فرانسوا نودلمان وكتاب «عباقرة ويكذبون»

نشر بتاريخ: 2016-01-13

فكر- المحرر الثقافي:

من المفارقات التي يتم ذكرها كثيراً بالنسبة للمثقفين، حتى أولئك الأكثر شهرة منهم، أن هناك هوّة كبيرة بين ما يطرحونه من أفكار وبين ما يمارسونه من سلوك على مستوى حياتهم الشخصيّة وعلاقاتهم مع الآخرين. هذا ليس مرهوناً بفترة أو عصر أو بهذه الحضارة أو تلك.

و«فرانسوا نودلمان» هو فيلسوف فرنسي معروف وأستاذ للفلسفة في جامعتي نيويورك وباريس الثامنة ومدير سابق للمعهد الدولي للفلسفة، يكرّس كتابه الأخير للبحث كيف أن فلاسفة ومفكرين كبار «كذّبوا» في سلوكهم وحياتهم اليومية ما كانوا قد أعلنوه ونشروه من مبادئ.

يحمل الكتاب عنوان «عباقرة ويكذبون» أو «عبقرية الكذب» عندما ترتبط ممارسته بعباقرة تركوا بصماتهم على التراث في حضاراتهم وفي حالات كثيرة في الفكر العالمي. ومن بين هؤلاء الذين يتعرّض لهم مؤلف الكتاب أسماء من وزن أفلاطون وجان جاك روسو وجان بول سارتر وميشيل فوكو وجيل ديللوز وسيمون دو بوفوار وكثير غيرهم.

في البداية يطرح «فرانسوا نودلمان» عدداً من الأسئلة من نوع: هل تأكيد نظرية وعيش عكسها على صعيد الحياة الشخصيّة هو تناقض أو كذب أو تعبير عن حريّة الفعل؟ وهل الفلاسفة الذين يعلنون تمسّكهم بالحقيقة بينما هم في الحقيقة يمارسون الكذب، عباقرة أو منافقون؟

مهما تكن الإجابة على مثل هذه الأسئلة المثيرة، يشرح المؤلف على مدى صفحات هذا الكتاب أن مسيرة حياة «زملائه» الفلاسفة تكون أحياناً في حالة «تناقض صارخ» مع أفكارهم ومفاهيمهم.

وينطلق «فرانسوا نودلمان» في استعراض كيفية تبدّي ذلك التناقض بين الفكر والممارسة لدى عدد من الفلاسفة والمفكّرين الذين يثيرون إعجابه الكبير. هكذا يعيدنا إلى الفيلسوف والمفكر الفرنسي الشهير جان جاك روسو صاحب كتاب «إيميل» الذي يتمّ النظر له حتى اليوم كأحد المراجع التربوية.

لكن روسو هو أيضاً الأب الذي تخلّى عن أطفاله الخمسة لإحدى مؤسسات رعاية الأطفال. بل وهو يبرر ذلك في كتابه الشهير «الاعترافات». والإشارة أيضاً أن روسّو، بسبب «كذبه على نفسه»، اعتقد أن العالم يعيب عليه مبادئه على الصعيد التربوي.

وميشيل فوكو فيلسوف آخر أثار الكثير من الإعجاب لدى مؤلف الكتاب. ويذكر أن فوكو كان قد كرّس المحاضرات ــ الدروس التي كان يلقيها في «الكوليج دو فرانس» خلال ربيع عام 1984ــ لمعالجة موضوع «شجاعة الحقيقة». لكنه هو نفسه لم يمتلك تلك الشجاعة ويبوح لأصدقائه بحقيقة المرض ــ الأيدز ــ الذي أنهى حياته بعد أشهر قليلة.

ويكرّس المؤلف العديد من الصفحات للثنائي جان بول سارتر الذي رفع شعار «الالتزام» وعاش الحرب في موقع متراجع، وسيمون دو بوفوار، مؤلفة كتاب «الجنس الثاني» الذي رفعت فيه شعارات تحرير المرأة لكنها هي نفسها التي كتبت رسائل كثيرة لعشيقها الروائي الأمريكي نلسون الليغرن، أعلنت فيها أنها «تحلم أن تكون امرأة خاضعة» تفعل ما يريد.


عدد القراء: 3228

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-