«رسائل إلى الوطن» جزء ثان من مذكرات أميرة عربية
الأميرة سالمة بنت السيد سعيد بن سلطان تحكي تفاصيل الواقع الأليم الذي تعرضت له بعد فقد زوجها وتكشف الظروف الصعبة التي مرت بها.
فكر – المحرر الثقافي:
كتاب "رسائل إلى الوطن" للسيدة سالمة بنت السيد سعيد بن سلطان عبارة عن مذكرات للأميرة العربية مكتوب في شكل رسائل، لكنه ظل غائبًا عن الترجمة إلى اللغة العربية، رغم أن الجزء الأول من المذكرات لقي رواجًا كبيرًا في الشرق والغرب عندما نشرت طبعته الألمانية عام 1855، نظرًا لما حوته تلك المذكرات من كشف الكثير من تفاصيل الحياة الشرقية التي كانت غائبة عن الأوروبيين.
الكتاب هو الثاني للأميرة سالمة، وقد ترجمه من الألمانية إلى العربية زاهر الهنائي ليصدر عن منشورات الجمل كجزء ثان وتكملة لمذكراتها، ويتضمن الكتاب تفاصيل حياة الأميرة في ألمانيا، منذ لحظة انطلاق رحلتها إلى الشمال من عدن (يونيو 1867) عبورا بالبحر الأحمر، وتنتهي الرسائل عند انتقالها للعيش في برلين، بداية الثمانينات من القرن 19 كما يذكر المترجم.
وتعتبر هذه الرسائل سردًا متدفقًا بلا انقطاع، تظهر فيه المعاناة الصعبة والواقع الأليم للأميرة من خلال ثلاثة مشاهد رئيسية. المشهد الأول ما قبل الفاجعة، والمشهد المركزي الفاجعة، والمشهد الأخير ما بعد الفاجعة، وقد خيم على جميع المشاهد بلا استثناء جو الحزن والألم ومرارة الغربة والحنين إلى الوطن والاغتراب الروحي.
وحول سبب تأخر صدور الرسائل يقول الهنائي "عندما وجد أولادها مخطوط الرسائل في تركتها، واطلعوا عليه أصابهم الذهول مما سجلته أمهم من مذكرات أليمة ومعاناة مريرة، فالرسائل تحكي تفاصيل ذلك الواقع الأليم الذي تعرضت له بعد فقد زوجها وتكشف الظروف الصعبة التي مرت بها. ولذلك حصل بينهم خلاف في مسألة نشرها، فقد أبدت ابنتاها تحفظًا على ذلك، وكانت حجتهما أن نشر الرسائل سيظهر خصوصية الأم إلى العلن، ومن باب إنساني ينبغي عدم فعل ذلك، أو على الأقل ينبغي إجراء بعض التعديلات وحذف ما يلزم. ويبدو أنه تم الاتفاق بين الإخوة بعد ذلك على أن تسلم مخطوطة الرسائل إلى المستشرق الهولندي بجامعة لايدن البروفيسور سنوك هُرْخرونيه. وفعلاً قام ابنها سعيد بتسليمها إليه سنة 1929 مع ملاحظة كتابية نصها "يُمنع نشر رسائل إلى الوطن دون إذن قبل 1 يناير 1940".
وهكذا بقي المخطوط بعيدًا عن النشر حتى قام الباحث الهولندي بنشرها سنة 1993 باللغة الإنكليزية مع سائر كتاباتها الأخرى، وهي المذكرات ونص قصير من عشر صفحات تقريبًا تكملة لمذكراتها، تحكي فيه تفاصيل رحلتها الثانية إلى زنجبار بعد موت أخيها برغش 1888، ونص قصير أيضًا عن عادات وتقاليد سورية رصدت فيه الحالة الاجتماعية آنذاك. ثم قام بعدها السفير الألماني الأسبق في تنزانيا هاينز شنيبن بنشر الرسائل مستقلة سنة 1999 مع مقدمة وخاتمة وأوضح أهمية الرسائل باعتبارها وثيقة لحياة سالمة وعصرها (1867-1884)، كما كشف عن المصادر التي استند إليها في عمله، وهي مادة جيدة للدارسين والمهتمين بسالمة وإرثها الكتابي.
الرسائل كانت موجهة إلى صديقة افتراضية من زنجبار، فلو كانت صديقة حقيقية لما خاطبتها بلغة ألمانية لا تفهمها. ولكنها كانت تريد أن توصل رسائلها إلى أولادها بعد موتها، ويبدو أنها أخفت عنهم في حياتها كل تلك التفاصيل المؤلمة، وتركت لهم معرفة ذلك والاطلاع عليه بعد وفاتها.
ويقول الهنائي إن السيدة سالمة حضرت بشكل كبير في الأدب الأوروبي وخاصة عند الألمان الذين اهتموا كثيرًا بها، وتجسد في نشر مذكراتها ورسائلها وترجمتها، كما كان لها حضور في أعمال روائيين لهم سمعتهم في الوسط الأدبي من أمثال الروائية الألمانية نيكولا تسي فوسلر في عملها الروائي "نجوم على زنجبار، 2010"، ورواية "دي كاديتن، طلاب الكلية الحربية، 1957" للكاتب إرنست فون سالومون، ورواية "زنجبار بلوز، أو كيف اكتشفتُ ليفينغستون، 2008" للروائي هانس كريستوف بوخ، والرواية الإنكليزية "ريح التجارة، 1982" لماري إم كيه، وقد ترجمت إلى اللغة الألمانية بعنوان "جزيرة في العاصفة"، وهناك عمل روائي آخر للكاتب والأديب السويسري لوكاس هارتمان بعنوان "وداع زنجبار، 2013".
كتاب "مذكرات أميرة عربية" لم يحظ حتى الآن بترجمة تستحقها. فرغم الترجمتين اللتين تم نشرهما إلا أنهما لم تنظرًا إلى المذكرات على أنها وثيقة تاريخية، ينبغي تقديمها للقارئ كما هي في الأصل دون زيادة عليه أو نقصان أو تحريف، فالقيسي الذي ترجم المذكرات لأول مرة عن اللغة الإنكليزية كان يتصرف في النص ويحاول تلطيف العبارات قليلاً خوفًا من أن يصدم القارئ، وقد بينت المترجمة سالمة صالح شيئًا من ذلك في مقدمتها، ولكنها هي أيضًا وقعت في الأمر نفسه وربما كانت تخشى على القارئ من الصدمة، معتبرة أن ذلك ليس مبررًا لتلطيف العبارة أو محاولة تخفيف وقعها عليه دون الإشارة في أقل تقدير إلى هذا التغيير في مضمون النص أو التنبيه على ذلك في مقدمة الكتاب.
تغريد
اكتب تعليقك