أصول ما بعد الحداثة
المحرر الثقافي:
الكتاب: "أصول ما بعد الحداثة"
المؤلف: بيري أندرسون
المترجم: خليد كدري
الناشر: "صفحة سبعة"
إذا كان مصطلح "الحداثة" يدلّ، لدى أغلب المؤرّخين، على مرحلة زمنية ومجموعة من الأفكار المتّفق على طبيعتها، فإن مفهوم "ما بعد الحداثة" يبقى، بدوره، أكثر ضبابيةً: هل يشمل كلّ المنجزات الفكرية والفنية والثقافية التي جاءت بعد الحداثة، أو التي أرادت مُعارضتها؟ وهل هو تيّار فلسفي، أم أنه ذو منشأ فنّي؟ وهل وُلد بالفعل في فرنسا أم في الولايات المتّحدة؟
عن هذه الأسئلة، وكثير غيرها، يجيب كتاب "أصول ما بعد الحداثة" للمؤرّخ البريطاني بيري أندرسون (1938)، والصادرة حديثاً نسختُه العربية عن منشورات "صفحة سبعة" بترجمة خليد كدري.
بخلاف أغلب الكتب التي تركّز على إحصاء وتوصيف المظاهر ما بعد الحداثية في مختلف حقول الفكر والفن (كما هو حال كتاب كريسوفر باتلر "ما بعد الحداثة" في سلسلة "مقدّمة قصيرة جدّاً" التي تترجمها "مؤسسة هنداوي")، يقترح قراءة تاريخية دقيقة، وهو ما يساعده، ويساعدنا معه، في الخروج من عدد من الأفكار المسبقة عن ما بعد الحداثة.
يتعلّق أوّلُ هذه التفنيدات بمنشأ ما بعد الحداثة، حيث ظهر المصطلح للمرة الأولى في عام 1934 على يد الناقد الأدبي الإسباني، الذي كان مقيماً في بورتو ريكو، فيديريكو دي أونيس (1885 ــ 1966)، والذي استخدمه ضمن تمييز بين نوعين من الآداب التي عرفتها اللغة الإسبانية منذ الحداثة.
ولن يذيع صيت المصطلح بين حقول الكتابة والفن إلّا بُعيد نشر المفكّر الفرنسي جان فرنسوا ليوتار كتابه "الوضع ما بعد الحداثي" (1979)، والذي عرّف هذه المرحلة الجديدة بكونها فترة لم يعد فيها أي معنى للسرديات الكُبرى.
لكنّ بيري أندرسون يذهب مرّة أُخرى في اتجاه آخر غير الذي قد يتوقّعه القارئ. إذ بدلاً من البحث في النقاشات ما بعد الحداثية بين المؤلّفين الفرنسيين الذين عادةً ما يُنسبون إلى هذا التيار (دريدا، فوكو، بودريار، إلخ)، فإنّه يسلّط الضوء على أعمال الناقد الأدبي والمنظّر الماركسي الأميركي فريديرك جايمسون (1934).
ويرى المؤلّف أن جايمسون هو أكثر مَن أعطى معنى عميقاً لمصطلح ما بعد الحداثة، الذي رأى فيه تعبيراً عن "المنطق الثقافي الذي يميّز المرحلة المتأخّرة من الرأسمالية"، أي هذه الفترة التي نعيشها، وهو منطقٌ لا يخصّ الغرب الرأسمالي وحده، بل مجمل المعمورة، وهو تمييزٌ أساسي، بحسب جايمسون، بين الحداثة، التي تُشير إلى أوروبا وتاريخها، وبين ما بعد الحداثة، بوصفها تعريفاً لظاهرة تتخطى حدود هذه القارة لتُشير إلى عالمنا المعولَم تحت تأثير الرأسمالية.
تغريد
اكتب تعليقك