رواء مكة باعتبارها تخييلاً ذاتيًاالباب: مقالات الكتاب
د. عزيز القاديلي المغرب |
الكتاب: "رَواءُ مَكَّة"
المؤلف: حسن أوريد
الناشر: المركز الثقافي العربي للنشر
عدد الصفحات: 224 صفحة
تاريخ النشر: 21 يناير 2019
لماذا نلجأ إلى التخييل والتخييل السردي الروائي على الخصوص؟ لماذا يلزمنا نثر الذات واستعراضها أو القيام بسلسلة من الاعترافات والبوح والتعبير عن الذات في شكل سردي روائي؟ ما الوظيفة التي يضطلع بها التخييل والسرد في إخراج وإبراز كوامن الذات وما يعج بداخلها من صراعات ومشاكل نفسية واجتماعية، وأيضًا اصطدامات؟ هل نقوم بهذا السلوك فقط لوظيفة التفريغ أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى الرغبة في إبراز حالة أو التعبير عن إرادة للمعرفة واستعداد لقول الحقيقة؟
هناك كم هائل من المعنى والمعاني تحملها اللغة السردية والساردة لرواية "رواء مكة" وهناك استراتيجية نصية مقصودة ومتعمدة ينجزها النص السردي التخييلي للتفاعل مع القارئ ووضعه في حالة من الحالات والإحالات. القارئ عمومًا يقبل على العمل الأدبي الروائي طارحًا جملة من الأسئلة، والصراع والقلق لم يعد محمولاً في النص فقط على طبق الكلمات بل ينتقل إلى القارئ وهو يواجه النص وعوالمه وعلاماته.
إن القارئ في حيرة من أمره وهو يتعامل مع العتبات النصية وخصوصية اسم المؤلف والعنوان: فاسم المؤلف حسن أوريد ليس عاريًا من الدلالة بل مليء وممتلئ من خلال حضوره في الساحة الأدبية والفكرية والسياسية: (درس في المدرسة المولوية - ناطق باسم القصر الملكي - والي جهة مكناس تافيلالت - مؤرخ للمملكة – كاتب- مفكر حداثي- أستاذ جامعي..) إن دلالات اسم المؤلف تحيلنا على اتجاهات متعارضة: رجل دولة/كاتب ومفكر حداثي، وهذه الحمولة تجعل القارئ يتساءل عن علاقة هذا المفكر والمحلل الحداثي بالعنوان: رواء مكة؟
مكة مكان مقدس لدى المسلمين، فيه تتم شعيرة الحج. إننا أمام سكريبت يكثف جملة من الأفعال والبرامج السردية التي يقوم بها المسلم الذي سيوصف بعدها بالحاج. مكان لإنجاز طقس المرور وفعل تحول، انتقال من حالة الذنوب والمعاصي والشرور المقترفة والمسجلة والمحفوظة في صحيفة المعاصي إلى الرغبة في التكفير عن الذنوب ومحوها والثوبة إي الولادة من جديد.
هكذا نجد القارئ وقد انفتح على دلالات تتصارع، ومعان دينامية، وعلى آثار للمعنى: فاعل حداثي ينتقل إلى مكان مقدس من أجل الارتواء، وإنجاز طقس المرور وهو التحول من حمل الذنوب والمعاصي إلى حالة جديدة عار من كل خطيئة.
لكن، ما محل مقصدية المؤلف ومقصدية النص من هذا التصادم الذي تنتجه العلامات النصية/ العتبات؟
إن النص حمولة من المعاني تتصارع بداخله كل من اسم المؤلف والمكان المقدس الأمر الذي يخلق توترًا في الحبكة الروائية ومتواليات الأحداث وهذا ما يخلق ثراء في المعنى ويساهم في إثارة اهتمام القارئ.
تتشكل أحداث رواء مكة من ثلاث محطات:
1 - ما قبل الحج
2 - الحج
3 - ما بعد الحج
في المحطة الأولى السارد يتقدم أمام القارئ باعتباره شخصية تتقلد منصبًا ساميًا في جهاز الدولة وحامل لمشروع حداثي تنويري عقلاني، متحرر من كل الرواسب والقيود الدينية والاجتماعية، يمارس سلطته، ويتمتع بمنصب يوفر له الجاه والحظوة والنفوذ، إلا أن هذه الحالة لم تكن ثابتة أو مستقرة: بين الفينة والأخرى كان عالم الامتيازات والنفوذ والثراء يتزلزل من تحت أقدامه. وفي غمرة هذه الأحداث يعرض عليه السفر لتأدية مناسك الحج في مكة/ بيت الله الحرام، المكان المقدس بالنسبة للمسلمين.
نحن أمام شخصية تعيش صراعًا من جهة بين الرغبة في المنصب وما يوفره من امتيازات وحظوة ومكانة، لكنه أيضًا مليء بالضغوطات والاصطدامات والإكراهات وعرضة لمساوئ التسيير وما يرتبط بها من انتقادات مكلفة، بالإضافة إلى هذا السياق التاريخي والمرحلي الذي يعيشه البلد والعالم من تحولات، كل هذا يجعل الذات تعيش أزمة وحيرة. داخل هذا السياق يعرض عليه القيام بشعيرة الحج التي حاول التنصل منها بسبب مواقفه العقلانية والمتحررة. إلا أن عامل الأزمة النفسية الذي تعيشه الشخصية يساهم في دفع الشخصية إلى الاستجابة للعرض.
في المكان المقدس الذي بداخله تتم شعائر الحج تتقدم الشخصية الساردة/ البطل وهي تعيش صراعًا داخليًا يتمظهر في شكل آرائه و مشاعره ومواقفه من بعض المواقف التي كان يشاهدها هناك فيستيقظ بداخله المفكر والناقد والمحلل، إلا أنه ما فتئ يبحث في ظواهر أخرى عن سكينته وهدوئه. هذا الصراع في الرؤية سيتم الحسم فيه بسبب تغلب إرادة نيل السكينة والهدوء على الإرادات الأخرى التي تجلب القلق وتعمق الأزمة النفسية للشخصية المحورية.
هذا الوضع سينقلنا إلى الحالة الثالثة حيث ستجد الذات لنفسها مخرجًا وذلك بانقلابها على المكانة الاجتماعية والرؤية العقلانية، مفضلة السكينة والهدوء والراحة النفسية.
أعتقد أن رواية (رواء مكة) تؤرخ لمرحلة من مراحل حياة حسن أوريد، وتسجل بعضًا من المواقف والحالات النفسية القلقة لشاهد على العصر متميز بكتابته الفكرية والسردية، كاتب لا يمكن أن يترك اللحظة تمر دون يتوقف عندها قصد تسجيلها وتأملها واستخراج العبرة منها.
تغريد
اكتب تعليقك