغرة.
يقدّم المؤلف إضاءة موسّعة على وجوه عدة من الحضارة العربية الإسلامية من التاريخيِّ بمعناه الحدثي إلى محاولة فهم المكوّنات الثقافية المتعددة التي صنعت هوية تربط بين جغرافيات متباعدة من المغرب الأقصى إلى الهند.
من خلال عمله واستناداً إلى طروحات المؤرّخ الألماني راينهارت كوزيليك ونظيره الفرنسي فرنسوا هارتوغ، يسعى مارتينيز غرو إلى حثّ زملائه على تغيير طريقة النظر إلى الزمن التاريخي وإلى التراتبية بين الحاضر والماضي والمستقبل. فقبل الثورة الصناعية الأولى وعلى امتداد آلاف السنين، اعْتُبِرَ الماضي عصراً ذهبيّاً ولم يكن الحاضر سوى صدى خافت له. ثم انطلاقاً من النصف الثاني من القرن الثامن عشر، افْتُتِحَت حقبة تأريخيّة جديدة أضحى فيها المستقبل "المُضيء دوماً" مفتاح فهم الحاضر والماضي. ويرى الكاتب أنّ تلك الحقبة آيلة إلى الأفول اليوم، إذ إنّ التأريخ التقدّمي المهووس بالمستقبل وبالنموذج الغربي فقد الكثير من قدرته على الإقناع، وسط زمنٍ لا يتميّز بأزمات الاقتصاد المُعَوْلَم المتكرّرة وبتداعياتها في مجالات الصحّة والبيئة والمناخ فحسب، بل يكشف محدوديّة تأثير الأنظمة السياسية الغربية في أكثر من منطقة في العالم.
لذا، لا بدّ من قطيعة منهجية تنقلنا من الشغف بـ"مستقبلٍ ذي أغوارٍ مُتَعَذِّر سَبْرُها" إلى الالتفات إلى "ماضٍ ذي مُدَوَّنة مُحْكَمة" تُسهّل عمل المؤرّخ. ويبدو أنّ الاعتماد على ابن خلدون يساعدنا في ذلك. فخلافاً للزمن الذي نشأ فيه مارتينيز-غرو حيث لَحْظُ ظواهر التقدّم والتغيّر و"الارتعاش أمام آفاق لامتناهية" كانا سيّدي الموقف، تتيح العودة اليوم إلى كاتبٍ عاش في القرن الرابع عشر (1332-1406م) لَحْظ ظواهر أكثر بنيويّة بواسطة إطارات تحليل ومصطلحات تتبدّى مع اﻷيّام فائدتها في فهم عالمنا المعاصر
يشير المؤلف إلى أنه هدف بهذا العمل إلى تجاوز ما يسميه بـ"تاريخ الإسلام من زاوية الغرب"، حيث يستند إلى مراجع عربية أساساً ولا يدخل في تأويل الأحداث التاريخية. يعتمد المؤرّخ الفرنسي بالخصوص على مدوّنة بن خلدون باعتبارها تحمل وجهين؛ الأول أنها تضمّنت كتابة تاريخية بالمعنى الكلاسيكي، والثانية أنها تحمل نزعة تأملية في مسارات التاريخ الإسلامي وأبرز محطاته.
هذا الاعتماد على صاحب المقدّمة ليس غريباً عن مارتينيز-غرو باعتباره متخصصاً في فكره وسبق له أن أصدر كتاباً حوله بعنوان: "ابن خلدون والحيوات السبعة للإسلام" (2007). ومن مؤلفاته الأخرى: "الأيديولوجيا الأموية" (1992)، و"الهوية الأندلسية" (1997)، و"تاريخ موجز للإمبراطوريات" (2014).
تغريد
اكتب تعليقك