«ذاكرة الفلّ» يحلّ في أبوظبي
فكر – أبوظبي:
معرض متميز بلوحاته وألوانه التي أبدعتها ريشة الفنان السعودي عبد الوهاب عطيف، هكذا يمكن وصف المعرض الذي افتتح في غاليري «آرت هاب» بأبوظبي، بـعنوان «ذاكرة الفل»، بحضور محمد المسعودي مدير الشؤون الثقافية بالسفارة السعودية، وسفير كولومبيا بالإمارات، وأحمد اليافعي، مدير «آرت هاب». وهو المعرض الأول للفنان خارج المملكة، وجاء ضمن برنامج الفنان المقيم الذي يخصص لدولة من دول العالم في كل شهر.
ورسمت أعمال المعرض بألوان وتقنيات متنوعة (زيتي، باستيل، زيت على سعف، أكريليك، أصباغ شعبية على سعف) وهي جميعها مستوحاة من المشغولات الشعبية في بيئته الريفية، في جازان. ويكفي أن نتجول بين تلك الأعمال ونستعرض العناوين حتى نتبين الموضوعات التي استأثرت باهتمام الفنان ورؤاه وتصوراته.
في المعرض أكثر من لوحة حملت عنوان «فجريات»، تميزت بلونها الأحمر الأرجواني الذي تشرب بالبنفسجي، فيما تتلامح تفاصيل المنظر من وراء غشاء ضبابي يوحي بالفجر، بينما نرى لوحة «غروب» سوداء غامقة في أرضيتها تعكس الجمال بألوان داكنة تبدو كأنها ظلال، في حين امتد اللون البرتقالي بتدرجاته فوق الأفق ليوحي بسماء الغروب. أما لوحات «صباح ممطر»، «قبل العاصفة»، «مساءات العجاج»، «العيد»، و«حوار» فجاءت في ألوان زاهية توحي لك بموضوعها قبل أن تقرأ العنوان.
وفي لوحات «نغم»، «الماشطة»، «رف من بيتنا» «زنابيل»، و «من منزلي» نرى عدداً من أطباق السعف المعلقة على الجدار والأوعية المزخرفة بخطوط هندسية بسيطة، وأكثر من لوحة تحمل عنوان «التراث»، أما مسك الختام فهو تلك التشكيلة النادرة من لوحات أزهار الفل، ويبدو أن هذه الأزهار البيضاء الجميلة هي كالصباح في جازان، مدينة الفنان، ومنها: «فل.. وفل»، «سهرة على ضفاف الفل»، «من ذاكرة الفل»، و«ناظمة الفل»، فضلاً عن أن المعرض نفسه يستوحي عنوانه من هذه الزهرة الجميلة.
خمسون لوحة، تجعلك كل منها تقف أمامها طويلاً لتتأملها وتغوص في تفاصيلها بمتعة وإعجاب، وكأنك تعيش في تلك الأرض الطيبة.
ويقول الفنان عطيف: «عملي يركز على الموروث لأني أنا الموروث. أما عن السعف فقد وجدت أن هذه الخامة تملك إمكانيات كثيرة لتهبني لوحات ذات أسلوبية مختلفة وبتقنية ودقة في العمل، كذلك الأمر مع الأصباغ الشعبية المأخوذة من التربة والمرسومة على الخوص، هذه التجربة أعطتني الكثير، وأتمنى أن تكون المحطة الأولى في مسيرتي الفنية».
ويرى الفنان أن ارتباط الفنان بالبيئة يجعله يبحث داخل مكون الموروث ليصل إلى ما يريد، ثم يضيف عليه لتكتمل رؤيته الفنية للعمل، ويوضح: «أعمالي وألواني من لون الطين والتراب الذي عشت فيه، وهو الأحمر والأبيض والأسود، وهي ألوان حارة وباردة وأعمل على التوازن بينها إلى أن يكتمل العمل».
وأضاف: «يضم هذا المعرض زهاء 50 عملاً فنياً بعضها جديد وبعضها قديم، اشتغلت عليه منذ 15 سنة ضمن مشروعي الفني لتوثيق الموروث التراثي والثقافي العربي، وهي في مجملها خلاصة معرضي الأول الذي تنقلت به في عدة مدن في الملكة العربية السعودية»، مشيراً إلى أن الفن يجب أن يكون مرتبطاً ببيئة الفنان حتى يكون معبراً وصادقاً ويصل إلى الناس».
وأوضح عطيف: «أنه قام بجمع هذه المجموعة الفنية بهدف توثيق الحياة القديمة، ونقل الموروث الثقافي بصورة معاصرة، استخدم فيها أكثر من طريقة للرسم لمعالجة موضوعات متعددة تظهر عنايته واهتمامه بالبيئة التراثية التي نشأ فيها، مولعاً بأدبيات وتقنيات رسوم الحقول والفضاءات المفتوحة وممارسات الحياة اليومية. وتظهر في أعماله ألوان ومشاهد حيوية لحياة ابن الريف بحميمية تكاد تصل حد الالتصاق بهذه المشاهد الأكثر ثراء وواقعية وتحمل رائحة الأرض. كما سعى عطيف إلى إنتاج وتكوين وحدات زخرفية مستقاة من جماليات محيطه البيئي مستفيداً من تقنيات الرسم الهندسي الذي يعدّ فناً قابلاً للمعالجة والإفادة منه، ويحول طابعه الهندسي وآليات إنتاجه التقنية بينه وبين معالجة بعض قِيَمه والانطلاق منها إلى تكوين وحدات جمالية ذات طابع زخرفي.
ويختتم الفنان حديثه عن معرض وسرّ تسميته: «لأن الفل رمز الليالي في ذاك الزمان، الفل رمز البهجة، رائحة الفل تجعل الإنسان ينسى همومه وصعوبة الحياة ومشقة المعاناة، في الصباح يصحو على رائحة الفل، ومساء يعود إلى البيت مع رائحة الفل».
ويقول اليافعي: «إن افتتاح المعرض يعتبر حدثاً فنياً مهماً بالنسبة للمجمع، لاحتضان أعمال الفنان عبد الوهاب عطيف، وما تتسم به من إبداع وتميز بحكم اشتغاله على توثيق التراث عبر استخدام أساليب معاصرة. مضيفاً أن المعرض يقدم صورة مشرقة للموروث الثقافي العربي بأسلوب فني فريد».
تغريد
اكتب تعليقك