شعراء وباحثون يناقشون الراهن الشعري في المغرب

نشر بتاريخ: 2015-05-25

فكر:

نظم اتحاد كتاب المغرب - فرع مراكش بفضاء مكتبة آفاق بمراكش، بشراكة مع مركز عناية للتنمية والاجتماعية بالمغرب ومؤسسة آفاق للدراسات والنشر، لقاءً ثقافيًّا بمناسبة صدور كتاب "في راهن الشعر المغربي: من الجيل إلى الحساسية" للشاعر والناقد المغربي عبداللطيف الوراري.

واستهل الشاعر والإعلامي د. مصطفى غلمان اللقاء بكلمة ذكّر فيها الحضور بدواعي اللقاء الذي يأتي للتداول في واقع الحركة الشعرية المغربية، قائلاً: إن الكتاب يجسد "لحظة فارقة من تاريخنا الأدبي" إذ يعبر عن موضوعه معرفيّاً ومفاهيميّاً، ويقع في عمق تحولات الكتابة النقدية المعاصرة.

واحتفاء بصاحب الكتاب، أشار غلمان إلى أن "عبداللطيف الوراري ابن مدرسة واعية بثقافتها، يقع في عمق تحولات الكتابة النقدية المعاصرة، ويستقي رؤيته من الشعرية نظرية وممارسة".

من جهته، أكد الناقد والباحث الأكاديمي د. محمد تنفو أنّ الباحث اشتغل في كتابه على التحرر من لعنة الصاحب بن عباد "هذه بضاعتنا ردت إلينا"، وعقدة قتل الأب، والخروج من معطف الأب، مُتسلّحاً بعدة معرفية لغوية وبلاغية عربية وغربية. مضيفا: "إن الكتاب جاء مرافعة نقدية تنتصر للشعر المغربي، ولمفهومي الحساسية والراهن، وتضرب صفحاً عن النقد الإقصائي، وتمزج بين الصرامة المنهجية والقراءة العاشقة المتبتلة في محراب التجربة الإبداعية التي يخوضها الباحث".

وأوضح محمد تنفو أن الكتاب محاولة شامخة متماهية مع متن شعري مغربي تشكلت بداياته في التسعينيات من القرن الماضي، وامتدت لتصل إلى الألفية الثالثة، ومازالت إلى الآن في طور التشكل.

من جهة أخرى ركز الشاعر والباحث الأكاديمي د. عبداللطيف السخيري أثناء مداخلته على "الاختيار المفهومي" للكتاب، مشيرا إلى قيمة الكتاب، وهي – في نظره - "قيمة مضاعفة لدواعٍ عدة. أولها أنه دراسة نقدية صادرة عن شاعر ينتمي إلى الحساسية الجديدة في الشعر المغربي، وإن لم يصنف نفسه كذلك، ولم يجعل قصيدته موضوعاً للتحليل في متن الكتاب، وأهل الشعر أعلم بصناعته، وأعرف بمضايقه، وأجدر أن ينفذوا إلى معالمه البنائية والدلالية، ويرتادوا مجاهل تأويلاته، ناهيك عن الحكم بقيمته إبداعاً أو تهافُتاً.

وأما ثاني الدواعي، يضيف السخيري، فهو الشجاعة النقدية في مواجهة متن الشعر المغربي الراهن، وما يطرحه من إشكالات المعاصرة وحُجُبِها، وصعوبة تجميع المادة لاتساع منادحها، فضلاً عن قراءته والكشف عن خصوصياته".

ومعلوم أن دراسة متْنٍ هذه سماتُهُ، يضيف السخيري، تتطلّبُ تصوُّراً نقديّاً، وعدة منهجية، تتوفر على كفاءة وملاءمة تخولان لها تأسيس معرفة بالمتن الشعري، في أفق تقويمه بمعنيي التقويم: بيان القيمة، وتقويم المنآد، في أفق فتح آفاق رحيبة للكتابة.

وأضاف الباحث: "إن إشكال المتن الشعري الراهن يتجلى في أن نهره لا يتوقف على التدفق، ترفده روافد شعرية، وشجون من التجارب. وهذا يفرض اقتطاع لحظة منه، وتسييجها بسياج زماني (مفهوم الراهن وتبريراته)، ومكاني (المغربي)".

وفي هذا السياق استدلّ بما يقوله الناقد نفسه من أن "الراهن هو ما انتهى إليه زمن الكتابة في الشعر، وهو بهذا المعنى ما يفتأ يتغير ويتحول. إن الراهن لم يعد جيلا نعيشه، وإنما تخلُقه وتتفاعل داخله تجارب ورؤى وحساسيات مختلفة، متمايزة وغير متجانسة في تصورها للفعل الكتابي وتدبر طرائق إنجازه".

وتابع مدخلته بقوله إن التسييج المفاهيمي قاده - بحثاً عن مزيد من الدقة والمردودية - إلى تحديد سمات الراهن الشعري في سمتين جوهريتين: أولاً، التعددية بدل الواحدية من خلال التطور الكمي بالنشر والمساهمة الوازنة للشعر النسائي وظاهرة المهجرية.

وثانيا: الفردية عوض الأجيال، إذ ساهم شعراء وشواعر من أجيال مختلفة في تشكيل فسيفساء الراهن الشعري، مع هيمنة واضحة للاختيارين التفعيلي والنثري.

ثم تطرّق إلى المداخل السبعة التي اختارها الباحث للدراسة، وهي: الرؤيا، والمغامرة العروضية، وفضاء الكتابة، والشذرة والسخرية، وتأنيث الكتابة، وظاهرة المهجرية، والحساسية الجديدة.

وفي نهاية مداخلته، جرد المتدخل أهم الإشكالات التي يطرحها الكتاب، وهي شساعة المتن وتعدد الحساسيات فيه ما يطرح إشكال الدراسة والتصنيف، وإشكالية الإيقاع الذي غدا مرتبطاً بالذات الكاتبة، ومن ثمة صار لكل تجربة شعرية إيقاعها، بل صار لكل قصيدة إيقاعها المتفرد، والأمر نفسه يخص شكل القصيدة، فنظريّاً صار من المستحيل الإمساك به.

وينتج عن هذا الشعور بالتحرر في تحديث القصيدة المغربية وفتحها على المغامرة والمجهول. فقد يصير ذلك انفلاتاً لا ضابط له. وقد أشار إليه الناقد غير ما مرة، حيث استسهال الكتابة، وإغراءات قصيدة النثر. وحجاب المعاصرة الذي راهن الناقد عبداللطيف الوراري، على تجاوزه بدراسة نقدية تفتح الباب مشرعاً. أمام مقابلة المغامرة الشعرية بمغامرة نقدية لها تصورها وعدتها المنهجية التي تنطلق من نصوص المتن لاستخلاص المداخل الكفيلة بسفر نقدي سندبادي يغري بالمغامرة ويعد بعودة ظافرة أهمُّ جواهرها الأسئلة التي يدلل على قيمتها ذلك الجدل الذي رافق ظهور الكتاب، وهو ما يشي بقيمته النوعية في نقد راهن الشعر المغربي.

وفي ختام اللقاء، قال عبداللطيف الوراري، صاحب الكتاب موضوع اللقاء الاحتفائي، "إنّ الكتاب هو ثمرة إصغاء وتأمُّل ونقاش حول وضع الشعر المغربي المعاصر ورؤاه وجمالياته وآليات تدبُّره للكيان الشعري منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.. في المسافة الزمنيّة القائمة بين نهايات القرن الفائت وبدايات الألفية الثالثة".

وعرج على الأسئلة التي أثارها المتدخلون وطرف من الحضور النوعي، لاسيما في ما يتعلق بمفهوم الحساسية وملاءمته بدلاً من مفهوم الجيل، والمتن الشعري وطابعه الانتقائي، وطرق تدبير إشكالات الدراسة عبر فصولها الخمسة. وذكر الوراري بأنّ كل طبعة جديدة للكتاب ستكون منقحة ومزيدة، انسجاماً مع مفهوم الراهن والحساسية معاً، باعتباره سيرورة كتابية وجمالية ممتدّة في الزمن وغير مغلقة.


عدد القراء: 3111

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-