القراءة الجديدة .. المعايير المتغيرة للخيال في العصر الرقمي
خاص – مجلة فكر الثقافية
في هذا الوقت، كان لدى العديد من الناشرين إستراتيجية رقمية بسيطة للغاية لتحويل كتبهم المطبوعة الحالية إلى كتب إلكترونية. لا حرج في هذه الاستراتيجية، لكن أعتقد أن عامل الشكل اللوحي يوفر فرصة لإعادة اختراع تجربة الكتاب.
للقيام بذلك، أننا بحاجة إلى البدء بسؤال أساسي: ما هو الكتاب؟
بالنسبة للكثيرين، تعتبر الكتب أكثر من مجرد كلمات على الصفحة. تسمح الكتب الجيدة للخيال بتجربة القصة بقوة. تتمتع الكتب في العصر الرقمي بفرصة للاستفادة من هذه التجارب - التجارب التي كانت في الماضي مقتصرة على الكلمات على الصفحة نظرًا لكون الطباعة وسيطًا تناظريًا. مع ظهور الأجهزة اللوحية، توجد فرصة لتطوير تجربة الكتاب من خلال الاستفادة من التقنيات الجديدة.
إنه لمن الصعب تخيل أن يكون الكتاب في خطر نتيجة الإهمال والهجر. فأصبحت الكلمة المكتوبة تابعة للابتكارات التكنولوجية المستمرة، فتدرج التطور عبر مراحل متعددة بدأت خلال الثورة الصناعية.
وعلى الرغم من كل هذه الخطوات نحو كتاب عصري. وبعد أن كان هناك تمسك بالخصائص الفيزيائية للكتاب، استطاعت الثورة الرقمية تغيير هذا المفهوم، والذي لم يكن قابلًا للتغيير لفترة طويلة.
فكانت الكتب ولفترة ليست بعيدة موسوعات ثقيلة، وقصص جامدة تعتمد فقط على خيال القارئ. لكن الأشكال الجديدة استطاعت أن تتخطى هذه الحدود، فمجال النشر مكتظ بالزبائن الجدد. لكن هذه الاحتمالات بإقبال أكبر على القراءة الإلكترونية تبقى مرتبطة بتحذيرات تشير إلى “موت المطبوعات” عدا عن فقدان الكثير في مجال النشر.
دخول غير مسبوق
يعتبر طلاب الجامعات اليوم أول جيل يدرس الأدب في هذا العصر الرقمي. فبعض الطلاب يعتمد على الكتب الإلكترونية كبديل عن الكتب المطبوعة لأنها أقل سعرًا، كما يفضل البعض منهم الحصول على المادة العلمية على الإنترنت.
فأصبحت القراءة الإلكترونية للكثيرين أمرًا لا يمكن الفرار منه في الحياة اليومية، إلا أنها تمثل تغيرًا نحو رقمنة التعليم الأمر الذي يؤثر على منهج الطلاب في فهم النصوص.
ويقول البروفيسور (آدم هاموند) والذي يدرِّس مساق النصوص الرقمية في إحدى الجامعات: “إن النصوص الرقمية الناتجة عن التحول في العالم الرقمي كان السبب في تغيير معالم الأدب. فالعالم الرقمي جعل الناس ينشرون أعمالهم وبشكل ذاتي أكثر وأكثر. وفي المقابل، يمتلك القراء إمكانية الدخول لعدد غير محدود من الأعمال المجانية على الإنترنت”.
فكان هناك ارتفاع في زيادة الدخول إلى المنتجات الرقمية، لكن ذلك قد يكون سلبيًا حين يكون هناك الكثير من الأعمال فيصبح من الصعب التعرف عليها.
اختبر الطلاب في محاضرات البروفيسور (هاموند) الخيال التفاعلي كأحد الأشكال الجديدة الناشئة عن النشر الرقمي. فالخيال التفاعلي سمح للقراء باختيار الشخصية التي يريدونها من القصة والتي تؤدي إلى حبكة جديدة ومخرجات مختلفة في كل مرة.
“فتبقى القصص الخيالية المطبوعة مؤلفة من مواد خطية، في حين تسمح النصوص الرقمية لعدد أكبر من الاتجاهات والمسارات، فيصبح القارئ شريكًا للمؤلف، فيختار ويقرر كما المؤلف الأصلي”.
ويرى البروفيسور(هاموند) أن رواية (لويس هاردن) للكاتب (ستيفن مارشيه) خير مثال على التفاعل مع النصوص الرقمية.
ويضيف (هاموند):” حين تفكر في مصطلح “الرقمية” فسيتوقف الشعور بانفصال الأدب عن عالم الوسائط المتعددة من أفلام، وروايات مصورة، وألعاب الفيديو. وهناك إمكانية رواية القصص من خلال التأثيرات الفنية، وتعد ألعاب الفيديو الوسيط الأكثر استخدامًا في رواية القصص”.
فسمح الارتباط الحاصل بين التكنولوجيا والأدب لاستخدام المزيد من أساليب رواية القصص. فالأدب الرقمي كسر الحواجز التقليدية بين الوسائط الإعلامية والكلمة المكتوبة من إدخال للموسيقى والأصوات والفيديو لتخلق تجربة قراءة غنية.
الابتكار للأطفال والتعلم
العديد من المجالات التي نشهد فيها تقدمًا مثيرًا مع ابتكار تجربة الكتاب هي الكتب التعليمية للأطفال.
يتم إعادة اختراع الكتب المدرسية ببطء لعصر الوسائط الرقمية من خلال إضافة وسائط تفاعلية جديدة لتكملة المحتوى المستند إلى النص. يوفر هذا المزيد من تجارب التعلم الغنية والغامرة من خلال الجمع بين شيئين عظيمين: الوسائط المتعددة والقراءة. تكون تجربة التعلم أكثر قوة عندما يتفاعل العقل مع أكثر من مجرد نصوص وصور ثابتة. القدرة على القراءة عن التاريخ، ثم رؤية ذلك التاريخ والمشاركة فيه من خلال الوسائط المتعددة التفاعلية يعزز عملية التعلم. سيتم تحسين كل فئة تعليمية تقريبًا حيث يتم استخدام النص في العصر الرقمي لتشمل مزيجًا من النص والوسائط التفاعلية.
كتب الأطفال هي مجال آخر نشهد فيه التجريب والابتكار. هناك كميات متزايدة من تجارب الكتب الجديدة للأطفال والتي تشمل الصور والرسوم المتحركة والمؤثرات الصوتية والألعاب والألغاز. تساعد هذه الكتب الأطفال على الانخراط في القراءة والتعلم وأنواع أخرى كثيرة من جوانب التنمية الهامة.
الجمع بين كتاب مادي وتجربة رقمية مصاحبة له. يمكن مزامنة الكتاب مع جهاز iPad ، باستخدام iPad لإظهار محتوى رقمي إضافي يتماشى مع الصفحة التي يتواجد بها الطفل داخل الكتاب الفعلي. أمثلة مثيرة مثل هذه تطلق العنان للخيال ، وتحلم بطرق لدمج تجارب القراءة المادية مع تلك الرقمية.
هذه مجرد أمثلة قليلة على المكان الذي أرى فيه إعادة اختراع الكتاب، لكن لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه. لا تزال تجارب الكتب التفاعلية أو المحسّنة جزءًا صغيرًا من النسبة المئوية الإجمالية للكتب التي يتم تطويرها ، ولكنها أساسية لمستقبل صناعة النشر.
من الأقراص المدمجة إلى الكتب الإلكترونية
وضع التقدم الحاصل في مجال النشر الرقمي تحديات كبيرة أمام أساليب النشر التقليدي. لكن رقمنة الكتب لا تعني بالضرورة موت الكلمة المطبوعة. فكان على دور النشر أن تتغلب على تحديات العصر الرقمي بأن تدخل هذا العالم. فعملت على المواءمة بين التغيرات الحاصلة والأدب، الأمر الذي أدى لنتيجة رائعة.
ومن دور النشر التي تأثرت بالتغيرات الرقمية (بنغوين للكتب) فتقول ( ساينثا جود) وهي ناشرة كتب في دار بنغوين: ”كنت أعمل في (بنغوين) قبل وقت قصير من الثورة الرقمية، فكنت أقضي معظم وقتي في مناقشة التغيرات التكنولوجية وتأثيرها على الأقراص المدمجة، والذي من المضحك أن تفكر به الآن”.
وتضيف (جود): ”إنه من المستبعد أن تصبح الكتب المطبوعة مهجورة على الرغم من الإقبال على القراءة الإلكترونية، فنحن نتحدث كثيرًا عن الثورة الرقمية لكن الحقيقة هنا في كندا مغايرة، فالكتب الإلكترونية لا تشكل إلا 12% إلى 15% من مبيعات دور النشر، فبدأت مبيعات الكتب الإلكترونية بالانحدار”.
لا يزال الكثير من الناس يفضلون القراءة التقليدية وتقليب صفحات الكتب فهناك قرّاء يفضلون القراءة الرقمية لأنها تسمح بانطلاق الخيال. وهناك بعض الناس يفضلون شراء النسخ المطبوعة من الكتب لأنهم يرغبون بالاحتفاظ بها. وغالبًا ما يميل القرّاء لشراء النسخ الإلكترونية من المغامرات وكتب الخيال العلمي أما الكتب الأخرى فيفضلونها مطبوعة”.
التفاعل مع القارئ
يعتبر التفاعل وبشكل مباشر مع القارئ حجر الزاوية للنشر وتقدم الأدب الرقمي. وفي هذا السياق تقول(جود): ” تعتبر قدرة النشر الرقمي على تقريب الناشر من القارئ حقيقة مهمة، والأمر الذي لم يحدث في السابق. ففي الماضي كان الناشر يتعامل مع تجار الكتب وأصحاب المكتبات وليس القارئ بشكل مباشر، لكن الآن يستطيع الجميع التواصل مع القارئ بشكل أكبر”
وأصبح الكثير من الناشرين يقومون بإنتاج إعلان ترويجي للكتاب قبل إطلاقه لتحقيق شهرة لأعمالهم. ويتفاعل كثير من المؤلفين مع قرائهم كي يجذبوا اهتمامهم بأعمالهم الجديدة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
إن هذه الاستراتيجيات في النشر تشير إلى أهمية الربط بين المطبوعات والرقميات والتي تزيد من عدد القراء.
وتتابع (جود) الحديث، فتقول: “إن الكتاب الإلكتروني هو نسخة مطابقة للنسخة المطبوعة، لكن الفكرة تبقى في إمكانية تضمين هذا الكتاب للوسائط المتعددة، فالخطوة التالية تصبح إنشاء تطبيق رقمي للكتاب والتي تجذب مزيدًا من التفاعل مع القرّاء”.
وخير مثال على الاعتماد على الرقميات في إنتاج الكتب الإلكترونية، هي رواية (خالد حسيني) والتي نشرتها (بنغوين للكتب) فكان دمج الوسائط المتعددة في كل صفحة من صفحات الرواية تقريبًا. إن هذا التناغم بين ما هو مطبوع والوسائط الرقمية تنتج تجربة قراءة ممتعة”.
قديمًا كانت القراءة مجرد نشاط تخيلي فقط، أما الآن فالتكنولوجيا استطاعت تغيير تجارب القراءة عند القراء. لم ينته وجود الكتب المطبوعة منذ نشأتها، ولا تستبدل بالكتب الإلكترونية، لكن الناشرين والمؤلفين مضطرون لاستخدام التطبيقات الرقمية حتى تبقى أعمالهم على قيد الحياة. وبغض النظر عن الوسيط الرقمي المستخدم يبقى النص ذاته وجودته هو من يتحكم بميول القراء واختيارات القراء.
كتاب أم تطبيق؟
من المثير للاهتمام ملاحظته هو كيف أن المزيد من التجارب التي أشرت إليها أعلاه تظهر على الأجهزة اللوحية في شكل تطبيقات وليس من خلال متاجر الكتب الرقمية التقليدية من أمثال أمازون وآبل. يؤدي هذا إلى سؤال مثير للاهتمام حول مستقبل الكتاب وما إذا كان سيصبح ببساطة تطبيقًا في العصر الرقمي. يعد إنشاء تطبيق أو توزيع كتاب مُحسَّن أو مزيج من كليهما سؤالًا رئيسيًا استراتيجيًا للعديد من الناشرين - سؤال يعتمد على رؤية المؤلفين حول أفضل طريقة للناس لاستهلاك المحتوى الخاص بهم.
لا تزال الأجهزة اللوحية جديدة نسبيًا على ناشري المحتوى ومؤلفيها. لكنني مقتنع بأنه مع اكتساب المؤلفين للأدوات ورؤية جديدة لكيفية تحسين كلماتهم لإنشاء أنواع جديدة من تجارب المحتوى، فإنهم سيشركون القراء بطرق جديدة ويعيدون اختراع طريقة سرد القصص.
المصادر:
THE VARSITY -
THE TIME -
تغريد
اكتب تعليقك