مارفن كالب وكتاب «الرهان الإمبريالي» والحرب الباردة الجديدة
فكر – المحرر الثقافي:
في شهر آذار/مارس من عام 2014 اجتاحت القوات الروسية بأوامر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شبه جزيرة القرم. كانت تلك العملية التي أثارت أكبر قدر من التوتر بين روسيا والعالم الغربي منذ سقوط الاتحاد السوفييتي السابق. ذلك خاصّة أن أوكرانيا تتطلع إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وأن تكون جزءاً من أوروبا كي تبتعد بذلك عن روسيا المجاورة.
ذلك الاجتياح الروسي لشبه جزيرة القرم رأى به الصحفي الأمريكي والأستاذ السابق في جامعة هارفارد «مارفن كالب» نوعاً من «الحرب الباردة الجديدة». ذلك كما يشرح في كتابه الأخير الذي يحمل عنوان «الرهان الإمبريالي» والذي يتعرّض فيه للعلاقات الروسية الأوكرانية في ظل رئاسة فلاديمير بوتين.
ويقدّم المؤلف عرضاً تاريخياً موجزاً لمنطقة شبه جزيرة القرم منذ أن كانت «إحدى أيقونات» كاترين الثانية وحتى أصبحت فيما بعد إحدى نقاط التوتر المستمر في العلاقات الدولية. ويعود المؤلف في هذا السياق إلى المسار التاريخي الذي عرفته هذه المنطقة من العالم التي تشمل روسيا وأوكرانيا وشبه جزيرة القرم خلال القرون الإثني عشر الأخيرة.
لكن المؤلف يتوقف طويلاً أيضاً عند شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه. ويصفه أنه رجل استخبارات سابق في جهاز «الكي جي بي» السوفييتي الشهير. ويعيد إلى الذاكرة أنه كان مسؤولاً عن العمليات الاستخباراتية السوفييتية في ألمانيا الشرقية عندما عرفت الانتفاضة الشعبية للتخلّص من الشيوعية. والدرس الذي فهمه من تلك الانتفاضة أنه لا ينبغي أبداً «ترك الشارع يحدد الخط السياسي للبلاد».
وكان أول عمل قام به عندما وصل إلى الكرملين أنه جمع بيديه كل السلطات، وفي مثل ذلك السياق أيضاً أعطى بوتين الأوامر إلى قادته العسكريين كي يكونوا على أهبة الاستعداد للتدخل في أوكرانيا.
لكنه ترك عمليات التحضير كلّها «بعيداً عن أنظار وسائل الإعلام». وفي مطلع ربيع العام التالي 2014 وأمام تعاظم التظاهرات في أوكرانيا قرر الرئيس الروسي التحرّك العسكري وضمّ شبه جزيرة القرم على أساس أنها «أرض روسية منذ أن تملّكتها كاترين الثانية عام 1783». ذلك في أفق منع استقلال أوكرانيا إلى درجة يمكنها معها أن تكون «مصدر متاعب وأزمات» بالنسبة لروسيا.
ويقوم المؤلف في هذا الإطار بنوع من المقارنة بين سياسة فلاديمير بوتين حيال أوكرانيا وبين سياساته حيال مناطق الأخرى ــ على غرار سوريا. ويرى أنه في جميع الحالات يقوم بـ «اللجوء إلى استخدام القوّة من أجل تحقيق أهداف سياسية».
والتنبيه أنه حيال الرهانات التي يأخذها في أوكرانيا، كما في سوريا، هناك «الخشية في أن يختار المزايدة في التصعيد وليس العمل للوصول إلى مصالحات توفيقية»، كما يشرح المؤلف، ومما يشير له المؤلف أن «بوتين» يفعل ذلك ليس من موقع القوّة ولكن بالأحرى «من موقع الضعف»، وعلى خلفية إدراك أن روسيا تعاني من «الهشاشة».
ومما يشرحه «مورفن كالب» أن المنطقة المعنية بالدراسة تتسم بقدر كبير من التداخل ومن التمازج بحيث يبدو أنها تشكّل مجموعاً واحداً. ذلك يجده بشكل خاص على مستوى تداخل الحدود واللغات والثقافات وإلى درجة يرى فيها أنه «يمكن للمرء أن يجتاز إمبراطوريات دون مغادرة المنزل نفسه». من هنا بالتحديد يتم التأكيد أنه من الصعب تصوّر الانفصال الكامل والشامل مستقبلاً بين روسيا وأوكرانيا. ذلك بحكم روابط الجغرافيا والتاريخ والسياسة والثقافة.
إنه كتاب يؤكّد فيه مؤلفه أن أوكرانيا، رغم اعتراف الجميع من أوروبا والولايات المتحدة وروسيا نفسها، كمسألة تتطلب البحث عن حل، فإنها تبقى أزمة يمكن أن تكون لها مخاطرها على الصعيد العالمي.
تغريد
اكتب تعليقك